ممدوح الشيخ:
حلم في مراهقته بتأليف كتاب، فحرر أكبر موسوعة عن اليهودية والصهيونية
• هذه هي مشكلات الأعمال الأولى في حياة أي كاتب
• الفعل ابن شرعي للفكر
• الحملة العالمية لمقاومة الإرهاب أخطر مأزق يواجهه العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة الإسلامية
• نحتاج إلى تأسيس مدرسة إسلامية في العلوم الإنسانية
• هناك يهود غير صهاينة
• برتوكولات حكماء صهيون وهم / حقيقي
• مسلسل "فارس بلا جواد" مبني على مغامرات محتال!
• الفكرة أقوى من السيارة المفخخة
• بازار المراهنات السياسية مليء بمثل دعوات هانتنغتون
• الشورى لا تنفصل عن أصلها الإيماني بعكس الديموقراطية
• هذة هي المشاكل الأربع التي تواجه الفقه الإسلامي
• حقوق المرأة في الإسلام تحكمها قاعدة التساوي مع التمايز
• هذا سؤال غير برئ !
تابعوا معنا هذا الحوار:
حدثنا عن بدايات طفولتك وعن بدايات نشأة الموهبة الإبداعية ومن هو أول المكتشفين والمشجعين لك في أن تستمر لتعطي من نتاجك هذا الجنى الطيب ؟
طفولتي عادية إذ نشأت في أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة في مدينة تبعد عن القاهرة حوالي 60 كيلومتر شمالا وكنت طالبا متفوقا، وبدأت الموهبة بكتابة الشعر أولا في المرحلة الإعدادية (15 سنة) وكنت قبل ذلك بسنوات منتظما في النشاط الطلابي وبخاصة الإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية. ومن أوائل من ساندوني أستاذ فاضل وشاعر متميز هو الأستاذ أحمد مرسال (وهو أحد كتاب ناشري) وما زالت بيننا صلة صداقة أعتز بها كثيرا. أما العمل البحثي والسياسي فساندني فيهما كثيرون في مقدمتهم الحاج حسين عاشور صاحب مجلة "المختار الإسلامي" والمفكر العربي الإسلامي المرموق الدكتور عبد الوهاب المسيري.
هل من افراد أسرتك من ورث الاهتمام بالشان الثقافي والكتابي؟
بل أنا الذي ورثته فشقيقي الأكبر محمد يمتلك موهبة شعرية رائعة فضلا عن أنه مثقف من طراز رفيع لم يسع يوما إلى أن يولي موهبته أي اهتمام لانشغاله الشديد بالعلوم.
ورثت موهبتي عن شقيقي الأكبر
كيف كانت بداياتك في الكتابة. أين نشرت أول مقالة لك؟
بداياتي في الكتابة كانت طموحة جدا إذ كان أول ما فكرت فيه تأليف كتاب وأنا طالب في المرحلة الثانوية! وقد تم المشروع بعد سنوات ونشر تحت عنوان: "المسلمون ومؤامرات الإبادة" وإن كانت تبدو فيه مشكلات الأعمال الأولى في حياة أي كاتب بنى مشروعه بشكل ذاتي تماما وتعلم بالتجربة والخطأ في غياب أية رعاية جادة للموهوبين ثقافيا، ولأنني من البداية أدركت أهمية أن أكون مستقلا عن أي كيان تنظيمي وهو ما منحني مساحة حرية كبيرة في التعبير عن قناعاتي وترتيب جدول أولوياتي متحررا من أي ضغوط، وطبعا كان لهذا الاختيار ثمن مازلت أدفعه راضيا. أما أول مقال لي فنشر في جريدة "العالم الإسلامي" التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وكان اسمها آنذاك "أخبار العالم الإسلامي".
ما الحل المتاح أما حركات التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال للخروج من مأزق الحملة العالمية ضد الإرهاب؟
الحملة العالمية لمقاومة الإرهاب أخطر مأزق يواجهه العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة الإسلامية، ومن المهم في البداية أن نضع محددات لأي تصور نعتقد انه قادر على إخراجنا من المأزق، وأهم المحددات في تقديري ما يلي: أولا أن هناك بالفعل إرهاب يستخدم الدين الإسلامي ويتستر وراءه، ثانيا أن هذا الإرهاب أصبح عبئا حقيقيا على أي حركة تحرر وطني أو مقاومة إسلامية، ثالثا أننا في حالة هزيمة حضارية وهي هزيمة للمسلمين وليست للإسلام وحالة الهزيمة الحضارية تجعلنا أمام خيارات محدودة. وعند أي اختيار توضع أمامه الأمة ينبغي أن يكون الحفاظ على الثوابت وصيانة كرامة الإنسان والحرص على ما يقوي المجتمعات قيودا صارمة على اختياراتنا، فلا بطولة ولا معنى مقبول في استهداف سفارة غربية أو اختطاف رهينة غربي أو ترويع مدنيين تحت شعار الجهاد. والطموحات المشروعة للمخلصين من أبناء الأمة طريقها الصحيح أن تكون الوسيلة على قدر نبل الغاية، وقبل أن نواجه تحديات الداخل من استبداد وفساد وتخلف وجهل وفرقة مذهبية فلن ستطيع مواجهة تحديات الخارج، فمشكلتنا الأولى داخلية، وبعض الانتصارات الزائفة تغرينا بنشوة كاذبة تعقبها مرارات تدوم طويلا، ولعل من الدروس البليغة في هذا السياق أن حركات القرصنة التي أعقبت سقوط دولة الإسلام في الأندلس ترتب عليها نتائج كارثية في مقدمتها توحيد القوى الغربية ضدنا، وغني عن البيان طبعا أنها لم تحرر الأندلس!!
ماذا يتطلب إحياء الإسلام في عالم اليوم ؟
إحياء الإسلام في عالم اليوم يتطلب الكثير من العمل والكثير جدا من الوعي، فهناك حاجة ماسة لتقدير أهمية "الفكرة" أكثر من تقدير النيات الحسنة والاندفاع العاطفي، وفي حدود ما يسمح به مثل هذا الحوار أعتقد أننا في حاجة إلى العمل على محاور عدة في مقدمتها إحياء أخلاقي شامل يعيد للفرد دوره واستشعاره مسئوليته الأخلاقية تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته والعالم على نحو فعال، فوجود القيم بلا مردود إذ لم يصبح وجودا فاعلا. ونحتاج كذلك إلى تأسيس مدرسة إسلامية في العلوم الإنسانية التي كانت السلاح الأكثر خطورة في صراعنا مع الغرب طوال القرنين الماضيين، ورغم أنني من أشد المهتمين بالتقنية ولي مساهمات متواضعة في التنبيه لأهميتها فإنني أدرك على نحو أكثر خطورة أهمية الرؤية الاجتماعية والإنسانية لأي مشروع للإحياء الإسلامي. ويتطلب هذا الهدف النبيل كذلك الانحياز لخيار التصالح مع العالم بدلا من الصراع معه وهذا الخيار يتيح مساحات من الحركة والفعل والقدرة على التأثير لا يتيحها خيار الصراع.
ممدوح الشيخ في حوار مع الإعلامي إبراهيم عيسى في برنامج "الله أعلم" على قناة "دريم2"
بحكم إطلاعك وقد حررت موسوعة (اليهود واليهودية والصهيوينة) للدكتور عبد الوهاب المسيري، هل هناك فارق فعلاً اليوم بين اليهود والصهيونية ؟ وهل هناك يهود غير متصهينين من الممكن التعويل عليهم ؟
نعم هناك فرق بين اليهودية والصهيونية وبين اليهود والصهاينة، فاليهودية دين أما الصهيونية فمشروع سياسي والصهيونية غير اليهودية (المسيحية) ولدت قبل الصهيونية اليهودية وهي أكثر خطرا علينا بكثير. وهناك يهود غير صهاينة لكن لا أعتقد أن بالإمكان الاعتماد عليهم بالمعنى السياسي فمعظمهم يعيشون في مجتمعات غربية ومعظمهم تعنيهم لا تعنيهم قضية مواجهة الصهيونية، بل إن انتشار الصهيونية بين يهود العالم خارج الكيان الصهيوني في ازدياد مستمر.
اللوبي الصهيوني في الدول الكبرى ، حقيقة أم وهم ؟ وكيف يمكن مواجهته ؟
اللوبي الصهيوني في الدول الكبرى حقيقة لكن صورته في وعينا خرافية فمجرد وجوده يؤكد أن استمرار الدعم الغربي للكيان الصهيوني يحتاج استمرار جهود هذا اللوبي وهي جهود ضخمة منظمة مؤثرة، والوضع يختلف من دولة لأخرى ففي الولايات المتحدة يمكن إنشاء لوبي عربي أو لوبي إسلامي حيث يسمح النظام السياسي بذلك بينما في القارة الأوروبية يختلف الأمر، وفي تقديري أن مهمتنا الأولى يجب أن تنحصر في مواجهة "لوبي العجز العربي"!
بروتوكولات حكماء صهيون ، حقيقة أم وهم ؟
برتوكولات حكماء صهيون وهم /حقيقي، ولي معها قصة، فقد خضت في مصر معركة قبل سنوات حول مسلسل "فارس بلا جواد" الذي أخذ عن رواية صدرت قبل أكثر من خمسين عاما وكنت أول من اكتشفها وأعاد نشرها وهي رواية "اعترافات حافظ نجيب"، والرواية سرد لاعترافات مغامر مصري كان مشهورا في الربع الأول من القرن العشرين كمحتال وتحفل اعترافاته بوقائع مثيرة وجدها محمد صبحي مادة خام مناسبة لأن يحولها إلى معركة قومية يبحث فيها هذا المغامر عن بروتوكولات حكماء صهيون رغم أنه في حقيقة الأمر كان أبعد ما يكون عن ذلك إذ خدم في الجيش الفرنسي في الجزائر وتجسس للمخابرات الفرنسية في دولة أوروبية أخرى. وقد أدركت أن مسئوليتي الأخلاقية كمثقف توجب علي أن أكشف حقيقة هذا التحريف الذي يستهدف استثارة مشاعر العامة وتسطيح أخطر قضايا الأمة. وكما تشير دروس هذه المعركة التي خضتها على خلفية المتاجرة بالبروتوكولات أقول إن التركيز المبالغ فيه على البروتوكولات شأنه شأن التركيز على مقولة اللوبي الصهيوني كلاهما يعفينا من المسئولية عن التقصير الذي أدى لهزائمنا المتوالية، بل إنه دون أن ندري يبرئ الغرب من المسئولية عن دعم الكيان الصهيوني، فإذا كان اللوبي الصهيوني يتحكم في الغرب فالغرب إذن ضحية مثلنا لا يملك أن ينحاز إلا الحق العربي وإلا. . . كما أن القول بصحة البروتوكولات وبالتالي أنها قدر لا مفر منه يعني بالتالي أن المقاومة لا جدوى منها وأن التاريخ يسير في مسار محدد سلفا ولا سبيل لتغييره وهو نزوع قدري لا يقبله الإسلام، ولعل المفارقة المضحكة المبكية أن هناك أدبيات صهيونية لا أحد يطعن في صحتها أكثر عدوانية من البروتوكولات وبعضها منشور في الكيان الصهيوني لكن البروتوكولات لها سحر خاص ينبغي أن يخدعنا.
[IMG]http://nashiri.net/aimages/mamdouh4.jpg[/IMG]
هناك مثقفون لا يعرفون من الثقافة إلا الإبداع الأدبي
الصهيونية العالمية : إسرائيل والماسونية واللوبيات والمحافل و .. الخ ؛ هل يواجهها الإسلام ؟ أم الأديان كلها ؟
هذه متفرقات لا تسري عليها قاعدة واحدة لكن المحافل السرية ذات الطبيعة العالمية هي - بعيدا عن هالات الخرافة والتضخيم - معادية للأديان السماوية ومعظمها في الحقيقة ينطبق عليه وصف الكنيسة الكاثوليكية للماسونية، فهي أديان وضعية تنكر الأصل السماوي للدين، و"الماسونية" أخطر أشكالها، وكثير منها ارتبط في فترة من تاريخه بالمشروع الصهيوني واستمد بعضا من أفكاره ورموزه من مصادر يهودية وصهيونية.
ما هي نصيحتك للاجيال الشابة من اجل صنع مستقبل افضل للمسلمين جميعا. وما هي المجالات التي نحتاج فيها الي سواعد الشباب من أبناء هذه الأمة ؟ هل هناك مجالات بعينها من المهم أن تكون هي البداية؟
أولا هذا سؤال غير برئ هدفه القول بأنني عجوز، لكنني لا أرى بأسا أن تصدر نصيحة من شاب جدا إلى شباب مثله!
أول النصائح الالتزام بمعايير أخلاقية لأي عمل يقومون به صغيرا كان أو كبيرا حتى إلى تتحول بعض المجموعات الإسلامية كما قال شيخ جليل إلى علمانيين يرطنون بخطاب إسلامي. ثانيا الاهتمام الشديد بالعلوم الإنسانية حيث تعاني ثقافتنا انقساما غريبا يجعل النابهين من أبنائها إما تقنيين لا يعرفون شيئا خارج مجال تخصصهم المهني، أو دعاة لا يملكون إلا حمل رسالة لا يماري أحد في أنها نبيلة لكن حامليها لا يحسنون عرضها، أو مثقفين منبتي الصلة بالعالم لا يعرفون من الثقافة إلا الإبداع الأدبي فكلهم شعراء ومسرحيون وروائيون. . . حتى أن إحصائية رسمية مصرية تقدر عدد المسجلين في سجلات وزارة الثقافة بوصفهم شعراء بحوالي عشرين ألفا!!! بينما لا يكاد يوجد في هذا البلد عشرون أكاديميا يجتهدون لوضع بذور مدرسة إسلامية في العلوم الإسلامية. وللأسف لا يدرك كثيرون كيف استخدم الغربيون والصهاينة نتائج الدراسات في علم الاجتماع بفروعه وعلم النفس بفروعه لتحقيق انتصارات مجانية. أما المجال الإعلامي فمما لا تحتاج أهميته إلى شرح وقد نجحت الأصولية الدينية الأمريكية في تغيير شكل الولايات المتحدة تغييرا جذريا عبر التركيز على تربية أجيال من الإعلاميين المتخصصين المؤمنين بهذه الأفكار وهو درس مهم في عصر "الصورة".
وينبغي في النهاية أن ندرك أن بناء الإنسان طريق بناء الأمة وأن المجتمع أبقى من الدولة وأن الفكرة أقوى من السيارة المفخخة.
صدر كتاب جديد للمفكر صمويل هتنجتون (من نحن ... تحديات الهوية الأمريكية) ويقول فيه أن هوية أمريكا الوطنية تبنى على عاملين: عودة الأمريكيين للدين المسيحي، والدور الذي يلعبه الإسلام كعدو أساسي جديد لأمريكا. والذي يتوقع في نهايته دخول أمريكا في حروب مع الدول والجماعات الإسلامية في الأعوام القادمة؟ كيف تعلق على ذلك؟
الأهمية الحقيقية لكتابات صمويل هتنجتون سياسية في المقام الأول وهو ليس بين أصحاب الرؤى النظرية المهمين في الولايات المتحدة، وبالتالي ينبغي النظر لكتاباته في هذا السياق، والعبارة التي يشير إليها السؤال هي قول الكاتب علاء بيومي مستعرضا أفكار الكتاب: "فرغم أن هنتنغتون لا يرى – في كتابه الجديد - أن الإسلام أحد التحديات الأساسية التي أدت إلى تراجع شعور الأميركيين بهويتهم الوطنية خلال العقود الأخيرة، فإنه يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأميركيين المنشود حول هويتهم الوطنية في المستقبل المنظور". والعبارة تقطع بأن الإسلام لم يكن أحد التحديات الأساسية المؤثرة في شعور الأمريكيين بهويتهم الوطنية أما الحديث عن دور العداء للإسلام في تحقيق التفاف الأمريكيين حول هويتهم في المستقبل المنظور فهو حديث مقيد بـ "قد" التي تفيد الاحتمال مجرد الاحتمال ومقيد في الوقت نفسه بأنه استشراف لمستقبل لم يأت بعد وما زال تشكله مرهونا بما نبذله من جهد لنؤثر في صورة هذا المستقبل في اتجاه مغاير. وحتى إذا افترضنا جدلا أن الحديث مطلق وغير مقيد فهو يتحدث عن وسيلة لتحقيق الالتفاف حول الهوية أي عن "فزاعة" لا عن موقف عدائي مبدئي.
إن بازار المراهنات السياسية دائما مليء بمثل هذه الدعوات لكن ما لا يبدو مستساغا أن ننقل هذه الدعوات كما لو كانت تحقق لنا إشباعا نفسيا من نوع ما، فالولايات المتحدة ليس لها تاريخ في الصراع مع الإسلام خلال عمرها الذي لم يبلغ بعد ثلاثة قرون. وموقفها المنحاز للكيان الصهيوني تعبير عن قناعات دينية ومصالح سياسية معا، وحقيقة أن هذا الموقف يتناقض مع قناعاتنا الدينية وحقوق إخواننا الفلسطينيين لا تشكل من منظورهم مبررا لأن يتخلوا عن قناعاتهم الدينية وبعبارة أدق الأمريكيون كانوا سيدعمون المشروع الصهيوني بالحماس نفسه حتى لو أنشئ الكيان الصهيوني في كينيا أو أوغندا كما كان بعض الصهاينة يفضلون، وكانوا سيدعمونه بالحماس نفسه لو أنشئ على حساب حقوق أي شعب غير الشعب الفلسطيني، كما أن الموقف من أمريكا لا يحدده عامل واحد فهناك قضايا عديدة ولا تحدده إرادة طرف واحد. والقرآن يضع القاعدة الرئيس في هذا الموضوع في قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"(سورة الممتحنة8 -9)، والنهي عن الموالاة لا يعني حتمية المبادأة بالعداء. أما الدخول في حروب مع الدول والجماعات فأمر يحتاج لضبط مصطلحات، فالإسلام لم يعرف جماعة أو جماعات تقرر منفردة عن الأمة أن تحارب من تشاء باسم الإسلام، والانزعاج من هذا السيناريو الذي لا يتجاوز الاحتمال لا يتناسب مع رد الفعل الإسلامي الهزيل الذي قوبل به إعلان البعض تشكيل جبهة وصفت بأنها إسلامية قررت إعلان الحرب على الولايات المتحدة دون مقدمات ودون إسناد شرعي، وكأننا لم نتعلم بعد كل ما منينا به من هزائم أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، إن صح أنها حسنة، والله بها أعلم!!!
ما الفرق – إن وجد - بين الشورى والديموقراطية برأيك؟
الفرق الأهم بين المفهومين أن الشورى لا تنفصل عن أصلها الإيماني كفعل يبتغي به صاحبه إرضاء الله سبحانه وتعالي، حتى وإن انطوى إعماله إياها في الوقت نفسه على مصلحة دنيوية، ما يجعل الخيارات التي تتأرجح بينها إرادات الفرقاء محكومة بالحدود الشرعية فلا تحل حراما ولا تحرم حلالا، ويجعل الاعتبار الأخلاقي معيارا ملزما. والديموقراطية في حقيقة الأمر ديموقراطيتان: ليبرالية ودستورية، أما الليبرالية فلا يضبطها إطار عام (دستور) بل تشكل إرادة المواطنين الحكم الوحيد فيها وهي صيغة لا يمكن تطبيقها في مجتمع مسلم. أما الديموقراطية الدستورية فتسمح بوجود "مشتركات" عامة تتصف بالقداسة سواء كانت وطنية أو دينية يتم الاتفاق عليها على نحو تعاقدي، ما يجعل تطبيقها "تحت سقف الشريعة" أمرا ممكنا. وما طورته التجربة الغربية من آليات للممارسة السياسية غني بدروسه التي يمكن الاستفادة بوصفها تجارب في الاجتماع الإنساني لا بوصفها نماذج جاهزة للنقل من حضارة لأخرى، فمنذ تحولت الخلافة الراشدة لملك عضوض على يد الأمويين وتجربة "ممارسة" الشورى معطلة، ومع تغير البنية الاجتماعية على نحو يقطع باستحالة إعادة إنتاج النموذج التطبيقي الأول في دولة الخلافة لا مانع من الشرع يجعل الاستفادة من تجارب الآخرين محرما. وينبغي ألا يغيب عن فطنة المثقف المسلم أن غير قليل من الأدبيات التي تلعن الديموقراطية في عالمنا العربي بدعوى الحفاظ على الخصوصية الحضارية ليست إلا دفاعا مراوغا عن الاستبداد السياسي العربي يتمسح في الشورى.
في الفقه هناك الكثير من سوء النية والكثير جدا من التبسيط والخلط
ما أهم المشاكل التي تراها في الفقه الإسلامي وفي الاجتهاد في الفترة الحالية؟
الفقه الإسلامي بحر زاخر بالمذاهب والمدارس والأئمة الكبار قدامى ومحدثين ورغم أن الفقه الإسلامي يعاني شأن كل النتاج الثقافي في العالم الإسلامي فإن الحديث عن أزمته ينطوي على الكثير من سوء النية والكثير جدا من التبسيط المخل والخلط المستفز بين الشريعة والفقه وبين الأحكام الشرعية والاجتهادات، . . . وهكذا. وإلى جانب المشكلات التقليدية المزمنة كالمذهبية والتأثيرات السلطوية هناك تحديات رئيسة تواجه الفقه الإسلامي، أهمها:
أولا: مشكلات على تخوم المعرفي/ المنهجي وتعود بدايتها للانقلاب الأموي على الخلافة الراشدة وما أدى إليه من تداعيات تتصل بالمنهج، إذ أدخل البعض مقولة "وجوب السكوت على ما شجر بين الصحابة" مساحة العقيدة ليصبح ذلك فيصلا بين الإيمان والكفر أو على الأقل بين الإيمان والفسق أو الابتداع، وبناء عليه أصيب فقه السياسة في الإسلام بإصابات لم يبرأ منها حتى اليوم، وبالقدر نفسه تركت قضية تعريف الصحابي وعدالة الصحابة وصلتها بأفعال الصحابة كمصدر للتشريع.
ثانيا: مشكلات تتصل بالسياق الديني/ السياسي وتكرست بسقوط الخلافة العثمانية التي كانت جامعا دينيا وسياسيا وقانونيا ترك اختفاؤها فراغا لم يزل قائما وهو يلقي بظلاله على قضايا مثل: حالات وجوب الجهاد، ومن يدعو إليه، ومن يجب الجهاد خلفه، ودار الحرب ودار الإسلام، ومفهوم الردة والفرق بين حالة الردة وحد الردة . . . وهي قضايا شديدة الخطورة ومرشحة للمزيد.
ثالثا: مشكلات أفرزها التغير الاجتماعي الضخم في العالم الإسلامي بين مجتمع المدينة المنورة ومجتمعات المسلمين في القرن الحادي والعشرين، وأهم قضاياه ما يتصل بالتنظيم الاقتصادي والاجتماعي، وكلاهما يؤكد أهمية أن تصبح العلوم الإنسانية رافدا من أهم روافد ثقافة الفقيه المعاصر.
رابعا: مشكلات تتصل بكيفية دراسة الفقه وتدريسه وممارسة الاجتهاد حيث أصبح الاجتهاد الجماعي ضرورة وأصبح تحصين الفقهاء ضد استبداد الحكام شرطا موضوعيا لعودة عصر جديد من الاجتهاد الفقهي المنضبط، ولعل تأسيس الاتحاد العالمي للعلماء في عاصمة دولة غربية هي أيرلندا يكفي للإشارة إلى الثمرة المرة لغياب الحرية في العالم الإسلامي.
كثر الحديث عن حقوق المرأة، فما حقوق المرأة في الإسلام من الناحية السياسية (هل يحق أن تكون قاضية أو رئيسة دولة)؟ وماذا عن الحقوق الاجتماعية والإنسانية؟
حقوق المرأة في الإسلام تحكمها قاعدة التساوي مع التمايز، والتمايز يفرض أدوارا مختلفة متكاملة لا متصارعة، وقضية ولايتها القضاء مطروحة من منظور وجود "تمييز" ضد المرأة وهو مفهوم مختلف تماما عن "التمايز" بالضبط كما أن "المساواة" تختلف عن "التسوية"!! أما أن تتولى منصب رئيس الجمهورية فهو فرع عن أصل هو التكييف الشرعي لهذا المنصب وما إذا كان يقابل الخلافة في المفهوم الشرعي أم لا وهو أمر لم يحسمه المجتهدون حتى الآن، وما تتعرض له المرأة المسلمة من مظالم تفرزها الأوضاع الاجتماعية أكبر بكثير مما يمكن أن تحجب عنه من مناصب لاعتبارات شرعية وهاتان القضيتان بالتحديد من هموم النخبة، فلا المرأة الباكستانية تغيرت حياتها بوصول امرأة لمنصب رئيس الوزراء ولا المرأة المصرية حصلت على حقوقها بجلوس امرأة على منصة القضاء، لكنه شغب نخبوي يتاجر بمعاناة الناس.
كلمة أخيرة؟
المأزق الذي يمر به الإعلام الإسلامي سببه الأول داخلي والخروج منه يبدأ من الداخل لا من الخارج والفعل ابن شرعي للفكر فما لم نؤمن إيمانا حقيقيا بدور "الفكرة" فسنظل نحسن النية ونسئ الفعل، وما لم نحدد أعدائنا بدقة فسنظل نحارب طواحين الهواء، وأخطر أعدائنا تحالف الاستبداد والفساد والإلحاد وهو نموذج يطلق عليه المفكر الإسلامي التونسي المرموق الدكتور أبو يعرب المرزوقي تعبير "التحديث الاستبدادي والبهائية المتخفية". والمستقبل – بقدر ما هو مرهون بالوعي – مرهون بالإخلاص والاستعداد للتضحية، والله غالب على أمره.
_________________
شارك في إعداد الاسئلة من قرّاء دار ناشري و كتّابها:
أسامة الماجد
أسامة غريب
أناسين
حياة الياقوت
شيماء إبراهيم
محمد سعيد الملاح