وصفت أميرة كشغري رواية الفردوس اليباب بأنها هجاء للمجتمع وفق مجلة جريدة الجزيرة السعودية،العدد55، ابريل2004، هل أغضبها هذا الوصف؟ تقول: "لا، أبداً لم أغضب. كتبت الدكتورة أميرة عما رأته في الرواية، وهي – فيما أعتقد – رؤية تعلي من قيمة الرواية، إذ تشير إلى أنها لم تهادن إحدى فضائلنا السائدة وهي : (الحشمة أمام المصائب الخاصة) كما يقول جابرييل غارسيا ماركيز".
روايتها الثانية، مشروع طال انتظاره، متى سيرى النور ياترى؟ تجيب الروائية السعودية الجُهني: "عندما ينتهي سأطرحه. لستُ مستعجلة، ولن يعنيني ما سيُفَوته عليَّ التأخير، في مقابل ما سيجلبه عليَّ الاستعجال، والرغبة في الوقوف تحت الضوء دون أن تكون الأرض من تحتي ثابتة، كما أن المتلقي الذي يستعجلني الآن سيكون أول من يرجمني بحجر إن لم أقدم له ما يستحق". شعور يتخللها يشبه طفل يحمل سكين حادة خلف ظهره، تفسره: "حتى أكون صادقة فسأقول لك إن دراستي تستأثر بمعظم اهتمامي حالياً ؛ لأن شعوراً مُمِضاً بأني سأحيا حياتي وحيدة ينتابني أحياناً، ولا أريد أن أجد نفسي ذات يوم وحيدة ومنكسرة فقط لأني تبعت بريق الكتابة وأهملت الاستعداد لمواجهة ما ستحمله لي الأيام. أريد أن أحمي وحدتي، وأعتقد أنْ ليس من حق أحد أن يلومني على ذلك".
قرأتُ نصاً رفع أصابعه أمامي في موقع (جسد الثقافة) الالكتروني بإسم ليانا، كان يتحدث عن الموت والعذاب، و مكملا لنص نشر في ذات المكان تحت اسمها الصريح، هل هي ليانا؟ دعونا ننادي الاجابة، ترد ليلى: "نعم، أقولها بسعادة واعتزاز. مررتُ بجسد الثقافة كثيراً، وقد راق لي المكان، لكني تحاشيتُ أن أسجل فيه باسمي الصريح ؛ لأني توجستُ أن كثيرين سيتعاملون مع الاسم، ولن يمنحوا أنفسهم فرصة للتعرف على الكائن الكامن خلف الاسم. أردتُ أن أقدم الإنسان في أعماقي، وتصرفتُ في الجسد كما أتصرف في حياتي اليومية". ماذا كشف لها اسمها المستعار؟ تقول لـ (إيلاف): "عندما أتأمل ما فعلته أشعر بسعادة، لأن تسجيلي بهذا اليوزر كشف لي جانباً جميلاً من نفسي وهو أني لا أستطيع أن أكون غير ما أنا عليه في الواقع. وفي آخر الأمر فإني لم أجند يوزري لتمجيد كتاباتي أو الدفاع عنها كما فعل ويفعل بعضهم. أعتز بتجربة " ليانا " جداً، إذ ليس فيما كتبته أو ساهمت به في المنتدى ما يخزيني أن يطلع عليه أحد الآن أو غداً".
"خلوت من كل رغبة في أن أنجب طفلاً ؛ ليس لأني يائسة، بل لأنني أعتقد أنني أحبه أكثر من أستسلم لرغبتي في إنجابه، وأنا أعرف ما ينتظره ".مقطع ورد في احد نصوصك، هل هذا هو احساسك فعلا؟ تطير: "استحضر عبارة قرأتها منذ أعوام كتبتها سوزانا تامارو في : اتبعي قلبك، تصف فيها " إيلاريا " ؛ إحدى شخصيات الرواية : " كانت فوق الثلاثين، وفي تلك العمر يمكن أن تقع النساء اللواتي ليس لديهن أطفال تحت هواجس غريبة، يُردن طفلاً بأي ثمن، كيف ؟ ومع من ؟ ليس مهماً ". الآن، وأنا أجيب عن سؤالك، أدرك أني لن أقع تحت هاجس الرغبة في إنجاب طفل فقط لمجرد إنجابه، لن أرتكب هذه الحماقة بحقه. وإن كنتُ خلوت من كل رغبة في إنجابه، فإن ذلك لا يحول بيني وبين أن أستعيد تلك الرغبة. لنقل إذن إني لا أفكر في الموضوع حالياً".
الكثير لا يعلمون انها دكتورة منتظرة، ما تخصصها، ما همومها البحثية، وما هو حلمها بعد الشهادة؟ تفيد أستاذة الوسائل التعليمية في كلية البنات بالمدينة المنورة: "أحضر حالياً لنيل درجة الدكتوراه في التربية، تخصص : تقنيات التعليم. والهموم شاسعة وغير قابلة للحصر هنا، من بينها : الروتين، والرتابة، وشح المراجع، والسرية التي تُحاط بها المعلومات مهما بدت تافهة، وأمور أخرى كثيرة لا تخفاك فيما أعتقد". تغطي احلامها برفق، تبرر: " أما أحلامي فإني أحب أن أحققها أولاً، ثم أتحدث عنها، لا أدري، لكني أجد الأمر أجمل هكذا، وإن كان لي أن أصفها فسأقول إنها أحلام واسعة وغير مؤذية".
هل ترى ليلى انها مختلفة، عندما تتأملها في المرآة؟ تبتسم: "أعي جيداً أني مختلفة. لا يعني ذلك أنني أفضل أو أسوأ، بل مختلفة وحسب. أحياناً عندما أتأمل وجهي في المرآة، أتأمل وجه امرأة يرهقها الوعي الزائد بذاتها – كما تصف أهداف سويف – امرأة تفتقد اليقين بجدوى أشياء كثيرة، وتصطخب في رأسها أفكار صغيرة غير مغفور لها، وتُمِضُّها رغبتها في أن تأتي الأشياء التي تحبها كما تريد ولو لمرة واحدة فقط".
يقول برنارد شو: "تعرف بأنك عاشق عندما تبدأ بالتصرف ضد مصلحتك الشخصية". هل تتصرف الكاتبة السعودية فعلا ضد مصالحها الشخصية، لماذ أدور على الاجابة، هل هي عاشقة؟
ثَمَّ كائن في أعماقي يريد أن يغني، ربما لا يملك صوتاً جميلاً، لكنه يريد مع ذلك أن يغني، وقد وعدني بألا يزعج أحداً، ومثل هذا الغناء لا يسمعه – عادةً – إلا بشرٌ قليلون، بينهم واحد فقط يستحق أن أتصرف ضد مصالحي الشخصية من أجله". وتردد على مسامعه ما قالته جمانة حداد : " العاشقة لا يفتك بها الانتظار، لا تقدر ان تخاف، وإن كانت تجهل بقية الحكاية. فالحكاية أنت، والبقية حتماً ستأتي. هي تحزن لأنك لم تقفز من عينيها بعد، لم تنزل في يديها، لم تدهشك شعوبها. هي تحزن من أجلكَ، لأنك لا تعلم كم سوف يكون لك قمرٌ على ثغرها، وذهبٌ على خدها، وامرأة جديدة في كل ركن من أرضها ".
هل فعلا دور النشر العربية تتعلم الحلاقة على رؤوس الأيتام كماقال الروائي السعودي عبده خال لـإيلاف في لقاء ماض، أيضا نجد الاصدارات العربية خالية من احساس الكاتب، هل حقا يمتصون مشاعر المؤلف ولايمنحونه المال ولاحتى المشاركة في الغلاف والاخراج الفني؟
تحرك نظارتها ببطء، تتدفق: "تجربتي الوحيدة في النشر لا تؤهلني لاتخاذ موقف معين، نشرت دار الجمل : " الفردوس اليباب " دون أن تضطرني لدفع أي مبلغ، وفي المقابل لم يكن هناك أي عقد ببنود محددة بيني وبين الدار، كما لم يتم الاتفاق على حصولي على نسبة من أرباح البيع، كل ما حصلت عليه هو عدد من النسخ من الرواية وقد نفدت سريعاً". تردف: "ولا أدري عما يحصل من قِبل دور النشر الأخرى ؛ لكن المسئولية لا تقع على عاتق دور النشر وحدها، المناخ العام كله مناخ يتسم بهدر الحقوق على كل المستويات، فكيف ننتظر من دور النشر أن تحترم حقوق المؤلف أو أن تُشركه – على الأقل – في اختيار غلاف كتابه، أو تنسيق محتوياته ؟".
لا تحب أم كلثوم، محمد عبده، تبرر لـ (إيلاف): "أحترم تجربة كل منهما، لكنهما لا يطربانني، ولا يعني ذلك أنهما سيئان وأني جيدة، أو العكس، المسألة في النهاية مسألة ذائقة، وذائقتي لا تتواءم مع هذين الصوتين وأصوات أخرى كثيرة غيرهما". تسهب: "أغنيات أم كلثوم مثلاً تشعرني بالكآبة، وأحس كأنما جدران المكان الذي يعلو فيه صوتها ستنطبق على روحي عما قليل، أما محمد عبده فمتوافر لحد الابتذال – وأعتذر إن بدت كلمتي سيئة لمحبيه – ومنذ صغري كان محمد عبده ذوقاً مفروضاً علي احتماله، وعندما كبرتُ صار بإمكاني أن ألوذ إلى فضاءات أخرى تروق لي، وليس مهماً أن تعجب الآخرين، وعموماً أجدني أبحث دائماً عن الكلمة واللحن غير المبتذلين، ولا يخلو البحث من متعة الوقوع على أصوات جميلة تستحق الانحياز لها".
تحب منصور ابن اختها، الروائية اللبنانية حنان الشيخ، الممثل الكوميدي الأميركي مايكل ريتشارد (كريمر)، والأكل الصيني، ماذا ايضا؟ تنطلق: "أشياء وأناس كثيرة أحب البحر في الصباح، أول الصباح. أحب أن أسير بحذاء أمواجه المتلاطمة، وأن أفكر أني لم أكن سيئة أبداً، ربما كان بعض حياتي سيئاً، لكني لست سيئة. أحب الموسيقا في كل وقت ومكان. أحب أن أضع سماعاتي في أذني وأفعل كل ما يعن ببالي، آكل، أشرب، أغسل، أكتب، أقف أمام واجهة متجر، أجلس في المقعد الخلفي لسيارة تحملني إلى مكان ما، أو ممددة في آخر الليل على سريري أعد خساراتي، وأحاول أن أقنعني أنها : هينة ويمكن تعويضها".
نشطة أصابعها: "أحب أن ألمس الأشياء، أن أمر على أهداب القطيفة، وأن أتحسس حزوز الصخور، وأن أدفن يدي في الرمل الحار، وأن أشعر بالخدر المؤلم بعد إمساك الثلج، وأن أتتبع خشونة جذوع الأشجار الكبيرة، وبرودة معدن السيارات في أول الصبح، وأن استند إلى جدار ما فأشعر بصلابته خلفي، وأفكر أني رغم صلابتي أحلم بمن استند إليه وأشعر بصلابته خلفي، فأغمض عيني وأهدأ".
تتأمل الكاتبة السعودية ليلى الجهني السماء بإهتمام وتستهويها التفاصيل التي تزورها: "أحب الأيام النيئة، عندما يكون نصفها غائماً، ونصفها الآخر صحواً، وأن أقف تحت مطر الله بلا سواتر تحول بيني وبينه، وأن تبزغ الشمس بهدوء بعد مطر غزير، وأن تتكاثف أنفاسي في الشتاء على زجاج النافذة، فأحولها إلى كائنات خرافية تجف عما قليل دون ذنب أو مغفرة، وأحلم لو جففتُ مثلها بلا ذنب أو مغفرة".
هل تأسركم روائح الأمكنة؟ رددوا حكاياتكم معها اثناء انصاتكم الى ليلى: " أحب رائحة الخشب المبتل، ورائحة الأمكنة المطلية حديثاً، وعبق شجرة الليمون، وروائح محطات الوقود على الطرقات بين المدن، ورائحة جدتي رحمها الله، ورائحة أطفال أختي الثلاثة، ورائحة الحقائب الجلدية المنسية في عتمة دولابي، ورائحة أوراق الصحف، ورائحة المدينة عندما أغيب عنها، ثم أعود فتستقبلني وأشعر كما لو كنتُ تحت مطر".
قبل قليل كنت اراقب وجه استاذتي، تسافر عيني مع حركة يديها وساعتها الواسعة التي تصدر اصواتا مربكة، لاتشبه الأغنية التي ترددها أستاذة الوسائل التعليمية في كلية البنات بالمدينة المنورة: " أحب أن أتأمل وجوه الناس على غفلة منهم، أراقب الطريقة التي يبتسمون بها، وتلك التي يقطبون بها، وأن يرفع أحدهم حاجباً واحداً، وأن يبتسموا حتى لو لم يكونوا يعرفوني، وأن ينهمكوا في شيء ما، يا إلهي كم أحب أن أراقب وجهاً منهمكاً في شيء ما، أتساءل حينها كيف يكون وجهي ؟ وكيف يراه الآخرون ؟".
تتمنى ليلى: " أحب أن أعود أحياناً إلى صوري وكتاباتي القديمة، وأشعر بذلك الأسى الخفيف الذي يخلفه إدراكي بأنني أتغير، ليس بصورة مفزعة، لكن بصورة مضطردة وأحياناً مضطربة. أتأملني وأتساءل لو مزقت الصور والأوراق فهل سيذكرني أحد إن مت ؟".
كيف تخمد الروائية السعودية وجعها؟، تقول: "الصمت، والكتابة، وأحياناً – عندما يكون ذلك متاحاً – السير وحيدة بإزاء البحر صباحاً، أو في ممرات تغطيها أوراق الأشجار المتساقطة، يشعرني صوت الأوراق وهي تتهشم تحت وقع خطواتي بهشاشة الحزن، وبأن الأشياء مهما اضطربت فستعاود سيرتها الأولى عما قليل، وعليَّ فقط أن أحتمل".