أتصنت على جاري عندما تركض الأغاني في شقته الغفيرة، أعول على ذائقته، أترك أذني اليمنى معلقة على الجدار، ملتصقة تماما بالحائط حتى اكتشف الأغنية وأبحث عنها ومؤديها، هذه المرة كانت الألحان لـ "ري شارليز" وهو يغني "جورجيا"، تلك التي انطلقت من الغرفة المجاورة وانتشرت، أعادت "ري" من قبره ليجلس أمامي والبيانو الطويل، تذكرته وهو يعزف ويتحرك بنشوة، يغني بحماسة، اصابعه تهتز بشجاعة، يرقص، و الكورال يردد خلفه بسعادة تختلط بدموع مسجونة.
في الحلقة الثالثة من مقابلة الروائي السعودي عبده خال، يتحدث عن الرقيب والرقص: "حين ترقص أو تتمايل فهذا يعني في ذهنية المجتمع انك تسير على خطى سامية جمال وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد !!".
ويبكي ايضا: " ألم يقل معالي الاستاذ عبدالله بالخير أن المجتمع السعودي يسير الى الجنة بسلاسل...".
هروب

تعبت وغيري للحصول على قصص وأعمال خال القصيرة، مقالاته، الحوارت التي أجريت معه على مر السنوات، ضعت بين الأمكنة والغرف ألا نستحق موقعا إلكترونيا يضمنا وكتاباته؟ يجيب: " أنا من الناس الذين يهربون من النت،هربي منه خشية أن أغرق في فضاء متسع ولا يعود لدي الوقت للكتابة،كما ان الكتابة في النت او متابعته بالتعليق هنا وهناك يفقدك الدفقات الحيوية للكتابة لذلك فانا اتعامل مع هذا العالم بحذر شديد ادخل بحثا عن معلومة أو قراءة بريد وأخرج على عجلة من أمري".
يتابع: "وجود موقع لي يستوجب متابعته واجتزاء ساعات من اليوم لرؤيته والردود على زائريه،واذا حسبت اليوم كله فلن تجد بعد ذلك وقتا لعالمك الذي تعشقه".
وأين نجد كتبك؟ يقول لـ (إيلاف): " في كل العالم باستثناء السعودية". لماذا؟ يرد الروائي والقاص السعودي: " الم أقل لك كيف يمكن لك أن تقدس المحرم،يا أخي أنا مستغرب تماما فوزير كغازي القصيبي تمنحه الدولة ثقتها في تسير أدق أمورها الحساسة ويأتي رقيب برتبة (جنرال مزاجي) ليمنع كتبه من الدخول الى المكاتب السعودية،ولو أن هناك قراءة ثقافية لهذا السلوك فان نتائجها ستكون فضيحة ..هذا يعني ازدواجية،يعني أن الدولة تسير في طريق والمجتمع يسير في طريق أخر".
يستدل: " ألم يقل معالي الاستاذ عبدالله بالخير أن المجتمع السعودي يسير الى الجنة بسلاسل ..نحن نقف أمام حائط عال وممتد،وكلما حاولنا اختراقه صعقنا بتيارات كهربائية ذات فولط عال".



أسفل السجاد

قال مدير تحرير جريدة عكاظ عبده خال في موقع شظايا أدبية: " أنا لست ناجحا في الجانب الصحفي،فثمة متطلبات تريدها الصحافة المحلية ولذلك أجد نفسي هاربا من جانبها الصحفي المعني بالقضايا الاجتماعية هاربا الى الصحافة في جانبها الثقافي". سألته (إيلاف) لماذا لم ينجح صحافيا وهو يدرك قيمة الحرف؟لماذا ترك الصحافة لمن لايملك اللغة الحقيقية؟
يبرر: " الصحافة لا تريد لغة،تريد حقائق،وفيما مضى من زمن كانت صحافة تسعى لدس القمائم تحت السجاد،ولذلك لم أشارك في هذا التدليس،الان نحن نمتلك هامشا واسعا ومن خلال هذا الهامش تجدني مشاركا في تقديم رؤيتي عبر زاوية يوميه مهمتها القاء الضوء على كل تلك القمائم التي تركت أسفل السجاد".
عكاظ مؤسسة صحافية كبيرة، لكنها لم تصدر كتبا لشبان، وتدعم المؤلفين، مادوره كمدير تحرير يعلم حجم معاناة الناشئة؟
يشير خال: "عكاظ مؤسسة مساهمة وكثير من مساهميها لايعنيهم الا الارباح،ومع ذلك كانت هناك محاولات ممن يعنيهم الهم الثقافي بتقديم كتب من خلال المؤسسة وأذكر انها قدمت جملة كتب جميلة ككتاب الاستاذ أحمد الشيباني رحمه الله المترجم والمعني بتطور الفكر الغربي في خمسة أجزاء وكذلك مجموعة قصصية للراحل سباعي عثمان رحمه الله الا ان هذا المشروع توقف حين اكتشفت المؤسسة انه مكلف وليس استثماريا".
يواصل الإجابة: " وقولك ماذا عملت كمدير تحرير،فأقول لك لا تتصور أن المسمى الصحفي يعني شيئا عند الادارة المعنية بالارباح فالمسمى مسمى تحريري وليس اداري وقد تجد المحررون يصيحون بأعلى صوت هذا كذا ويأتي الاداري ويقول لا كذا ..أنت في زمن الربح وليس في زمن دعم الثقافة،هل تريد دليلا".
يتساءل: " كم عدد رجال الاعمال في البلد؟ من منهم استثمر في الثقافة،كم رجل اعمال دعم الثقافة ستكون الاجابة مضحكة ..دع هذا الطريق فالسير فيه مهلك ونهايته موصدة ولكي تفتحهه انت محتاج لمواهب هيفاء وهبي !!".
ألايعتقد أن صدور صحيفة الوطن من أبها (جنوب السعودية) ساهم في صداع يدب في رأس جريدة عكاظ؟ ومارأيه في تغيير حجم صحيفته الى التابلويد؟ يعلق: " عكاظ ليست تابلويد هي صغرت حجمها قليلا،أما عن الوطن فبالعكس فقد قامت بدور ايجابي حيث فعلت المنافسة وفتحت هامشا كان نصيبه فصل رؤوساء تحريرها".



رقص

قال في سياق مقالة نشرت بـعنوان (خليك بالبيت) في مجلة سيدتي التي تصدر عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر : "قبل عشرين عاما كان الرقص يعد عيبا،وعندما كبرنا وجدنا اننا نهز أوساطنا في الخارج". ألايحتفل راقصا بنجاحاته واطفاله احيانا؟
يرد الكاتب خال: " الرقص فرح،ولكنه دخل على ثقافتنا من خلال العيب،وثمة تناقض بين الرقص كفرح كان يتم احياءه من خلال الرقصات الشعبية إلا أن كلمة رقص طبعت على الرقص الشرقي من خلال (وسط) رقصات الستينات والسبعينات الميلادية،وتحول المفهوم الى مفهوم سيء لرتباطه بقلة الادب في ذهنية المجتمع،وحين ترقص أو تتمايل فهذا يعني في ذهنية المجتمع انك تسير على خطى سامية جمال وتحية كريوكا ونجوى فؤاد !!".
يضيف: "ومع الطفرة الاقتصادية وتحليق معظم الشعب الى دول مختلفة لم يكن الرقص الشعبي الذي طالما فاخرنا به موجودا في المراقص بل وجدنا رقصا مغايرا يحتفى بأن تكون متحررا من العيب الذي ترسخ في داخلك ولذلك تجد معظم من ينزل للرقص في الدسكهات على سبيل المثال أشبه بخشبة تتمايل بيد مجنون لا يهدأ بتاتا"

ملتقى المثقفين الأول الذي انعقد في الرياض، كيف رآه؟ هل يعتقد القاص خال أن أحدا سيذكر اللقاء الأول بالخير بعد حين؟يعترف: " هي خطوة كانت من المفترض أن نحدثها منذ أربعين سنة،ولو حدثت لكنا الان في مكان آخر،ومادمنا لم نفعلها الا الان فربما تعجل بالمسير..ربما هي خطوة بحاجة الى تركيب جناحين نفاثين لكي تحلق من زمن السير فيه على ظهر دابة لزمن لم يعد يعتد بالخصوصية أو الحدود الجغرافية والثقافية".
سعد الحميدين وسعيد السريحي رشحا رواية ليلى الجهني (الفردوس اليباب) لمشروع كتاب في جريدة، ماذا قدم الروائي والصحافي خال لليلى، رجاء عالم، ومحود تراوري ابناء المنطقة الغربية الذين ينتظرون منه المزيد من النصائح والدعم؟
يقول: "من ذكرتهم ليس بيننا فرق سني أو كتابي كبير،ونتعامل كزملاء يسعدنا تقدم أي منا، ورجاء وليلى صوتان رائعين فيما يقدمانه من اعمال روائية، ويستحقان وضع ابداعهما في كتاب في جريدة".
وحول النصائح يذكر: "ان الادب ليس به نصائح بالمفهوم الوعظي لكلمة نصيحة وانما هناك ذائقة تسيطر عليك أثناء الحديث عن أي عمل ابداعي، وربما لتقاربنا الزمنى ووقوفنا في تلقى ماهية الفن تلقيا متقاربا يجعلنا نسير بمحاذاة بعض في فهمنا لهذه الماهية".



فايز أبا

يقول الروائي والصحافي محمود تراوري عن الناقد والكاتب المهم فايز أبا الذي يغيب عن المشهد الثقافي لأسباب صحية: "حين وصفه الكاتب المصري كمال حمدي - عمل محررا في القسم الثقافي بجريدة الرياض السعودية في الثمانينيات الميلادية - بأنه صاحب الرأس الصغير الذي يحوي مكتبة متنقلة . لم يكن إلا مدونا دهشة صغيرة إزاء هذا الكائن العجيب في وعيه واعتزازه بكونه منتم للمثقفين الأحرار الذين لم تخضعهم المؤسسة كما يحب أن يقدم نفسه دائما".
ويوجه الناقد السعودي محمد العباس كلامه لفايز أبا عبر زاوية سابقة نشرها في جريدة اليوم السعودية : "ما رأيتك تصالب ساقا على ساق، ولا مطأطأ الرأس أبدا، وعندما تستدعي الأسماء الثقافية المرعبة التي صادفتها وصادقتها، أراك تمتصها من خرافة أنساقها الأسطورية إلى شعبوانية الواقع".
فايز أبا هذا المذهل الذي ترجم بوعي واحترافية، كتب بإخلاص، لماذا تخلى عنه الجميع، من سيمسح دمعة ابنه يوسف؟ يخشى المثقف السعودي كثيرا من عدم تقدير المجتمع له، ألايطالب عبده خال معي هيئة الصحافيين و وزارة الاعلام من أجل الاهتمام به وغيره من المبدعين الذين يستحقون العناية؟ يجيب على السؤال قائلا: " فايز ليس بحاجة لهذا التسول، فهو كاتب أفنى حياته لتقديم دور وطني كان من المفترض ان يلتفت إليه من غير التحفيز الاعلامي لأي جهة كانت، ولو ان لدينا مؤسسات معنية بشأن الثقافة لم سار عليه حال فائز وكثيرين أمثاله منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر".
يكمل: "كما ان يوسف عذق لسنبلة اسمها هناء حجازي وهي قاصة وطبيبة قادرة على ان ترفع عن فائز وابنها هذا التباكي الذي لا يصون كرامة كاتب".


صحافة ومزاوجة

الصحافة، سرقت الدكتور عثمان الصيني (نائب رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية)، و الدكتورعبدالله الغذامي (كاتب زاوية في عدد من الصحف العربية) وبعض خال، هل يعتقد أنها ستبتلع عددا من النقاد، القاصين والشعراء؟
يرد: "على ما أظن ان الدكتور عبالله الغذامي لم يستسلم للصحافة ولم يخطف من داخلها بمعنى أنه لم يمتهن هذه المهنة وظل كاتبا متخذا من الصحافة قناة من ضمن قنوات عدة لتقديم رؤاه..أما خسارتنا في الدكتور عثمان الصيني فنعم،وجميعنا يتقبل العزاء فيه".
وعن سرقة الصحافة للمبدعين، يقول:" هي قضية طويلة، وباختصار الاحتراق من عدمه تعتمد على الكاتب نفسه، وكيف يرى الصحافة وماذا يريد منها وكلما استطاع المبدع ايجاد معادلته الخاصة بين الصحافة والابداع استطاع المزاوجة بينهما والخروج بذاته المبدعة من أتون الصحافة".
صدور بيان الـ 26 قبل فترة اثار ردود فعل متباينة، ماذا يقول عبده خال للموقعين، كمواطن سعودي؟
يعلق عليه قائلا: "لكل فرد او جماعة حرية التعبير عن ذاتها وفق ما تراه صائبا بشرط أن لاتنقض الرأي المخالف لها..وأتمنى لجميع الشرائح في بلادي أن تستطيع التعبير عن ذاتها بما تشاء من أراء في ظل أحزاب يحكمها قانون شامل يحمى كل فئة من أختها،وتصبح الافضلية للمشاريع الانتخابية وما تحققه للمواطن".
يضيف : "بالنسبة لبيان الـ 26 فلهم منطلقاتهم وكان لهذه المنطلقات ايضا ان ترفض الارهاب في كل بقاع العالم كما تجيز اخراج المحتل بالقوة عليها ان (في نفس اطارها) رفض كل الممارسات الارهابية التى تحيل حياة الامنين في بقاع الارض الى هدف لمجرد الاختلاف الديني أو المذهبي"


الانتخابات الوليدة

انتخابات بلدية تشهدها السعودية حاليا، هل سيرشح خال نفسه عضوا في المجلس البلدي المحلي مستثمرا شهرته ونجاحه؟
يجيب: "أطمح لأن أرشح نفسي لوزارة من الوزارت حين نتدرج في انتخاباتنا الوليدة لهذا المنصب ..والى أن يصل قطار التدرج الانتخابي علي جمع اموال طائلة للوصول الى كرسي الوزارة".
هل يخشى على مستقبل أطفاله وشل ، معد ،عذب وجوى؟ يقول: "لا أخشى عليهم،منطلقا من ايمان أن الله خلق ولا يضيع خلقه،وكما عشت منذ صغري محاولا التخلص من عوائقي اكتسبت لذة العمل،فإذا مت سيكتشفون أني تركت لهم مشوارا طويلا من المجاهدة والتعب علهم يقتفون أثري ليحققوا ذواتهم".
حصل عبده خال على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، أين يضعها الآن؟
يبوح لـ (إيلاف): "والله لا أعرف أين وضعتها،فبعد أن حصلت عليها وذهبت للخارجية على أمل أن أوظف فلم أجد بها وظيفة ،فثنيتها من عدة اماكن على شكل صاروخ وطيرتها امام عيون أسرتي،وبعد ان انهيت لعبتي تلك صورتها عشرات الصور ووضعت كل صورة في ملف ووزعت الملفات على جهات العمل حتى اذ وجدت الوظيفة لم أجد أصل الشهادة،فالذي معي صورة مصدقة على أنها طبق الاصل.
وعمليا ماذا استفدت من دراستي في العلوم السياسية فلم استفد شيئا في الناحية العملية ولولا اهتمامي الثقافي والكتابي لكانت ذكريات يمكن أن أفاخر بها في المقاهي بأني خريج علوم سياسية".

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية