نشر الدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله ( خمس قصائد لمياه الأحزان ) أول مرة في العدد 71 من جريدة الفينيق الأردنية الصادر يوم 1/10/2001. وتمثل هذه القصائد تجربة خاصةً في امتزاج الذات الشخصية بالوطن وانصهارهما معاً بحيث يصير التعبير عن أي منهما تعبيراً عن الآخر في الوقت ذاته. لقد أودع الشاعر في هذه القصائد موقفاً كان يومئذٍ جديداً في إدراك الذات ونمط العلاقات الرابطة بينها وبين الذوات الأخرى، وبينها وبين نفسها. وهذه الذات ليست ذات المقالح خالصة وليست ذات اليمن خالصة بل هي ذواتهما متداخلة وإن كان صوت الشاعر يتصدر المشهدَ أحياناً وكأنه تعبير عنه هو. لقد كثّف الشاعر في هذه القصائد حزن الإنسان المرهف الذي ينطلق من شعور بالنقاء والصفاء ويبحث عنهما فيما حوله ويصطدم بما يناقضهما. واختار لإيصال هذا الحزن وسائل أهمها: أحرفُ المدّ التي تسمح باستطالة النفَس انسجاماً مع آهات الحزن، ومجموعةٌ من التقابلات والثنائيات التي تمتزج مع الإيقاع والتي تجعل نبرة الحزن عالية ومدرَكة حتى وإن خلا العنوان من كلمة الأحزان.

ولعل الحزن في هذه القصائد مردود إلى ثنائية زمنية، حاضرٍ يؤسَى عليه وماضٍ مشرق مفعم بالصدق والحركة والحياة. وينكشف هذان الزمنان من العنوان، فالمياه توحي بالجريان، وهذا الجريان لحظة حاضرة ممتدة للحظة سابقة، وهو ما يتضح في قول الشاعر:

وينزف أشواقه لمياه الفصول الجميلة

وقد ورد هذا السطر في سياق استرجاع الشاعر للماضي الذي بدأه بقوله:

كم زمان مضى منذ جاءت بيَ الأرض

جئتُ بها

 

وكلا الزمنين مياه للفصول حاضرهما آسٍ وماضيهما بهيج. وعلى الرغم من أن الماضي لحظة زمنية معاشة دائماً وأنه يُحيا ويُدرَك بانقضاء كل دقيقة من الحياة إلا أن هذا الماضي المنقضي توّاً يظل جزءاً من الحاضر ويتم التعامل معه على أنه حاضر مستمر، وهو لهذا لا يشغل بال الشاعر فضلاً عن استحالة فكّ التشابك بينه وبين الحاضر في لحظة تجاورهما. إن الذي يشغل بال الشاعر هو الماضي البعيد بعبقه الجميل المميَّز أو ما بدا له أنه كذلك.

ويحاول المقالح الشاعر أن يعود إلى ذلك الماضي مبتدئاً باللحظة الراهنة. ومن المفترض طبيعياً أن تمثل هذه اللحظة ذروة الحركة الحياتية وأن يقوم بناؤها على ما سبقها، إلا أننا نلاحظ أن هذه الذروة أو أن هذا (الآن) يمثل أقسى تجربة يمكن لشاعر مرهف مثله أن يمرّ به. فقد كان يتوقع أن تكون هذه اللحظة امتداداً طبيعياً منتظراً للماضي الذي يتغنى به ولكنه يتفاجأ بانقطاع اللحظة عن سابقتها وعن حركتها الطبيعية والانفراد من ثمّ عن الآخرين والصيرورة في موقع وجداني غير موصول بمواقع الآخرين أو مواكبٍ لها. ولحدوث هذا الانقطاع أو اكتشافه لذعٌ خاص، ولهذا فإنه يبدأ قصيدته (أحزان الياء) بقوله:

أنا في آخر الأبجدية

ظلمتني القواميس

جغرافيا الوقت خانت ضياء البداية

وانكفأت

وكأنه رمى إلى أحزان اليمن مكتفياً بحرفها الأول في اختياره (أحزان الياء) عنواناً لهذه القصيدة، وهي في آخر الأبجدية لا لأن الياء هو الحرف الأخير في الحروف الهجائية وحسب بل ليقول إن اليمن في الأخير من القافلة، وإن ما لحق اليمن يلحقه هو أيضاً فظلم الجغرافيا والوقت، أو أبناء الجغرافيا والوقت، يقع على الأرض وعلى الفرد على حد سواء. ولكي يشير إلى الاثنين معاً فقد ترك تشكيل كلمة (انكفأت) لتحتمل أن تكون ساكنة ( انكفأتْ) لتدلل على أن جغرافيا الوقت خانت الضياء وانطوت على نفسها ومضت تاركة فعلها وأثرها على نحو قد لا يرجى معه تصحيح، ولتقرأ أيضاً بالضمِّ ( انكفأتُ) لتدل على انطواء الشاعر على نفسه ما دام هو واليمن شيئاً واحداً يصيبه ما يصيبها ويصيبها ما يصيبه.

وإزاء هذا الإحساس بالانكفاء يعود الشاعر إلى الماضي الذي لم يكن ليخلو من آلام ويجد في نفسه توقاً إلى الحياة وشوقاً إلى التهويم في العوالم الجميلة التي كانت تحيط به، ولا أراني بحاجة إلى القول إنه توق اليمن أيضاً وشوقها.

تكسّر في داخلي ألف مليون سيفٍ وسيف

وما زال قلبي طرياً

يحبُّ وينزف أشواقه

لمياه الفصول الجميلة يشتاق

يهوى معاكسة الشمس والأنجم الفاتنات

ولم تكن هذه العودة إلى الماضي غير الخالي من الهموم لنزعة رومانسية بل لكونه مترعاً بالصدق والأمانة اللذين يتسبب انحسارهما في الصمت والانزواء.

وإذ انتقل الشاعر إلى الماضي المقترن بالألم ليجعل منه مقابلاً للحاضر المنزوع من الصدق فإنه أراد في (أحزان الشين) التي قد تعني أحزان الشعب، أو أحزان الشاعر، أن يلخّص الوجود على مستويين: الوجود الفردي المرهف والوجود الفيزيائي المحكوم بقوانين الحياة العامة والعلاقات وما إليها بمجموعة من الكلمات الثمينة التي تشكل ثروته الحياتية الحقيقية: في القصائد خبّأتُ ثروة عمري

دفنتُ كنوز الشباب

وما ادّخرتْه الكهولة

لكن كفي المليئة بالكلمات الثمينة

لم تدَّخرْ غيرها

ويظل على الصعيد البدني الظاهري محدوداً ورقيقاً:

جسدي منزلي

وقميصي ردائي

يتلمس شبيهاً كي يبثه همومه أو يجد فيه عزاءه فيعود إلى مدينته الأثيرة (صنعاء) التي يشترك معها في تجاوز مرحلة الشباب وفي تراكم الأحزان. وتدعوه المدينة ليلج أحزانها كي تنصهر أحزانه في أحزانها أو لكي تقوده إلى الطريق التي ينبغي له أن يسير فيها:

وصنعاء هذي العجوز الجليلة

تفتح لي باب أحزانها

وتقول هنا خبّأ الرب أفراحه

والكنوز التي ادّخرتْها عنايته للمحبين من خلقه

فارتحل نحوه

كن وحيداً مع الواحد

وظاهر المفارقة كامن في أن الأحزان المخبّأة في صنعاء ليست في جوهرها سوى أفراحٍ يختصُّ الباري عز وجل بها عباده المحبين، وكأن الشاعر يستلهم وبصورة خفية تماماً ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إذا أحبَّ الله عبداً ابْتلاه ". فالحزن ومسبباته عطاء ورسالة حبٍّ للخاصة، والبلوى التي تبدو في ظاهرها علامة إعراض لمن لا صلة له ببارئه سبحانه إنما هي علامة إقبال. ومن ثم فإن ولوج ملكوت الله سبحانه وتعالى يكون من باب الحزن لا من باب الفرح. ولنا في إرثنا الإسلامي بعض الإشارات في هذا المعنى من مثل قوله سبحانه وتعالى: ( إن الله لا يحبُّ الفَرِحين ) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ). وقد استوحى الشاعر هذا المعنى استيحاء خفياً فلمس جوهر اللحظة التي يكون الإنسان فيها مرتبطاً بربه ومتواصلاً معه، ويتمثل هذا الجوهر بالحزن والحرمان والوحدة، ألم يقل الشاعر ( كنْ وحيداً مع الواحد )؟ ولكن هذا الإحساس بالحزن والحرمان والوحدة قد لا يكون إلا في الخطوة الأولى ليتحوّل بعدئذٍ إلى فرحٍ وأُنْسٍ وشعور بالمحبة. ويبدو أن الشاعر وهو يتلمس هذه " الفرحة " أو يسعى إلى تلمسها عندما يخاطب نفسه

فارتحِلْ نحوه

كنْ وحيداً مع الواحد

إنما يفعل ذلك من أجل تجاوز ما يسببه الزمن أو أبناء الزمن من موجبات الألم ليعوِّض تعويضاً وجدانياً عن الأزمنة التي لم يزد خلالها إلا ثروة كلامه.

إن لحظة الأنس بالله تعالى التي ختم الشاعر بها المقطع الثاني " أحزان الشين " تمثل إرهاصاً لما ابتدأ به المقطع الثالث (أحزان الكاف). ويستوحي ابتداء المقطع قوله تعالى: " كل نفس بما كسبت رهينة ". وإذ كان الشاعر في وحدته مع الواحد فإنه رأى نفسه يردد مغزى هذه الآية وكأنه يجعل تلك البداية بدايةً لوحدته مع الواحد ومجالسته له سبحانه. وهل أقول إن الشاعر جلس ليحاسب نفسه أو ليلتفت إلى (ثروة عمره) بالتقييم في ضوء هذا الشعور الروحي؟ لعله فعل ذلك، فهو إذ بدأ المقطع بقوله (كل نفسٍ وما كسبت) أردفه مباشرة بقوله ( كلُّ كفٍ وما كتبتْ ). إنها لحظة المواجهة والحساب بشأن الوجودين اللذين أقام عليهما المقطع الثاني: الوجود الوجداني المتمثل بشعره والوجود الفيزيائي المادي المتمثل بشخصه. ولربما أحس الشاعر في هذه اللحظة الاشراقية بالندم على كل ما فات، ذلك أن ابتداء المقطع بالنفس والكف يعيد تلخيص الذات مرة أخرى بالوجودين اللذين أشرتُ إليهما آنفاً. على أن الشاعر أعاد ترتيب هذين الوجودين في المقطع الثالث فقدّم الوجود المادي " كل نفسٍ " وأخّر الوجود الوجداني " كل كفٍّ " ليبدأ في هذا الترتيب بما انتهى منه في الترتيب الذي ورد في المقطع السابق وصولاً إلى انسجامٍ أكبر ومناسبةٍ أفضل بين الترتيبين ولأن الوجود المادي سابق على الوجود الوجداني الشعري. ثم إن الشاعر اختار " النفس " للدلالة على الوجود المادي وهي ليست عنصراً مادياً إلا إذا جعلناها دالة على شخص، واختار الكف المادية للدلالة على الوجود الوجداني ربما لأن الكف وسيلة تدوين ما يفيض به الوجدان وليبين أن الوجودين وجود واحد من جهة ومتقاطعان من جهة أخرى.

وإذ التفت الشاعر إلى نفسه منذ وجودها فإنه تمنى أنها لم تكن ولدت أصلاً:

ليت نفسي التي هطلت من سماء الإله

مبرّأة لا عظام ولا لحم يسترها

ليتها مكثت عند تلك الينابيع

تسكن آخر بيت من الغيم

طاهرةً

فهذه النفس، التي قد يشير من خلالها إلى نفوس الآخرين أيضاً، كانت مبرأة وطاهرة هناك، أمَا وقد هطلت فقد فارقتها هاتان الصفتان! وكفه، الأداة الظاهرة المباشرة لوجوده الآخر: الوجداني، فقد خدعته! ذلك أن الشاعر الذي أحرق دمه من أجل ما كان يؤمن به رأى أن ثمرة احتراقه، كنز الشعر، رخيصة رخص الغبار! ثم، وهذا الأنكى، وجد أن هذا الغبار لم يقدر على أن يشفي روحاً أو يصيب مرمىً:

ليت كفي التي خدعتني

وباعت دمي بغبار الكلام استراحت

وليت الكلام الذي سال فوق يدي

قد شفى الروح

أو أن صخرته سقطت في غبار الزحام

وهذا الشعور ألجأه إلى الماضي؛ إلى الزمن الذي تراءى له أنه زمن الشعر الذي فجر في بعض الحواس طاقات لم تكن فيها:

عندما كانت الأذن تقرأ

والعين تسمع

وقراءة الأذن وسماع العين ليسا تراسل حواس هنا فيما أظن، بل هما بهجة الحاستين بالواقع الزمني وتجاوزهما بسبب تلك البهجة لقدراتهما المقدرة لهما طبيعياً. واستجاب الشاعر لهذه البهجة ولتفاعل حواس القارئ على هذا النحو فأصبح الشعر المادة الجوهرية لحياته وأساس طمأنينته:

كان الكلام غذائي إذا مسّني الجوع

كان غطائي إذا مسّني الخوف

كان وكان

وعلى الرغم من هذا التناغم بين الطرفين: الشاعر والآخَر فإن الشاعر ينتبه إلى أن هذا التناغم الذي بدا له فيما خلا من زمان تناغماً حقيقياً ليس كذلك في واقع الحال، إنه تظاهر بالتناغم. ولهذا فإنه يقول:

ولكنهم أسرفوا في الخيال

وأسرفتُ في الواقعية

فانقطع الود بين الحروف وأفعالها

وعمد الشاعر إلى تعميم الآخَر فلم يحدده ولم يحدد هويته، ويبدو هذا في إبهام الفاعل في أول المقطع الثالث " أحزان القاف " في قوله: (رفعوني إلى عرشهم). فالواو في " رفعوني " هي الفاعل ولكنها لا تعود على معلوم، ويعود على هذه الواو ضميران هما: " هم " في " لكنهم " و " الواو " في " أسرفوا ". فالواو الأولى والضمائر التي تعود عليها تدور جميعاً على " مجهول " بينما الشاعر هو " المعلوم " الوحيد في هذه العلاقة التي خضعت لعملية " شدٍّ " من قبل كل طرف أدت إلى انفصالهما:

ولكنهم أسرفوا في الخيال

وأسرفتُ في الواقعية

فانقطع الودّ بين الحروف وأفعالها

إن " أحزان القاف " تلخص أحزان القلب أو أحزان القطيعة بين الشاعر والآخَر وبين الشاعر وشعره بسبب ما يشوب صلاتها بعضها ببعض. وإذا التأمت هذه الصلات فإن الأمور تعود إلى ما كانت عليه من قبل، ويُفهم هذا من تساؤله:

هل يعود إلى الشعر سلطانه

وإلى قارئ الشعر إيمانه

أم نقول وداعاً، وداعاً

لورد الكلام؟

ويبدو أن الشاعر لم يأمل في عودة السلطان إلى الشعر أو الإيمان إلى القارئ فوضع فاصلة بين كلمتي " وداعاً " المكررة، وكأن صوتاً بعد تساؤله (أم نقول وداعاً) قال له: قل " وداعاً " فقال: (وداعاً لورد الكلام)!

وتوديع ورد الكلام معناه مغادرة مملكة الشعر، وهي دنياه التي كان يجد نفسه وأمنه فيها، وتلمّس حواليه لعله يجد شبيهاً كما فعل في المقطع الثاني حيث وجد صنعاء، غير أنه في هذه المرة رأى نفسه وحيداً وأن " الموجودات " الأخرى ما تزال في ممالكها لم يكدر صفو حياتها شيء:

للعناكب بيتٌ

وللنمل مملكةٌ

للطيور قصور بحجم الفضاء

ولي وحدتي

ورأى نفسه محاصراً بين الخوف من السماء والتجرد مما على الأرض، والإشارة إلى هاتين الجهتين تنطوي على مراجعة نمطي الوجودين اللذين ذكرتهما من قبل: الوجودِ المادي الذي تمنى لو أنه لم يكن قد حصل أصلاً والذي صار حصوله سبباً للخوف المتردد في جوانبه من السماء، والوجودِ الشعري الذي آل إلى ما لم يتوقع. ولتراكم هذه الأحاسيس صار الشاعر يجد أُنساً في محادثة القبور:

لهذا أحب القبور

وأهوى الجلوس إلى أهلها

إنهم طيبون، ومحترمون

فأهل القبور مقابلٌ للأحياء من الناس والقبر مقابلٌ لِ " لا شيء "على وجه الأرض. وإذ رأى الشاعر أن للكائنات الأخرى ممالكها وأنه وحيد فقد صار يبحث عن مملكة تضمه هو أيضاً فرأى أن القبر هو المملكة المرتجاة وأن أهل القبور هم أهل هذه المملكة، ويرسخ بذلك وحدته وعدم رغبته في الخروج منها:

لا مكان لظلي على الأرض

لا شيء لي بين هذا الزحام

ولا شيء يمسكني

قيل لي إن قبراً بحجم عظامي

سيصبح مُلْكي إذا هجرتني الحياة

وبهذا فإن القصيدة تدور لتلتقي بالأسطر الأولى من المقطع الأول أو من القصيدة الأولى " أحزان الياء"، يلتقي القبر والبحث عنه بقوله في أحزان الياء (أنا في آخر الأبجدية)، ويلتقي أنسه بأهل القبور وشعوره بطيبتهم بكائنات الفجيعة والسيوف المتكسرة في داخله.

وفي النص إشارة أخرى وردت في قوله:

وأخشى القصور

أخاف الكلاب التي عند أبوابها

وأخاف الجراد

ووضع القصر في قبالة القبر جاء للدلالة على رغبته في أن يكون في غمار الآخرين، فالقبر الذي لا يُلتَفتُ إليه عادة منخفضٌ والقصر بعلوه وبروزه يشد الأنظار. ولأن الشاعر غدا يعيش في وحدته فإنه صار يبحث عن المكان الذي يحقق الأمن، ورأى أن الأمن في القبر لا في القصر وإن كان المرء وحيداً فيهما، لأن الوحدة في قبرٍ ما محوطة بوحدة أصحاب القبور الأخرى الذين آنس فيهم طِيْبةً واحتراماً. على حين أن الوحدة في القصر نابعة من الشعور بالانفصال عن الآخرين وعدم الائتلاف معهم وقد يتسم بالكبرياء والاستعلاء مما يزيد القصر وحشة وكآبة ويستل من الإنسان جوهره. ولهذا فإن الشاعر المتشبث بجوهره الأصيل يفضل مجالسة أهل القبور فبمجالستهم يبقى ذلك الجوهر محافظاً على أصالته ويتجنب القصور وأهلها لكي يحمي ذلك الجوهر صافياً ونقياً. يقول:

وأخشى القصور

أخاف الكلاب التي عند أبوابها

وأخاف الجراد

رامزاً بالكلاب إلى الشراسة التي يُبقي نفسه بعيداً عنها وبالجراد إلى الأذى والفتنة والغش أو رامزاً إلى الغوغاء لتكون الكلاب رمزاً لكبار الأعداء الذين خانوا ضياء البداية والجراد رمزاً لصغارهم.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية