1- كيف تنظرون من موقعكم في المهجر إلى الوضع الداخلي في الجزائر بعد أكثر من عشريّة على إيقاف المسار الإنتخابي , الذي فازت على إثره الجبهة الإسلامية للإنقاذ !
مبدئيّا أوّد أن أوجّه التحيّة الحارة والصادقة والقلبية إلى الشعب الجزائري والذي ورغم المحن التي توالت عليه مازال يحتفظ بكلّ مقومات النهوض الحضاري , والذي مازال متشبثا بجذوره العربية والإسلامية والتي حاول الممسوخون حضاريّا إيجاد جذور أخرى لهذا الشعب العظيم . تبدو الجزائر من الخارج أكثر وضوحا منه في الداخل , ففي الخارج يمكن للمحلل والإستراتيجي أن يراقب كل العوامل التي تساهم في تأزيم الوضع الجزائري , العوامل الإقليمية والدوليّة , وهذا الإدراك يسمح بتحليل بمعرفة تفاصيل عن مراكز القوّى في الداخل الجزائري والمرتبطة بالعوامل الدوليّة المذكورة . بالإضافة إلى ذلك فإنّ الخارج فضاء مفتوح وغير مراقب تروج فيه المعلومات والتقارير والملفات بشكل حرّ , خصوصا وأنّ بعض الأطراف الإقليمية والدوليّة يهمها نشر كل السجلات عن الجزائر لتحقيق أغراض إستراتيجية قريبة ومتوسطة المدى . بينما في الداخل الجزائري فإنّ هناك حصارا مضروبا على المعلومة , وكل ما هو سائد بين الطبقة السياسية والإعلامية هو إجتهادات قد لا تستند إلى المعلومة الدقيقة وخصوصا مايدور داخل دوائر القرار الجزائري , وقد نقل لي ديبلوماسي جزائري رفيع المستوى في عاصمة عربية يوما أنّ هناك جدارا أشدّ من جدار برلين محاط بدوائر التخطيط والتنفيذ – أقصد الدوائر الحقيقيّة – وهذا ما يجعل المواطن الجزائري في حيرة دائمة يميل يمنا وشمالا ولا يفرّق بين الخيط الأبيض والأسود , هذه الحالة في حدّ ذاتها مطلوبة لتحقيق أهداف إستراتيجية معينّة . وبناءا عليه فإني أنظر إلى الجزائر بأكثر من عين مجردة , وخوفي مشروع حقيقة على الجزائر , ورغم إختلافي السياسي مع بعض الجهات في الجزائر , فقد وجدت نفسي مضطرّا أن أتصل بديبلوماسي جزائري عندما وقعت في يدي وثيقة تتحدث عن تقسيم الجزائر إلى دولتين إحداهما عربية و الأخرى بربريّة , وكان هذا الإتصال قبل بداية الزلزال القبائلي بخمس سنوات تقريبا .
2 – رئيس الجمهوريّة عبد العزيز بوتفليقة صرحّ مؤخرّا بأنّه لا مناص من المصالحة الوطنية الشاملة ويجب تفعيلها كواقع , الأمر الذي جعل قطيع الإستئصال يصاب بالهستيريا ويدخل في حرب إعلامية بيادقها الصحف الفرانكفونيّة من باب تسويد صورة رجل الأعمال الشرفاء صاحب شركة أوراسكوم بإتهامه بأنّه وراء تنظيم القاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن – مع العلم أنّ الشرفاء صديق بوتفليقة – حسب إعتقادكم هل بوتفليقة بإمكانه فرض خيّار المصالحة الوطنية الشاملة , خصوصا وأنّ كل الأوراق يمتلكها في يده !
يجب أن أقول أنّ المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر هيّ الخيّار الأوحد للجزائر إذا أرادت أن تخرج من أزماتها المتشعبة والخانقة , وعندما يشرّح المحلل الشخصيات والتيارات المتخندقة في خندق المصالحة و تلك المتخندقة في خندق الإستئصال وإدامة المواجهة , يجد أنّ أصحاب خيّار المصالحة يتمتّعون بكل الميزات الحسنة التي تحتاجها الجزائر لتواصل أداء الدور إقليميا ودوليّا , فأصحاب تيّار المصالحة يحبون الجزائر حبّا جما ولا يريدون أن يساء إليها لا من قريب ولا من بعيد , يحبون الجزائريين كل الجزائريين ولا يريدون أن يسود منطق الذبح بينهم , أعينهم متوجهة إلى مستقبل الجزائر ومستقبل الأجيال , بينما دعاة الإستئصال حساباتهم البنكية في الغرب وفي فرنسا على وجه التحديد , بيوتهم الجميلة في الغرب , مستقبلهم مرهون بحساباتهم في البنوك الغربية , والجزائر بالنسبة إليهم شركة تدرّ عليهم ربحا قلّ نظيره , وقد وجدوا أنّ هذا الربح إزداد إرتفاعا وحققّ أرقاما قياسيّة في ظل إراقة الدماء والفوضى العارمة و مبدأ اللادولة , ويعتبرون أنّ نهاية العنف هو نهايتهم , وبداية فتح ملفاتهم , ولذلك أجهضوا كل المساعي التي كانت في الكواليس , وكلما لا حت في الأفق باردة أمل حقيقي أجهضوه بطريقة لم يتوصل إليها إلاّ دهاة الإستئصال في الجزائر . وهؤلاء لديهم عقدة من الكتاب العربي والصحيفة العربية والتلفزيون العربي والأجواء العربية والإسلامية , وهم على إمتداد ثلاث سنة يرهنون إقتصاد الجزائر لصالح شركات فرنسية وغربية ويقبضون عمولاتهم كاملة , وقدوم رجال أعمال عرب إلى الجزائر يضرهم , لأنّهم يتصورون أنّ هؤلاء بإعتبارهم عربا فهم مسلمون , وبالتالي سيحاولون التأثير على رئيس الجمهورية ليغلّب فقه باديس على فقه باريس . والعجيب أنّ هؤلاء ياتوا أذكى من المخابرات الأمريكية , ففي الوقت الذي يعتبر فيه ملف شرفاء نظيفا ولا تملك وكالة الإستخبارات الأمريكية ضدّه أي شيئ , فإذا بقطيع الإستئصال وصحف الفرانكفونية تعلن الحرب ليس على شخصه , بل هي تستهدف المال العربي والإسلامي الذي كان يتأهبّ للدخول إلى الجزائر .
وفي الشقّ الأخر من السؤال هو وجود كافة الأوراق بيد بوتفليقة , صحيح دستوريّا هو يملك كل الأوراق لكن في الواقع فهو منذ تولى الرئاسة في الجزائر وهو يحاول ترتيب هرم السلطة , ولم ينجز ما يريده كما تقول أوساطه , وللإشارة فإنّ بوتفليقة هو الرئيس الوحيد في العالم الذي يعمل تحت بطانته عشرون مستشارا , وهذا لا يدل على حرص بوتفليقة على مبدأ الشورى بقد ما يشير إلى أنّ الملفات المتراكمة في قصر المراديّة لها أوّل وليس لها أخر . لو كان بوتفليقة يملك كل الأوراق لكان تنفيذ عشرين بالمائة ما وعد به كفيل بتنفيس الأزمة الجزائرية , في الواقع هو يسعى لإمتلاك بعض الأوراق , وأنا أعلم علم اليقين أن بوتفليقة يعلم علم اليقين أنّه لو سعى مجرّد السعي لإمتلاك كل الأوراق لوقع له ما وقع لأسلافه .
3- أثيرت مؤخرا قضيّة عودة الفيس – القضية الغائبة الحاضرة – إلى الساحة السياسية ولو تحت إسم جديد , وهذا ما أكده أحد قياديي هذا الحزب لجريدة النور الجديد , كما ورد أنّ السلطة سمحت لأبناء عباسي مدني بالدخول إلى الجزائر وهو الأمر الذي كان محظورا من قبل , كذلك قبول الأفافاس دخول الإنتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 10 أكتوبر المقبل بعد أن أمتنع عن التشريعيات في 30 ماي الفارط, فما قراءتكم السياسية لكل هذا , وهل نستطيع أن نقول أننا أما تسوية شاملة للأزمة في شقها السياسي !
يجب أن أشير إلى أنّه منذ بداية الفتنة الجزائرية منذ سنة 1992 والإتصالات قائمة بالجبهة الإسلامية للإنقاد وأحيانا مباشرة بين بعض رجالات القرار وقادة الإنقاذ وقد دخل على الخطّ شخصيات عربية مؤثرّة في الساحة العربية والدولية سمح لها بزيارة الدكتور عباسي مدني وعلي بلحاج في محاولة لإذابة الجليد بين السلطة والجبهة الإسلامية للإنقاذ , والإشكال أنّ هناك تيارا نافذا داخل دوائر القرار الجزائري يعتبر أنّ إلغاء قرار المحكمة العليا يحلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في شهر مارس 1992 , من شأنه أن يدين السلطة في تفاصيل ما أقدمت عليه من خطوات وإجراءات سياسية بعد إلغاء المسار الإنتخابي , ولذلك تبلور رأي أثناء المباحثات مع عباسي مدني في فيلا جنان الميثاق أن تعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحت عنوان جديد وكان المرحوم عبد القادر حشاني يتأهب للقيام بهذا الدور , لكن الذي حدث أنّ الطوابير الخامسة في الجزائر باتت تتمتع بكل القدرات الأمنية التي تؤهلها أن ترصد دبيب النملة السوداء في دجى الليل الدامس . ومن جهة أخرى فإنّ التطورات الحاصلة في الخطاب السياسي لجبهة القوى الإشتراكية مرده إلى لقاءات مطولة بين أخ رئيس الجمهورية سعيد بوتفليقة و حسين آيت أحمد في سويسرا , والرئاسة الجزائرية كانت مجبرة أن تنفتح على جناح قبائلي عقلاني لتطويق راديكاليي الشارع القبائلي وحسين آيت أحمد هو خير من يمثل العقلانية القبائلية في نظر الرئاسة , وطبعا هذا التغيير ليس بدون أثمان سياسية . مصيبتنا في الجزائر أننّا نرى الصورة النهائية دون مقدماتها وتفاصيل تكونّها .
ومن جهة أخرى فقد علمتنا التجارب أنّ السلطة الجزائرية وقبل أي إستحقاق إنتخابي تبعث رسائل أمل وبعد ذلك تعود كل الأمور إلى ما كانت عليه , وفي هذا السياق أذكر أنّ المصالحة الوطنية الشاملة يجب أن تكون ثابتا وليس متغيرا يزول بزوال علتّه .
4- تزامنت محاكمة نزار – سويدية مع الذكرى الأربعين للإستقلال , هل ترون أنّ هذا التوقيت وراءه لغز , وكان مقصودا أم الصدفة لعبت دورها !
الغريب أنّ الملفات الثقيلة المتعلقّة بالوضع الجزائري يتمّ فتحها في فرنسا التي أزهقت ذات يوم أرواح ملايين الشهداء الجزائريين , وفي الذكرى الأربعين لإستقلال الجزائر ولسان حال فرنسا ألم يكن من الأجدى لو بقيت الجزائر في يد فرنسا .
لا وجود للصدفة على الإطلاق في عالم سريع التحول تحكمه الدقّة المعلوماتية إلى أبعد الحدود , وفي كثير من الأحيان يستفيد الأخر الغربي من غبائنا السياسي , ليمرر العديد من مشاريعه . إنّ هذه المحاكمة التي إستمرّت أياما أصبحت مثار تعليق وتحليل الصحافة الفرنسية والغربية وحتى العربية وبدل أن تتوجّه وسائل الإعلام هذه للحديث عن المعجزات التي حققها الجزائريون في ثورة التحرير وحولهم على الإستقلال بجدارة , فقد إنصب الحديث على جزائر الدماء والقتل والخناجر , وبدل أن تدان فرنسا وإمتداداتها الغربية أي الحلف الأطلسي الذي كان يدعمها في ذبح الجزائريين أثناء الإستعمار الفرنسي أدينت الجزائر وأدين الجزائريون .
5 - في ضوء ما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ من ضربات قاصمة ..وفي ضوء ما أصاب المجتمع الجزائري من تطور على عدة جبهات ..وانحسار دور الأحزاب الإسلامية الأخرى إلى مستوى الصفر بقبولها الانبطاح والامتثال للإملاءات السلطوية..ما هي تصوراتكم لمستقبل الحركة الإسلامية في الجزائر ..وهل توافق رابح كبير الرأي عندما قال لنا –أن الحركة الإسلامية نضجت بما فيه الكفاية وحان الحين كي تضع مفتاح السلطة في يدها- ؟
الحركة الإسلامية الجزائرية شأنّها شأن الجزائر , فالجزائر أتيت كل مقومات النهضة الحقيقية في كل تفاصيل النهضة لكن أبتليت برجال أو بعض الرجال كل تفكيرهم كم فيلا سيشيدون , والحركة الإسلامية الجزائرية التي لها إرث كبير وأرضية خصبة , لكنّها أبتليت بغياب القيادات الراشدة التي تملك عقولا بسعة الكون , وذكاءا يؤهلها حماية المسيرة من الكمائن الداخلية والإقليمية والدولية , حتى تسلم للأجيال القادمة , وبالإضافة إلى ذلك فإنّه لا يشترط في الشخصيات التي تقود الحركة الإصلاحية في ضوء الثوابت الشرعية أن تكون عليمة وفقيهة بعلوم الماضي والراهن وحتى المستقبل , بل يجب أن تكون عرفانية بمعنى تتعامل مع الدنيا على طرقة العارف بالله الذي سئل عن الدنيا فقال : هي جيفة مطليّة بمسك أظفر , ولو فرضنا أن المصلح أتي من العلم الشيئ الكثير وكان قلبه معلقا بدنيا , فإنّه سيسخّر كل علمه في خدمة دنياه والتجارب من الماضي والراهن لا تحصى ولا تعّد , وإذا كان المصبح تقيّا ورعا بدون علم وبصيرة يصبح مطية للأفخاخ السياسية والأمنية والحضارية وتحديدا في راهننا السياسي حيث الأجهزة الأمنية والإستخباراتية هي صانعة اللحظة الراهنة وحتى المستقبليّة .
ورغم إحترامي للأستاذ رابح كبير , فأنا أتمنى عليه أن يعمل على حلحلة الملف الإنقاذي في الخارج , وبقاء التصدعات على حالها ودخول سفارات معينة على خطّ بعض الإنقاذيين في الخارج دليل على أنّ النضج لم يتحققّ بعد , وأول مصداق النضج السياسي والإيماني هو وحدة الكلمة والموقف حيث الغرب وحدّ الموقف والنهج وحتى العملة !
6 - كل من هو مناوئ حاقد على اللون الأخضر- الإسلام- أستبشر خيرا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لأنها جعلت كل منتم لهذا اللون محاصر بتهمة الأصولية المدعمة للقاعدة .. فكيف ترى مستقبل الخارطة السياسية في العالم و موقع هذا اللون فيه ؟
التطورات الحاصلة الآن في الساحة الدوليّة هي محصلّة لمشاريع ورؤى وطروحات إستغرقت وقتا طويلا في وضعها , ومن كان يتابع مفردات هذه الرؤى والمشاريع من مطابخها المباشرة لم يتعجبّ لما يحدث الأن و مشكلتنا في العالم العربي والإسلامي أننّا لا نقرأ ولا نتابع وذاكرتنا ضعيفة جدا , في الغرب يوجد 3000 مركز دراسات لدراسة العالم العربي والإسلامي , فكم مركز في العالم العربي والإسلامي لدراسة الغرب في تفاصيله . إنّ صنّاع القرار العالمي يمهدون الكون لإنشطارات في غاية الخطورة , ولأنّ الإستئصال قرين المصالح , فلا يمكن أن تتحقق المصالح وتنمو إلى بنهج مبدأ الإستئصال .
ومايجري ترتيبه في المطابخ الفكرية و التخطيطية كبير للغاية , والكارثة أنّ المسلمين لحد الأن لم يستشعروا حقيقة مايراد بهم !
في أوائل التسعينات وعندما تفكك حلف وارسو كما تفككت الأمبراطورية السوفياتية السابقة برز حلف الناتو أو حلف الأطلسي كأقوى حلف في العالم له استراتيجيته و مخططاته و ميزانيته و مشاريعه وسياساته الخاصة .
وبسبب الفراغ الحاصل في مجال الأحلاف العسكرية فقد تحول منتدى الناتو الى أهم حلف عسكري وتدل على ذلك نشاطاته المتزايدة وامتداده ليشمل دول أوروبا الشرقية سابقا.وتهيمن على منتدى الناتو الولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت ترى أنها صاحبة الفضل على أوروبا والتي لولا مشروع مارشال الأمريكي لظلت أوروبا في خانة الدول المتخلفة .
و خلفية تشكيل حلف الناتو كانت سياسية في بداية المطاف , اذ بعد الحرب الكونية الثانية وبداية امتداد الأتحاد السوفياتي باتجاه أوروبا الشرقية ,شعرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبا الغربية بدنو الخطر الأحمر الى عقر الدار الأوروبية ولمواجهة الخطر الأحمر تم تشكيل حلف الناتو لمواجهة الايديولوجيا الحمراء والترسانة العسكرية الحمراء أيضا.
و اذا كان الخطر الأحمر قد زال الى الأبد وباتت دول أوروبا الشرقية تتكالب للانضمام الى حلف الناتو , وحتى روسيا وقعت اتفاق شراكة مع الناتو فما داعي لبقاء الناتو وحرصه على مزيد من التوسع والاستقواء.
و للاجابة على هذا السؤال لابد من اعمال النظر في تصريحات مسؤولي الناتو والتدقيق في البيانات الختامية لمؤتمرات منتدى الناتو و فحص الدراسات التي يصدرها الناتو.
مبدئيا تحرص بعض الدراسات على القول أن حلف الناتو وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق أصبحت وظيفته تكمن في الحفاظ على الأمن القومي للكتلة الغربية و الحؤول دون وقوع أحداث مشابهة لتلك التي وقعت أثناء الحرب الكونية الأولى والثانية والتي كانت أوروبا مسرحا لها .
وهناك بعض الدراسات التي قام بها الناتو و بعض مؤسسات الدراسات التي تتعاون مع منتدى الناتو تفيد بأن الخطر الأحمر أصبح اليوم خطرا أخضر ,
وأن الخطر الأخضر أخطر بكثير من الخطر الأحمر , وتفترض بعض هذه الدراسات أن تعم الأصولية العالم العربي والأسلامي واحتمال أن تندلع مواجهات بين الكتلة العربية الاسلامية مع الكتلة الغربية .
وبعض هذه الدراسات تحمل الرائحة الامريكية وفيها بصمات لبعض صناع القرارالسابقين في أمريكا و الذين باتوا يتعاونون مع مراكز الدراسات الاستراتيجية .
وهناك محاولات حثيثة لتوجيه الناتو في منحنيات بيانية مضادة للعالم العربي والاسلامي , وكانت بعض قمم الناتو وضعت مخططات عسكرية عن كيفية التدخل السريع في هذا الاقليم أوذاك في حال انهارت الأوضاع الأمنية أو نشبت مشاكل من أي قبيل كانت.
واللافت للنظر أن أحد الباحثين من تل أبيب ذكر في بحث له أن أمنيته أن يدخل الناتو في حرب مع كتلة العالم العربي والاسلامي لتضمن الدولة العبرية بذلك ضعف الكتلتين الغربية والاسلامية ثم تستفرد هي بعدها بالسيادة على البحر الأبيض المتوسط و الذي يعتبر قاسما جغرافيا مشتركا بين الكتلة الغربية وعديد من الدول العربية.
و أشد مايخشاه المراقبون أن يتحول الناتو الى مؤسسة أمريكية في صيغة الشركة المتعددة الجنسيات , و رغم أن فرنسا تعمل على زحزحة الاستفراد الامريكي بمنحنيات الناتو الا أنها في النهاية تقبل صاغرة بما تخطط له واشنطن.وكانت واشنطن في وقت سابق أعطت الضوء الأخضر لدخول المجر وتشيكيا و بولندا الى منتدى الناتو و تحفظت على انضمام رومانيا وسلوفينيا . وكانت فرنسا وايطاليا اعترضتا على سياسة أمريكا الناتوية حيث تسعى واشنطن للانفراد بصناعة سياسة الناتو العسكرية والامنية وغيرها ويبدو ان واشنطن وحدها تأكل العنب والبقية تتفرج على اللعبة فقط.
ومن هذا المنطلق يخشى أن تجيّر واشنطن الناتو في حروبها المفتوحة شرقا وغربا وحتى في الفضاء مستقبلا…..
7 - ترتفع الصيحات على ضرورة الانفتاح على الآخر.. والتعامل مع الحضارة الغربية بشيء من الليونة"souplesse avec " بدل من التقوقع والانغلاق. وقد بدأت الجزائر بالفعل العمل في هذا المضمار باحتضانها مؤتمر" أوغستين" في 2001 الذي كان يدخل ضمن المؤتمرات التي تدعو إلى حوار الأديان.. فما منتهى مثل هذه الصيحات وهل يقبل المسلم أن يتحاور حضاريا وكيف
يكون هذا الحوار وما المرجعية إذن لو تم التحاور وكان الاختلاف .. أم أنكم مع رفض كل مقاربة فكرية مع الغرب سواء باستعمال مصطلح حوار الحضارات أم غيره؟
تصاب الانتليجانسيا العربية بين الحين والأخر بداء عمى الألوان الفكري والذي يحول دون نزوع هذه الانتليجانسيا والطبقة المثقفة في العالم العربي الى تشريح المصطلحات والقوالب الفكريّة التي تتبنّاها . ولعلّ أبرز ما وقع فيه اللبس هو مصطلح حوار الحضارات والثقافات الذي راح يتنغّم به العديد من كتابّنا ومفكرّينا ومثقفينا في الواقع العربي .
وأنا لا أريد هاهنا أن أتحدث عن هذا المصطلح وجدواه من الزاوية العربية وضمن الجغرافيا العربية , بل سوف أقدّم ملاحظاتي حول هذا الموضوع من الزاوية الغربية باعتباري أعيش في الغرب وعلى تماس بأنماطه الثقافية و الاجتماعية والسياسيّة .
أعترف مبدئيّا أنّ عدد الذين يرددّون مصطلح حوار الحضارات والثقافات من المثقفين الغربيين قليل الى درجة أنّ هذا العدد يكاد يكون معدوما , والذين يتبنّون هذا المصطلح فئتان من الناس أو جهتان ولكل غرضه , أمّا الفئة الأولى فهي مجموعة صغيرة من الأكاديميين الغربيين الذين تسنىّ لهم دراسة ثقافات أخرى كثقافة أمريكا اللاتينية وثقافة الهنود الحمر وثقافة التيبت وغيرها ونظرا لاعجابهم بهذه الثقافات فهم يطالبون بايجاد جسور تواصل بين ثقافتهم الغربية ذات البعد المادي المتوحّش وهذه الثقافات التي اكتشفوها في سياق بحوثهم الأكاديميةّ . ورغبتهم هذه لا مصاديق لها في الخارطة الثقافية الغربية , بل الأمر لا يتعدى كونه هواية لهذا الباحث أو ذاك . نعم عندما يريد بعض المخرجين السياسيين التأكيد على التنوّع السائد في الخارطة الثقافية الغربية وبمساعدة بعض المثقفين يصممّون ديكورا سينيمائيّا فيه سمة التعدديّة الثقافيّة وحوار الحضارات , لكن الثقافات الثالثية – نسبة الى العالم الثالث – يكون دورها هاهنا في مجال التطبيل والرقص وترقيص الحيّات , وكل ذلك للضرورة الاخراجيّة اذ بعدها مباشرة لا تجد أيّ أثر للثقافات الثالثيّة في مفردات الخارطة الثقافية الغربيّة , على عكسنا تماما في العالم الثالث – والعالم العربي جزء منه – حيث أصبحت تفاصيل حياتنا بما في ذلك ثقافتنا انعكاسا لأصداء كوكبيتهم وكوننتهم – من الكونيّة والكوكبيّة - .
والجهة الثانية التي تستعمل وتستخدم مصطلح حوار الثقافات والحضارات هي جهات سياسية رسمية تهدف الى بعث الاطمئنان في نفوس المهاجرين الذين يقيمون في هذه الجغرافيا الغربية أو تلك لكي يظلّوا ماكثين في هذه المواقع حتى يضمن الاستراتيجيون الغربيون بقاء أولادهم وذريتهم للحفاظ على التوازن السكاني على المدى المتوسط والبعيد والذين أعدّت لأجل ادماجهم في المنظومة الغربيّة مئات المشاريع والاستراتيجيات المشفوعة بمختلف طرائق علم النفس والاجتماع والتربية وغيرها .
وفي غير الجهتين التي جئنا على ذكرهما فانّ مصطلح حوار الحضارات والثقافات لا أحد يردده أو يعرف عنه شيئا في الواقع الغربي , بل نحن بالنسبة للكم البشري الهائل في الغرب مجرّد لصوص وارهابيين ومتخلفين ونملك دينا لا يستجيب لرغبات العيش وفوق هذا وذاك جئنا الى الغرب للحصول على ماتقدمّه الدول الغربية المرفهّة في مجال المساعدة الاجتماعية والسكنيّة وما الى ذلك .
وعندما تفتح عادة نقاشات مع أصحاب الوعي الفكري في الغرب فانّ أول ما يصدر من أفواههم أنّ نمطهم الحضاري بات سيدّ الموقف عالميّا وما على الثقافات المتخلفة التي عجزت أن تعالج الأمراض وتقضي على الأميّة وتحلّ أزمة السكن الاّ خيار الذوبان في الثقافة الكوكبيّة الزاحفة وأنّ للغالب أن يحاور المغلوب أو يفتح حوارا مع المغلوب والمسلوب الحضاري .
والمفارقة الأخرى أنّ المظلوم في عالمنا العربي والاسلامي ظالم في منطق من يروجّون اليوم لحوار الحضارات والثقافات , والظالم الذي ينطلق من نفس الرؤية الايديولوجية للمدرسة الغربيّة مظلوم تجب نصرته بامداده بالسلاح وبالوقوف الى جانبه في المحافل الدوليّة .
فهل هذا حوار الحضارات أو خواء الحضارت !
8 - ما السر في كون المسلمين لا يكترثون بالإسثتمار في مجال الإعلام بمختلف تشعباته.. أهي الثقافة الغائبة أم أن المجال بدوره غير ناجع؟
الدنيا تدور على عجلة الإعلام , ولا يمكن تفعيل أي إستراتيجية سياسية أو إقتصادية أو ثقافية عسكرية بدون ألة إعلامية تمكن لكل هذه الإستراتيجيات , والمشكلة أننّا نحن رضينا بالأدوار الصغيرة , وبقينا في دوائر الصغار . وأتذكّر عندما كنت أعمل في الصحافة اللبنانية كان إذا وقع إنفجار ما في شارع بيروتي معين , تنقل كل الصحف اللبنانية الخبر نقلا عن وكالة رويتر أو وكالة الصحافة الفرنسية , والعجيب أنّ هذه الوكالات الغربية باتت المرجع في فهم واقعنا العربي والإسلامي ولولاها لما أدركنا ماذا يدور في خط طنجة – جاكرتا , ومعنى ذلك أن الغرب مازال يوجهنا بالوجهة التي يريدها وهذا يعود إلى قصورنا العقلي , بالإضافة إلى دور النظم السياسيّة في العالم العربي والإسلامي التي تدعم إعلام الرقص والمجون للحؤول دون إنبثاق وعي يعرّيها ويعري مخططاتها .
أمّا عن الإعلان والإسثمار , فللإشارة فإنّ بعض وسائل الإعلام في الغرب تعتبر أمبراطوريات مالية عملاقة والصحفيون العاملون فيها لا تقل رواتبهم عن خمس ألاف دولار , وهذا بدأ يسري حتى في العالم العربي , والمطلوب رسم خطّة محكمة . وقد تمكنّ أحد الأثرياء العرب من أن ينضم إلى قافلة أصحاب الملايير بفضل قنواته التلفزيونية , لكن شتّان بين إعلام يخاطب العقول ويرخي لها العنان لتبدع للحاضر والمستقبل , وإعلام يقوم على مبدأ الإلفة والإيلاف , والأنس والإستئناس والضحك على الناس .
9- الحداثة – العولمة ثنائية طرحت إشكالا لدى الفكر المسلم بأنها حية تسعى تكاد تلتهم كل ما تقابله .. فما الميكانيزمات التي بالضرورة يجب طرحها لدفع هذا السم .. وهل نقبل بها ونسلم بأنها قدرا محتوما؟
الواقع أنّ ثنائية العولمة والحداثة هي من باب الأفخاخ الحضارية التي يراد إستدراجنا إليها , ففي الوقت التي يبشّر به الغرب بالعولمة – تعويم نموذجه – والحداثة فإنّه متمسك إلى النخاع بموروثه الحضاري و أنا لا أقول هذا الكلام إنطلاقا من نظريات جاهزة في العالم العربي والإسلامي , بل أقول هذا الكلام من موقع الأكاديمي الباحث الذي يعيش في الغرب , فالمناهج التربوية الغربية برمتها جزء كبير منها مخصص لحياة الأوروبيين والغربين وثقافتهم و عاداتهم في العصور الخالية , بل إنّ الإنسان الأوروبي مدمن على قراءة كتب التاريخ , ومشاهدة الأفلام التارخية . وثنائية العولمة والحداثة أريد لها أن تنتشر في واقعنا حتى نطلق ما لدينا ولا يبقى أمامنا إلاّ النوذج الغربي .
نعم لا مناص من الإقتباس من الجنبة المدنية في الغرب , فهم سبقونا إلى لإقتباس مفردات مدنيتنا , وعندما إقتبسوا منا لم يتخلوا عن مسيحيتهم أو كنيستهم , فلماذا يراد منّا اليوم أن نتخلّى عن مسجدنا كشرط للإنطلاق المدني .
وفوق هذا وذاك فالعلمانيون العرب والمسلمون يحكمون البلاد العربية والإسلامية منذ أزيد من خمسين عاما , فماذا حققوا , لقد أصبح العالم الإسلامي كالزوجة المعلقة لا هي منفصلة عن موروثها الحضاري ولا هي متزوجة بالحداثة المزعومة !
10- مشكل الغيبوبة الحضارية التي يعاني منها المسلم العربي مردها حسب كثيرين إلى الأنظمة العربية التي مارست عليه أصناف التنكيل مما جعلته يشعر بالإحباط و اليأس ..
فهل هذه حجة كي يظل أسير السلبية و الخنوع.. أم أن المسألة وما فيها لا تخرج عن فحوى المصطلح الذي وضعه الأستاذ مالك بن نبي " القابلية للاستعمار ""la colonisabilité
حتى تكون الفائدة أعم أحبّ هنا أن أناقش مفهوم النهضة والطرق المفضية إلى النهوض الحضاري و إذا تبينت هذه المسألة تتبيّن تلقائيّا معيقات النهضة وعلل الغيبوبة الحضارية . ولذلك أقول أنّه تعالت الصيحات في عالمنا العربي والإسلامي بأنّه لا بديل لأوجاع العالم الإسلامي ومشكلاته غير الإسلام , وقد أقلقت هذه الصيحات وهذه الأطروحة العديد من النظم القائمة في خطّ طنجة – جاكرتا ( خطّ عرض العالم الإسلامي ) . وراحت هذه النظم تكيد بأصحاب هذا الطرح وتزجّ بهم في غياهب السجن , وقد دافع أصحاب الطرح الإسلامي عن هذا الطرح بقولهم لقد جربنّا الإشتراكيّة فلم ننجح , وجربناّ الرأسماليّة فلم ننجح فعلام لا نجرّب الإسلام .
وحتى المفكرّون الغربيّون الذين تنبأّوا باندارس الحضارة الغربيّة الوشيك , راحوا يشيرون الى الخريطة الممتدّة من طنجة وإلى جاكرتا وبأنّها ستلعب دورا مهمّا في العقود المقبلة . ويملك العالم الإسلامي البديل الحضاري لمشكلات الإنسانيّة , وكما يقول أحد المفكرّين المسلمين فانّ مشكلة العالم العربي والإسلامي ليست فكريّة , وما نحتاج إليه هو أن يدرك الفرد المسلم المسؤوليّة الحضاريّة الملقاة على عاتقه , وينطلق من هذا المنطلق لإحقاق النهضة , وقد أدرك الغرب هذه المعادلة ولذلك راح يبعث برسائل إلى العواصم العربيّة والإسلاميّة بضرورة الحدّ من الظاهرة الإسلاميّة بل و القضاء عليها .
لقد ورثنا من الماضي أثقالا تلو الأثقال من الترسبّات الفكريّة , ولجأنا إليها في حلّ كل مشكلة تطرأ على واقعنا , ناسين أو متناسين أنّ الفكر وليد البيئة , والتراث الذي وصلنا إنّما عالج مشكلات كانت مطروحة في الحقبة التي وجد فيها , وتلك الحقب الماضيّة التي نستلهم منها كلّ علاج لجميع مشاكلنا , إنّما إكتنفتها ظروف خاصّة وحالا معينّة ومحددّة , وليس المفكّر هو الذي يعالج الواقع من منطلق كتاب دوّن في الطور الأوّل من العصر العبّاسي , بل الصحيح أن ينطلق هذا المفكّر من الواقع لحلّ المشكلة , دون التخلّي عن الثوابت الشرعيّة , وعن الكتاب والسنّة الصحيحة , إنّه من الخطأ بمكان أن ينطلق المفكّر من كتب عالجت المشاكل الإجتماعيّة في حقبة المماليك والتتّار ليستخرجّ منها الدواء الشافي لمجتمعاتنا . وتجدر الإشارة هنا أننّا لا نقصد البتّة لدى حديثنا عن الموروث الحضاري الكتاب والسنّة الصحيحة , بل المقصود هو النتاج الفكري الإسلامي الذي أنتجته العقول الإسلاميّة من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا .
وليس المطلوب على الإطلاق التخلّي عن التراث , بل المطلوب إعمال العقل ومحاولة الإبداع في كل المجالات , ولعلّ تقصيرنا في مجال الإبداع وصياغة خطاب إسلامي عصري أدّى إلى إرتماء النخب العربية والإسلامية في أحضان مدارس فكريّة لا تمّت بصلة إلى واقعنا العربي والإسلامي . وقد وجدت هذه النخب في الخطاب الغربي سهولة في الفهم وعصريّة في الطرح وإستيعابا لتفاصيل الحيّاة . وحجم الآفات التي تعصف بعالمنا الإسلامي من قبيل الأميّة والفقر و الجهل والمديونيّة وأزمة التغذيّة وكثرة الوفيّات وسوء توزيع الموارد الأوليّة والبطالة وقتل الوقت والبيروقراطيّة وما إلى ذلك , تتطلبّ فكرا يستوعب كل تفاصيل هذه الأدواء ويقدّم دواء شافيّا واقعيّا لا طوباويّا . وفي هذا السيّاق يلاحظ أنّ المفكرين المسلمين قد تنوعّت معالجتهم لمثل هذه القضايا بتنوّع مشاربهم الفكريّة , فهذا يقول أنّ المسألة تكمن في الصراع المذهبي , وأخر يراها في النظم السيّاسية , وثالث يراها في إنعدام المشروع التربوي , وما إلى ذلك من الآراء . ولا مخرج من كل هذا التوزّع إلاّ بثقافة جديدة قوامها كما قال المفكّر الجزائري الأستاذ مالك بن نبي إمّا أن نتغيرّ و إمّا أن نغيّر . ولابدّ لكي نبنيّ نهضة أن ننظر إلى واقعنا المعيش بدقّة وموضوعيّة , ونكفّ عن المدلهمّات التي أودت بفاعليتنا وإرادتنا , وكفانا تعطيلا للفكر والإبداع .
والثقافة الصحيحة هي تلك التي تجعل صوب أعيننا ضرورة إنقاذ الإنسان المسلم من المصائب والمشاكل العويصة التي يتخبّط فيها اليوم . وعلينا أن نركزّ على حقيقة الأزمة وصلب الإشكاليّة , وأن نتجنبّ المشاكل غير الواقعيّة التي إستنفذنا فيها الجهد والطاقة الفكريّة . فأيّهما أولى بالتفكير فيه القضاء على الأمراض المؤدية بملايين الأطفال في العالم الإسلامي , وإقامة صناعة تكفل لنا أن نعيش معتمدين على سواعدنا أم الإسترسال في الخلافات الفقهيّة المفرّقة لكيّان المسلمين .
لقد وجدت في عالمنا العربي والإسلامي العديد من المعاهد التراثيّة التي كان لها الفضل الواسع في الحفاظ على الأصالة و تمطيط حركة الإجتهاد لتواكب العصرنة , ومن هذه المعاهد القرويين في المغرب الأقصى , وزوايا الجزائر والأزهر الشريف في مصر و جامع الزيتونة في تونس , ولا يتناقش إثنان في أنّ هذه المعاهد أدّت دورها في الحفاظ على كيّان الأمّة الإسلاميّة وشخصيتها مقابل التغريب اللغوي والفكري , وأدّت دورها كذلك على مستوى تهييج النفوس وتثوير العزائم والهمم لمجابهة الهجمات الصليبيّة على عالمنا العربي والإسلامي .
ومازال تاريخنا يذكر بجلال شخصيات من قبيل الأمير عبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار ومحمّد عبده وجمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي وما إلى ذلك من الشخصيّات العربيّة والإسلاميّة التي كان لها الباع الطويل في إقامة صرح النهضة المعاصرة . ويلاحظ على هذه المعاهد بعض الملاحظات نذكرها بايجاز .
أولا : هذه المعاهد مازالت من حيث البرمجة التربويّة مقتصرة على ماكتبه القدامى , وفي هذا المجال ينبغي إدخال مواد علميّة في البرمجة لها صلة مباشرة بمشكلات العالم الإسلامي الراهنة .
ثانيّا : يتمّ الإقتصار في هذه المعاهد على ترديد ما يرد في المتون , دون أدنى محاولة لإثارة العقل , وإذا كان السلف قد أبدعوا فيحق للخلف أن يبدعوا أيضا .
ثالثا : بعض المعاهد لا تولي الإهتمام الكامل بالقرآن الكريم , فالقرآن مازال ولحدّ الآن مصدر الإنطلاق , ومصدر الثقافة الإسلاميّة ولذلك ينبغي أن يعود دوره الذي كان له أيّام السلف الصالح من هذه الأمّة .
رابعا: ضرورة تشجيع النبوغ والعبقريّة والتكفّل بأصحاب المواهب والملكات .
والنوابغ والعباقرة في معاهدنا التعليميّة هم الكفالة الوحيدة لإيصال هذا التراث الهائل لأجيالنا المستقبليّة .
أمّا التعليم العصري وإن حاكى المناهج التغريبيّة بحذافيرها , فإنّ له مساوئ ومحاسن . من حيث المحاسن , يمكن أن نتحدث عن الجانب العلمي والتكنولوجي الذي صار يدرّس في جامعات العالم العربي والإسلامي , ولكن الذي حدثّ أنّ التركيز على الجانب النظري أكثر منه على الجانب العملي , ويمكننا في هذا السيّاق أن نتحدثّ عن الأديب المصري طه حسين الذي ترك الأزهر الشريف وإلتحق بالجامعة المصريّة الحديثة , وأبدى إعجابه الشديد بالمناهج المعاصرة . والمجموعة التي تركت الأزهر الشريف وإلتحقت بالجامعة المصريّة إنّما فعلوا ذلك سأما من مناهج قالوا وقلنا , ذكروا وذكرنا التي كانت سائدة في الأزهر الشريف .
ويمكن حصر مساوئ الجامعات في كونها خرجّت جيلا من المستغربين الذين دعوا إلى الإنسلاخ التام عن التراث ونبذ الثقافة الإسلاميّة , وضرورة محاكاة الغرب حذو القدّة بالقدّة , ومن إطلعّ على كتاب : مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين يدرك ما أشرت إليه.
كما أنّ العديد من المناهج التعليميّة الجامعيّة لم نساهم لا من قريب ولا من بعيد في وضعها , خاصّة العلوم الإنسانيّة التي تضجّ برؤى المفكريّن الغربيين والذين فرضوا علينا فرضا بسبب القحط الثقافي الذي يلّف واقعنا والحركة الإستعماريّة التي أخرتنا على مدى قرون .
وقد هجرت العديد من الجامعات العربيّة والإسلاميّة الثقافة الإسلاميّة , بل هجرت اللغة العربيّة كما هو الحال في كثير من جامعات المغرب العربي حيث اللغة الفرنسيّة هيّ سيدّة الموقف . وكثيرا ما يكون الأساتذة المستعارون من الغرب أعضاء فاعلين في دوائر الإستخبارات العالميّة , فهم يؤدّون من ناحيّة وظيفة تغريب الأمة , وفي نفس الوقت يكتشفون النوابغ في بلادنا الإسلاميّة ليتم إستيرادهم الى الغرب , ليساهموا في بناء النهضة الغربيّة . والذين ينجون من هذه الإغراءات ينالهم ما نال علماء الذرّة المصريين الذين تمّت تصفيتهم من قبل الموساد الإسرائيلي .
وبناءا عليه فالتعليم الكلاسيكي فيه محاسن ومساوئ , والتعليم الجامعي العصري فيه محاسن ومساوئ أيضا , وهنا لابدّ من تصحيح المنظومة التربويّة كشرط محوري لبناء النهضة المرتقبة , فعلى صعيد التعليم الكلاسيكي علينا أن نخرج من دائرة التقوقع , وإيجاد خطاب بنّاء يسير يصل إلى العقول بيسر شديد , ويجب تنظيف التراث مما علق به من أشواب .
وفيما يخصّ التعليم العصري فينبغي أن ينسجم مع التعليم التراثي ويشكلان سويّة خطّا متكاملا باتجّاه البناء الحضاري , كما أنّ التعليم العصري يجب أن يخرج من دائرة الإنبهار بالغرب , ومن الناحيّة النظريّة فنحن نعتبر منتجين للفكر النظري والفلسفي وفق الكتاب والسنّة الصحيحة , ويبقى القول أنّ الإستفادة من الغرب تكون على صعيد الجنبة الصناعية والتقنيّة , ولكن دون أن يكون ذلك مدخلا باتجّاه السيطرة على قرارنا السياسي أو تحركنّا الدولي .
11 - حرب الخليج التي تبشر بها أمريكا مؤخرا يرى البعض أنها فرصة لإعادة صياغة النظام الدولي الجديد لأن معظم الدول الغربية و العربية التي كانت حليفة الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت عن تدعيمها .. وفهمت أن أمريكا لا تريد من وراء حروبها هذه سوى التوسع على حساب جميع الدول ..
فهل هذا صحيح؟
أتمنى أن نعيد قراءة مذكرات قادة البيت الأبيض السابقين من أمثال نيكسون وكيسنجر وبريجنسكي وكارتر , ودراسات مراكز الدراسات الإستراتيجية ومعاهد الإستشراف في أمريكا , لنكتشف أنّ أمريكا تملك مشروعا كبيرا ومانراه الأن هو أوان التطبيق وتهيئة الذرائع لتطبيق الإستراتيجية .
وفي هذا السيّاق أشير إلى أنّ نيكسون في كتابه : أمريكا والفرصة التاريخية , قال وبالحرف أنّ أمريكا يجب أن تحكم العالم , والظروف قد نضجت لتحقيق هذا المشروع في نظر أمريكا وحرب الخليج الأولى والثانية وحرب أفغانستان و حرب العراق المقبلة وكل الحروب المقبلة , تدخل في سياق الإستراتيجية الأمريكية القائمة على مبدأ نحن الأقوى وبالتالي نحن الذين يجب أن نخططّ ونصنع القضاء والقدر .
12 - هل هناك أمل في عودتكم إلى الجزائر؟
علم الله أن الجزائر تسكن في ذاتي وقلبي ووجداني وقلمي ومشاعري , وإن كنت بعيدا عنها جغرافيا فهي قريبة مني إلى أبعد الحدود , وأريد أن أعود إلى جزائر الحرية والكرامة الإنسانية و عندما تنضج عوامل الحرية سأعود , أما الآن فالأبواب مفتوحة للشاب خالد وأقرانه , وليس لحملة الفكر والثقافة الذين غيبوا عمدا عن الساحة الإعلامية والسياسية والثقافية في الجزائر , ولا أخفيكم أننّي لو تنازلت عن بعض من مبادئي , أقول هنا بعضا من مبادئي لصرت من كبراء القوم , لكني أخاف من ربي يوما عبوسا قمطريرا .
13 - كلمة أخير لجريدة النور وهل أنتم متفائلون
بالمستقبل في الجزائر .
أبعث كل تحياتي وأشواقي لقرّاء النور الجديد , ونأمل أن تكون لدينا محطات أخرى , وفي نظرى فإنّ المحنة الجزائرية ليست قضاءا وقدرا , ستنهض الجزائر , ستودّع دموعها , وتلك سنّة الله في الأفراد والجماعات وحتى الدول , ودمتم .
تم أخذ الإذن بإعادة النشر الكترونيا من المطبوعة الأصلية.