المسألة الأولى
إضافة العدد المركب إلى مثله
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز أضافه العدد المركب إلى مثله نحو : ثَالِث عَشر ثَلاثة عَشَر .
رأي البصريون :
وذهب البصريون إلى أنه يجوز أضافه العدد المركب إلى مثله نحو : ثَالِث عَشَر ثَلاثة عَشر .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون على أنه أجمعنا على أنه لا يمكن أن يُبنَى من لفظ ثلاثة عشر فاعل ، وإنما يمكن أن يبنى من لفظ أحداهما ، وهو العدد الأول الذي هو الثلاثة ، ولا يمكن أن يبنى من لفظ العدد الثاني وهو العشر فذِكْرُ العشر مع ثالث لا وجه له .
حجج البصريون :
احتج البصريون بالنقل فقالوا إنما قلنا ذلك أي أضافه العدد المركب إلى مثله جائز ؛ لأن الأصل أن يقال : ثالث عشر ثلاثة عشر ، وقد جاء ذلك العرب .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنه لا يمكن أن يبنى منها فاعل ، وإنما يمكن أن يبنى من أحداهما فيرد على ذلك البصريون بأنه لما لم يمكن أن يبنى منهما وبني من أحدهما احتيج إلى ذكر الآخر ؛ ليتميز ما هو واحد ثلاثة مما هو واحد ثلاثة عشر فأتى بالفظ كله
المسألة الثانية
ترخيم الرباعي الذي ثالثة ساكن
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن ترخيم الاسم الذي قبل آخره حرف ساكن يكون بحذفه وحذف الحرف الذي بعده ، وذلك نحو قولك في : قَمِطرٍ ــ ياقِمَ ، وفي سِبَطرٍ ــ ياسِبَ ، وما شابه ذلك .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أن ترخيمه يكون بحذف الحرف الأخير منه فقط .
حجج الكوفيون :
فقالوا إنما قلنا ذلك ؛ لأن الحرف الأخير إذا سقط من هذه الأسماء بقى آخر ها ساكنًا ، فلو قلنا أنه لا يحذف لأدى ذلك إلى أن يشابه الأدوات ، وما أشبهها من الأسماء ، وذلك لا يجوز .
حجج البصريون :
احتج البصريون بأن حركة الاسم المرخم باقية بعد دخول الترخيم كما كانت قبل دخول الترخيم من ضم وفتح وكسر ، ألا ترى أنك تقول في يُبْرثُنَ ــ يا بُرْثُ وفي جعفر ــ يا جَعْفَ ، وفي مالك ــ يا مَالِ ، فقد حذف حرف واحد فهكذا احتج البصريون بالنقل ، وبقيت الحركات كما هي بعد دخول الترخيم لينوى بها تمام الاسم ولو لم يكن كذلك لكان يجب أن يحرك المرخم بحركة واحده ، فإذا ثبت أن الحركات بقيت لينوى بها تمام الاسم فهذا المعنى موجود في الساكن وفي المتحرك ، فينبغي أن يبقى على ما كان عليه إذا كان ساكنًا أو متحركًا .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم : لو أسقطنا الحرف الأخير لبقي ما قبله ساكنًا فيشبه الأدوات والحروف ، فيرد على ذلك البصريون بأنه فاسدٌ من وجهين ؛ الأول : لأنه لو كان هذا معتبرًا لوجب أن يحذف الحرف المكسور ؛ لئلا يشبه المضاف إلى المتكلم ، والثاني : أن هذا لا أحد قائل به .
المسألة الثالثة
تقديم الحال على الفعل العامل فيها
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها مع الاسم الظاهر ، نحو : رَاكِبًا جار زيدَ ، وإنما يجوز تقديمه مع المضمر نحو : رَاكِبًا جِئْتُ .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنه يجوز ذلك مع الاسم الظاهر والمضمر .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا لا يجوز تقديم الحال على العامل فيها في الاسم الظاهر ؛ لأنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر ، ألا ترى أنك إذا قلت : رَاكِبًا جاء زيدٌ ، كان في راكبًا ضميرُ زيدٍ ، وقد تقدم عليه وتقديم المضمر على المظهر لا يجوز .
حجج البصريون :
احتجوا البصريون بجواز ذلك في الحالتين بالنقل والقياس ، أما النقل قولهم في المذل " شَتّى تؤُوبُ الَحلَبهُ " ، فشتى : حال منصوب مُقدمه على الفعل العامل فيها ، وأما القياس فلأن العامل فيها متصرف ، وإذا كان العامل متصرف وجب أن يكون عمله متصرفًا ، وإذا كان عمله متصرف وجب أن يجوز تقديم معمولة عليه ، ومن أمثله القياس عندهم قولهم : " عَمْرًا ضَرَب زَيدٌ " فالذي يدل عليه أنه حال تُشّبهُ بالمفعول وكما يجوز تقديم المفعول على الفعل كذلك جاز تقديم الحال على عاملها فقاسوا تقديم الحال على تقديم المفعول .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم : إنما لم يجز تقديم الحال ؛ لأنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر ، فيرد على ذلك البصريون بأن هذا فاسدٌ ؛ وذلك لأنه وإن كان مقدمًا في اللفظ إلا أنه مؤخر في التقدير ، وإذا كان مؤخر في التقدير جاز فيه التقديمُ ، كقولة تعالى : " فأوجس في نَفسِهِ خيفةً مُوسى " فضمير نفسه عائد إلى موسى وإن كان مؤخرًا في اللفظ ، إلا أنه لما كان في تقديم التأخير جاز التقديم .
ومن كلامهم " في أكفانه لُفَّ الميِّتُ " ومن أمثالهم " في بيته يُوتَى الحَكمُ " .
المسألة الرابعة
تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون بأنه يجوز تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز تقديم خبر ما زال .
حجج الكوفيون :
قالوا ذلك ؛ لأن ما زال ليس بنفي الفعل وإنما هو نفي المفارقة الفعل وبيان أن الفاعل حاله في الفعل لأن ( زال ) فيها معنى النفي وما للنفي فلما دخل النفي على النفي صار إيجابًا .
حجج البصريون :
قالوا لا يجوز تقديم خبر ما زال ؛ لأن ما للنفي والنفي له صدارة الكلام فجرى مجرى حرف الاستفهام في أن له صدر الكلام ولأن حرف الاستفهام لا يعمل فيما بعده وهذا هنا ما لا تعمل فيما قبلها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إن ما زال ليس بنفي الفعل وإنما نفي لمفارقة الفعل كما اجمعنا على أن ما زال ليس بنفي الفعل ، أَجمعنا على أن ما للنفي فإذا لم تكن ما للنفي لما صار الكلام بدخولها إيجابًا ، وما نفي بدليل أنا لو قدرنا زمان النفي عنها لما كان الكلام إِيجابًا وإذا كان للنفي فينفي أن لا يتقدم ما هو متعلق بما بعدها عليها ؛ لأنها تسقف صدر الكلام كالاستفهام .
المسألة الخامسة
هل يعمل حرف القسم محذوفًا بغير عوض
رأي الكوفيون :
قالوا يجوز الخفض في القسم بإضمار حرف الخفض من غير عوض .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز ذلك إلا بعوض نحو ألف الاستفهام مثل : قدلك للرجل آللهِ ما فعلت كذا أو ها التنبيه مثل : " ها اللهِ " .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل فقالوا قد جاء عن العرب أنهم يُلقون الواو من القسم ويخفضون بها ، قال الفرّاء سمعنا يقولون " آلله لتفعلنَّ " ، فيقول المجيب " أللهِ لأفعلنَّ " ، وقول الشاعر :
مَشائِيمُ ليسُوا مُصلحين عَشِيرة ولا نَاعِبٍ إلاّ ببينٍ غُرَابُها
فخفض ( ناعب ) بإضمار حرف الخفض .
حجج البصريون :
قالوا أجمعنا أن الأصل في حروف الجر أن لا تعمل على الحذف وإنما تعمل مع الحذف في بعض المواضع إذا كان لها عوض ولم يجدها هنا ، فإذا قلنا آلله ما فعل أو ها الله فإن ألف الاستفهام وهاء التنبيه صارتا عوضًا عن حرف القسم ، والذي يدل على أنه لا يجوز أن يظهر معها حرف القسم فلا يقال أوالله ولا ها والله ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم ألله لأفعلنَّ فإنما جاز ذلك مع هذا الاسم خاصة على خلاف القياس لكثرة استعماله كما جاز دخول حرف النداء عليه من الألف واللام دون غيره من الأسماء لكثرة الاستعمال ، وهنا جاز حذف حرف الخفض لكثرة الاستعمال مع هذا الاسم دون غيره .
المسألة السادسة
اللام الداخلة على المبتدأ لام الابتداء أو لام جواب القسم
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن اللام في قولهم : لزيدٌ أفضل من عمرو ، لا جواب القسم مُقدَّر والتقدير والله لزيدٌ أفضلُ من عمرو فاضمر اليمين اكتفاء باللام منها .
رأي البصريون :
قالوا بأن اللام لام الابتداء .
حجج الكوفيون :
احتجوا على أن هذه اللام لام جواب القسم وليس لام الابتداء بدليل أن هذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب ، نحو قولهم : زيدٌ آكلُ فلو كانت لام الابتداء لكان يجب أن يكون ما بعدها مرفوعًا .
حجج البصريون :
احتجوا على أن هذه اللام لام الابتداء أنها إذا دخلت على المنصوب بظننت أو جبت له الرفع وأزالت عنه عمل ظننت ، تقول : ظننت زيد زيدًا قائمًا ، فإذا أدخلت على زيد اللام قلت : ظننت لزيدٌ قائمٌ ، فأوجبت له الرفع بالابتداء بعد أن كان منصوبًا .
قالوا : ولا يجوز أن يقال " إن الظن محمول على القسم ؛ فاللام جواب القسم ، كقولهم : والله لزيد قائم ، لا لام الابتداء ، فإذا كانت جواب القسم فحكمها أن تُبطل عمل ظننت ؛ فلهذا وجب أن يرفع زيد بما بعده ، لا بالابتداء وهذا لأن حكم لام القسم في كل موضع أن لا يعمل ما قبلها فيما بعدها ، ولا بعدها فيما قبلها " .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم أن هذه اللام ليست لام الابتداء ؛ لأن الابتداء يوجب الرفع وهذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب ، نحو قولهم : زيدًا لطعامَك آكِلٌ ، الأصل في اللام هنا أن تدخل على زيد الذي هو المبتدأ وإنما دخلت على المفعول الذي هو معمول الخبر ؛ لأنه لما قُدِّم في صدر الكلام وقع موقع المبتدأ فجاز دخول اللام عليه .
المسألة السابعة
إعراب المثنى والجمع على حَدِّه
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن الألف والواو والياء في التثنية والجمع بمنزلة الفتحة والضمة والكسرة في أنها إعراب ، وإليه ذهب أبو على قُطرُبُ ، وزعم بأنه مذهب سيبويه وليس صحيحًا .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنها حروف إعراب ، وذهب أبو الحسن الأخفش وأبو العباس والمبرد أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ولكنها تدل على الإعراب .
حجج الكوفيون :
قلنا على أنها إعراب كالحركات وذلك ؛ لأنها تتغير كتغير الحركات ، ألا ترى أنك تقول : قام الزَّيْدَانِ ، ورأيت الزيدَينِ ، ومررت بالزيدَينِ ، فذل ذلك على أنها إعراب بمنزلة الحركات ، ولو كانت حروف إعراب لما جاز أن تتغير ذَوَاتُها عن حالها .
حجج البصريون :
قلنا إنها حروف إعراب وليست بإعراب ؛ لان هذه الحروف إنما زيدت للدلالة على التثنية والجمع ؟ ألا ترى أن الواحد يدل على مفرد ، فلما أزيدت هذه الحروف دلت على التثنية والجمع .
وأما الذين قالوا أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ولكنها تدل على الإعراب فقال : لأنها لو كانت إعرابًا لما اختلَّ معنى الكلمة بإسقاطها كإسقاط الضمة من دال زيد في قولك : قام زيدٌ ، ولو أنها حروف الإعراب لما كان فيها دلالة على الإعراب كما لو قلت : قام زَيْدُ ، من غير حركه .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنها هي الإعراب كالحركات بدليل أنها تتغير بتغير الحركات فيرد على ذلك البصريون من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن القياس يقتضي أن لا تتغير كقراءة من قرأ : ( إنَّ هذَانِ لَسَاحِرانِ ) ، إلا أنهم عدلوا عن هذا القياس لإزالة البس .
والذي يدل على أن هذه الأحرف ليست إعرابًا كالحركات ، أنها لو كانت هي الإعراب كالحركات لكان يجب أن لا يُخِلَّ سقوطُها بمعنى الكلمة كما لو سقطت الحركات ؛ لأن سقوط الإعراب لا يخلُّ بمعنى الكلمة .
الوجه الثاني : أن هذه الحروف إنما تغيرت في التثنية والجمع ؛ لأن لهما خاصية لا تكون في غيرهما استحقّا من أجلها التغيير وذلك أن كل اسم معتل لا تدخله الحركات نحو : رَحى ، وعصا ، وبُشرى .
الوجه الثالث : أن هذا ينتقص بالضمائر المتصلة والمنفصلة ؛ فإنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر وليس تغيرها إعرابًا ،ألا ترى أنك تقول في المنفصلة : أنا وأنت في حال الرفع وإياي وإياك في حالِ النصب .
ـ وأما قولهم " إنه جعل الألف والواو والياء في التثنية والجمع رفعًا وجرًا ونصبًا ، فيرد على ذلك البصريون أن يكون في الرفع ألفًا ، ويكون في الجر ياء ، وفي النصب كذلك ، أي أنه يقع موقِع المرفوع ، وإن لم يكن مرفوعًا وهكذا .
المسألة الثامنة
أَيمن الله في القسم مفرد أو جمع
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن أيمن الله في القسم جمع يمين .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنه ليس جمع يمين وأنه اسم مفرد مشتق من اليُمن .
حجج الكوفيون :
الدليل على أن أَيمن جمع يمين أَنه على وزن أفعل وهو وزن يختص به الجمعُ ، ولا يكون في المفرد ، يدل عليه أن التقدير في قولهم : (أيمن الله) ، أي علىَّ أيمانُ اللهِ علىّ فيما أُقسم به ، وهم يقولون في جمع يمينٍ أيمنٌ فقال زهير :
فَتُجْمَعُ أيمُنٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ بِمُقسَمَةِ تَمُورُ بِهَا الدِّمَاءُ
واحتج الكوفيون أيضًا على أنها جمع يمين أن همزتها همزة قطع ؛ لأنه جمع ، إلا أنها وُصِلَت لكثرة الاستعمال ؛ وبقيت فتحتها على ما كانت عليه في الأصل ، ولو كانت همزتها وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة على حركتها ، ودليل آخر على أنها ليست همزة وصل أنها ثبتت في قولهم : أم الله لأفعلنَّ .
حجج البصريون :
إنما قلنا إِنه مفرد وليس بجمع يمين ؛ لأنه لو كان جمع يمين لوجب أن تكون همزته همزة قطع فلما وجب أن تكون همزته همزة وصل دل عل أنه ليس بجمع يمين ، قال الشاعر :
وَقَدْ ذَكَرَتْ لِي بِالْكثيب مُؤَالفًا قِلاَصَ سُلَيْمٍ أو قِلاَصَ بَنيِ بَكْرِ
فَقَالَ فَرِقُ الْقَوُمِ لَمَّا نَشَدتُهُمُ : نَعَمْ ، وَفَرِيقٌ : لَيمُنُ اللهِ مَا ندري
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنه جمع يمين بدليل أنه على وزن أفعل وأفعل وزنٌ يختص به الجمع ولا يكون في المفرد ، وقلنا لا نسلم بل قد جاء ذلك في المفرد ، فإنهم قالوا : رصاصُ آنك وهو الخالص .
ـ أما قولهم الأصل في الهمزة أن تكون همزة قطع لأنه جمع يمين يرد على ذلك البصريون بأنه لو كانت الهمزة فيه همزة قطع لما جاز فيه الكسر الهمزة ؛ لأن ما جاء من الجمع على وزن أفعل لا يجوز فيه كسر الهمزة .
ـ أما قولهم لو كانت الهمزة وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة فيرد على ذلك البصريون بأن إنما جاءت مفتوحة وإن كان القياس يقتضي أن تكون مكسورة ؛ لأنهم لما كثر استعماله في كلامهم فتحوا فيه الهمزة ؛ لأنها أخف من الكسرة .
ـ وأما قولهم أن الهمزة ثبتت في قولهم : أمُ الله لأفعلنَّ ، مع تحرك ما بعدها فيرد على ذلك البصريون إنما ثبتت الهمزة فيه من وجهين أحدهما : أن الأصل في الكلمة أيمن فالهمزة داخلة على الياء وهي ساكنه ، فلما حذفت ـ وحذفها غير لازم ـ بقي حكمها .
المسألة التاسعة
تقديم معمول خبر ما النافية عليها
رأي الكوفيون :
قالوا يجوز تقديم معمولها عليها نحو : طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكِلاً .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز ذلك .
حجج الكوفيون :
يجوز ذلك ؛ لأنه بمنزلة لم ولن ولا لأنها نافية كما أنها نافية ، وهذه الأحرف يجوز تقديم معمول ما بعدها عليها نحو : زيدًا لم أضرب ، وعمرًا لن أُكرم ، فإذا جاز التقديم مع هذه الأحرف فكذلك جاز مع ما .
حجج البصريون :
إنما قلنا لا يجوز ؛ لأن ما معناها النفي ويليها الاسم والفعل ؛ فأشبهت حرف الاستفهام ، وحرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله ، وكذلك هاهنا لا يعمل ما بعدها فيما قبلها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم أن ما بمنزلة لم ولن ولا فيرد على ذلك البصريون بأننا لا نسلم ؛ لأن ما يليها الاسم والفعل ، وأما لم ولن فلا يليها إلا الفعل فصار بمنزلة بعض الأفعال بخلاف ما ، فإنها يليها الاسم والفعل ، وأما لا فإنما جاز التقديم معها وإن كانت يليها الاسم والفعل ؛ لأنها حرف متصرف فعمل ما قبله فيما بعده ، ألا ترى أنك تقول : جئت بلا شيء ، فيعمل ما قبله فيما بعده .
المسألة العاشرة
تقديم معمول الفعل المقصور عليه
رأي الكوفيون :
قالوا أنه لا يجوز ذلك نحو : مَا طَعَامَك أكَلَ إلا زَيْدٌ .
رأي البصريون :
قالوا إنما يجوز ذلك .
حجج الكوفيون :
أن قلنا لا يجوز ؛ لأن الأصل في زيد أن لا يكون هو الفاعل ، وإنما الفاعل في الأصل محذوف قبل إلاّ ؛ لأن التقدير فيه : ما أكل أحدٌ طعامك إلا زيد ، والذي يدل على ذلك قولهم : مَا خَرَجَ إلا هِندٌ ، وَمَا ذَهَبَ إلا دَعْدٌ ، ولو كان الفعل لدعد وهند في الحقيقة لأثبتوا فيه علامة التأنيث ، فلما لم يثبتوا في الفعل علامة دل على أن الفاعل هو أَد المحذوف ، ويدل عيه أيضًا أن إلا بابُها الاستثناء ، والاستثناء يجب أن يكون في الجملة .
حجج البصريون :
إنما جوزنا ذلك ؛ لأن زيد مرفوع بالفعل ، والفعل متصرف ؛ فجاز تقديم معمولة عليه ، مثل : عمرًا ضرب زيدٌ ، وسائر الأفعال المتصرفة .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أن الأصل ألا يكون زيد هو الفاعل ؛ لأن التقدير : ما أكل أحدٌ طعامك إلا زيدٌ ، فيرد على ذلك البصريون بأننا لا نسلم أن أحدًا مقدَّر من جهة اللفظ ، وإنما هو مقدَّر من جهة المعنى ، كما أن المعنى يدل على أن عَرَقًا في قولهم : تَصبَّب زيد عَرَقًا ، فاعلٌ معنىً ، وإن لم يكن فاعلاً لفظًا ، وقول الشاعر :
لَقَد وَلَدَ الأخَيِطلَ أُمُّ سَوءٍ عَلَى قِمْعِ أسْتِها صُلُبٌ وَشَامُ .
فقال ولد ولم يقل ولدت .
ـ أما قولهم إنه اكتفى بالفعل من أحد قلنا لا نسلم ، أن الفعل اكتفى به من الاسم ، لأن الفعل لا بد له من فاعلٌ ، وإنما الاسم بعد إلا قام مقامه واكتفى به منه ؛ لأنه حذف المستثنى منه قبل إلا قام ما بعد إلا حين حذفته مقامه كما يقوم المفعول مقام الفاعل إذا حذف نحو : ضُرب زيدٌ .
المسألة الحادية عشر
تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام
رأي الكوفيون :
قالوا يجوز تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام نحو قولك : إلاَّ طَعَامَكَ مَا أكل زَيدٌ ، ونصَّ عليه الكسائيّ .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز ذلك .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، فجاز تقديمه ؛ لأنه ورد عن العرب استعماله مقدمًا ،
قال الشاعر : خَلا أَنَّ العِتَاقَ مِنَ المَطايَا حَسِينَ بِهِ فَهُنَّ إليهِ شُوسُ
وقال الآخر : وَبَلدةٍ ليس بِهاَ طُورِيُّ وَلا خَلاَ الجِنِّ بِهَا إِنْسىُّ
حجج البصريون :
إنما قلنا لا يجوز ذلك ؛ لأنه يؤدي إلى أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ونذلك لا يجوز ؛ لأنها حرف نفي يليها الاسم والفعل كحرف الاستفهام ، وكما أنه لا يجوز أن يعمل ما بعد حرف الاستفهام فيما قبله ؛ فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم خلا أنّ العِتاقَ من المطايا ، فيرد على ذلك البصريون أن لا نسلم هاهنا أن الاستثناء وقع في أول الكلام ، فإن هذا الشعر لأبي زُبيدٍ .
ـ وأما قولهم ولا خلا الجن بها إنسُ ، فتقديره : وبلدة ليس بها طورىٌّ ولا إِنسى خلا الجن ، فحذف إنسيًّا ، فاضمر المستثنى منه ، وما أظهره تفسيرٌ لما أضمره ، وقيل تقديره ولا بها إنسى خلا الجن ؛ فـ بها مقدرة بعد لا وتقديم الاستثناء فيه للضرورة ؛ فلا يكون فيه حجة .
المسألة الثانية عشر
هل تكون إلا بمعنى الواو
رأي الكوفيون :
قالوا إن إلا تكون بمعنى الواو .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز أن تكون إلا بمعنى الواو .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل فورد كثيرًا كتاب الله تعالى وكلام العرب ، قال تعالى " لئلا يكون عليكم حجّة إلا الذين ظلموا مِنهم " ، أي ولا الذين ظلموا .
قال تعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " ، أي مع المرافق ومع الكعبين .
قال تعالى " من النصارى إلى الله " أي مع الله .
وقول العرب بها قول الشاعر : كُلُّ خوَّار إلى كُلِّ صعلة ، أي مع كل صعلة .
ـ وكلُّ أخ مفارقة أخوة لعمر أبيك إلاَّ الفرقدان ، أي والفرقدان .
حجج البصريون :
قلنا لا تكون بمعنى الواو ؛ لأن لا للاستثناء يقتضي إخراج الثاني من حكم الأول ، والواو للجمع والجمع يقتضي إدخال الثاني في حكم الأول .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما القول الأول ( إلا الذين ظلموا ) ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأن لا استثناء منقطع والمعنى لكن الذين ظلموا منهم يحتجون عليكم بغير حجة ، والاستثناء المنقطع كثير في كتاب الله تعالى : " ما لم به من علمٍ إلا أتباع الظن " ، أي لكن يتبعون الظن .
ـ أما قولهم ( إلا الفرقدان ) ، أراد لكن الفرقدان فإنهما لا يفترقان ، ويحتمل أن تكون بمعنى غير ، والمعنى كل أخ غير الفرقدين مفارقة أخوة .
المسألة الثالثة عشر
ناصب الاسم المشغول عنه
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن قولهم : زيدًا ضَربتُهُ ، منصوب بالفعل الواقع على الهاء .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنه منصوب بفعل مقدر ، والتقدير فيه : ضربت زيدً ضربته
حجج الكوفيون :
قالوا أنه منصوب بالفعل الواقع على الهاء ، فاحتجوا بذلك ؛ لأن المَكْنِىَّ ـ هو الأولُ في المعنى ؛ فينبغي أن يكون منصوبًا به ، كما قالوا : أكرمت أباك زيدًا ، وضربت أخاك عَمرًا .
حجج البصريون :
قالوا أنه منصوب بفعل مقدر فاحتجوا ؛ لأن في الذي ظهر دلالة عليه ، فجاز إضماره استغناء بالفعل الظاهر عنه ، كما لو كان متأخرًا وقبله ما يدل عليه .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم لأن المكنىَّ هو الأول في المعنى ، فيرد على ذلك البصريون بأنه فاسدٌ وذلك ؛ لأن انتصاب زيد في قولهم " أكرمت أباك زيدًا ، على البدل وجاز أ يكون بدلاً ؛ لأنه تأخر عن المبدل عمه ؛ إذا لا يجوز أن يكون البدل متأخرًا عن المبدل عنه ، وأما هاهنا فقد تقدم زيد على الهاء ، فلا يجوز أن يكون بدلاً منها × لأنه لا يجوز أن يتقدم البدل على المبدل منه ، على أنّا نقول : إن العامل في البدل عندنا غير العامل في المبدل منه ، وإن العامل في المبدل منه على تقدير التكرير في البدل ، والذي يدل على ذلك إظهاره في البدل كما أظهره في المبدل منه ، كقولة تعالى " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم " فقولة ( لمن آمن منهم ) بدل من قوله ( للذين استضعفوا ) فأظهر العامل في البدل كما أظهره في المبدل منه ، وإن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه .
المسألة الرابعة عشر
إبراز الضمير إذا جرى الوصف على غير صاحبه
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن الضمير في اسم الفاعل إذا جرى على غير مَنْ هو له
نحو : قولك هند زيدٌ ضاربتُهُ هي ، لا يجب إبرازه .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنه يجب إبرازه وأجمعوا على أن الضمير في اسم الفاعل إذا جرى على مَنْ هو له لا يجب إبرازه .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، فقد جاء عن العرب أنهم قد استعملوه بترك إبرازه فيه إذا جرى على غير من هو له ، قال الشاعر :
وإنّ امرأَ أسدى إِليك ودونه من الأرض موماةٌ وبيداء وإسحاق
لمحقوقةٌ أن تستجيبي دعاءَهُ وأن تعلمي أنَّ المعان مُوفَّقُ
فترك إبراز الضمير ولو أبرزه لقال ( محقوقةٌ أنتِ ) .
وقول الشاعر : يرى ارباقهم متقلّديها كما صدئ الحديدُ على الكُماه .
فترك إبرازه ولو أبرزه لقال : ( متقلّديها هم )
حجج البصريون :
الدليل على أنه يجب إبرازه إذا جرى على غير من هو له أنا أجمعنا على أن اسم الفاعل فرعٌ على الفعل في تحمل الضمير إذا كانت الأسماء لا أصل لها في تحمل الضمير ، وإنما يضمر فيما شابه منها الفعل كاسم الفاعل نحو : ضارب وقاتل ، والصفة المشبهة به نحو : حسن وشديد ، وما أشبه ذلك .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم في البت الأول ( لمحقوقةٌ أن تستجيبي دعاءهُ ) ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه محمول عندنا عن الاتساع والحذف ، والتقدير فيه لمحقوقة بك .
ـ أما قولهم في البيت الثاني ( ترى ارباقهم متقلديها ) ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأن التقدير فيه ترى أصحاب ارباقهم إلا أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كما قال تعالى " واسأل القرية " أي أهل القرية .
المسألة الخامسة عشر
إضافة الاسم إلى اسم يوافقه في المعنى
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، فقد جاء ذلك في كتاب الله تعالى وكلام العرب ،
قال تعالى " أن هذا لهو حق اليقين " ، واليقين نعت للحق ؛ لأن الأصل الحق اليقين ، والنعت في المعنى هو المعنى هو المنعوت .
حجج البصريون :
احتجوا بأن قالوا إنما قلنا لا يجوز ؛ لأن الإضافة إنما يراد بها التعريف والتخصيص ، والشيء لا يتصرف بنفسه ؛ لأنه لو كان فيه تعريف كان مستغنيًا عن الإضافة وأن لم يكن فيه تعريف كان ضافية إلى الاسم ابعد من التعريف أن يستحيل أن يصير شيئًا آخر .
رد البصريون على الكوفيين :
قالوا بأنه ما احتجوا به من آيات قرآنية لا حجة لهم فيها ؛ لأنه كان محمول على حذف المضاف إليه وإقامة صفته مقامه ، والتقدير أن هذا هو حق اليقين ، التقدير فيه حق الأمر اليقين ، فإذا كان محمولاً على حذف المضاف إليه وأقامه صفته مقامه ، لم يكن لهم فيه حجة .
المسألة السادسة عشر
نداء الاسم المحلي بال التعريف
رأي الكوفيون :
قالوا أنه يجوز نداء ما فيه الألف واللام ، نحو : يا الرجل ، ويا الغلام .
رأي البصريون :
قالوا لا يجوز ذلك .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل فقد جاء عن العرب ، قول الشاعر :
فيا الغلامان اللذان فرّا إياكما أن تكسباني شَرّا
فقال يا الغلامان .
وقال أخر : فديتك يا اللتي تيَّمت قلبي وأنتِ بخيلةٌ بالوُدِّ عنيّ
والدليل عل أنه جائز أيضاً في الدعاء نقول : يا الله اغفر لنا .
حجج البصريون :
إنما قلنا لا يجوز ؛ لأن الألف واللام تفيد التعريف ويا تفيد التعريف ، وتعريفان في كلمة لا يجتمعان ، ولا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية في الاسم المنادى العلم ، نحو : يا زيد ، بل يُعدُّى عن تعريف العلمية ويَّعرِّف بالنداء ؛ لئلا يجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية ، وإذا لم يجز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية ؛ لأن لا يجوز الجمع بين التعريف النداء وتعريف الألف واللام .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم ( فيا الغلامان اللذان فرَّا ) ، فلا حجة لهم فيه ؛ لأن التقدير فيه : فيا أيها الغلامان ، فحذف الموصوف وأقام الصفة .
ـ أما قولهم ( فديتك يا التي ) ، حذف الموصوف وأقامت الصفة مقامه .
ـ أما في الدعاء ( يا الله ) فيرد على ذلك البصريون من ثلاثة أوجه وهي :
1 ـ أن الألف واللام عوض من همزة إله فتنزلت منزلة حرف من نفس الكلمة ولذلك جاز أن يدخل حرف النداء عليه .
2 ـ أن هذه الكلمة كثر استعمالها فلا يقاس عليها .
3 ـ أن هذا الاسم علم غير مشتق ، أتى به على هذا المثال من البناء من غير أصل يُرَّد إليه ، فينزل منزله سائر الأسماء والأعلام ، والمعتمد في هذه الأوجه الوجه الأول ، والله أعلم .
المسألة السابعة عشر
همزة بين بين متحركة أم ساكنة
رأي الكوفيون :
قالوا أن همزة بين بين ساكنة .
رأي البصريون :
قالوا أنها متحركة .
حجج الكوفيون :
الدليل على أنها ساكنة ؛ أن همزة بين بين لا يجوز أن تقع مبتدأه ، ولو كانت متحركة لجاز أن تقع مبتدأه ، فلما امتنع الابتداء بها دلَّ على أنها ساكنة ؛ لأن الساكن لا يبتدئ به .
حجج البصريون :
الدليل على أنها متحركة ؛ أنها تقع بين بين في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع فيه ساكنان ؛ لأنكسر السياق قول الشاعر :
أأن رأت رجلاً أعشى أضرَّ به ريب الزَّمان ودهرٌ مفسدٌ
فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بين بين ، فعلم أنها متحركة ؛ لاستحالة التقاء الساكنين في هذا الموضع .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ قولهم أنه لا يجوز أن تقع مبتدأه ، قلنا إنما لم يجز أن تقع مبتدأه ؛ لأنها إذا جعلت بين بين اختلس حركتها وقربت من الساكن ، والابتداء إنما يكون بما تمكنت فيه حركته ، وإذا جعلت بين بين فقد زال ذلك التمكن وقربت من الساكن ، وكما لا يجوز الابتداء بالساكن فكمذلك لا يجوز الابتداء بها .
المسألة الثامنة عشر
هل يجوز ترخيم الاسم الثلاثي
رأي الكوفيون :
قالوا يجوز ترخيم الاسم الثلاثي إذا كان أوسطه متحركًا وذلك نحو : في عنق ياعُنُ ، و في حجر يا حَجمَ .
رأي البصريون :
قالوا أن ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف لا يجوز بحال .
حجج الكوفيون :
قلنا يجوز ترخيم ما كان ثلاثة أحرف وأوسطه متحرك ؛ لأن في الأسماء ما يماثله ويضاهيه ، نحو : يَدٍ و دَمٍ ، والأصل في يد يَدَيٌ وفي دم دَمَوٌ .
وقول الشاعر : فلو أنَّا على حجرٍ ذبحنا جرى الدَّميا بالخيرِ اليقين
؛ لأنهم اشتقوا الحركة على حرف العلة فيها ؛ لأن الحركات تستثقل على حرف العلة فحذوه طلبًا للتخفيف وفرارًا من الاستثقال .
حجج البصريون :
أما قلنا لا يجوز ؛ لأنّا أجمعنا على أن الترخيم في عُرفِ النحويين إنما حذفٌ دخل في الاسم المنادى إذا كثرت حروفه طلبًا للتخفيف وهذا في محل الخلاف ، فلا حاجه بنا إليه ؛ لأن الاسم الثلاثي في غاية الخفة فلا يحتمل الخلاف .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنما جوزنا ترخيمه ؛ لأن في الأسماء ما يماثله فيرد عليهم البصريون من وجهين : 1 ـ أنا قلنا أن هذه الأسماء قليلة الاستعمال بعيدة عن القياس وأن القياس يقتضي إلاّ يحذف ؛ لأن حرف العلة إذا كان متحركًا فلا يخلو ، أما أن يكون ما فبله ساكنًا أو متحركًا فإذا كان ساكن يقلب إلا يحذف ؛ لأن الحركات تستثقل على حرف العلة ، إذا قبله متحرك لا ساكنًا أما إذا متحرك فيقلب ألف ولا يحذف مثل : رحىً ، عَمىً ، غصًا ، وقفًا .
2 ـ لأنهم حذفوا الياء والواو لاستعمال الحركات عليها ؛ لأنها تستثقل من حرف العلة ، أما في الترخيم فإنما وضع الحذف فيه على خلاف القياس لتخفيف الاسم ، كثرت حروفه ولم يوجد هاهنا ؛ لأنه أقل الأصول وهي في غاية الخفة وهذا يؤدي الترخيم إلى الإجحاف به وذلك لا يجوز .
المسألة التاسعة عشر
هل يقال لولاي ولولاك موضع الضمائر
رأي الكوفيون :
ذهب إلى أن الياء والكاف في لولاي ولولاك في موضع الرفع .
رأي البصريون :
أن الياء والكاف في موضع الجر بلولا ، وأبو العباس قال : إنه لا يجوز أن يقال لولاي ولولاك ، بل يقال لولا أنا لولا أنتِ ، كما جاء في القرآن " لولا انتمَ لكُنَّ مؤمنين " .
حجج الكوفيون :
قلنا أن الياء والكاف في موضع رفع ؛ لأن الظاهر الذي قام الياء والكاف مقامة رفع بها على مذهبنا ، وبالابتداء على مذهبكم .
حجج البصريون :
قلنا في موضع جر الياء والكاف ، لا تكونان علامة مرفوع والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم مُحال ، ويجب أن لا يتوهموا بأنها في موضع نصب ؛ لأن لولا حرف ليس بفعل له ، وإذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب وجب أن يكون في كوضع جر .
رد البصريون على الكوفيين :
فإنه قد يجوز أن تدخل علامة الرفع على الخفض ، ألا ترى أنه يجوز أن يقال ما أنا كأنت ، وأنت من علامات المرفوع ، وهو هنا في موضع مخفوض والذي يدل عل أن لولا ليس بحرف خفض أنه لو كان خفضٍ ، لكان يجب أن يتعلق بفعل أو معنى فعل وليس ها هنا ما يتعلق به .
وقول الشاعر: وأنت امرؤ لولا عاطحت كما هوى بأجرامة من قلة النيق منهوت
المسألة العشرون
هل تأتي ألفاظ الإشارة أسماء موصولة
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن هذا وما أشبه من اسما الإشارة يكون بمعنى الذي والأسماء الموصولة ، نحو : هذا قال ذاكُ زيد ، أي الذي قال ذاك زيد .
رأي البصريون :
ذهب إلى أنه لا يكون بمعنى الذي .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، فقد ورد ذلك في كتاب الله تعالى وكلام العرب ، قال تعالى " ثم انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " والتقدير فيه ثم انتم الذين تقتلون أنفسكم .
وقال تعالى " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة " ،
وقولة تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى " .
حجج البصريون :
قلنا ذلك ؛ لأن الأصل في هذا وما أشبه في الأسماء الإشارة ، أن تكون دالاً على الإشارة ، والذي وسائر الأسماء الموصولة ليست بمعناها فينبغي أن لا يحمل عليها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم " ثم أنتم هؤلاء تقتلون " ، فيرد على ذلك البصريون من ثلاثة أوجه وهي : 1 ـ أن يكون هؤلاء ، باقيًا على أصله من كونه اسم الإشارة وليس بمعنى الذي كما زعمتم .
2 ـ أن يكون هؤلاء ، تأكيدًا لأنتم والخبر تقتلون ، ثم هذا لا يستقيم على أصلكم ، فإن تقتلون عندكم في موضع نصب ؛ لأنه خبر .
3 ـ أن يكون هؤلاء ، منادى مفردًا ، والتقدير فيه ثم أنتمَ يا هؤلاء تقتلون ، وتقتلون هو الخبر .
ـ أما قولهم ما تلك بيمينك يا موسى ، فلا حجة لهم فيه ؛ لأن تلك معناها الإشارة وليست بمعنى التي ، أي شيء هذه بيمنك .
المسألة الحادية والعشرون
إنِ الشرطية هل تقع بمعنى إذْ ؟
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن الشرطية تقع بمعنى إذ .
رأي البصريون :
قالوا إنها لا تقع بمعنى إذ .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، فقد ورد ذلك في كتاب الله وكلام العرب بمعنى إذ ، قال تعالى " وَإن كُنتم في رَيبٍ مما نزّلنا على عبِدنا " ، أي وإذا كنتم في ريب ؛ لأن إن الشرطية تفيد الشك بخلاف إذ .
وقول الشاعر : وَسَمِعتَ حَلْفَتَهَا التي حَلفَََتْ إنْ كان سَمعكَ غَيْرَ ذِي وَقرِ .
حجج البصريون :
أجمعنا على أن الأصل في إن تكون شرطًا ، والأصل في إذ أن تكون ظرفًا ، والأصل في كل حرفٍ أن يكون دالً على ما وضع له في الأصل ، فمن تمسك بالأصل قد تمسك باستصحاب الحال ، ومن عدل عن الأصل بقى مرنهتًا بإقامة الدليل ، ولا دليل لم يدل على ما ذهبوا إليه .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم " إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " ، فلا حجة لهم فيه ؛ لأن إنْ فيه شرطية ، وقولهم إن إن الشرطية تفيد معنى الشك ، قلنا وقد تستعملها العرب وإن لم يكن هنا لا شك جريء على عاداتهم في إخراج كلامهم مخرج الشك ، وإن لم يكن هناك شك على ما بينا قبل .
المسألة الثانية والعشرون
إن الواقعة بعد ما النافية ، أنافية مؤكدة أم زائدة ؟
رأي الكوفيون :
إلى أنَّ ( إن ) إذا وقعت بعد ما ، نحو : ما إنْ زيدٌ قائم ، فإنها بمعنى ما .
رأي البصريون :
إلى أنها زائدة .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل ، ومن ذلك قولة تعالى " إن الكافِرُون إلاّ في غرورٍ " ، أي ما الكافرون إلا في غرور ، وقولة تعالى " إن أنتم إلاّ تكذبون " ، أي ما أنتم ،
وقولة تعالى " قُل إنْ كان لِلرّحمن وَلدٌ " ، أي ما كان للرحمن ولد .
حجج البصريون :
الدليل على أنها هاهنا زائدة ؛ إن دخولها كخروجها فإنه لا فرق في المعنى بين قول القول والقائل ، نحو : ما إن زيدٌ قائم ، وبين ما زيد قائمًا ، فلما كان خروجها كدخولها تنزلت منزلة من بعد النفي .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنها تكون بمعنى ما فيرد على ذلك البصريون إننا لا نسلم ، أنها تكون بمعنى ما في موضع ما .
ـ أما ما احتجوا به فأكثره نقول بموجبه ؛ إذ لا نمنع أن تقع في بعض المواضع بمعنى ما .
المسألة الثالثة والعشرون
هل يجوز تقديمُ اسمٍ مرفوع أو منصوب في جملة جواب الشرط
رأي الكوفيون :
قالوا أنه إذا تقدم الاسم المرفوع في جواب الشرط ؛ فإنه لا يجوز فيه الجزم ، ووجب الرفع ، نحو : إن تأَتني زيدٌ يكرمُك ، واختلفوا في تقديم المنصوب في جواب الشرط ، نحو : إن تأتني زيدًا أُكرم .
رأي البصريون :
قالوا أن تقديم المرفوع والمنصوب في جواب الشرط كله جائز .
حجج الكوفيون :
قالوا إما قلنا إنه لا يجوز فيه الجزم وذلك ؛ لأن جزم جواب الشرط إنما كان لمجاورته فعل الشرط ، فإذا فارقه بتقديم الاسم يطلب المجاورة الموجبة للجزم ، فيبطل الجزم وإذا بطل الجزم وجب فيه الرفع .
حجج البصريون :
إنما قلنا إنه يجوز وذلك ؛ لأنه يجب أن يقدر فيه فعل كما وجب التقدير مع تقديم الاسم على فعل الشرط ؛ لأن حرف الشرط يعمل فيهما على ما بينا ، فكما وجب التقدير مع تقديمه على فعل الشرط ، فكذلك مع تقديمه على جواب الشرط ولا فرق بينهما .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم لا يجوز فيه الجزم ؛ لأن الجزم في جواب الشرط ، إنما كان لمجاورته فعل الشرط فإذا فارقه بتقديم الاسم وجب أن يبطل الجزم .
ـ ودليل على فساد ما ذهب إليه الفراء من منع جواز تقديم المنصوب ، قول طُفيلٍ : وَلِلخيل أَيَّامٌ ؛ فَمن يَصطِبر لها وَيَعرِف لها أَيَّامها الخيرَ تُعقِبِ
فنصب الخير بتعقب ، وتقديره تعقب الخير .
المسألة الرابعة والعشرون
ناصب المضارع بعد لام التعليل
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن لام كي هي ناصبه للفعل من غير تقدير ( أنْ ) ،
نحو : جئتك لتكرمني .
رأي البصريون :
قالوا أن الناصب للفعل أنْ مقدرة بعدها ، والتقدير : جئتك لأن تكرمني .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا إنها هي الناصبة ؛ لأنها قامت مقام كي ، ولهذا تشتمل على معنى كي ، وكما أن كي تنصب الفعل فكذلك ما قام مقامه .
حجج البصريون :
قلنا أن الناصب للفعل أن المقدرة دون اللام وذلك ؛ لأن اللام من عوامل الأسماء وعوامل الأسماء لا يجوز أن تكون عوامل الأفعال ، فوجب أن يكون الفعل منصوبًا بتقدير أن ، وإنما وجب تقدير أن دون غيرها ؛ لأن أن يكون مع الفعل بمنزلة المصدر الذي يحسن أن يدخل عليه حرف الجر .
رد البصريون على الكوفيين :
إنما قلنا هي الناصبة ؛ لأنها قامت مقام كي وكي تنصب فكذلك ما قام مقامها قلنا لا نسلم أن كي تنصب بنفسها على الإطلاق وإنما تنصب تارة بتقدير أن ؛ لأنها حرف جر ، وتارة تنصب بنفسها وليس حملها على إحدى الحالين أولى من الأخرى ، بل حملها عليها في الحالة التي تنصب الفعل فيه بتقدير أن أولى من حملها عليها في الحالة التي تنصب الفعل بنفسها ؛ لأنها في تلك الحالة تنصب الفعل بتقدير حرف نصب .
المسألة الخامسة والعشرون
وزن الخماسي المكرر ثانية وثالثة
رأي الكوفيون :
أن صمحمح ودمكمك ، على وزن فَعلَّلِ .
رأي البصريون :
إلى أنه على وزن فَعَلْعَلِ .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا على وزن فَعلَّلٍ ، وذلك أن الأصل في صمحمحٍ صمحَّحٌ ، ودمكمك دمكَّكٌ ، إلا أنهم اشتقوا جمع ثلاث حاءات وثلاث كافات ، فجمعوا الوسطى منها ميمًا والإبدال لاجتماع الأمثال كثيرة ، قال تعالى " فكُبكبُوا فِيها هُم وَالغاوُونَ " ، والأصل كُبِّبُوا ؛ لأنه من كببت الرَّجُلَ على وجهِهِ .
حجج البصريون :
إنما قلنا إن وزنه فعلعل ؛ لأن الظاهر أن العين واللام قد تكررتا فيه ، فوجب أن يكون وزنه فعلعل ألا ترى أنه إذا تكررت العين ، نحو : ضرَّب وقتَّل ، كان وزنه فَعَّل ، أو تكررت اللام في نحو : أحمرَّ ، وأصفرَّ ، كان وزنه أفعلَّ .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم أن الأصل صَمحَّحٌ ودمكَّكٌ ، فيرد على ذلك البصريون بأن هذا مجرد دعوى لا يستند إلى معنىً ، بل تكرير عين الفعل ولامه كتكرير فاء الفعل وعينه في مرمرِيسٍ ، وهي الداهية ، ومرمرِيتٍ وهي القفر .
المسألة السادسة والعشرون
هل تنصب لامُ الجحُودِ بنفسها ، وهل يتقدَّمُ معمولُ منصوبها عليها
رأي الكوفيون :
قالوا إن لا الجحود هي الناصبة بنفسها ، ويجوز إظهار أن بعدها للتوكيد ، نحو : ما كان زيد لأن يدخل دارك ، وما كان عمرو لأن يأكل طعامك ، ويجوز تقديم مفعول الفعل المنصوب بلام الجحود عليها ، نحو : ما كان زيد دارك ليدخل ، وما كان عمرو طعامك ليأكل .
رأي البصريون :
إلى أنَّ الناصب للفعل أنْ مقدرةً بعدها ، ولا يجوز إظهارها ، ولا يجوز تقديم مفعول الفعل المنصوب بلام الجحود عليها .
حجج الكوفيون :
الدليل على أنها هي العاملة بنفسها ، وجواز إظهار أن بعدها ما قدمناه في مسألة لام كي ، وأما الدليل على جواز تقديم المنصوب بلام الجحود ، وهو النقل ،
قول الشاعر : لقد عَذلتنِي أُمُّ عَمرٍو ولم أكُن مقالتها ما كُنت حَيًّا لأسمعا
حجج البصريون :
الدليل على أن الناصب أنْ المقدرة بعدها قدمناه في مسألة لام كي ، وأما الدليل على أنه لا يجوز إظهار أن بعدها فمن وجهين : الأول أن قولهم ما كان زيد ليدخل ، وما كان عمرو ليأكل ، جوابُ فعل ليس تقديره اسمٍ ولا لفظة لفظ اسم ؛ لأنه جواب لقول قائل زيد سوف يدخل ، وعمرو سوف يأكل .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما البيت الشعري ، فلا حجة لهم فيه ؛ لأ مقالتها منصوب بفعل مقدر ، كأنه قال : ولم أكن لأسمع مقالتها لا بقوله لاسمعا ، كما قال الشاعر : وإني أمرؤٌ من عُصبة خِندفيّة أبت للأعادي أن تديخ رِقابُها ، فاللام في للأعادي لا تكون من صلة أن تديخ بل من صلة الفعل مُقدر قبله ، وتقديره أبت أن تديخ .
المسألة السابعة والعشرون
هل في كل رباعي وخماسي من الأسماء زيادة
رأي الكوفيون :
إلى أن كل اسم زادت حروفه على ثلاثة أحرفِ ففيهِ زيادة ، فإن كان على أربعة أحرف ، نحو : جعفر ، ففيهِ زيادة حرف واحد ، وإن كان على خمسة أحرف ، نحو : سفرجل ، ففيهِ زيادة حرفين .
رأي البصريون :
إلى أن بنات الأربعة والخمسة ضربان غير بنات الثلاثة ، وأنهما من نحو : جعفر وسفرجل ، لا زائد فيهما البتة .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا ذلك ؛ لأنّا أجمعنا على أن وزن جعفر فَعُلَل ، ووزن سفرجل فَعلَّل ، وقد علمنا أن أصل فعلل وفعلّل ، فاءٌ وعينٌ ولامُ واحدة ، فقد علمنا أن إحدى اللامين في وزن جعفر زائدة واللامان في وزن سفرجل زائدتان ، فدل على أن في جعفر حرفًا زائدًا وفي سفرجل حفين زائدين .
حجج البصريون :
لا يخلو الزائد في جعفر من أن يكون الراء أو الفاء أو العين أو الجيم ، فإن كان الزائد هو الراء فيجب أن يكون وزنه فَعْلر ؛ لأن الزائد يوزن بلفظة ، وإن كان الزائد الفاء ، فوجب أن يكون وزنه فعفل ، وإن كان الزائد العين فوجب أن يكون على وزن فعَّل .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنه إذا كانت إحدى اللامين في وزن جعفر زائدة دلَّ على أن فيه حرفًا زائدًا ، وكذلك إذا كانت اللامان في وزن سفرجل زائدتين دلَّ على أن في سفرجل حرفين زائدين ، فيرد على ذلك البصريون بأنه غلطٌ وجهلٌ بموضع الأسماء وتمثيلها بالفعل دون غيره .
المسألة الثامنة والعشرون
علة إعراب الفعل المضارع
ـ أجمع الكوفيون والبصريون على إن الأفعال المضارعة معربة ، واختلفوا في علة إعرابها .
رأي الكوفيون :
إنها إنما أعربت ؛ لأنه دخلها المعاني المختلفة والأوقات الطويلة .
رأي البصريون :
إلى أنها إنما أعربت لثلاثة أوجه وهي كالتالي :
1 ـ أن الفعل المضارع يكون شائعًا فيتخصص ، كما في الاسم ، ألا ترى أنك تقول يذهب ، فيصلح للحال والاستقبال ، فإذا قلت سوف يذهب اختص بالاستقبال ، فاختص بعد شياعه .
2 ـ أنه تدخل عليه لام الابتداء ، تقول إن زيدًا ليقومُ ، كما تقول إن زيدًا لقائم ، فلما دخلت عليه لام الابتداء كما تدخل على الاسم دل على مشابهة بينهما .
3 ـ أنه يجرى على اسم الفاعل في حركته وسكونه ، ألا ترى أن قولك يضرب ، على وزن ضارب في حركته وسكونه .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنها أعربت ؛ لأنها دخلها المعاني المختلفة ، فيرد على ذلك البصريون بأن قولهم يبطل بالحروف ؛ فإنها تدخلها المعاني المختلفة ، ألا ترى أن أّلا تصلح للاستفهام والعرضِ والتمني .
ـ أما قولهم الأوقات الطويلة ، فيرد على ذلك البصريون بأنه يبطل بالفعل الماضي ؛ فإنه كان ينبغي أن يكون معربًا ؛ لأنه أطول من المستقبل ؛ لأن المستقبل يصير ماضيًا ، والماضي لا يصير مستقبلاً .
المسألة التاسعة والعشرون
علة بناء الآن
رأي الكوفيون :
إلى أن الآن مبني ؛ لأن الألف واللام دخلتا عل فعل ماضٍ من قولهم : آن يَئِنُ ، أي حان ، وبقى الفعل على فتحته .
رأي البصريون :
إلى أنه مبني ؛ لأنه شابه اسم الإشارة ولهم فيها أيضًا أقوال .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا ذلك ؛ لأن الألف واللام فيه بمعنى الذي ، ألا ترى أنك إذا قلت : الآن كان كذا ، كان المعنى الوقت الذي آن كان كذا ، وقد نقام الألف واللام مقام الذي لكثرة الاستعمال ؛ طلبًا للتخفيف .
قال الشاعر : مَا أنت بِالحكَمِ التُّرصَى حُكُومتهُ وَلا البَلِيغِ وَلا ذي الرَّأيِ وَالجدلِ
أراد ( الذي تُرضى ) .
حجج البصريون :
قلنا ذلك ؛ لأن سبيل الألف واللام أن يدخلا لتعريف الجنس ، كقولة تعالى " إن الإنسان لفي خُسرٍ " ، وكقولهم : الرجل خير من المرأة ، وقولة تعالى " كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول " .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إن الألف واللام فيه بمعنى الذي ، فيرد على ذلك البصريون بأن هذا فاسدٌ ؛ لأن الألف واللام إنما يدخلان على الفعل وهما بمعنى الذي في ضرورة الشعر .
ـ وأما ما شبهوه به من نهيه صلِّ الله عليه وسلم عن قِيل وقال فليس بمشبه له ؛ لأنه حكاية ، والحكايات تدخل عليها العوامل فتَُحكى ، ولا تدخل الألف واللام ؛ لأن العوامل لا تغير معاني ما تدخل عليه كتغيير الألف واللام ، ألا ترى أنك تقول : ذهب تأبَّطَ شَرًّا ، وَبَرق نَحرُهُ ، ولا تقول : هذا التأبط شرا ، ولا البرق نح
المسألة الثلاثون
هل يُحذَفُ آخر المقصور والممدود عند التثنية إذا كثرت حروفهما
رأي الكوفيون :
إلى أن الاسم المقصور إذا كثرت حروفه سقطت ألفه في التثنية ، فقالوا في تثنية خوزلي وقهقري خوزلان وقهقران ، وذهبوا أيضًا فيما طال من الممدود إلى أنه يحذف الحرفان الآخران ، نحو : قَاصعاء قاصعان ، وحاثِياء حاثِيَان .
رأي البصريون :
قالوا أنه لا يجوز حذف شيء من ذلك في مقصور ولا ممدود .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا إنه يجوز ذلك ؛ لأنه كثرت حروفهما وطال اللفظ بهما والتثنية توجب زيادة ألف ونون أو ياء ونون عليها ازدادا كثرة وطولا ، فاجتمع فيهما ثقلان ثقل أصليّ وثقل طارئ ؛ فجاز يحذف منهما لكثرة حروفهما كما يحذفون لكثرة الاستعمال ، نحو اشهابَّ اشهبابًا ، احمارّ احمرارًا .
حجج البصريون :
قالوا أنه لا يحذف منهما شيء ؛ لأن التثنية إنما وردت على لفظ واحد ؛ فينبغي أن لا يحذف منه شيء قلت حروفه أو كثرت نحو : جمادى جماديين ، من غير حذف .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنما قلنا إنه يحذف لكثرة حروفه وطول لفظها فيرد على ذلك البصريون ، بأن كثرة الحروف لا تكون علة موجبة للحذف ، وإنما يوجد ذلك في ألفاظ يسيرة نقلت عنهم على خلاف الأصل والقياس ، فيجب الاقتصار على تلك المواضع ولا يقاس عليها .
ـ أما قولهم باشهباب بالتشديد فمخالف لما وقع الخلاف فيه ؛ لأن الثقل فيها لازم في أصل الكلمة غير عارض .
المسألة الواحد والثلاثون
هل يجوز نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها
رأي الكوفيون :
ذهب إلى أنه يجوز نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها .
رأي البصريون :
إنه لا يجوز .
حجج الكوفيون :
احتج الكوفيون بالنقل والقياس ، أما النقل قولة تعالى " ألمَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ هُوَ " فنقل فتحة همزة الله إلى الميم قبلها ، وعن العرب :( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمَ الَحمدُ لِلهِ) ، بفتح الميم ؛ لأنه نقل فتحة همزة الحمدُ إلى الميم قبلها .
وأما القياس فلأنها همزة متحركة ؛ فجاز أن تنقل حركتها إلى الساكن قبلها كهمزة القطع ، في قولهم : من أبُوكَ ، وكَمِ أبِلُكَ .
حجج البصريون :
إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك ؛ لأن الهمزة إنما يجوز أن تنتقل حركتها إذا ثبتت في الوصل نحو : منَ أبوك ، فأما همزة الوصل فتسقط في الوصل فلا يصح أ يقال أن حركتها تنتقل إلى ما قبلها ؛ لأن نقل حركة معدومة لا يتصور ، ولو جاز أن يقال إن حركتها تنقل لكان يجب أن يثبتها في الوصل فيقول : قالَ ألرّجُل ، وذهَبَ أَلغلامُ ، حتى يجوز له أن يقدر نقل حركتها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم احتجاجهم بقولة تعالى ( ألمَ اللهُ ) فلا حجة لهم فيه ؛ لأن حركة الميم إنما كانت للالتقاء الساكنين وهما الميم واللام .
ـ وأما ما حكاه عن العرب ( الرحيمَ الحمدُ للهِ ) من فتح الميم ؛ لأنها لا إمام لها على أنه لا وجه للاحتجاج لها ؛ لأن فتح الميم فتحة إعراب ؛ لأنه لما تكرر الوصف عدل به إلى النصب على المدح بتقدير أعني .
المسألة الثانية والثلاثون
هل يجازى بكيف
رأي الكوفيون :
إلى أن كيف يجازى بها كما يُجازى بمتى وما وأينما وما أشبههما من كلمات المجازاة .
رأي البصريون :
إلى أنه لا يجوز أن يُجازى بها .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا إنه يجوز المجازاة بها ؛ لأنها مشابهة لكلمات المجاوزة في الاستفهام ألا ترى أن كيف سؤال عن الحال ، كما أن أين سؤال عن المكان ، ومتى عن الزمان ؛ ولأن معناها كمعنى كلمات المجاوزة ، ألا ترى أن معنى كيفما تكن أكن ، في أي حال تكن أكن .
حجج البصريون :
قلنا أنه لا يجوز المجاوزة بها لثلاثة أوجه وهي كالتالي :
1 ـ أنها نقصت عن سائر أخواتها ؛ لأن جوابها لا يكون إلا نكرة ؛ لأنها سؤال عن الحال والحال لا يكون إلا نكرة .
2 ـ إنما لم يجز المجاوزة بها ؛ لأنها لا يجوز الإخبار عنها ولا يعود إليها ضمير ، كما يكون ذلك في من وما وأيّ ومهما .
3 ـ أن الأصل في الجزاء أن يكون بالحرف إلا أن يضطر إلى استعمال الأسماء ولا ضرورة هاهنا تلجئ إلى المجازاة بها .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنها أشبهت كلمات المجاوزة في الاستفهام وإن معناها كالمعنى كلمات المجاوزة ، قلنا لا نسلم أن معناها كمعنى كلمات المجاوزة ؛ لأنه لا تتحقق المجازاة بها ، ألا ترى أنك إذا قلت : كيف تكن أكن ، كان معناها على أي حال تكون أكن ، فقد ضمنت له أن تكون على أحواله وصفاته كلها .
المسألة الثالثة والثلاثون
ضمير الفصل
رأي الكوفيون :
ذهب الكوفيون إلى أن ما يُفصَلُ به بين النعت والخبر يسمى عمادًا ، وله موضع من الإعراب ، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما قبله ، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما بعده .
رأي البصريون :
ذهب البصريون إلى أنه يسمى فصلاً ؛ لأنه يفصل بين النعت والخبر ، إذا كان الخبر مضارعًا ؛ لنعت الاسم ليخرج من معنى النعت ، كقولك : زيد هو العاقل ، ولا موضع له من الإعراب .
حجج الكوفيون :
قلنا إن حكمه حكم ما قبله ؛ لأنه توكيد لما قبله فتنزل منزلة النفس ، إذا كانت توكيدًا ، وكما إنك إذا قلت : جاءني زيد نفسه ، كان نفسه تابعًا لزيد في إعرابه .
أما من ذهب إلى أن حمكه حكم ما بعده قال ؛ لأنه مع ما بعده كالشيء الواحد فوجب أن يكون حكمه يمثل حكمه .
حجج البصريون :
إنه لا موضع له من الإعراب ؛ لأنه إنما دخل لمعنى وهو الفصل بين النعت والخبر ، ولهذا سميّ فصلاً كما تدخل الكاف للخطاب في ذلك وتلك .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنه توكيد لما قبله فتنزل منزلة النفس في قولهم : جاءني زيد نفسه ، فيرد على 1لك البصريون إن هذا باطلٌ ؛ لأن المكنىَّ لا يكون تأكيدًا للمظهر في شيء من كلامهم ، والمصير إلى ما ليس له نظير في كلامهم لا يجوز أن يُصَار إليه .
ـ أما قولهم إنه مع ما بعده كالشيء الواحد ، فقلنا هذا باطلٌ أيضًا ؛ لأنه لا تعلُّق له بما بعده ؛ لأنه كناية عما قبله ، فكيف يكون ما بعده كالشيء الواحد .
المسألة الرابعة والثلاثون
مراتب المعارف
رأي الكوفيون :
إلى أن الاسم المبهم ، نحو : هذا وذاك ، أعرف من الاسم العلم نحو : زيد ، عمرو .
رأي البصريون :
إلى أن الاسم العلم أعرفُ من الاسم المبهم .
حجج الكوفيون :
إنما قلنا إن الاسم المبهم أعرف من الاسم العلم وذلك ؛ لأن الاسم المبهم يُعرف بشيئين : بالعين وبالقلب ، وأما الاسم العلم فلا يعرف إلا بالقلب وحده ، وما يُعرف بشيئين أعرف مما يعرف بشيء واحد .
حجج البصريون :
قلنا أن الاسم العلم أعرف من المبهم ؛ لأن الأصل في الاسم العلم أن يوضع لشيء بعينه فلا يقع على غيره من أمته ، وإذا كان الأصل أن لا يكون له مشارك أشبه ضمير المتكلم ، وكما أن ضمير المتكلم أعرفُ من المبهم فكذلك ما أشبه .
رد الكوفيون على البصريين :
ـ أما قولهم أن الأصل في الاسم العلم أن يوضع لشيء لا يقع على غيره ويقول الكوفيون كذلك الأصل في جميع المعارف ولهذا يقال : حدُّ المعرفة ما خص الواحد من الجنس ، وهذا يشتمل على جميع المعارف ، لا على الاسم العلم دون غيره ، فيرد على ذلك الكوفيون بأننا لا نسلم أن الأصل في الاسم العلم ما ذكرتموه ، إلا أنه قد حصا فيه الاشتراك ، وزوال عن أصل وَضعِهِ ، ولهذا افتقر إلى الوصف ، ولو كان باقيًا على الأصل لما افتقر إلى الوصف ؛ لأن الأصل فيها أن يقع لشيء بعينه ، فلما جاز فيه الوصف دلَّ على زوال الأصل ، فلا يجوز أن يحمل على المضمر الذي لا يزول عن الأصل ولا يفتقر إلى الوصف في أنه أعرف من المبهم .
المسألة الخامسة والثلاثون
القول في رُبَّ اسمٌ هو أو حَرفٌ
رأي الكوفيون :
إن رُبَّ اسم .
رأي البصريون :
إنه حرف جر .
حجج الكوفيون :
1 ـ إنما قلنا اسم حملاً على كم ؛ لأن كم لعدد والتكثير ورُبَّ لعدد والتقليل ، وهذا يسمى حمل على النقيض .
2 ـ والذي يدل على أن رُبَّ ليست بحرف أنها تخالف حروف الجر وذلك في أربعة أشياء وهي كالتالي :
أ ـ أنها لا تقع إلا في صدر الكلام ، وكذلك حروف الجر .
ب ـ أنها لا تعمل إلا في نكرة وحروف الجر تعمل في النكرة والمعرفة .
ج ـ أنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة ، وحروف الجر تمل في نكرة موصوفة وغير موصوفة .
د ـ أنه لا يجوز عند كم إظهار الفعل الذي تتعلق به .
حجج البصريون :
الدليل على أنها حرف ؛ أنها لا تقبل علامات الأسماء ولا علامات الأفعال ، وإنها قد جاءت لمعنى في غيرها كالحرف .
رد البصريون على الكوفيين :
ـ أما قولهم إنما أنها اسم حملاً على كم ، فيرد على ذلك البصريون بأننا لا نسلم لذلك ؛ لأنها للتقليل فقط وكم للعدد والتكثير .
ـ أما قولهم إنها تخالف حروف الجر في أربعة أشياء : الأول أنها لا تقع إلا في صدر الكلام ، قلنا إنما لا تقع إلا في صدر الكلام ؛ لأن معناها التقليل وتقليل الشيء يقارب نفيه وحرف النفي له صدر الكلام .
الثاني : إنها لا تعمل إلا نكرة ؛ لأنها لما كان معناها التقليل ، والنكرة تدل على الكثرة ، وجب ألا تدخل إلا على النكرة التي تدل على الكثرة ؛ ليصح فيها معنى التقليل .
الثالث : إنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة ؛ لأنهم جعلوا ذلك عوضاً عن حذف الفعل الذي يتعلق به وقد يظهر الفعل للضرورة الشعرية .
الرابع : أنه لا يجوز إظهار الفعل الذي تتعلق به قلنا فعوا ذلك إيجازًا واختصارًا ، ألا ترى أنك إذا قلت : رُبَّ رجل يعلم ، كان التقدير فيه رب رجل يعلم أدركتُ أو لقيتُ .
ـ أما قولهم إنه يدخله الحذف ، والحذف لا يدخل الحرف قلنا لا نسلم ؛ فأنه قد جاء الحذف في الحرف كذلك ؛ فإن أنَّ المشددة يجوز تخيفها ، وهي حرف .