سؤال: حين نقدم غيرنا لغيرنا، ننصب لا شعوريا مرآة بضمير المخاطب أو الغائب نقدم من خلاله أنفسنا. ما رأيك في تكسير هذه المرآة بضمائرها ( المخاطب منها والغائب) والحديث مباشرة عن مشوارك الشخصي والأدبي؟
جواب: إن كان لابد من كلمة صغيرة على سبيل الاختزال (طبعا لأنه لايروقني بصراحة ومن غير اللائق لي أن أتحدث هكذا مباشرة كماتقول عن مشواري الشخصي /الأدبي المتواضع). كيف لي أن أنسى الغجري الذي كنته بالأمس القريب .قاطع طريق من شمال إفريقيا بالأحرى وعلاقته الحميمة مع السكين /المدية.ستتحول هذه العلاقة الحميمة بقدرة قادر ذات تحول صاخب في حياته إلى علاقة وجودية سديمية غير مفهومة البتة بالقلم /الكتابة .اقتراف الكتابة كمعادل موضوعي ذات باكورة موسم من خطأ
الحياة الفادح .كتاباتي العنيفة الأولى الضاربة في غموض وتشعب الكلمة حد الإدماء انتشلتني من بغاء مصير محقق للجريمة .لتزرعني في طريق مصائر لذيذة بمباهج سوداوية رمزية مايزال العراك فيها محتدما .وتصفية الحساب مع الذات والعالم ضاجا ومفخخا .إذ كنت محسوبا على عصابة صغيرة ذاق
اغلب افرادها مصير السجن والجنون والموت والتشظي والهامش بكل قتامته وأعراسه ومهاويه وابتذاله.يمتنع علي أن استرسل في هكذا إيقاع لان المقام لايسمح بذنوب ذلك .هذا الغجري الآن محسوب على عصابة آل التجريب .كعراب للهامش المريب .غامر باصدار كتاب أسود ذات سن 20/21أقحمه في وهم الرواية (تمتمة الرداءة:مرثية الأطلس المتوسط) تعزز بإصدار كتاب قصصي تجهش نصوصه بحب المهمل والمنسي بلغة معتقة أنيقة لصالح وحشية جروح نرجسية لأطلس الوجدان تعتوره ثقوب وفظاعة الترك والنسيان.قصص ضمتها حنايا كتاب موسوم ب (رقصات الخلاء)عن دار سعد الورزازي 2005.ثم عن سبق إصرار وترصد كان لابد من الرفع من وتيرة وعي الدوبلاج لأكثر من فيراج مغامر على حافة انحراف جمالي بارتكاب جريمة (رطانات ديك خلاسي) كرنفال قصصي صدر هذا الموسم عن دار أبي رقراق/ الرباط.نصوص بوعي حاد ومشاكس لاتشبه في شيء استراتيجية الكتابة واواليتها للمنجز النصي في تجربة (رقصات الخلاء) .بإحداث زحزحة كاميكازية للكتابة من النقيض إلى النقيض.مكشرا عن نوايا تجريبية باستقطار محفل كوني لنموذج القص العالمي.واستمزاج معرفة تقنية ومهارات ومقدرات وألاعيب ومكر تتضافر استخطاطاتها لتأسيس بلاغة جديدة لفن القول القصصي العربي وفق فرضية خاصة /راديكالية (اكتمال الميتافيزيقا القصصية).كتاب أريد له أن يكون مستفحلا في ولع الهامش والمستقبل لم ولن ينتبه إليه النقد البليد الحقود السائد في المشهد الثقافي المغربي .وقريبا سيتعزز كناش الحالة المدنية بإصدار جدارية قصصية تحت عنوان (المسالخ وطقوس دباغة أخرى) وأيضا كتاب سردي مؤسس على متاهة صاخبة وشغب لغوي ولعب ذهني بخلفية مكر الحكاية /الواقع الذي يمهره مرح التركيب والإرباك والتضليل الشعري مدعوما بسياط سخرية مائزة ولاذعة تحت عنوان (سبائك الهامش المريب) أما المشروع الجديد الذي يتم الاشتغال عليه بانتظام الآن فهو كتاب/رواية سيكون حفل عقيقته غالبا موسوما ب(طفل التشعبات.....)
سؤال: تجربتك مع النشر، كيف تقيمها؟
جواب: هي تجربة مؤسفة وكاريكاتورية .كيف لي أن انسى الطالب الجامعي الذي كنته بالأمس القريب أيضا الذي غامر بمنح موسمه الدراسي من أجل إصدار عمله الأول اللعين بمكناس وتكبد خصاص متطلبات عام بكامله سجائرا كراءا وجوعا .عمل لعين فعلا كان بمثابة صرخة في خلاء /إيقاع غضب أسود يدين الكل مؤسس حول بطولة موهومة مأساوية لعصابة هامش صغيرة تحاول أن تصنع لحظة تاريخية في مدينة مهملة كعلبة سردين صدئة على قارعة فلاة .(حماس الغناء الملتزم الصاخب والاغتراب الوجودي .معارك سياسية وهمية على حافة اصطدامات حياة دامية .معارك تتبنى بحماقة صفيقة وزر وهم كوني ومصير العالم....)أذكر بأسى كيف ضحك علي صاحب المطبعة"السعادة"أنا والروائي المناضل عاشور عبدوسي.كم ذاا سلختنا شمس افريقية حيزبون قطعنا فيها المسافة بين حي "الزيتون"وحي "حمرية" اطمئنانا على سيرورة مخاض ولادة فاقعة المرارة .وكانت صدمة الإخراج الجمالي المهترئ لغلاف الكتاب ورداءة الأوراق والخط مخلوطة بمذاق ابتهاج أول عمل يخرج بالقوة والفعل من عالم الكمون إلى عالم التحقق .النشر في المغرب كماهو الحال مع اغلب الأصدقاء الكتاب هو على ذمة النفقة الخاصة وماادراك ماالنفقة الخاصة .شخصيا لاأعول على مايسمى تجاوزا بالمؤسسة الثقافية البليدة ولاأعترف بمدبري الشأو الثقافي المزيف.دائما على حافة النقيض من ذلك التهافت المؤسف المخزي على كسرة خبز يابسة المخزن العتيد.سأبقى وفيا لهامشيتي وعلى مقاس ماقاله "هيجل" ذات شذرة بصدد بومة أثينا (هنا الوردة هنا نرقص )أقول هنا الهامش هنا نرقص .
سؤال: من خلال تجربتك مع القراء، ما هي أقوى ملاحظة اخترقت مسامعك ووجدانك من قارئ من القراء؟ وما هي أطرف ملاحظة تلقيتها من جمهور قراء تكتب له؟
جواب: أقوى لحظة هي في صيغة سلوك فظ عنيف بالأحرى عندما تم تحريض شخص مفتول العضلات ضدي مع صدور عملي الأول بمبرر ساذج كونه شخصية شاذة فضحتها ضمن تجربة شخوص كتابي اللعين .تربص بي مع معتوهين ذات زقاق وكانت معركة رهيبة غير عادلة (هراوات وسكاكين) انفلت منها ب(رضا الوالدين).
أيضا اعتز بلحظة قارئ كان يتجشم عناء ظلمة سجن (اخنيفرة) لااعرف كيف وصله الكتاب الأسود .عندما أفرج عنه أول شيء فعله بحث عني وقاده الي صديق بالصدفة الي ذات شارع .عانقني بصخب وتلا علي فصلا من الكتاب يحفظه بالنقطة والفاصلة والبياض .أخبرني أنه قرأه أكثر من عشر مرات وكان عزاءه في سجن الأسف ذاك .
أيضا أعتز بلحظة أخرى ذات حديقة تعيسة عندما أمسكني شخص غريب من قميصي وخنقني جهة عنقي وشرع في أن يوجه لي لكمة محبة وإعجاب وهو يهتف بي :أيها الوغد قرأته أكثر من مرة كأنني كاتبه.وكان يعني كتابي القصصي الأخير (رطانات ديك خلاسي).....
لحظة اخرى عزيزة وطريفة من امراة تمتهن اقدم حرفة في التاريخ .اذكر كيف تلقت صدور كتابي (رقصات الخلاء) تلقفته من صديق وركضت في الشارع كانما اصابها مس جنون وهي تصرخ وتزغرد.....الخ
سؤال: من هو قارئك المفترض؟ كيف تتصوره؟ كيف تتوقع تفاعله مع إنتاجاتك؟
جواب: القارئ المفترض هو طرف مني .مهما كان النص مولوعا بالانهمام على ذاته/نصيته .كمائنه الخاصة .طقوسيته وتعاليه أيضا .فهو في المبتدأ والخبر يفترض قارئه الخاص .نصي لايبحث عن جمهور.تجربة الأدب لم تكن بيوم من الايام جماهيرية والنص عندما ينخرط في حياته الخاصة منفصلا عن المعتوه الوغد كاتبه.فرهانه اكيد على قارئ مفترض ماكر يستفز فيه أو يوقظ فيه ولع نص يمكن ان ينهض على انقاضه.النص عمل ولعب كما اجترح رولان بارث ذات مغامرة سيميولوجية والقارئ لعب أولا وعمل ثانيا بالضرورة يمكن أن نضيف.
سؤال: تختلي بنفسك، تسهر، تكتب، تنشر وتواكب ردود الأفعال القارئة وغير القارئة. لماذا كل هذا الإصرار على الكتابة في مجتمعات عربية ضعيفة الإقبال على القراءة ولا مبالية لكل الأشكال الثقافية المكتوبة؟
جواب: الإصرار على اقتراف الكتابة هو نفسه الإصرار على اقتراف الحياة .لا أتصور وجودي بقيمة ومعنى حقا ولو على سبيل الوهم بلا ارتكاب هذه الذنوب الطازجة مع العربيدة .اللعبة القاتلة الصاخبة الفاتنة واللاجدوى منها :الكتابة.
الكتابة هذه الطريقة الوحيدة الممكنة لمواجهة قانون الموت الفظ .وحتمية النسيان الأعمى .أما المجتمعات العربية وشعوبها التي ترزح تحت أنظمة لقيطة جاثمة على أنفاسها .هذه المجتمعات والشعوب من المحيط إلى الخليج برهنت للتاريخ وماتزال عن موهبة ذريعة في تصديق الأكاذيب والترويج للأوهام والخرافة بشكل محكم ومأساوي .فدعني أقول لك :لو أن الأوطان تتبادل حقا مثل مومسات في مبغى كما قال المجذوب محمد الماغوط.
سؤال: الكتابة الإبداعية في زمن القرية الكوكبية، زمن العولمة، كيف تراها؟
جواب: بوهيمي مثلي غير معني بهذه الذريعة الوضيعة المسماة عولمة .القرية الكوكبية التي عمقت الشتات والفوراق والتشظي والابتذال الإنساني لصالح عولمة البضائع واقتصاد السوق والسلع لاغير .
ضرورة الفن وجدواه كانت وماتزال إنسانية وكونية .وجوهر الكتابة وخطورتها .الحاحيتها وقيمتها ومعناها ستبقى بقيام هذا الإنسان على هذه الجغرافيا الحمقاء.
سؤال: " مطرب الحي لا يطرب" شعار عامي لكنه يلقى صدى لدى النخبة أيضا. فالمبدع العربي والمبدعة العربية محصنان ضد القراءة للمبدع الجار والمبدع ابن البلد. فأغلب المبدعين العرب حين يتعلق والأمر بإبداء رأي حول الكتاب الذين يقرؤون لهم، يقفزون مباشرة للضفة الأخرى والأسماء الأخرى. لمن تقرأ حاليا؟
جواب: أصدقك القول ان قراءاتي فوضوية .مزاجية .ولاتخضع لطراز انتظام ما في تدبير متعتها وعنادها .آخر ما قرأته هو منطق المعنى لجيل دولوز
و فخامة الديناصور لخوسيه كاردوسو
سؤال: أيهما أهم في الإبداع الأدبي: الخلفية النظرية أم النص الإبداع؟ هل تمتلك مشروعا جماليا يكسب نصوصك خصوصية وتفردا؟
جواب: لأنني مشروع كاتب وسأبقى كذلك .لا أؤمن بالتلقائية في فن الخلق المحتكمة إلى الانفعالات والعفوية الساذجة .وأنا من الذين يزعمون أنني صاحب مشروع جمالي باستراتيجية وتصور ورؤية تستند إلى وعي ومنطلق فني.
سؤال: الثقافة والسلطة، الإبداع والرقابة، والأفق اللامحدود والخطوط الحمراء... ما هو موقفك من هذه الثنائيات؟ وكيف تموقع كتاباتك بينها؟
جواب: الكتابة إما أن تكون طليعية نقيضا لأي سلطة كيفما كانت أولاتكون .أحاول أن أمارس مغامرة كتابة غير مهادنة تتموقع خارج بيت الراحة الأدبي .كتابة مشاغبة ومنشقة ومزعجة تقشر بيضة الزوج الميتافيزيقي هذا الذي أطلقت عليه اسم ثنائيات .الكتابة الحقيقية إرباك وإقلاق وإزعاج .
سؤال: كيف تقيم هذا اللقاء الحواري؟
جواب: حوار أعتز به مع صديق مبدع جميل .دام لك نبل هذه التنويعات على ورشة كتابتك الخاصة.