المغاربة يسمون السلحفاة "فْكْرُونْ" لأن السلحفاة حين تضع بيضها في حفرة من الحفر على الشاطئ، تهجرها للتو مدبرة نحو الماء وهي تتمتم في سرها براءتها الكاملة من كل واجب أو مسؤولية اتجاه صغارها وبيضها: "افْكْرْ أو لْهْلا يْفْكْرْ لْكْ!")="تدبََروا أمركم"(. وعقلية السلاحف أو "لْفْكَارْنْ" بصيغة الجمع الدارج المغربي هي عقلية أغلب الأوصياء على قطاع الثقافة في العالم العربي. فلا أحد يستطيع الإمساك بخيط مفترض يربط وزارات الثقافة في العالم العربي بالفعل والمنتوج الثقافي العربي بل إن بعض الوزارات في بعض الدول العربية حولت دعمها للكاتب إلى دعمها للناشر على خلفية "افْكْرْ أو لْهْلا يْفْكْرْ لْكْ!".
ولأن الأمور تسير على هدا النهج العليل، فقد جاءت الإنترنت كهبة من السماء تصل الكتاب بالكتاب عبر بقاع الأرض وتربط الكتاب بالقراء عبر ربوع العالم وبدلك بدأ التواصل بأشكال أسرع وأقرب من أي وقت في تاريخ الإنسانية كما تحررت الكتابة الإبداعية والمعلومة الخبرية ونشر المنتوج المعرفي في منأى عن كل أشكال الرقابة التقليدية. لكن أهم السمات الجديدة التي حملتها الثقافة الرقمية الجديدة هي ثقافة التكريم والاعتراف بالعطاء. وهي ثقافة تواظب عليها منتديات عربية رائدة كمنتدى الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب ومنتدى من المحيط إلى الخليج ومنتدى ميدوزا الذي يكرم هده السنة أحد أعمدة الكتابة الروائية والقصصية في المغرب القاص والروائي والمترجم الأستاذ عبد الحميد الغرباوي.
طور منتدى ميدوزا تقليدا أدبيا متميزا مند السنة الماضية يحتفي من خلاله برمز من رموز الكتابة الإبداعية العربية لمدة سنة كاملة تخصص لتلقي الشهادات والاعترافات في حق الأديب المحتفى به. السنة الأولى احتفت بالأديب زكي العيلة وهده السنة بالأديب عبد الحميد الغرباوي وهو مترجم وقاص وروائي ومترجم مغربي، من مواليد عام 1952 بمدينة الدار البيضاء وأحد أنشط الأدباء المغاربة على الشبكة الدولية للمعلومات خاصة على منتديي ميدوزا والجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، يحفل مشواره باعمال فردية وأخرى مشتركة صادرة ما بين 1988 و2005: " عن تلك الليلة أحكي" (مجموعة قصصية) 1988، "برج المرايا،" (مجموعة قصصية) 1992، "عري الكائن" (مجموعة قصصية) 1994، "أيمن و الأفعى" (مجموعة قصصية) 1996، "نون النسوة" (مجموعة قصصية) 1999، "تفاحة نيوتن" (مجموعة قصصية) 2000، " شامة " (مجموعة قصصية) 2005، " عطر ..معطف و دم " ، (مجموعة قصصية) 2005، " ميناء الحظ الأخير"، عمل مشترك مع الكاتب إدريس الصغير (رواية)، 1995، " سعد لخبية" (رواية) 1998، " امرأة حلم أزرق " (رواية)، 2005، "الكيميائي" (ترجمة لرواية باولو كويلهو) 2005
أذكر أنني، في بدايات علاقتي بالأستاذ عبد الحميد الغرباوي، خاطبته مرة باسم أحد أصدقائي "محمد الغرباوي"، فاغتاظ لكون عشرين عاما من انخراطه في الكتابة والنشر والعطاء لم تستطع ترسيخ حتى اسمه على لسان الكُتََاب في بلاده فما بالك بالقراء والباعة الكتبيين... وأذكر جيدا درجة خجلي من نفسي بعد ردة فعله. فقد أدركت حجم غلطتي في حق عبد الحميد الغرباوي ومعه كل الكتاب المغاربة الدين يستحقون أن تنقش أسماؤهم بحروف من ذهب على أبواب المدارس وجدران المساجد ونوافذ القطارات وزجاج السيارات وأزرار القمصان وشرفات المكتبات وسقوف المستشفيات وفناجين المقاهي وصحون المطاعم وما دلك بعزيز في حق المبدعات والمبدعين، صانعي الضمير الإنساني.
وإذا كنت قد أخطأت من موقعي الفردي في حق رمز من رموز الأدب والترجمة بالبلاد، فإن بنيتنا الفكرية العربية تبقى أكثر استعدادا للخطأ وأكثر ميلا للزلل بسبب ترسانتها المفاهيمية الخاطئة أصلا. فبينما نجد مفهوم التكريم بالمعنى المتعارف عليه عالميا يتأرجح ما بين الاعتراف بعطاءات المكَرََمِ وبين الاعتراف بالخطأ في حق الفاعلين الدين كانوا ضحايا الظلم والحيف كما حدث مع تكريم القديسة جان دارك في العشرينيات من القرن الماضي بعد الحكم عليها حرقا قبل خمسة قرون ضمن حملة "مطاردة السحرة" ((Witch Hunt التاريخية المعروفة التي طالت النساء دون الرجال في القرون الوسطى، نصطدم بمفهوم التكريم كما هو متعارف عليه عربيا الذي يحصر التكريم في الاحتفاء بالأجانب (سواء كانوا أدباء من دول عربية شقيقة أو أجانب بالمعنى الكامل لكلمة) أو بالشيوخ من الأدباء والفنانين والعلماء ينتظرون ساعة انتقالهم إلى مثواهم الأخير... بل هناك من يذهب أبعد ليكرم الموتى على اعتبار أن التكريم يعادل التأبين! ومن أغرب ما احتفظت به ذاكرتي محاولة أحد المنتديات العربية المشرقية المعروفة تنظيم تكريم للأدباء المغاربة الراحلين لكن النتيجة كانت ألا أحد من الكتاب المغاربة المسجلين في المنتدى اقترح اسما أدبيا مغربيا واحد من الأدباء الراحلين. كانت الضربة موجعة لإدارة المنتدى المعروف عربيا لكنها حتما ليست موجهة للمنتدى وحده بقدر ما هي موجهة لطريقة التفكير العربية التي تعيش على الخوف من صناعة رموز ثقافية قد تتحول في مرحلة من حياتها على خصم من العيار الثقيل...
فهنيئا للصديق عبد الحميد الغرباوي بهذا التكريم وتحية لمنتدى ميدوزا على مواظبتها على هدا التقليد النبيل.