نشـيدنا مشاعل الحياة نشـيدنا مطامح الدعاة
نور رجاء بسمة ضــــــياء نشيدنا نار على الطغاة
كلمات سطرها الشاعر سليم عبد القادر، وترددت على ألسنة الشباب المسلم في السبعينات والثمانينات، وإلى الآن تحمل المعاني الراقية والسامية في النشيد الإسلامي ، فالشاعر سليم عبد القادر كما قيل عنه رائد الأدب الإسلامي في فن الأنشودة الإسلامية، عُرف بتأصيل فن النشيد الإسلامي من خلال تعميقه لأبعاد غائبة عن هذا التخصص، كما يعد من طليعة الشعراء المعاصرين الذين أسهموا في غرس القيم والمعاني التربوية لدى الطفل، وأصدرت شركة (سنا) معظم قصائده المغناة، كما نشرت مجلات عربية بعض أشعاره، وله مسرحيات وروايات ودواوين شعرية آخرها (نعيم الروح ).
للشـاعر أكثر من عشرة أشـرطة لأناشـيد الأطفال، بالتعاون مـع مؤسسة (سنا) السعودية أهمها (الطفل والبحر ، أغلى هدية ، عودة ليلى ، نشيد المستقبل ) .
صحيفة ( السبيل ) انتهزت فرصة زيارة الشاعر سليم عبد القادر لعمان وأجرت معه الحوار التالي :
• متى كانت البدايات في الكتابة ، وكيف دخلت كلماتك عالم الإنشاد ؟
كتبت الشعر في عام 1972 وكنت أنشر كتاباتي في مجلة حضارة الإسلام والشهاب ومنار الإسلام، أنشدنا مرة أنا والمنشد أبو الجود ومجموعة من الأصدقاء الأناشيد المعروفة والمتداولة في أحد الأعراس التي كانت بالغالب في المساجد، فسُرّ الناس بها وخاصة أنها كانت مفقودة ذلك الوقت، فتأسست الفرقة من أربعة أشخاص، واقترح علينا أن نكتب قصائد خاصة بالأناشيد، فبدأت بالكتابة بحكم الضرورة لنلبي متطلبات هذه الفرقة الصغيرة بثلاث قصائد لحنها أبو الجود ، وأدينا الأناشيد لأول مرة في مسجد الروضة بمدينة حلب السورية بمشاركة مؤذن المسجد، فتلك سنة متبعة آنذاك، وأعجب الناس والشيوخ بتلك الأناشيد الجديدة بكلماتها وألحانها، فحُدد لنا موعد أسبوعي أو بين كل حين وآخر، فكانت تلك هي نقطة الانعطاف في عالم النشيد وكان ذلك كله في ثلاثة شهور، ولما رأينا الأثر الطيب لتلك الأناشيد بدأنا بالتنقل خارج نطاق مدينة حلب .
كنت أركز في كتابة القصائد على المعاني فلم يكن نظماً مباشراً بل كنت أتفاعل معها، وقراءة الكتب القيمة كانت تبلور ذلك، فمصدر قوة الفرقة كان بجمال صوت أبي الجود وقدرته التلحينية العالية، والإيتاء بالكلمة الجديدة غير المتداولة، فتعزز لدي مفهوم كتابة الأنشودة من خلال الأثر الذي لمسته ، فالشعر واللحن الجميل يكسب الأنشودة أجنحة إضافية للتحليق أكثر.
• كيف ترى الفرق بين الشعر المقروء وبين الشعر الخاص للنشيد ؟
الشعر المقروء من وجهة نظري أسهل أنواع كتابة الشعر لأنني أكتب ما أحس به في خيالي ولغتي طليقة، أما الشعر الخاص للنشيد فأحاول أن ألتزم فيه ما يرفع همم الناس، أود أن أقسمه إلى الشعر الخاص بالكبار وإلى الشعر الخاص بالأطفال .
الشعراء يظنون أن شعر الأطفال أسهل ولكن بالنسبة لي هو أصعب، لأنني قبل كتابتي للطفل علي أن أستحضر وأدخل عالم الطفولة، إما طفولتي السابقة أو طفولة أولادي، والقاموس اللغوي للأطفال صغير ويجب الالتزام بمصطلحات وأسلوب يفهمه الطفل، وغالب الشعر الخاص بالنشيد اعتمد الكتابة على البحر المجزوء أو البحور القصيرة، ولكني أحاول التنويع لكي لا يتكرر اللحن فأكتب بالبحور الأخرى أيضاً .
• ما الكلمة التي توجهها لمؤسسات الإنتاج والمنشدين عند اختيار كلمات الأناشيد ؟
المشكلة أصبحت أن النشيد مرتبط بالأمور المادية بشكل كبير، وهذا فيه أذى للفن وخطأ كبير، فكاتب الكلمة يجب أن يكون قد عايش الفكرة والمضمون، وكما قال الشاعر عبد الله عيسى السـلامة: (كتابة الشـعر أحياناً أصعب من خلع الضرس) .
أحياناً أكتب خلال الأسبوع ( 8 ) قصائد وتارة أخرى أكتب القصيدة بربع ساعة، وأحياناً تأخذ مني كتابة القافية الواحدة في أنشودة للأطفال أسبوعاً كاملاً أو أكثر فلا تأتي القافية التي أرتضيها، ومن الأمانة أن أبلغ على مستوى أقدر عليه وأبذل جهدي وأوظف كل قدراتي .
• هل قصيدة ( نشيدنا ) شاملة ووافية لتعريف الأنشودة أم هناك مجالات لم تستوعبها ؟
أحدهم قال إن تعريف النشيد في قصيدة ( نشيدنا ) غير وافٍ وشامل وهذا دليل عدم معرفة بالموضوع، فالنشيد ليس له تعريف محدد فهو ليس قضية علمية تحصى مثل قوانين الرياضيات، وقصيدة ( نشيدنا ) لم تتكلم عن تعريف علمي معين إنما تتكلم عن فضاء، وعالم الأنشودة الواسع والشامل يغطي جميع جوانب الحياة، والشعر يأخذ الجوانب الجمالية والشعورية، ويحض على قيم عليا وعليه أن يترك أثراً والنشيد طريق انتشاره .
• كيف ترى حال الكلمة في النشيد اليوم ؟
في الشعر الإسلامي المعاصر الحديث، لدينا عدد كبير جداً من الشعراء ولكن قلة من يكتبون الشعر للنشيد، ولا أعتبر من كتب قصيدة أو اثنتين شـاعر نشيد، شاعر النشيد من أنتج كماً كبيراً من القصائد الخاصة بالنشيد واهتم بالموضوع وتفرغ له وأخذ من وقته وجهده ومن نفسه ومن إنتاجه الأدبي، فالآن هناك إحجام من الشعراء أصحاب الموهبة عن عالم النشيد، الأمر لا يتطلب إلا تجربه ومحاولة، فأصحاب المواهب العالية والتميز والإبداع نادرون في مجتمعنا .
• هل تشترط سماع لحن الأنشودة قبل إنتاجها وتوزيعها؟
كان المنشد أبو الجود في السابق كلما لحن أنشودة يأخذ رأيي فيها، وأنا على ثقة مع من أتعامل معه، سواء كان منشداً أو ملحناً، فقصائدي أعطيها لمن يمتلك موهبة وقدرة جيدة على التلحين والأداء، ونسبة 10 % أطلب تغيير الألحان وأمتلك القدرة على التلحين ولكن كموهبة وليس كعلم .
• لماذا تكتب للأطفال؟
لعدة أسباب، أولها قلة الإبداع في مجال الطفل والكتابات المخصصة له، فالطفل العربي مظلوم، ثم الرغبة في سد ثغرة بسيطة في مجال الأطفال، وكما يقول الأستاذ جودت سعيد: (كل شيء الهدم فيه أسهل من البناء إلا عالم الأفكار الهدم أصعب من البناء) فالطفل عندما يكتسب فكرة وأمراً سيئاً إصلاحه قد يأخذ سنوات طويلة. من هنا كان الوعي بأهمية الكتابة للطفل كونه عملاً إيجابياً ويترك أثراً على المدى الطويل، فالطفل صفحة بيضاء ناصعة قابلة للتأثر بأي عامل سواء كان إيجابياً أو سلبياً.
وقد يعود السبب أيضاً للتركيبة الشخصية للإنسان نفسه إن كانت الطفولة خصبة، فطفولتي في مدينة حلب بين البساتين وبرك المياه والطبيعة الخلابة، البيئة أعتبرها إلى حد ما تربة غنية للكتابة، وبعد ذلك حب الشاعر للأطفال والتفاعل معهم، فنشيد ( الطفل والبحر ) استوحيته من ابنتي عندما كانت صغيرة فهي تحب البحر وهوايتها جمع الأصداف، وإن كانت الكتابة بعد فترة. وآخذ وقتي عندما أكتب للأطفال ولا أجبر نفسي، وأحياناً يأخذ مني الشريط سنة كاملة، فلا أكتب إلا عندما أحس أن الفكرة نضجت، وكمـا قال شـاعر غربي عندما سـئل كيف تكتب ؟ قال ( البيت الأول هدية من الله ) فالبداية هي المفتاح.
• ومؤسسة ( سنا ) بلورت هذه القصائد ؟
مؤسسة (سنا) مساعدة على الإبداع، فكانت البداية مع المؤسسة عام 1994، ومؤسسة (سنا) وسيلة لإيصال القصيدة التي أكتبها ملحنة ومغناة للطفل، ولولا هذه التجربة وهذا الإطار العملي للعمل ما كنت كتبت شيئاً من هذا القبيل.
• أيهما تفضل : كتابة النشيد باللهجة العامية أم باللغة العربية الفصحى ؟
أنا منحاز 99 % دون تردد أو شك للغة العربية الفصحى للأسباب التالية: الآن المجتمع متفتح، واعٍ، ويفهم اللغة العربية الفصيحة، وكثير من المسلمين في الغرب يستفيدون من الأناشيد التي هي باللغة العربية الفصيحة كونها لغة القرآن الكريم، وهم يفهمونه ، عدا ذلك اللغة العربية الفصيحة أجمل، وبما لا يقاس بأي لهجة محلية، واللغة العربية الفصيحة يستمع إليها أي إنسان عربي في جميع أنحاء الوطن العربي، فتكون واضحة فيستطيع فهم الأنشودة ومعانيها وأوسع انتشاراً شئنا أم أبينا، واللهجة العامية تفقد من قيمة وأهمية الأنشودة، فاللغة العربية الفصيحة فيها كل العناصر ذوقاً وأدباً ولغةً فهذا لمصلحة الفن والنشيد ولمصلحة الأمة والعروبة ولأي مصلحة نريدها، والعدو لا مصلحة لديه أن يكون النشيد بالفصحى لأنه عدو القرآن الكريم .
• من أكثر منشد عبّر بصوته عن كلماتك ؟
كثيرون، لكن الذي أخذ الحظ الأوفر المنشد أبو الجود، ثم المنشد أبو دجانة ، وأبو راتب، ويحيى حوى صوته فيه نداوة وطراوة وحنية وعذوبة وخاصة في الأناشيد الوجدانية وكذلك موسى مصطفى.