ما إن جاء الإسلام، ونزل القرآن الكريم للناس كافة ؛ تغيرت أحوالهم، واختلفت مداركهم ومعارفهم عن ذى قبل ؛ لدرجة أن التحول امتد إلى لسانهم، وشكل لغة جديدة لم تُؤْلَف من قبل، أطلق عليها الألفاظ الإسلامية، وعنى بها تلك الألفاظ التي أقرها القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف بعد مجيء الإسلام الحنيف ؛ فهي إذا ألفاظ تمت ووقعت، وجدولت في الكتب والمرجعيات اللغوية، والإسلامية، ولم تعد النظرة إليها من فرض التخمين، أو التأسيس .
ولا خلاف في كون هذه الألفاظ قد كانت سببا في تعدد وجوه الإعجاز القرآني ؛ حيث تحيرت في فهمها الألباب والأفهام ؛ فما أجملها من ألفاظ، وما أحلاها ؛ وما ثمرة الخلاف فيها إلا من باب العبث والهزل، لا من باب الاهتمام والجد ؛ يقول الله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت : 26]
إن النظرة الموضوعية للألفاظ الإسلامية تقتضي البحث في مجالات عدة، سواء في مجالات اللغة العربية، أم في مجالات التفسير القرآني، أم في مجالات الحديث النبوي الشريف، وحتى مجالات العلوم الاجتماعية ؛ فهذه الظاهرة ترتبط بالمجتمع، وبالنواحى الاجتماعية ؛ إذ إن المجتمع بما يحتكم عليه من سلطة ودين يؤثر تأثيرا قويا فى اللغة.
هذا، وقد أخذت الألفاظ الإسلامية شكلين متميزين في مجتمعنا منذ أن ظهرت، وتشكلت، تلكم الشكلان يتمثلان في البيان الرائع الممتع، وفي الدفاع عن الدين، وعدم الإساءة إليه بأي صورة من الصور ؛ فكلام الديانات كلام مقدس، له مكانته، وحرمته، بل تتعدى المكانة والحرمة إلى مسألة النطق نفسه ؛ فنطق الكلام الديني يختلف عن نطق أي كلام آخر : اللهجة مختلفة، والأصوات مرنمة، والأذهان منصتة، بل يصل الأمر في معظم الحالات إلى نطق بعض الألفاظ، والترانيم على طريقة الألغاز، التي لا يفهمها إلا رجال الدين وحدهم، أو تبقى نبراسا للإعجاز اللفظي ليوم الدين، مثل: طسم وكهيعص وغيرها من الكلمات والتراكيب التي يحفل بها تراثنا اللغوي الديني في ظل الإسلام .
ونظرا للدور البارز الذي تقوم به الألفاظ الإسلامية في مجتمعنا اهتم بها مجموعة من كبار اللغويين والمتخصصين الأفذاذ، وكان على رأسهم محاولة أبى حاتم أحمد بن حمدان الرازى ( ت : 322هـ )، والتى سجلها فى كتابه " الزينة فى المصطلحات الإسلامية العربية " ويتميز هذا الكتاب بأنه يوضح دلالة المصطلحات فى القرآن والحديث، والفقه، كما يعرض الكتاب لأصل الكلمة قبل الإسلام. كان منهم أيضا ابن قتيبة ( ت : 68هـ ) فى تفسير غريب القرآن، وتأويل مشكل الحديث. وقد ذكر المؤرخون أنَّ ابن عباس ( ت : 68هـ ) قام بتوضيح العلاقة بين ألفاظ القرآن الكريم، وألفاظ العرب العاربة.
ولأن الكلام الديني له بالغ الأثر في التأثير في النفوس أخذ الجميع ـ دون استثناء ـ في الاقتباس من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف فى الشعر، و النثر على حد سواء، بل و أيضا نجد هذا الاقتباس بين فئات المجتمع فى الكلام العادى ؛ ففى دراسة معاصرة قام بها اثنان من الباحثين بعمل إحصاء لغوى على معجم تاج العروس، وانتهت الدراسة إلى أن الكتاب يضم " 11500 " جذر لغوى فقط من خلال "12" قرن مضت، وأن الجذور اللغوية فى القرآن تبلغ " 15% " من جذور اللغة، وأن نسبة 85% من القرآن هى المستعملة، ولا يخرج عنها إلا بنسبة " 2% ".
ومن قبيل الاقتباسات الشعرية التي نضربها مثلا هاهنا قول أبي تمام :
وليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم فى واحد
ويقول لنا أيضا:
ولنا فى الرحال شيخ كبير
ولدينا بضاعة مزجاة
ويقول أيضا:
وقسمتنا الضيزى بنجد وأرضها
لنا خطوة فى عرضها ولهم قتر
وفى النثر نجد الإمام على بن أبى طالب يقول فى إحدى خطبه: " أيها الناس اتقوا الله فى سريرتكم وعلانيتكم وأمركم بالمعروف وانهوا عن المنكر "؛ فهو هنا يتأثر بالمعانى الإسلامية، وبالألفاظ الإسلامية.
والنتيجة التي نجنيها من الاقتباسات المجتمعية للألفاظ الإسلامية هي أنها تجعل التخاطب سهلا، والكلام متقبلا مسوغا، والسلوك مستجابا لكل ما يطلب منه على مستويي الأمر، والنهي .
والحقيقة التاريخية للألفاظ الإسلامية أنها أخذت الأشكال التالية :
1- أن يكون للفظ القديم دلالة إسلامية جديدة، مثل لفظ الصلاة الذى كان معناه فى الجاهلية الدعاء ثم صار يطلق فى الإسلام على الصلاة التى هى ركن من أركان الإسلام.
2- ألفاظ لم تستطع العيش مع الإسلام، فأهملت كالمرباع، والمكس.
3- ألفاظ لم يقرها الإسلام.
4- الألفاظ المصاحبة، مثل :الخليفة.
فليس من قول غير القول بضرورة الاهتمام بموروث الألفاظ الإسلامية ؛ فما أكثرها في حياتنا! وما أحلى بيانها وبيينها !