من حق الغرب الإهانة وعلينا الاذعان. ومن حقهم الإساءة وليس علينا الاحتجاج. لقد وصف أحد المتنطعين من الشرق، وأحد الحاقدين من الغرب، موقف الأمة الإسلامية فى إعلان غضبتها واستنكارها لما مس نبيهم وسيدهم صلى الله عليه وسلم بأنها ردود غوغائية تطالب بإعادة بوليس الفكر، ومحاكم التفتيش. وأقنعونا بأن الغرب هناك يعيش تحت مظلة حرية التعبيرالتى نجهلها، ووجب علينا احترامها. ولا أدرى كيف على من هان عليهم دينهم أن يقنعوننا بعدم الاحتجاج احترامًا لحرية التعبير بعدما ثار أهل حرية التعبير ذاتهم ضد من عبروا عن آرائهم بحرية ضد دينهم ورموزهم ومعتقدهم. وإذا كان الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بالأمم التحدة قد تبنى عام 1948 المادة 91 التى تفيد بأن  "حرية التعبير والرأى مكفولة للجميع دون تدخل".

فيجب العلم بأن هذه المادة تأتي ضمن قرارمن الجمعية العمومية للأمم المتحدة وليست معاهدة توقع عليها الدول، ومن ثم فهى غير ملزمة لأى من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن دولًا مثل إيطاليا وإيرلندا وهولندا قد تبنت الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، إلا أنها أصرت على التحفظ على هذه المادة التى اعتبرت أنها قد تؤثر على حق حكوماتها فى التحكم فى الإعلام. بينما فى الدنمارك ـ الدولة المنبع للرسوم المسيئة للرسول - يبيح القانون لأى شخص أن يعبرعن رأيه سواء كان ذلك من خلال الطباعة أو الكتابة أو التعبير ويمنع القانون أى نوع من الرقابة أو المحاذير على حرية التعبير. هذا بالنسبة للجانب القانونى. أما الواقع فينطق ويقول ويتفجر بخلاف ذلك. فقد رفضت الكنيسة الكاثوليكية منح الموافقة للكاتب دان براون على تصوير مشاهد الجزء الثاني من فيلمه دافينشي كود (والذى يدعى الملائكة والشياطين) فى روما، و قد أبدت المراجع الدينية استياءها ومقاطعتها لفيلم دافينشي كود للكاتب نفسه، وقال الأب ماركو فيبي : لا أعتقد أن المشاهد ستعطي انطباعًا جيدًا عن الكنيسة. وكان الكاردينال تارسيسكو بيرتوني وزير خارجية الفاتيكان، قد طلب مقاطعة ذلك الفيلم الذى وصفه بأنه مجموعة من الأكاذيب والاختراعات. بل حتى الإعلان لم تتحمله محكمة فرنسية فأصدرت حكمًا لصالح الكنيسة الكاثوليكية بحظر ملصق إعلاني قائم على لوحة ليوناردو دافينشي الشهيرة (العشاءالأخير للمسيح)، وقال القاضي في حيثيات حكمه :"إن هذا الاعلان يمثل عدوانًا على معتقدات الناس". وذلك لاعتراض الكنيسة على رؤية المصممان ماريتي وفرنسوا جيربو لتلك اللوحة حيث أظهرا فيها شخص المسيح عليه السلام وكل تلاميذه تقريباً من النساء. كذلك تضامنت السلطات في مدينة ميلانو الإيطالية فمنعت الملصق الإعلاني ذاته، وصدر أمر قضائى بإزالة الملصقات التي تحمل هذه اللوحة في غضون ثلاثة أيام، وقد بررت الوكالة المعنية بمراقبة الإعلانات في إيطاليا هذا المنع بأن "استخدام رموزمسيحية أمر يمثل إساءة لقطاع من السكان". نظروا لقطاع من السكان! كم يمثل هذا القطاع داخل مدينة تضمها دولة؟ وقارنوهم بالملايين الذين يفوق عددهم المليار ونصف المليار، ويشغلون كم مدينة وقرية وعاصمة؟ عندها ستدركون حجم الاستخفاف والاستهانة والإساءة . كما احتجّ الأساقفة الكاثوليك في بلجيكا أيضًا ضد إعلان تلفزيوني يُظهر المسيح وكأنه من (الهيبيز) يتعرّف على نساء نصف عاريات في أحد الملاهي الليليًّة، بدعوى "إن مثل هذا النوع من التصوير للمسيح لا يبدي أي نوع من الاحترام للمؤمنين ، وبالتالي من الخطأ استخدامه في الإعلان". لكن يسمح باستخدام كرسوم مسيئة وليست إعلانًا، وفى صحف سيارة! وللذين ينددون من مثقفينا ويصرخون عند مصادرة كتاب يهاجم العقيدة، نددت أيضًا الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية ولكن للمطالبة بمصادرة كتابين يهاجمان العقيدة حيث يشككان في أن السيدة العذراء كانت عذراء عندما وضعت المسيح عليه السلام. واعتبر كبير لجنة الأساقفة الفرنسيين التي راجعت الكتابين المذكورين أنهما "ينتهكان بصورة فظيعة العقيدة المسيحية"، والكتابان هما (مريم أم المسيح) للصحفي الكاثوليكي جاك دوكسنا، و(مريم والرحلة العقدية) لعالم اللاهوت دومنيك سربلو. إذ اعتبرت اللجنة أن مثل هذه الكتب قد تهز عقيدة عدد كبير من المسيحيين. وقامت ثورة في العاصمة الأسترالية سيدني ضد معرض للأعمال الفنية الدينية يُشبه صور أسامة بن لادن بصور للمسيح وتمثال لمريم العذراء. وقال رئيس الوزراء الأسترالي إن اختيار هذه الصور هو مسوغ للهجوم على المعتقدات الدينية لكثير من الأستراليين. وشن اللوبي المسيحي في أستراليا حملة تنديد واسعة ضد المعرض والقائمين عليه. لعل بعضهم سيحتج قائلاً : ولكن احتجاجهم فى الغرب لم يصاحبه عنف مثلما حدث فى شرقنا الإسلامى، ومع إنى أدين بشدة العنف المبالغ فيه والذى ثبت أنه كان بأيدِ خفية من غير المحتجين، إلا أننى أثبت وبشدة أن العنف فى الاحتجاج المسيحى الغربى كان حاضرًاً أيضًا ومن أراد أن يراجع، فأمامه ذلك الذى حدث فى السويد عندما انفجرت موجات عنف غاضبة لم تخل من شغب صاخب من المتشددين ضد صور بالحجم الكبير تمثل شخص المسيح عليه السلام وتجعله شاذًا جنسيًا في معرض للفنون بدولة السويد. جاءت تلك الصورة المسيئة مع مجموعة صور أخرى فاضحة ضمن كتاب صدر وعلى صفحاته صوروا السيد المسيح عليه السلام فى أوضاع مخلة مشينة يعف قلمى عن ذكرها، مما حدا بمجموعة من الشباب المسيحى المتطرف بمحاولة اشعال النار في الصور بالمعرض الفني، إلا أن جمهورًا من ثلاثين شخصًا من العلمانيين حاولوا منعهم فقام المتشددون بالتعدي عليهم بالضرب! وقس على هذا حالات لايتسع المقال لذكرها. غير أنه من غير العدل أن تهيننى فى عقيدتى، ثم ترسم لى حدود الرد المسموح فى رد إهانتى، فكيف يكون الغرب هو الخصم والحكم، و الجانى والجلاد فى آن واحد؟ لقد تعودنا منذ زمن بعيد معيارية الحكم المزدوج المتناقض الصادر من رجل الكاوبوى، وتابعه رجل الإسباجتى الغربى فى أمور تتعلق بالسياسة، وحقوقنا المهدرة، وسرقة أراضينا، وتاريخنا، ومواردنا! لكن أن يصل قطارهم الجائر إلى محطة مقدساتنا، فهنا تقع المسئولية على من اعتدى قبل أن تقع على من احتج. والسفيه هو من يكرر إساءاته، لا من يكرر احتجاجاته.

 

 

 

التدقيق اللغوي: مريم الهلال

 

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية