makhtootيكتب الروائي أحياناً ليجيب عن الأسئلة التي ظلت عالقة على جدار الزمن؛ لربما استطاع إيجاد حل لمسألة ما محيرة. وحتى يكشف الزمن النقاب عن ذلك الأمر، فلن يتردد أصحاب الأقلام الجسورة عن أخذ زمام المبادرة والبحث بين صفحات التاريخ المسكوت عنه، أو بين الأحداث التي لم يكتمل سردها، فينشر الكاتب شراع قلمه ويبحر في يم خياله وتخييله، ثم يعود إلى شط القارئ حاملاً أسطورته البهية التي تسد ثغرات التاريخ.
يقدم الكاتب جان دوست في روايته التاريخية "مخطوط بطرسبورغ" رؤية عما قد يكون قد حدث في فجوة تاريخية غارقة في القدم.

يسافر الكاتب جان دوست بالقارئ إلى القرن 19، ليقتفي آثار مخطوط قديم كتبه الملا محمود البايزيدي، ضم فيه تاريخ كردستان "الجديد". خلال رحلة البحث عن المخطوط "الأسطوري"، يتعرف القارئ على ملامح القرن 19 في الشرق، والقوى المتصارعة آنذاك، كما يتعرف على الصراع الكردي- الكردي. من جماليات الكتابة لدى جان دوست في هذه الرواية، استثماره للمفارقة الظرفية في نهاية الفصل الأول والتي ستدهش القارئ عندما يصل إلى نهاية الرواية.

تبدأ الرواية في وقتنا الحالي في روسيا، بطرسبورغ، ثم تعود أدراجها إلى القرن 19، وتنتهي في ذلك القرن على الطريق بين أرضروم وميناء طرابزون على شواطئ البحر الأسود.

 

يستخدم الكاتب الحبكة الاسترجاعية كحبكة أساسية في العمل الروائي بشكل عام، ويأتي ذلك بشكل متوافق مع توظيفه لعنصر الزمن الذي يبدأ من الوقت الحالي ثم يعود أدراجه.

يستخدم الكاتب جان دوست تقنية الصوت السردي المتعدد وينجح في استثمارها كأداة للتعريج على المسألة الجغرافية الكردية، إذ يتنوع الصوت السردي ما بين صوت بشري وآخر تمت أنسنأته، من خلال استنطاقه لعدد من الرموز المرتبطة بالثقافة والتراث الكرديين مثل، الشجرة، النخلة، النهر، الجبل، المسبحة، أسطوانة المسجد.

تتنوع شخصيات الرواية ما بين البشرية وغير البشرية. أهم شخصيتان بشريتان في العمل هما الملا محمود البايزيدي وأوغست جابا. نظرا لأن العمل الروائي يندرج تحت الرواية التاريخية فإن معظم الشخصيات الواردة في العمل شخصيات حقيقية، إلا بضع شخصيات متخيلة.
يتميز الجانب الخيالي الذي أبدعه جان دوست في  هذا العمل كونه استنطق أنهارًا وأشجارًا وجبالًا ومدنًا لتروي الحكاية، ولتكون الصوت السردي الذي يحكي ما حدث، مثل قصر إسحاق باشا، ونهر نيفا، ومدينة فيلينيوس وجبل أرارات وغيرها.

كتبت الرواية بلغة عربية فصيحة، واستخدم الكاتب مفردات تواءم الفترة الزمنية التي تتحدث عنها. ثمة فقرات وعبارات جميلة أجزل الكاتب صياغتها، أقتبس منها:
-    ص66: "للمعرفة اليد الطولى في الحروب. للخطط الذكية والسلاح المتفوق غلبة واضحة على الشجاعة والفروسية يا نيقولاي. البندقية الإسبانية انتصرت على الرمح الهندي الأحمر وسهامه. لو التقيا وجها لوجه بيدين عاريتين فإنني متأكد من أن الإسباني كان سيموت فزعا قبل أن يلتحم بخصمه.
-    ألهذا يا جلالة القيصر سمحت باستيراد الكتب من أوربا وأنشأت المطابع في روسيا؟
-    نعم يا شقيقي الفتى، نعم، روسيا بحاجة إلى العلم قبل السيف. لذلك أنشأنا الأكاديمية القيصرية بعد المتحف الآسيوي. هناك جيش من العلماء والباحثين والعارفين بالشرق يشتغلون ليل نهارعلى معرفة الشرق العثماني."

-    ص 108: "إن من يظلم بريئاً هناك لا يمكن أن ينتصر لمظلوم هنا".
-    ص130: "يا ولدي الفروسية شي غير السياسة. والشجاعة في المعركة لا تنفع إن لم يكن هناك وراءها عقل راجح. الكيس يغلب الجسور والقلم أمضى من السيف."

في النهاية أقدم تحية كبيرة للكاتب جان دوست ولكل من دار الرافدين ودار مسكيلياني على إتاحة هذا العمل الرائع، وللشاعر محمد النبهان على التصميم الجميل لغلاف الكتاب.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية