يعرف الحمل على المعنى بأن يعطى حكم الشيء ما أشبهه في معناه، أو في لفظه، أو فيهما، أو هو حمل لفظ على معنى لفظ آخر، أو تركيب على تركيب آخر؛ لشبه بين اللفظين، أو التركيبين في المعنى المجازي؛ فيأخذان حكمهما النحوي، مع ضرورة وجود قرينة لفظية، أو معنوية تدل على ملاحظة اللفظ، أو التركيبين الآخرين، ويؤمن معها اللبس. وإن أسماه بعض اللغويين غالبا بالتوهم رغم خطأ ذلك.
والحمل على المعنى مشهور جدا عند النحاة القدماء؛ فهو عندهم علة نحوية مهمة من أربع وعشرين علة؛ إنه قياس ظاهرة على ظاهرة أخرى، وإعطاء المقيس حكم المقيس عليه؛ لعلة اشتراكهما في المعنى، والمثل التالي يوضح ذلك:
مقيس عليه: صار.
مقيس: استحال.
العلة: التحمل.
الحكم: النسخ.
وقد اختلف العلماء والنحاة فى قبول الحمل على المعنى ورفضه؛ وقد برر الرافضون قولهم بأن الحمل على المعنى نوع من الغلط، ولا يجب عمل القرآن عليه، ومن أمثلتهم ابن الأنباري، أما الموافقون عليه ومنهم سيبويه وابن يعيش؛ فمذهبهم أنه يحسن العبارة ويلطف الأسلوب، يقول أحدهم: "أحسن من هذا كله أن يسلك بالعبارة طريق التخريج على التوهم، وهو غور من أغوار العربية يستلطفه العرفاء، ولا يستضعفه إلا الضعفاء.
ولا نرى حرجا من القول بالحمل على المعنى، لكن شريطة ألا يصل ذلك حد الاتساع وفتح الباب الذي لا نستطيع مستقبلا أن نواجهه، أو نحد من خطورته، ولم لا نقول به وهو وسيلة من وسائل التأويل النحوي؛ لرأب الصدع بين القواعد النحوية، والنصوص اللغوية، وفي هذه الوسيلة يقوم العنصر الدلالي (المعنى) بعلاج كثير من المخالفات اللفظية المنطوقة؛ ولأهمية الحمل على المعنى وجدنا ابن جني يقول: "اعلم أن هذا الشرج غور من العربية بعيد، ومذهب نازح فسيح، قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما؛ كتأنيث المذكر والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ الأول قد يكون عليه الأول أصلا كان ذلك اللفظ، أو فرعا".
وأثنى عليه الدكتور عبد الله جاد الكريم قائلا: "وبعد... فالشواهد على الحمل على المعنى كثيرة جدا، وأكثر من أن تحصى كما أخبرنا النحاة، وهي مبثوثة في ثنايا كتب النحو وغيرها، وما يهمنا هنا هو أن العلاقة العضوية بين الحمل على المعنى وبعض التراكيب نابعة من الدور الذي يقوم به المعنى؛ للتوفيق بين النصوص (التراكيب) والقواعد النحوية.
هذا ويمكن وضع أهم شروط الحمل على المعنى التي اُستخلِصت من كتب اللغويين والنحويين العرب في النقاط التالية:
- لا يمكن أن نحمل على المعنى إلا بعد استغناء اللفظ.
- إذا اجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى بدىء باللفظ، ثم المعنى.
- كل أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير حملا على الجنس، والتأنيث حملا على الجماعة.
- ما قيس على الحمل قيس على المعنى.
- يجوز في تمام الكلام، ويجوز أيضا في نقصانه.
والخلاصة أننا لا نلجأ إلى الحمل على المعنى إلا بعد استيفاء اللفظ الحقيقي للتركيب؛ لأن الحمل على المعنى ضرب من ضروب التأويل يلجأ إليه عند الحاجة.
هذا وينقسم الحمل على المعنى أقساما كثيرة، فينقسم من حيث طبيعته إلى نوعين، هما: مصنوع، ومطبوع، كما ينقسم من حيث نوع مركباته إلى أنواع كثيرة أهما:
- تذكير المؤنث.
– تأنيث المذكر.
- الجمع الذي يراد به الواحد.
– التضمين.
- المجاورة ويقصد بها أن عامل الجر ليس الإضافة، أو حرف الجر، وإنما مجاورة الاسم لما هو مجرور بالإضافة، أو بحروف.
ونلاحظ أن سبب كثرة هذا النوع وتعدده اعتماده على السياق الجملي.
وفي العرض التالي شواهد دالة على مجيء الحمل على المعنى في لغتنا محللة تحليلا ألسنيا موافقا لأحدث تحليل نحوي ألسني في العصر الحديث، والذي أطلق عليه مستوى التراكيب النحوية الذي يجمع بين المستوى النحوي syntax ،والمستوى الصرفي morophology ، وذلك كالتالي:
1-قال تعالى: "إن فى ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين"، حيث جاء في التفسير: "إن في ذلك لآية: الإشارة إلى ما تقدم من النبات؛ وإنما ذكره بلفظ الإفراد؛ لأنه أراد أن في كل واحد آية، أو إشارة إلى مصدر قوله أنبتنا".
وقد اتبع التحليل الألسني لهذا الشاهد القواعد التالية:
1_الحذف الإجباري: obligatory deletion
حيث حُذِف المركب الاسمي الظاهر (آيات) حذفا إجباريا، والواقع مجرورا بفي مرة، واسما للمركب الحرفي (إن) مرة أخرى.
2- الزيادة: Addition
حيث زِيدَ المركب الحرفي (إن) في بداية الجملة؛ للتوكيد.
3- الإحلال، أو التعويض: Replacement
حيث أُحلَّ المركب الاسمى (ذلك) الإشاري، المبهم محل المركب الاسمي المحذوف؛ وذلك لبيان الشيوع والكثرة بالإبهام المتمثل في اسم الإشارة. كما حل مركب الإفراد الاسمي (آية) محل المحذوف الجمع لنفس السبب.
4- النسخ: Copying
نُسِخ المركب الظرفي (في) مع معموله (ذلك) في مركب جديد، وهو مركب شبه الجملة؛ ليحل محل خبر (إن) المرفوع، وجاء على هذه الصورة؛ للتخصيص الإسنادي.
5- التقديم: Fronting
قُدِّم مركب الخبر (شبه الجملة) على مركب اسم إن (آية)؛ لإفادة التخصيص، والاهتمام بالمتقدم.
ومن الدلائل المستنبطة من هذا التركيب:
- كثرة الكفار. – الاهتمام بوسائل الإقناع. – حب المغامرات.
2- حمل غير العاقل على العاقل:
وتراكيب هذا النوع برغم الإفراط فى دراستها، وبحثها قديمة وحديثة إلا إنها لم ينوه بضمها لمبحث الحمل على المعنى، ومنه قوله تعالى: "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون"؛ حيث جاء في بعض التفاسير: "ادخلوا: خاطبتهم مخاطبة العقلاء؛ لأنها أمر لهم بما يؤمر به العقلاء".
وقد اتبع التحليل الألسني لهذا الشاهد القواعد التالية:
1- الحذف الإجباري: obligatory deletion
حيث حذف مركب المسند الفعلي، الظاهر (دخل) في هيئة الماضي حذفا إجباريا، وكذلك مركب المسند إليه، الاسمي، الظاهر (النمل)، والمحول ذهنيا من حالة الإفراد؛ إشارة للكثرة
2- الإحلال، أو التعويض: Replacement
حوِّل مركب الماضي المحذوف إلى أمر؛ للدلالة على النصح، كما أَحلّ مركب المسند إليه، الاسمي، الظاهر (الواو) محل الاسمي الظاهر، والمحول عن الجنس غير العاقل. ولولا السياق لما فهم المراد؛ يقول الدكتور بحيري: "إن الجملة في النص ذات دلالة جزئية، ولا يمكن تقرر تجديد الدلالة الحقيقية لكل جملة داخل ما يسمى بكلية النص tex taganze إلا بمراعاة الدلالات السابقة، واللاحقة في ذلك التسلسل/التتابع الجملي".
ومن الدلالات الكلية لهذا التركيب:
- وجود المساكن. – كثرة أعداد الجيوش. - انتشار الجهل.
ويعضد الكلام الآنف الذكر قول النسفي: "لا يحطمنكم: لا يكسرنكم، والحطم الكسر... (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم): ولم يقل: ادخلن؛ لأنه لما جعلها قائلة، والنمل مقولا لهم – كما يكون في أولى العقل – أجرى خطابهن مجرى خطابه".
3- حمل المثنى على الجماعة:
بمعنى ذكر الجمع، وفي الحقيقة المراد هو المثنى، ونرى هذا النمط التركيبي في تفسير قوله تعالى: "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين"، حيث قيل: "ففررت منكم: أي من فرعون وقومه؛ ولذلك جمع ضمير الخطاب بعد أن أفرده في قوله: تمنها على أن عبدت".
وقد اتبع التحليل الألسني لهذا الشاهد القواعد التالية:
1- الحذف الإجباري: obligatory deletion
حيث حُذِف مركب المسند إليه الاسمي ، الظاهر (موسى) عليه السلام، وكذلك مركب المثنى (فرعون)، و(قومه) حذفا إجباريا.
2- الزيادة: Addition
حيث زاد المركب الحرفي (الفاء) في بداية التركيب؛ لإعطاء معنى الترتيب، والسرعة، وكذا المركب الحرفي (من)؛ لبيان التخصيص.
3- الإحلال، أو التعويض: Replacement
وذلك بإحلال مركب المضمر، المتصل (التاء) محل المركب الاسمى المحذوف؛ وهذا المركب الجديد إشاريّ لذاتية الأمر. كما حل مركب المضمر (الكاف)، والدال على الجمع والكثرة محل المثنى؛ لأن كل مركب فيهما جمع في معناه.
ومن المعاني التي يكشفها التركيب السابق ما يأتي:
- كثرة القتال. – اتساع مساحة الأراضي. - حب الأولاد؛ خاصة البنين.
4- حمل المثنى على المفرد:
ونسير هنا مع قول المولى – عز وجل – " إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم"، حيث جاء في التفسير: "ليفتدوا به: إن قيل: لم وحد الضمير وقد ذكر شيئين، وهما ما فى الأرض ومثله؟ فالجواب: أنه وضع المفرد فى موضع الاثنين، وأجرى الضمير مجرى اسم الإشارة؛ كأنه قال: ليفتدوا بذلك، أن تكون (الواو) بمعنى (مع)".
وقد اتبع التحليل الألسني لهذا الشاهد القواعد التالية:
1- الحذف الإجباري: obligatory deletion
حُذِف مركب المسند الفعلي، الماضوي (افتدوا)؛ لعدم انتهاء الحدث، وكذلك حُذِف مركب المسند إليه، الاسمي، الظاهر (الكفار)، والمحول ذهنيا عن المفرد. كما حُذِف مركب المضمر المثنى (هما)، والمحول – أيضا – بطريقة ذهنية عن مفرده.
2- الزيادة: Addition
وذلك بزيادة المركب الحرفي (اللام) على المركب الفعلي؛ لإفادة التعليل، كما زاد المركب الحرفي (الباء) على مركب الخفض التكميلي؛ للتخصيص.
3- الإحلال، أو التعويض: Replacement
حيث أُحلّ مركب المضارع (يفتدوا) بدلا من مركب الماضي؛ لإفادة دوام الفعل، واستمراره حتى زمن الاستقبال. وحل مركب المضمر المجموع (الواو) بدلا من المركب الاسمي، وجاء فاعلا فى هذا التركيب، دالا على الكثرة. كما حل مركب الإفراد الاسمي (الهاء) محل المثنى على طريقة الحمل على المعنى؛ والتي ما فهمت هنا إلا عن طريق السياق.
ولقد كشف السياق السابق عن بعض الدلالات المقامية لهذا التركيب؛ مثل:
- وجود طبقة حاكمة. – تعدد السجون.
- قلة المال. – انتشار الرق.
5- حمل المؤنث على المذكر:
أي ذكر الصيغة التي تستحق التأنيث بطريقة مذكرة، ومما التقطه القلم هنا من أمثلة بينة قوله تعالى: "إن رحمت الله قريب من المحسنين"، يقول منجز المفسر: "إن رحمت الله قريب من المحسنين: حذفت تاء التأنيث من قريب، وهو خبر عن الرحمة؛ على تأويل الرحمة، أو الترحم، أو العفو؛ لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، أو لأنه صفة موصوف محذوف، وتقديره: شىء قريب، أو على تقدير النسب، أي ذات قرب، وقيل: هنا ليس خبرا عن الرحمة؛ وإنما هو ظرف لها".
6- التضمين:
ويعرف بأنه إنابة بعض الحروف والكلمات عن بعض. وأول من سماه بهذا الاسم البصريون، وخصوه بالأفعال، أما الكوفيون فقد وسعوا دائرته؛ لتشمل الحروف أيضا.
والتضمين جاء على خلاف الأصل النحوي ، وهو فرع من فروع ظاهرة الحمل على المعنى في التراث النحوي؛ إذن فهو يعتمد على المعنى بصورة كبيرة؛ يقول الذكتور جاد الكريم: "فباب التضمين النحوى ما هو إلا دراسة للمعنى؛ لأن الاعتماد على اللفظ المنطوق فحسب لا يكفى في تفسير الأسلوب؛ لأن فيه كسرا لقانون اللغة؛ فقد يتعدى اللازم، أو يلزم المتعدى، ولكن الذي يفسر كل هذه العلاقات النحوية هو النظر في المعنى؛ فوضوح المعنى هو الذي أباح كل هذه المخالفات".
ومما قيل من الآراء النحوية في التضمين ما يأتي:
- أنه يلجأ للتضمين للضرورة؛ لمسايرة الحياة.
- لابد من أن تؤرخ الألفاظ، وتقيد بعصورها، وبقائليها ، حاسبين للأقاليم، والمجتمعات حسابها في الاستعمالات، وما شاع بينها من فنون القول؛ وبهذا تفيد المعجمية العربية فائدة جليلة؛ فيعاد بناء المعجمات المطولة على أساس جديد، بمراعاة الظروف التاريخية، وتطورها، وانعكاس هذه الظروف المتطورة في المادة اللغوية؛ ومن هنا تأتي ضرورة القيام بمعجم تاريخي.
- الجدل فيه لا يغني، ولا يذر، ومن الضروري الغوص في أعماق السطور.
و يدل التضمين على دلالات متباينة بحسب المادة التي استعمل فيها، واستفادت منه. وهو يدخل فى العلوم اللسانية جميعا؛ مثل ذلك فيما يأتي: البلاغة، والعروض، والنحو.
يقول الدكتور إبراهيم السامرائي: "وتحت التضمين الذى ندرسه يظهر اضطراب علماء العربية القائلين به؛ فهناك نصوص تند عما وضعوه من أحكام وقيود، لم يجدوا إلى حلها غير القول بالتضمين، ولابد للباحث في علم الدلالات Semantique بغية الإفادة منه في اللغة العربية، أن يعاني صعوبة البحث إذا ما أراد أن يخلص للمنهج السليم، ولا سيما في عصورنا الحديثة".
ويدخل التضمين في الأسماء، والأفعال، والحروف؛ فمن نماذجه في الأسماء تفسير قوله تعالى: "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"، حيث ورد: "إنا أرسلناك بالحق: خطاب للنبى – صلى الله عليه وسلم -، والمراد بالحق التوحيد، وكل ما جاءت به الشريعة".
ومنه في الأفعال قوله تعالى: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين: أي: سلطناهم عليهم بالإغواء، وذلك حين قال لإبليس: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك". وقيل: أرسلنا أي: خلينا؛ يقال: أرسلت البعير أي: خليته، أي: خلينا الشياطين وإياهم، ولم نعصمهم من القبول منهم".
أما في الحروف فنراه في قوله تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع"، حيث ورد الرأي بإمكانية تفسير الباء هنا بمعنى عن.
مراجع المقال:
1- د . (جاد الكريم) عبد الله: التوهم عند النحاة، والمعنى والنحو.
2- ( ابن جني ) أبو الفتح: الخصائص.
3- د . (حبلص) محمد: الحمل على المعنى عند النحاة العرب.
4- المبرد: المقتضب.
5- د . (بحيري) سعيد: علم لغة النص .
6- د . (هلال) عبد الله الحسيني: تذكير المؤنث بين السماع والقياس.
7- ابن طولون الدمشقي: تحفة الطالبين في إعراب قوله تعالى: "إن رحمة الله قريب من المحسنين ".
8- د . (ضيف) شوقي: تيسيرات لغوية .
9- ( البراجة ) جابر: مخالفة الأصل .
10-د . (السامرائي) إبراهيم: فقه اللغة المقارن.
11-د . (الخضري) محمد: من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم.
12-د . (أبي حسين) محمد: الدرس الدلالي في فتح الباري لابن حجر العسقلاني
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.