الكاتب و الصحافي الجزائري يحي أبو زكريا لناشري:
- نشرت أوّل مقالة احترافية عندما كنت في السادسة عشرة
- وضع الجنود الفرنسيون صخرة في بطن خالي ورموه إلى البحر
- تم اقتيادي إلى مخفر الشرطة عندما كنت في الثالثة عشرة بتهمة إلقاء محاضرة عن الاستبداد
- زوجتي لبنانية ... و هي قارئتي الأولى و ناقدتي
- موهبة ابنتي زينب أدهشت السويديين
- صداقتي بأبي أصيل (د. فيصل القاسم) من الأشياء الثمينة جدا في حياتي !
- ترجمت أعمالا أدبية للعديد من الأدباء العرب
- هذا ما قاله القاضي السويدي عندما اختلف المسلمون في المسجد
- مسؤول أمني كبير قال لي " هذا الملف فيه كل شاردة وواردة عنك" , فقلت له شكرا لقد ساعدتموني على كتابة مذكراتي !
- فرنسا عندما غادرت الجزائر تركت وراءها جيشا كبيرا ممن كان ولاؤهم لفرنسا
- في عهد بومدين حدث تحالف بين الشيوعيين والفرانكفونيين لتجفيف منابع اللغة العربية
-هناك أكثر من جدار برلين بين المسلمين والمجتمع الأوروبي
- المسلم في الغالب الأعم ليس مستعدا أنّ يدعم أو يشتري جريدة حتى لو كانت تدافع عنه !
- أنا والحرف توأمان
- أتمنى العودة إلى الجزائر، لكن وأن ألقى الله مظلوما خير لي من أن ألقاه ظالما
تابعوا معنا الحوار:
أبوزكريا: الحياة الشخصية و الإعلاميــــة :
أتمنى العودة إلى الجزائر، لكن وأن ألقى الله مظلوما خير لي من أن ألقاه ظالماً
حدثنا عن طفولتك و صباك في الجزائر. و لك كيف غادرت.
أنتمي إلى جيل الإستقلال هذا الجيل الذي كان يأمل أن يبني الجزائر وفق رؤية ثورة نوفمبر المجيدة حيث ضحّى أباؤنا بمليونين من الشهداء من أجل عزة الجزائر وكرامتها , كان والدي من الثوّار الذين قاوموا المستعمر الفرنسي وتعرضّ للسجن والتعذيب , وكان الجنود الفرنسيون يشقون لحمه بالسكين و يسكبون ملحا على الجرح , وقد عشت طفولتي على وقع تلك الجراح , حيث كثيرا ما كان والدي يريني تلك الجروح ويقول لي هذا ما فعلته بنا فرنسا , وكنت أعيش على وقع إستشهاد خالي الذي وضع الجنود الفرنسيون صخرة في بطنه ورموه إلى البحر فمات غرقا مع العديد من شهداء الجزائر , و وقد أضيفت إلى هذه التراكمات المآسي الأخرى في واقعنا العربي والإسلامي التي كان والدي حريصا على تلقيني إياها , طفولتي كانت ملئ بالهمّ الحضاري إلى درجة أنني في يوم من الإيام وعندما كنت في الحافلة متوجها إلى بيتي , أخذت ألقي محاضرة على ركّاب الحافلة عن الظلم و الإستبداد و سرقة الثورة الجزائرية , فما كان من السائق إلاّ أن أوقف الحافلة قرب مقرّ الشرطة وسلمني للشرطة , ومكثت في قسم الشرطة ساعتين حتى رقّ قلب أحدهم عليّ وقال لي : إذهب إلى بيتك ولا تعد إلى هذا الهراء , و كان عمري عندها 13 سنة .
لقد كنت متفوقا في كل المراحل الدراسيّة وأنهيت كل المراحل بتفوّق شديد , وحصلت على العديد من الجوائز , غير أنّ العديد من أساتذتي كانوا يبدون تعبهم لدى تصحيح أوراق إمتحاناتي ولم يكن ذلك بسبب رداءة الخطّ , بل كنت أطيل في الإجابة وبشكل يدعو للغرابة والدهشة , فعندما يرد سؤال واحد في مادة التاريخ مثلا , كان جميع التلاميذ يجيبون في نصف صفحة أو صفحة على الأكثر أما أنا فكنت أجيب في أربعين صفحة كاملة , وذلك ينطبق على بقية المواد الأدبية و الإنسانية , إلى درجة أنّ أستاذة الجغرافيا دعت والدي لتخبره بضرورة الحفاظ عليّ لأنّه سيكون ليّ شأن في المستقبل .
ولم تخل هذه الطفولة من بعض العذابات , حيث تعرضّ والدي إلى مرض أنهكه وبقينا بلا معيل وبدأت رحلة الأوجاع حيث باع والدي المحل الكبير الذي كان يملكه والذي كان مصدر رزقنا وعشنا أياما صعبة للغاية أعترف أنّها ساهمت في إنضاج ملكة الصبر لديّ والتي رافقتني لاحقا في سنيّ المنافي و أرصفة الهجرة من وطن إلى وطن بحثا عن وطن .
كيف كانت بداياتك الكتابية و أين نشرت أول مقالة لك؟
الواقع أنني عشت طفولة غير عاديّة على الإطلاق , فقد كان الكتاب بالنسبة إليّ هو الرفيق والصديق والأخ والحبيب و الشريك الوفيّ في كل مسارات حياتي , وكثيرا ما كنت أقرأ بين كتابين إلى خمس كتب يوميا في إيّام الصبا , وهذه القارات الثقافية التي كنت أجوب فيها من خلال القرطاس والورق فتحت ليّ مجالات واسعة ووفرت لي قاعدة صلبة للشروع في الكتابة والتي لازمتني في وقت مبكّر من حياتي , لم يكن لي أصدقاء كثر كشأن الأطفال كنت وبمجرّد أن أعود من المدرسة الإبتدائية أو المتوسطة إلى البيت أسجن نفسي في غرفة ملئ بالكتب وكانت متعتي كبيرة وأنا أجول في كتب تتناول كل تفاصيل الثقافة من التفسير وإلى قصص الأنبياء إلى روايات فيكتور هيجو و المنفلوطي وعبقريات العقّاد وأيام طه حسين و عبد الحميد بن باديس .
كل الأموال التي كان يعطيني إياها أبي كنت أصرفها على شراء الكتب , و كنت كلمّا أتممت كتابا أكتب على صفحته الأولى : مقروء والحمد للّه .
وعلى الرغم من سيطرة الثقافة واللغة الفرنسية على الواقع الثقافي الجزائري إلاّ أنّ هذه اللغة لم تؤثّر عليّ قيد أنملة رغم أنني كنت أقرأ الأدب الفرنسي باللغة الفرنسية , فقد كان إنجذابي كله إلى لغة الضاد التي نشأت على الحديث بها منذ كنت صغيرا و لا أحسن أي لهجة عربية أخرى , واللغة العربية بالنسبة إليّ شخصيتي ومسلكيتي و حياتي , هذه الأجواء مهدّت لبداياتي في مجال الكتابة , حيث كانت أول مقالة إحترافية نشرت لي في جريدة الشعب الجزائرية عن المسرح الجزائري و كان عمري 16 سنة .
وكثيرا ما كنت أستحضر قول عبّاس محمود العقّاد عندما أتهمّ بالعزلة و الإنطواء والميل إلى القراءة فقال :
ألا يعرف الذين إتهمونا بالعزلة أننا عندما نقرأ كتب الدين نعرف من أين وإلى أين , وعندما نقرأ كتب الشعر نتعرف إلى الأحاسيس البشريّة , وعندما نقرأ كتب التاريخ نعرف حركته والذين أثروا فيه , فنكون بذلك قد أضفنا إلى عمرنا أعمارا وإلى حضارتنا حضارات .
هل زوجتك عربية؟ كيف التقيت بها و هل لها ذات اهتماماتك الثقافية؟
أنا متزوج من السيدة اللبنانية ليلى طالب غصن من جنوبي لبنان , وقد تزوجتها في أوج تعرض الجنوب اللبناني إلى المحنة الشديدة جرّاء الإحتلال الصهيوني لجزء كبير من جنوب لبنان , وقد صمدت معي في السراء والضراء رغم أنني أتعبتها بكثرة الترحال من وطن إلى وطن , و عندما أنهيت تأليف كتابي الذي يحمل عنوان : أربع أيام ساخنة في الجزائر , وهو القصة الكاملة لمحاكمة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ , أهديت هذا الكتاب لزوجتي وقد ورد في الإهداء , إلى زوجتي ليلى التي تحملّت معي وعثاء السفر وتنقلّت معي من وطن إلى وطن بحثا عن وطن وهي قارئتي الأولى وناقدة من الطراز الأوّل .
عرّفنا أكثر على أبنائك. هل منهم من ورث ولع والده بالكتابة؟
لديّ أربع أبناء علي 13 سنة , زينب 12 سنة , بتول 7 سنوات , عبير 4 سنوات و كلهم يتحدثون اللغة العربية الفصيحة ويحبون الفكر والثقافة , غير أنّ موهبة زينب أدهشت السويديين حيث تكتب القصة والشعر باللغة السويدية وإنتهت من وضع كتاب عن معاناة اللاجئين باللغة السويدية , و هي المحجبّة الوحيدة في مدرسة كل تلاميذتها من السويديين و مع ذلك إستطاعت أن تفهم معظم التلاميذ بأنّ الحجاب لا يحجر على الفكر والإبداع كما يدعّي البعض والدليل أنا أمامكم , كما تقول دوما .
أين تكتب حاليا؟
أكتب في العديد من الجرائد والمجلات من قبيل : الوطن القطرية , المجتمع الكويتية , البيان السعودية , عرب تايمز , إيلاف و ناشري وغيرها من المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية .
و هل تقوم بعمل آخر بجانب الكتابة؟
منذ أزيد من عقدين و عملي الوحيد هو الصحافة والكتابة والتأليف والبحث الأكاديمي وعملت وأعمل في وسائل الإعلام بكل شقوقها المكتوب والسمعي والمرئي وقد أخرجت العديد من البرامج السياسية لصالح بعض الفضائيات العربية , وعملي الوحيد هو الإبداع و الإبحار في قارات الثقافة فأنا والحرف توأمان , وأعتبر أنّ موتي سيحين عندما أفكّر مجرد تفكير أنني سأكون في واد و الحرف العربي بما يعنيه من ثقافة وفكر ورقيّ حضاري في واد آخر .
شاركت في برنامج الإتجاة المعاكس قرابة الست مرات. أخبرنا عن هذه التجربة، و عن د. فيصل القاسم. هل هو مثير للجدل حقا أم يصطنع هذه الشخصية؟
في الواقع شاركت في برنامج الإتجاه المعاكس الذي يديره الصحفي السوري اللامع فيصل القاسم في قناة الجزيرة في قطر في سبع حلقات الأولى بعنوان قانون الوئام المدني في الجزائر مع رئيس الحكومة الجزائريّة الأسبق رضا مالك سنة 1999 , والثانية بعنوان التغلغل الصهيوني في المغرب العربي مع أبي بكر ولد عثمان رئيس جمعية التطبيع مع الكيّان الصهيوني في موريتانيا سنة 2000 والحلقة الثالثة عن الجيوش العربيّة مع الوزير اللبناني السابق ميشيل إدة سنة 2002 والحلقة الرابعة عن السياحة العربيّة البينيّة مع الأمين العام للسياحة والفنادق العربيّة خالد سليمان سنة 2002 والحلقة الخامسة عن الشارع العربي مع الدكتور موفق الربيعي من العراق سنة 2002 والحلقة السادسة عن الإنهيار العربي الشامل مع المؤرخ المصري أحمد عثمان سنة 2003 والحلقة السابعة عن جماعات العنف مع الكاتب المصري علي عبد الرحيم 2004 .
والأخ الفاضل والصحفي اللامع فيصل القاسم صديق عزيز ومثابر جاد وشخصية إعلامية فذّة تعرف كيف تتعامل مع الفكرة ونقيضها في آن , وهو قارئ جيد للخارطة الثقافية والفكرية و السياسية في العالم العربي كما في الغرب , و ربما ثقافة فيصل القاسم هي التي أهلته ليكون صاحب أول برنامج حواري جاد في العالم العربي كبرنامج الإتجاه المعاكس والذي في نظري سيعمّر كثيرا . وأعتبر صداقتي لفيصل أبي أصيل وبردى – لفيصل ولد وهو أصيل وبنت هي بردى – من الأشياء الثمينة جدا في حياتي .
يحي أبو زكريا ضيفا في الإتجاه المعاكس
كيف تقيّم الجزيرة بعد تزاحم الساحة الفضائية بغير قنوات كالعربية و الاخبارية؟
لا شكّ أنّ القنوات الفضائية العربية تتراكم خبراتها الإعلامية من يوم لآخر , غير أن قناة الجزيرة إستطاعت أن تترك بصمتها بقوة على الساحة الإعلامية العربية والدولية , و قد باتت معروفة للعديد من المتابعين في الغرب .
الجزائر :
ما هو تفسير العمليات الارهابية البشعة التي كانت تحدث بالجزائر؟
ما حدث في الجزائر يندرج في سياق الفتنة الكبرى التي ساهمت العديد من الأطراف في إضرامها , وهذه العمليات تنمّ عن وحشية الإنسان عندما يتخلى عن إنسانيته كما تعكس عمق الكراهية التي سادت بين أبناء المجتمع الواحد , و أرجو أن تعود إلى بعض كتبي لتفهم سبب إندلاع الفتنة الكبرى في الجزائر والمسؤول عن المجازر البشعة التي كانت تحدث في الجزائر .
هل صحيح أن المخابرات الفرنسية والأمريكية ساهمتا في الإطاحة بإبن بلة كما يقول هو و لماذا لم يعمد بومدين إلى فرض التعريب !
وفيما يتعلّق بوجود دور للمخابرات الفرنسية والأمريكية في الإطاحة بالرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة ونظام حكمه في 19 حزيران – يونيو 1965 منعا لإنعقاد مؤتمر عدم الإنحياز في الجزائر , فإنني في هذا السيّاق أؤكّد بأنّ المخابرات الفرنسية كما الأمريكية كانت تهتمان إلى أبعد الحدود بالجزائر ولكل جهاز سببه الخاص , ففرنسا عندما غادرت الجزائر تركت وراءها جيشا كبيرا من الإداريين والعملاء وضباط الجيش والتكنوقراط الذين كان ولاؤهم لفرنسا وليس للجزائر العربية المسلمة , وهؤلاء وبحكم حصولهم على مستوى تعليمي جيّد فقد وجدوا أنفسهم تلقائيا في المناصب الحساسّة بحكم حاجة الدولة الجزائرية الفتية إلى حملة الشهادات العلمية و معظمهم كان من أبناء الإقطاعيين الذين كانوا متعاونين مع فرنسا ضدّ الثورة الجزائرية أو أبناء العوائل الفرانكفونية التي ذابت في ثقافة المستعمر , وهؤلاء قدموا خدمة جليلة لفرنسا بعد خروجها من الجزائر وربما لأجل ذلك صرّح الجنرال شارل ديغول وهو يغادر الجزائر بأنّ فرنسا تركت في الجزائر بذورا ستينع بعد حين وهو ما حدث , وقد تورطّت المخابرات الفرنسية في العديد من العمليات الأمنية في الجزائر من قبيل تفجير مقر جريدة المجاهد الناطق بلسان حزب جبهة التحرير الوطني في العهد الأحادي في الجزائر ومحاولة تسليح منطقة القبائل وغيرها من العمليات التي ما زالت طيّ الكتمان .
وإهتمام أمريكا بالجزائر في ذلك الوقت يعود لسببين وهما الثروات الهائلة للجزائر من نفط وغاز و وجود إحتياط هائل منهما في صحراء جزائرية مساحتها مليونان كيلومتر مربّع , و إنضمام الجزائر إلى المحور الإشتراكي الذي كانت تتزعمّه في ذلك الوقت موسكو .
غير أنّ الزعيم الجزائري أحمد بن بلة لم يقدّم الدليل على ما قاله من أنّ المخابرات الفرنسية والأمريكية قد أطاحتا به من خلال وزير الدفاع هواري بومدين , وقد قاده إلى هذا القول إستنتاجه الخاص خصوصا إذا علمنا أنّ بن بلة كان حليفا لجمال عبد الناصر و لدول المحور الإشتراكي كموسكو وبكين و هافانا وكان صديقا حميما لجي غيفارا الذي إستضافه بن بلة في الجزائر وأقام في فيلا خاصة في وسط الجزائر العاصمة قبل أن يدعوه ثوّار وسط إفريقيا حيث لبّى دعوتهم .
أنا و الحرف توأمان :
لماذا لم يفرض الرئيس بو مدين اللغة العربية و يمحي أثر اللغة الفرنسية و قد كان لدية القوة الكافية لفعل ما يشاء في الجزائر؟
وفيما يتعلقّ بالسؤال الثاني والذي يتعلّق بعدم جنوح بومدين إلى فرض اللغة العربية رغم وجود القدرة الكافية لديه , فإنّه يجب القول بأنّ اللغة الفرنسية أصبحت فعليّا بعد الإستقلال في الجزائر 05 تمّوز – يوليو 1962 سيدّة الموقف , فقد كانت لغة التعليم والإدراة والمراسلات السياسية والديبلوماسيّة و تمكنّ الفرانكفونيون و الموالون ثقافيّا لفرنسا من تأسيس لوبي فرانكفوني حقيقي قام بمحاصرة اللغة العربية والثقافة الإسلامية في كل المواقع , وكان يتطلّب إعادة الإعتبار للغة العربية و الثقافة الإسلامية في الجزائر الإطاحة بكل هذا الجيش العرمرم من أتباع ثقافة فرنسا أو ثقافة فافا كما يسميها الجزائريون , وهذا كان يعني إفراغ الإدارة الجزائرية من كم بشري هائل , وحتى لما طلب – بضمّ الطاء - من هواري بومدين أن يقيل الضبّاط الجزائريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي قال أنّه في حاجة إلى خبرتهم , وكم كنت أتألم عندما أسمع رجالات القرار والسياسة والديبلوماسية يتكلمون باللغة الفرنسية بدل اللغة العربية وكنت دائما أقول دفعنا مليونين من الشهداء وما زالت اللغة الفرنسية سيدة الموقف في الجزائر .
وفي عهد بومدين حدث تحالف كبير بين الشيوعيين والفرانكفونيين وقروا تجفيف منابع اللغة العربية حيث تمّ حظر جمعية القيّم و معاهد التعليم الأصلي التي كانت تدرّس اللغة العربية .
وفي نظري فإنّ هواري بومدين لم يكن يقدّر خطورة التغلغل الفرانكفوني في دوائر الدولة , وكان يغلّب الهمّ السياسي على الثقافي , و قد إتضحّ لاحقا أنّ عدم الفصل في قضيّة الهويّة في الجزائر هو الذي أنتج الحرب الأهلية الضروس في الجزائر !!
الحياة في السويد ... و المسلون في أوربا :
صورة ليحي أبو زكريا مع وزير الخارجية السويدي يان كارلسون
هلا أعطيتنا فكرة عن الحياة الأدبية في السويد .. وهل للأدب العربي المترجم وجود فيها؟
الحياة الأدبية في السويد مزدهرة إلى أبعد الحدود , و الدولة السويدية تصرف ملايين الدولارات على الثقافة و التعليم وهو الأمر الذي أنعش قطاع الثقافة , و الأدب تحديدا منتعش إلى أبعد الحدود , وتزدهر الخارطة الأدبية السويدية بعشرات الأسماء المهمّة مثل أغوست ستراندبيري , و ليام موبيري , غونار إيكيلوف و سلمى لوغرلوف و غيرهم .
أما فيما يخص الأدب العربي فللإشارة فإن اللغة العربية والآداب العربية والحضارة العربية تدرّس في كل الجامعات السويدية و يحصل الطالب بعد أربع سنوات على درجة اليسانس وتخولّه هذه الشهادة العمل في وزارة الخارجية أو المنظمات السويدية في العالم العربي .
و قد ترجمت أعمال أدبية للعديد من الأدباء العرب كنجيب محفوظ وأدونيس و محمود درويش وطه حسين و قد إزداد الإقبال على الأدب العربي بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة ألفريد نوبل السويدي هذه الجائزة التي تمنحها الأكاديمية السويدية سنويا للمبدعين في مجالات مختلفة والتي تمنح من تركة ألفريد نوبل التي نمت مع مرور السنين .
هل تقديم الأدب العربي للترجمة من جانبك يخضع لأسماء مشهورة أم لقدرات إبداعية؟
مبدئيا أشير إلى أنني لا أترجم المشاهير العرب إلى اللغة السويدية أو المشاهير السويديين إلى اللغة العربية فحسب , بل الأهم بالنسبة إليّ أن يكون النص مثيرا جذابّا محركا للوجدان والعقل , و أحيانا أقوم بترجمة عبارات لكتاب أو صحفيين سويديين مغمورين لكن لعباراتهم وقع كبير في النفوس وإنصاف موضوعي للحضارة العربية والإسلامية , وأحيانا أقوم بترجمة أقوال وتصريحات سياسيين كتصريحات وزيرة الخارجية السويدية المغتالة آنا ليند التي كانت تنتصر للقضايا العربية , فالعبرة هي بالفكرة والنص وأمنيتي أن أقوم بتأسيس مؤسسّة وقد شرعت في ذلك من خلال وضع اللبنات الأولى للمركز العربي السويدي للدراسات والنشر حيث لديّ أمل كبير بنقل كل تراثنا العربي إلى اللغة السويدية وبقية اللغات الأوروبية , وهناك فقر كبير في هذا المجال . والغربي وبحكم إدمانه على القراءة يبحث عن كل جديد , وللأسف فإنّ الذين تمكنوا من نقل أدبهم إلى اللغات الغربية الأخرى من أبناء جلدتنا هم الذين يسبون الحضارة العربية والإسلامية ويعتبرون الإسلام عيبا حضاريا مشوها و نقلوا هذا التشويه الفكري إلى أبناء الحضارة الغربية.
كيف هي السويد بعد الحادي عشر من سبتمبر. هل تغير الوضع على العرب و المسلمين. هل الشعب السويدي كما يشاع متخوف من المهاجرين و يمارس التمييز ضدهم؟
مازال المسلمون يتمتعون بكافة حقوقهم السياسية و المدنية , ولم يتغيّر وضعهم قيد أنملة , والرسميون السويديون حريصون على إبداء إحترامهم للمسلمين في كل مناسبة , و بالمناسبة فقد زار الملك السويدي كارل غوستاف السادس عشر قبل فترة وجيزة مسجد ستوكهولم المركزي , وكذلك فعل العديد من المسؤولين السويديين .
وللمسلمين كل الحقّ في رفع أي دعوى قضائية من يميّز ضدهم , و الدعاوى من هذا القيبل ضئيلة أو معدومة ومعروف أنّ الشعب السويدي شعب بسيط ومسالم .
هل صادفت حادثا تمييزا في السويد بصفتك عربيا أو مسلما؟
في يوم من الأيّام وقع خلاف بين مجموعتين مسلمتين حول إدارة مسجد كبير في السويد وقد أثرّ هذا الخلاف التافه على السير العادي للمسجد , وقد دعاني أهل الفضل لأترأسّ لجنة وساطة تنهي الخلاف بين الطرفين , ومما قاله القاضي السويدي للطرفين :
أيها الطرفان المسلمان شئتما أم أبيتما عليكما بالإتفاق لأنّ بيت الله هو المكان الوحيد الذي تجتمعون فيه ويجب أن تلاقوا الله وأنتم متفقون , فعجبت عندها لحكمة هذا القاضي ولتفاهة بعض المسلمين الذين نقلوا خلافاتهم الطائفية والمذهبية والفقهية إلى الغرب , وبدل أن ينشروا محاسن الحضارة الإسلامية راحوا ينشرون فكر التفرقة والتجزئة .
التأثير المسلم في أوروبا يتطلب إندماجاً حقيقياً مع هموم وقضايا المواطن الأوروبي، هل نجح المسلمون هناك بهذا ؟ أم تراهم نقلوا هموم وقضايا المسلمين العرب معهم ؟
الواقع الذي تؤكّده مشاهداتي الحيّة و خبراتي الطويلة في العديد من العواصم الغربية أنّ هناك أكثر من جدار برلين بين المسلمين والمجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه , وهذه الإشكالية الكبيرة والمعقدة لم يبصرها المهتّم بالشأن الإسلامي في الغرب فقط بل أصبحت محل تتبّع وبحث العديد من الباحثين الذين كتبوا في هذا المجال , فالمسلم يعيش بجسده فقط بين الغربيين والأوربيين ولكن أحاسيسه وعواطفه و مشربه الفكري ما زال في العالم العربي والإسلامي , ففي السويد مثلا حيث أعيش هناك آلاف العوائل العربية والمسلمة لا تشاهد على الإطلاق نشرات الأخبار السويدية ولا تتابع مطلقا البرامج السياسية والثقافية التي تبثها القنوات السويدية والتي الكثير منها على علاقة بواقع المهاجرين المسلمين في السويد , وكثيرا ما كنت أسأل بعض المسلمين هل شاهدتم حصّة القناة الأولى السويدية البارحة عن الحجاب والختان , أو عن المجتمعات الإسلامية في القناة الرابعة فيقولون لي لا والله لقد سهرنا مع فيلم لعادل إمام بثته هذه الفضائية , أو سهرنا مع هذه المسرحية أو تلك لهذه الفضائية العربية , وهذه المعضلة جعلت آلاف المسلمين يتأخرون في تعلم اللغة السويدية التي هي المفتاح الأساس إلى المجتمع الذي يعيشون فيه , و بات لديهم فقر معلوماتي عن المجتمع الذي يعيشون فيه .
هذا ناهيك عن الصراعات المذهبية والفكرية وحتى الجهوية التي نشاهدها في واقعنا العربي فقد جرى إستيراد نفس المعضلات , وهو الأمر الذي جعلني أقول في محاضرة لي ألقيتها في السويد عن العقل العربي و أمام جمع كبير من أبناء جلدتي :
أنّ الحضارة الغربية جاءتنا إلى عقر دارنا فما أستفدنا منها و جئناها إلى عقر دارها وما زلنا نراوح مكاننا والعجيب أنّنا أخذنا مساوئ الحضارة الغربية دون محاسنها وصدرنّا لهم مساوئنا دون محاسن حضارتنا فتراكمت المساوئ لدينا وكل ذلك بأيدينا .
ألا يوجد من المسلمين الأوروبيين من يقدر على إقامة المؤسسات الإسلامية بدلاً من إستمرار الإعتماد على القيادات المهاجرة ؟
نعم هناك العديد من الشخصيات الغربية التي أسلمت وقدمّت خدمات جليلة للحضارة الإسلامية وبعض هذه الشخصيات عندما بدأت العمل مع بعض القيادات الإسلامية أصيبت بالذهول نظرا لوجود حالتي الفوضى وسرقة الأموال بين بعض الجمعيات الإسلامية وهو الأمر الذي أثرّ سلبا على هذه الشخصيات الني نشأت على النظام والإنضباط وتحكيم الأجندة في كل صغيرة وكبيرة , بالإضافة إلى ذلك فإنّه لا يوجد إستراتيجية محكمة في كيفية التغلغل إلى الدائرة الغربية بعناصر غربية , تماما كما ينصّر الفاتيكان مسلمي الجزائر بمنصرين جزائريين , و مسلمي ساحل العاج بمنصرين من ساحل العاج , وهذا الجانب إذا جرى إستثماره فسوف نحققّ الكثير وفي ظرف قيّاسي .
لماذا لا تكون هناك صحيفة أوربية مسلمة قاريّة تقرِّب الجالية هناك من بعضها البعض في ظل التقارب والاندماج الأوروبي - الأوروبي ؟
المصيبة الكبرى في الغرب وبين الجالية المسلمة أنّ التفكير الإستراتيجي غائب تماما , وبصراحة فإنّ المسلم في الغالب الأعم غير معني بالمسألة الثقافية وليس مستعدا أنّ يدعم جريدة أو يشتري جريدة حتى لو كانت تدافع عنه .
ولديّ تجربة في هذا السياق في السويد حيث كنت أعمل على تأسيس جريدة يومية تتولى إيصال الصوت الإسلامي إلى المسؤولين السويديين من جهة وتطلع القارئ العربي في العالم العربي عن الأخبار الدقيقة لما يدور في الكواليس الغربية عن أمور لها علاقة مباشرة بعالمنا العربي والإسلامي وكنت في حاجة مبدئيا إلى ألفيّ – 2000- مشتركا يدفعون ثمن الإشتراك السنوي لبداية سحب الجريدة من المطبعة , ورغم شهرتي الكبيرة في الأوساط العربية و الإسلامية فإنني حصلت على موافقة 150 شخصا بدفع الإشتراك فقط .ونفس المشكلة السائدة في العالم العربي و الإسلامي حيث ضآلة المقروئيّة وهجران الثقافة موجودة بعينها وسط الجالية العربية و المسلمة المنشغلة فقط بجمع العملة الصعبة .
" وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً" (الفرقان : 30 )
أقترح إقامة وقفية للحجاب الفرنسي ، وأعني بذلك مشروع وقفي يصرف ريعه على ضمان التعليم المناسب للمسلمات المحجبات هناك ، سواء بفتح مدارس لهن أو مواصلات وسكن ملائم في مدن أخرى أو ... الخ ، ما رأيك ؟
فكرة رائعة جدا أخي أسامة الماجد وكفيلة بإحداث نقلة إيجابية غير متوقعة وأنا مستعّد للمساهمة , فهل نبدأ ومتى نبدأ !
هل صادفك موقف طريف أو محرج جراء مقالة نشرتها؟
كل مقالاتي ودراساتي كانت تسببّ لي حرجا مع جهات عليا في العديد من الدول بدءا بالجزائر ومرورا ببعض الدول التي قطنت فيها , وفي يوم من الأيام دعتني جهة معينة في الجزائر و عرفني الضابط الذي إستقبلني بنفسه وقال لي : أنا المكلّف بقراءة مقالاتك , فقلت لها مرحى بالديموقراطية , وفي يوم من الإيام كنت أقيم في عاصمة عربية وبسبب مقالاتي في جريدة مشهورة في تلك العاصمة دعتني أيضا جهة عليا وطلبت مني مغادرة القطر في خلال شهر , و حملت زوجتي وأولادي وإنتقلنا إلى المجهول , و في يوم من الإيام أخذ مسؤول أمني كبير في دولة عربية يتصفح ملفي الثقيل , فقال لي : يا أستاذ يحي هذا الملف فيه كل شاردة وواردة , فقلت له شكرا لقد ساعدتموني على كتابة مذكراتي !
و ما زلت إلى يومنا هذا أدفع ضريبة قول الحق والكتابة بصدق , وفي يوم من الأيام جاءتني دعوة من فضائية عربية , فتعجبت عندما علمت أن الأمر وصل إلى رئيس تلك الدولة ليبث في أمر دخولي إلى بلاده أو لا , بينما في السويد أستطيع أن أنتقد نظام الحكم برمته , والملك شخصيا ولا أحد يزعجني في دجى الليل .
ما هي نظرتك لمستقبل العرب في الفترة الحالية وما بعدها ؟
حكمي على المستقبل هو بلحاظ ما أعددناه في الحاضر , ويبدو أننا ولحدّ الآن لم نرتّب وضع راهننا فما بالك بالمستقبل , نحن للأسف الشديد بذلنا كل جهدنا في معارك الماضي ونسينا المستقبل , على عكس الغرب الذي وضع كل ثقله في المستقبل وخصصّ لذلك معاهد أبحاث تنظّر للمستقبل في كل التفاصيل .
هل تأمل بالعودة للجزائر و متى؟
لابدّ أن أعود يوما إلى وطني فهو حلمي , وقرار العودة ليس بيدي حتى أقررّ متى أعود وأن ألقى الله مظلوما خير لي من أن ألقاه ظالما.
.................................
شارك في إعداد الاسئلة من قرّاء دار ناشري و كتّابها:
أسامة الماجد
أسامة غريب
حياة الياقوت
شيماء إبراهيم
صلاح والي
محمد الهادي
محمد سعيد الملاح