دراسته الجامعية والعليا والدكتوراه، بل وعمله أيضًا حلقات متصلة تعمل كلها في منظومة علم الاجتماع، وتحديدًا في الفضاء العالمي، والمجتمع الافتراضي، فأما الماجستير فقد كان حول "الجماعات المتشكلة في الفضاء العالمي: بناؤها ومضامين تفاعلاتها الاجتماعية ــ دراسة علي عينة من المتفاعلين عبر الشبكة الدولية للمعلومات"، وأما الدكتوراه فقد كانت عن "المتغيرات المؤسسة لرأس المال الاجتماعي في المجتمع الافتراضي: دراسة على عينة من المتفاعلين عبر الشبكة الدولية للمعلومات عام 2012م، هذا من حيث الدراسة أما في الجانب العملي فقد شغل الدكتور وليد رشاد زكي عمر منذ عُين معيدًا في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بجمهورية مصر العربية، ثم تدرج في السلم الوظيفي حتى أصبح "خبيرًا" بالمركز ذاته، يغلف الجانبين العلمي والعملي خلفية علمية وأدبية وتربوية وفلسفية، ولهذا حظيت رسالتاه على مرتبة الشرف الأولى، كما شارك في كتابة الفصول عبر كتب كثيرة تتقاطع مع تخصصه، كما كانت له الكثير من الورقات البحثية المنشورة في المجلات والدوريات العلمية، والمؤتمرات العلمية، وكثير من الأنشطة المتصلة بخبرته العميقة والطويلة في مجاله، ولقد صار الكثير مما كتبه مراجع علمية تعتمد عليها كثير من المؤلفات العلمية بطول الوطن العربي.
لذا فقد رأيت أنه من الواجب أن أتعرض لبعض تلك البحوث لكي أُطلع عليها القارئ العربي غير الأكاديمي، إلى جانب التعرض لبعض القضايا التي نستنير فيها برأي ضيف الحوار:
ــ ضيفي الكريم الأستاذ الدكتور وليد رشاد أحب أن أبدأ حوارنا بإطلالة بانورامية تستعرض فيها بإيجاز فحوى رسالتيك "الماجستير" و"الدكتوراه"؟
ـ في مستهل القول أتوجه بفيض من الشكر الغزير إلى الدكتور السيد إبراهيم على تقديمي إلى القارئ العربي، ويتزين الحديث بقراءته للكثير من الأبحاث المتواضعة التي شاركت فيها. واسمح لي أن أبدي إعجابي بمجموعة الحوارات التي قدمتها، فمن خلال متابعتي للكثير منها أشعر وكأن سحابة الغمام على الثقافة العربية بدأت تنقشع.
أما إجابة على السؤال؛ فإن رسالتي للماجستير تناولت موضوع "الجماعات المتشكلة في الفضاء العالمي: تفاعلاتها ومضامين تفاعلاتها الاجتماعية ... دراسة على عينة من المتفاعلين عبر الشبكة الدولية للمعلومات"، وقد أشرف على الرسالة عالم الاجتماع الأستاذ الدكتور علي ليلة ــ عليه رحمة الله ــ وتم تسجيل الموضوع في عام 2004م، وكانت أول رسالة على مستوى العالم العربي في علم الاجتماع تتناول موضوع المجتمع الافتراضي؛ للحد الذي استدعت فيه لجنة الدراسات العليا الدكتور علي ليلة لفهم الموضوع نظرًا لحداثته وعدم سماع الكثير عنه، وأصر الأستاذ الدكتور علي ليلة رغم اعتراض الكلية على تسجيل الموضوع. وكان لدينا تخوف من عدم توافر المراجع؛ إلا أن هذه الرسالة طرحت للمفاهيم الأساسية للمجتمع الافتراضي والفضاء السيبري وثقافة الإنترنت، وطورت مقولات نظرية تسهم في فهم هذا المجتمع الجديد، وتحدثت عن إيجابيات وسلبيات هذا النمط من التفاعل، كما تعرضت لمستويات التفاعل الافتراضي على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، وشكلت هذه الرسالة نواة لدراسات المجتمع الافتراضي. وناقش الرسالة كل من المفكر العربي الأستاذ السيد يسن وعالم الاجتماع المرموق الأستاذ الدكتور أحمد زايد في مايو 2007م، وحصلت الرسالة على امتياز مع التوصية بطباعة الرسالة على نفقة الجامعة وتبادلها بين الجامعات العربية والأجنبية.
ــ وبالنسبة لرسالة الدكتوراه؟
ــ أما الدكتوراه فدرست فيها المتغيرات المؤسِّسَة لرأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتراضي . ويشير الواقع إلى دراسة مفهوم رأس المال الاجتماعي من زوايا كثيرة على صعيد المجتمع الواقعي، إلا أن هذا الموضوع اختص بدراسة المتغيرات القيمية والبنائية لرأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الشبكي، وقد أشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور علي ليلة ــ عليه رحمة الله ــ وطورت الرسالة مجموعة من الأطر النظرية والنتائج الهامة في دور المجتمع الشبكي في دعم رأس المال الاجتماعي، وقد أُجيزت الرسالة في مناقشة علنية في مايو 2012م, وناقش الرسالة الأستاذة الدكتورة نجوى خليل وزيرة التضامن الاجتماعي في ذلك الوقت، والمرحوم عالم السياسة الأستاذ الدكتور كمال المنوفي, وحصلت الرسالة على مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطباعتها على نفقة الجامعة وتبادلها بين الجامعات العربية والأجنبية.
ــ في ورقتكم البحثية: "المجتمع الافتراضي. نحو مقاربة للمفهوم" المنشورة بمجلة الديمقراطية القاهرية؛ راهنت في نهايتها على أن المجتمع الافتراضي لن يزيح المجتمع الواقعي ليحل محله؛ ولكن يشكل بوابة جديدة للتفاعلات التي تخرج عن إطار المحلية.. لقد كانت هناك دراسات كثيرة تتحدث عن المردود السلبي على مستوى العلاقات حتى داخل الأسرة وما شابها من انقطاع ولو جزئي.. ما رأي سيادتكم؟
ــ سؤال في منتهى الأهمية، إن مفهوم المجتمع الافتراضي virtual community والذي كتبت عنه في بدايات مبكرة في مجلة الديموقراطية المصرية كان ــ ولم يزل ــ وليدًا؛ للدرجة التي كان هناك اختلاف حول تسميته؛ فالبعض كان يسميه: "المجتمع الفضائي"، والبعض كان يسميه: "المجتمع الخائلي"، والبعض كان يسميه: "المجتمع السيبري" وغيرها من الاسماء، إلا أن الأمر تطور منذ عام 2008م تحديدًا وهي اللحظة التي شهدت دخول المجال العام الافتراضي إلى الواقع باحتجاجات السادس من أبريل في مصر، الأمر الذي سقطت فيه الحواجز بين ما هو واقعي وما هو افتراضي, ثم تطور المفهوم الذي ارتبط بطبيعة الحال بتطور الأحداث على الصعيد الواقعي.
أما عن مردود هذا المجتمع على الأسرة، فقد شاركتُ بورقة بحثية في المؤتمر الدولي الأول لكلية الإعلام حول "تأثير المجتمع الافتراضي على منظومة قيم الأسرة المصرية"، وقد انتهت نتائج البحث إلى أن المجتمع الافتراضي لعب دوره في التأثير على بعض القيم الأسرية وأبرزها قيمتا الحوار والطاعة.
ــ كانت لكم دكتور وليد ورقة بحثية، بعنوان: "نظرية الشبكات الاجتماعية من الأيديولوجيا إلى الميثودولوجيا" منشورة ضمن القضايا الاستراتيجية بالمركز العربي لأبحاث الفضاء الإليكتروني" والتي قسمتها لأربعة محاور، اختتمتها بمستقبل الشبكات الاجتماعية، فما هو تصوركم لهذا المستقبل بالنسبة للوطن العربي خاصة؟
ـ بداية أود أن أشير إلي أنني من ضمن اللجنة المؤسسة للمركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني"، وحول المقال ـ المشار إليه ـ فقد تم تقسيمه إلي أربعة محاور، عنون المحور الأول بـ "الشبكات الاجتماعية.. رؤية للمفهوم"، وتعرض هذا المحور لمفهوم الشبكات الاجتماعية والخدمات التي تقدمها وأنواعها، وعنون المحور الثاني بـ "الشبكات الاجتماعية: مراحل النشأة من التأسيس العالمي إلى المردود المحلي"، وتعرض هذا المحور لتاريخ تطور الشبكات ومراحلها، وتأسيسها على المستوي العالمي ومردودها المحلي على المستوى السياسي والاجتماعي. وعنون المحور الثالث بـ "نظرية الشبكات الاجتماعية.. المقولات الرئيسة"، وقد ركز هذا المحور عل مقولة البناء الشبكي ومقولة الاعتماد المتبادل، ورأس المال الاجتماعي كأداة تحليلية للشبكات الاجتماعية، أمَّا المحور الرابع والأخير، فكان عنوانه: "تحليل الشبكات الاجتماعية من أيديولوجيا النشأة والنفاذ إلى ميثودولوجيا الدراسة".
أمَّا مستقبل المجتمع الشبكي فلا يستطيع أحد أن يتكهن بطبيعته؛ حيث إن التغيرات السريعة التي تطرأ عليه الآن وتناميه يقف عثرة أمام التبؤات المستقبلية لحدود تفاعلاته.
ــ الثقة كفاعل بنائي لرأس المال الاجتماعي الافتراضي، كان هذا عنوان الفصل السادس من رسالة الدكتوراه الخاصة بكم دكتور رشاد، نرجو توضيح تلك العلاقة بين الثقة ورأس المال الاجتماعي الافتراضي؟
ـ ببساطة شديدة يتعلق مفهوم رأس المال الاجتماعي بالفرص التي يمتلكها الفرد نتيجة امتلاكه شبكة من العلاقات الاجتماعية، ومما لا شك فيه أن الإنترنت فتح المجال أمام إعادة إنتاج علاقات قديمة وقائمة، ويسهم في تشكل علاقات جديدة تمثل أرصدة بالنسبة للفرد في تفاعلاته الواقعية. أما قضية الثقة فهي من القضايا القيمية المرتبطة بمفهوم رأس المال الاجتماعي، ويقسمها التنظير التقليدي وفق عدة تقسيمات أبرزها: الثقة في الأشخاص، والثقة في الجماعات، والثقة في المؤسسات.
أمَّا على الصعيد الافتراضي فإن قضية الثقة من القضايا الشائكة؛ فعند تناولها في الفصل وسؤال عينة الدراسة هل تثق في علاقات الإنترنت نجد أن ما يقترب من نصف العينة اتجه إلى الثقة، والنصف الآخر يرى أنها علاقات مزيفة. إلا أن الأمر عندما يرتبط بسياقات المجتمع الافتراضي نجد أنها من الشروط الضرورية لتأسيس رأس مال اجتماعي يسهم في تحقيق مكاسب للأفراد والجماعات داخل سياقات المجتمع الافراضي ذاته أو المجتمع الواقعي.
ــ تحسن الجماعات الإرهابية عبر العالم استخدام الشبكة العنكبوتية بشكل تقني محترف، وكان لكم مقال حول موضوع: "تطبيقات الإنترنت كفواعل جديدة للإرهاب"، فهل انتبهت أجهزتنا الأمنية لهذه الدراسة واستفادت مما جاء فيها دكتور وليد؟
ـ بالفعل يتواتر الحديث في هذه الأثناء عن الإرهاب الإلكتروني والفرص الهائلة التي استطاعت الشبكة أن تقدمها للإرهابيين. وفي هذا المقال عرضت للآليات التي يقدمها الإنترنت في عمليات التجنيد والتعبئة،وعمليات التخطيط والتنفيذ، وقدَّمتُ تحليلا لطبيعة الشبكات الإرهابية. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن ثمة نمطين للإرهاب الإلكتروني؛ فهناك إرهاب يتم داخل الشبكة ذاتها، ومثال ذلك تعطيل أجهزة المستشفيات عن بعد ومحطات المياه وغيرها، وهناك إرهاب يتحرك من السياق الافتراضي إلى المجتمع الواقعي. وقد أردف المقال بتحليل ميداني لما قدَمتُه "داعش" علي اليوتيوب من مشاهد تساعد على الترويع واستعراض قوتها.
أما عن انتباه الأجهزة الأمنية لمثل هذه التهديدات فبالفعل هناك الكثير من التدابير الأمنية، وليس أدل على ذلك من مشاركتي في بحث وزارة الداخلية المصرية حول التداعيات الأمنية لمواقع التواصل الاجتماعي، وقد شاركتُ فيه مع نخبة أمنية وأكاديمية، وتعرض البحث لمخاطر الإنترنت وتهديداته، وطرح تجارب بعض الدول في المواجهة الأمنية، وانتهى إلى وضع سياسات فاعلة لمواجهة التداعيات الأمنية للتهديدات الشبكية.
ـ كانت لكم دكتور وليد ورقة بحثية عن تأثير الدين على مساحة المجال العام، أرجو شاكرًا أن تنقل لنا أهم ما قلته فيها، والسؤال الفرعي المتصل به: هل نحن في حاجة برأيكم -عالمنا الجليل- إلى تغيير الخطاب الديني؟ وإذا كنا فعلا بحاجة فلماذا الاقتصار على الخطاب الديني الإسلامي فقط دون المسيحي في منطقتنا العربية وخاصة مصر؟
ـ ثمة جدل حول تحليلات الدين في علاقته سواء أبالمجال العام أم بالمواطنة، فهناك رؤى مختلفة، منها ما يري أن الدين والمؤسسات الدينية يلعب دورًا بارزًا في المجال العام ودعم قيم المواطنة، وهناك من يرى أن حضور الدين يولد التمايزات الإيدولوجية التي تهدد المجال العام بالمعنى الهابرماسي. والحقيقة أنا أميل إل الرأي الأول الذي يرى حضور الدين كفاعل في المجال العام. وحول مفهوم المجال العام ذاته فهو مفهوم طرح له عالم السياسة الألماني هابرماس ويشير ببساطة إلى كونه منتدى للمواطنين يطرحون من خلاله مطالبهم من الدولة.
أما قضية الخطاب الديني فاسمح لي أن يسير الحديث على نحو تطوير الخطاب الديني وليس تغييره، وثمة دراسات كثيرة تناولت الخطاب الديني سواء أالإسلامي أم المسيحي. أما الإعلام فتركيزه ينصب على تطوير الخطاب الديني الإسلامي، وهذه أزمة مرتبطة بالإعلام أكثر من كونها مرتبطة بالبحث، خاصةً وأن هناك الكثير من الأدبيات أشارت إلى نمطي الخطاب الديني. ولعل تطويره يتطلب إعادة النظر في طبيعة إعداد الدعاة, هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يحتاج تطويره إلى ثلاثية الأزهر، والكنيسة، ودار الإفتاء المصرية، خاصة وأن واقع الخطاب الديني يشير إلى أزمة في الواقع ومردها له عدة اعتبارات متمثلة في أنه خطاب أُخروي أكثر من كونه خطابا دنيويا، وأنه خطاب تهديد أكثر من كونه خطاب ترغيب، وأنه خطاب أدائي أكثر منه خطاب عضوي، وأن قضاياه لا تتماشى مع قيم الحداثة.
ويجب هنا إدراك أن مشكلة الخطاب الديني هي ليست مشكلة دين بقدر ما هي مشكلة القائم على الاتصال الديني. وبتأمل استراتيجية التنمية المستدامة في مصر 2030م، ندرك أن الخطاب الديني حضر بشكل بارز في هذه الاستراتيجية بالشكل الذي يعكس مدى اهتمام الدولة بتطويره في الحاضر والمستقبل.
ــ أنتقل معك قليلًا إلى الشق الاجتماعي من ورقاتكم العلمية الهامة، ومنها الأسرة المتشكلة عبر المجتمع الافتراضي: أرجو أن تنشر نتائجكم وتوصياتكم في هذا الموضوع أستاذنا الكريم؟
ـ لقد أعددتُ هذا البحث ضمن المؤتمر الدولي للأسرة في عصر التحولات الاجتماعية، وقد تعرض هذا البحث لقضية التعارف عبر الإنترنت من أجل الزواج، فقد كشف الواقع والأدبيات عن تنامي هذا النمط من الزواج, في هذا الإطار جاء هذا البحث للتعرف على واقع الزواج عبر الإنترنت والتحديات التي تواجه الأسر المتكونة من خلاله. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف اعتمد البحث على منهجية دراسة الحالة، واتخذ من الأسرة وحدة للدراسة حيث تم إعداد دليل للمقابلة المتعمقة تم تطبيقه على تسع حالات من الأسر التي بدأت تعارفها عبر الإنترنت، وثلاثة من الذين على أعتاب الزواج. وقد تبين من خلال النتائج أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت الدور الأكبر في التعارف من أجل الزواج، كما تبين أن هذا النمط من الزواج عابر للحدود؛ إذ تشكلت علاقات للزواج بين أفراد من دول مختلفة، كما أظهرت النتائج مجموعة من التحديات التي تواجه هذا النمط من الزواج أبرزها مسألة قبول العائلة لهذا النمط من الزواج, وتحدي الثقة في علاقات الزواج عبر الإنترنت، وتحدي قبول الآخر. وحول رؤية الحالات المستقبلية فقد اختلفت رهانات المستقبل بين التفاؤل والخوف من الزواج عبر الإنترنت.
ــ زادت معدلات الطلاق على المستوى العالمي بعامة، والعربي بخاصة، ومصر على أخص الخصوص حتى احتلت المركز الأول عربيًا، وقد كان استخدام المرأة للإنترنت عاملًا هامًا في الإحصائيات المرصودة في أمريكا، ومن بعض الدول العربية الخليجية، وهو ما ساهم في تسريع عجلة الانفصال، فكيف يرصد هذا عالم الاجتماع الدكتور وليد رشاد؟
ـ بالفعل دكتورنا الفاضل، مصر تحتل مكانة مرتفعة عالميا في الطلاق, وفي هذا السياق أود أن أشير إلى أنني شاركتُ في ثلاثة مشروعات علمية عن ظاهرة الطلاق في المجتمع المصري، منها مشروعان على المستوى القومي.
واسمح لي في هذا الصدد أن أقدم لك خلاصة تجربتي البحثية في صورة تلغرافية فيما يتعلق بهذه الظاهرة: أما من حيث واقعها فهي ترتفع بمعدلات عالية في الخمس سنوات الأولى من الزواج بما يمكن أن نسميه بـ "الطلاق المبكر"، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يمكن أن نتحدث عن جغرافية الظاهرة، حيث إن معدلاتها ترتفع في المدينة عن الريف، وحول القضايا المرفوعة أمام محاكم الأسرة فقد ارتفعت أيضًا في المدينة عن الريف، وسبب ذلك أن شبكات العلاقات الاجتماعية والجلسات العرفية في الريف لها دورها في رأب الصدع بين طرفي العلاقة الزوجية، وهو الأمر الذي يمكن من خلاله تفسير انخفاض معدلات الخلافات الأسرية من جهة وانخفاض معدلات قضايا الطلاق في محاكم الأحوال الشخصية من جهة أخرى في الريف عنه في المدينة.
أمَّا أسباب الطلاق؛ فقد تزاحمت مجموعة من الأسباب في تنامي ظاهرة الطلاق في المجتمع المصري، منها: الأسباب الاقتصادية؛ حيث برزت كفاعل أساسي من فواعل الطلاق, ومنها الأسباب الاجتماعية، والمرتبطة بانتشار الأفكار النسوية تلك الحركة النسوية التي زرعت مجموعة من القيم الغربية في نفس المرأة العربية ودعوات للندية والتحرر، وهو الأمر الذي قد يفسر ارتفاع معدلات الطلاق لدى المتعلمات في الفترة الأخيرة.
ولقد برزت تدخلات الأسرة كأحد الفواعل الأساسية في الطلاق في مجتمعنا المصري بالشكل الذي تم تفسيره بتراجع رأس المال العائلي الذي يعد حائط صد ضد تفاقم الخلافات بين أطراف العلاقة الزوجية؛ وهو الأمر الذي يفسر ارتفاع قضايا الطلاق أمام محاكم الأحوال الشخصية. ومن ضمن الأسباب أيضًا الخيانة الزوجية، وهنا أعرج مع حضرتك على سؤالك حول دور التكنولوجيا في الطلاق, فلقد فتح المجتمع الافتراضي بوابات جديدة أمام الخيانة الزوجية، الأمر الذي أصبحت معه هذه الخيانة "متغيرا حاضرا" فيما يتعلق بأسباب الطلاق. هذا وقد درسنا أيضًا تداعيات الطلاق على أطراف الأسرة وتأثيراته النفسية والاجتماعية على الأطفال.
ــ تعرضت دكتور وليد للتحرش الجنسي الافتراضي، وللتدخين عبر اليوتيوب، وغيرها من القضايا التي تتعلق بالشباب، ما تأثير هذه المفرادات على الشباب العربي؟
ـ حقيقة الأمر أن أزمة البحوث العربية فيما يتعلق ببحوث الإنترنت تتمثل في الاعتماد على منهجيات تقليدية في دراسة واقع جديد، وهو الأمر الذي يجعل الكثير من هذه الدراسات تتميز بالقصور، وفي هذا الصدد قمتُ باختبار منهجيات جديدة في دراسة بعض الظواهر مثل تعاطي المخدرات والتحرش الجنسي عبر الإنترنت، وإليك دكتورنا الفاضل بعض نتائج البحثين اللذين سألت عنهما:
فيما يتعلق بثقافة المخدرات عبر اليوتوب فقد تبلور الهدف الرئيس في البحث الحالي في التعرف على طبيعة ثقافة المخدرات عبر موقع اليوتيوب، ولتحقيق هذه الأهداف تم تطوير مجموعة من المقولات النظرية التي تصلح لتفسير واقع ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب وذلك اعتمادًا على ثلاث مقولات: الأولى ثقافة المخدرات على مرجعية ما بعد الحداثة: ضمتْ هذه المقولة عنصرين، الأول عنون بالمخدرات والسرديات من الجمعية الثقافية إلى الفردية السيبرية، في حين عنون الثاني بـ "مأسسة اليوتيوب وتفاعلات ما وراء الثقافة". أما المقولة الثانية فتعرضت لأبرز تناقضات ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب بالتركيز على عنصرين هما: "التعلم الاجتماعي" و"الاختيار العقلاني". أما المقولة الثالثة فعنونت بـ "التشاركية الاتصالية من ثقافة المشاركة والإعجاب إلى ثقافة المخدرات".
واعتمد البحث على منهجية تحليل المضمون الافتراضي Virtual content analysis، وتم تطبيق التقنية الخاصة بهذه المنهجية على المستوى الكيفي اعتمادًا على تحديد الكلمات الدليلية التي تم خلالها اختيار عينة المقاطع والتي تمثلت في خمسين مقطعا: عشرة منها مرتبطة بتعلم ثقافة المخدرات، وعشرة متعلقة بالضبط، وعشرة متعلقة بالتوعية والتثقيف، وعشرة متعلقة بالعلاج، وعشرة متعلقة بالتعافي. وتم التحليل وفقا لخمسة عناصر: الأول مرتبط بالشكل، والثاني بالفكرة الرئيسة والأفكار الفرعية، والثالث مرتبط بالخطابات العقلية في المقاطع، والرابع مرتبط بالخطابات العاطفية بالمقاطع، والخامس بتحليل رجع الصدى، والمقصود به تصنيف وتحليل التعليقات المرتبطة بمقاطع الفيديو المتنوعة.
ــ ولو تعرضت لأبرز النتائج أستاذنا الدكتور؟
وحول أبرز النتائح: فقد اتضح أن ثمة عدة خصائص لثقافة المخدرات عبر اليوتيوب أولها أنها ثقافة عالمية، وثانيها يتمثل في كون ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب تتسم بتنوع الخطابات، حيث يدرك المتأمل لطبيعة الخطابات والآداءات المرتبطة بمقاطع الفيديو عبر اليوتيوب ــ المتعلقة بثقافة المخدرات ــ أنها تخاطب العاطفة من خلال الموسيقى الملحقة ببعض المقاطع، كما تخاطب العقل في عملية التوعية والعلاج على وجه التخصيص، كما جمعتْ التحليلات في عقلانيتها بين النمط العلمي والديني والثقافي والسياسي. وثالثها أن ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب تزخم بالتناقضات: حيث تعد تناقضات ثقافة المخدرات ملمحا أساسيا من ملامح هذا النمط الثقافي؛ إذ إن هناك مجموعة من المقاطع تؤكد على عملية تعلم المخدرات، وهناك مقاطع تؤكد على عقلانية الاختيار من خلال التوعية والتثقيف والتشجيع على العلاج، ورابعها يتمثل في كون ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب تجمع بين فردية الممارسة وجماعية العلاج، وخامسها أنها ثقافة تفاعلية، حيث تبلورت هذه التفاعلية من خلال نتائج التحليل على عنصرين: الأول يتمثل في الإعجابات التي تفاوتت حسب درجة قابلية المتفاعل للمقاطع, والثاني يتمثل في التعليقات، حيث أظهرت التعليقات في معظمها نمطا جديدا من الحوار حول المقطع المشاهد، وسادسها يتمثل في النظر إلى ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب على أنها عابرة للجسد؛ حيث اتسمت بإخفاء الجسد في معظمها، بالشكل الذي يمكن معه القول إن الاعتماد الأساسي في ثقافة المخدرات عبر اليوتيوب كان على الأفكار أكثر من الاعتمادية على الأشخاص.
ـ وبالنسبة للتحرش الجنسي دكتور وليد؟
ـ حول بحث التحرش الجنسي عبر الإنترنت فقد تعرض البحث لإشكالية مقيدة بأربعة أغلال، الأول يرتبط بالحديث عن قضية تتعلق بخطاب مسكوت عنه في العلوم الاجتماعية ــ إلى حد ما ــ والثاني يسعى إلى تقديم طرح لمفهوم جديد وهو مفهوم "التحرش الجنسي عبر الإنترنت" cyber sexual harassment، خاصةً وأن هذا المفهوم من المفاهيم التي تتقاطع معه مفاهيم أخرى وتتداخل معه، والثالث يتعلق بمحاولة الوصول إلى اقتراب نظري ملائم يفسر هذه الظاهرة الجديدة ويسمح باختبار مقولات هذا الاقتراب عبر الدراسة الميدانية، والرابع يتمثل في التحدي المنهجي والميداني, خاصةً وأن هذه الدراسة تستخدم منهجية جديدة تتناسب مع طبيعة الموضوع وطبيعة المجتمع الافتراضي، وهي "منهجية الأثنوجرافيا الافتراضية"، وتبلورت المشكلة البحثية في سؤال مؤداه: ما واقع التحرش الجنسي عبر الإنترنت؟
وحول الإطار النظري للبحث فقد طرح البحث مفهوم التحرش الجنسي عبر الإنترنت والمفاهيم المرتبطة به مثل: التصيد، والملاحقة، وتركيب الصور، والخلاعة عبر الإنترنت. كما استند الإطار النظري إلى ثلاث مقاربات تمثلت الأولى في نظرية الأنشطة الروتينية، تلك النظرية التي تربط بين التحضر والتقنية والجريمة، والثانية تمثلت في مقاربة العنف الرمزي على اعتبار أن التحرش الجنسي الافتراضي يمثل شكلًا من أشكال العنف العاطفي أو الناعم أو الرمزي، كما استندت هذه المقاربة لفكرة الجسد الرقمي والبناء النصي للجسد، وتمثلت المقاربة الثالثة في الفرضية القمعية للجنس في الواقع وفرص الوصول المتاحة أمام ممارسات الجنس عبر المجتمع الافتراضي.
واعتمد البحث في اجراءاته المنهجية على منهجية الأثنوجرافيا الافتراضية، وقدمت تقنية التطبيق, واعتمد على أداتين لجمع المادة الأثنوجرافية، الأولى متمثلة في المقابلة الافتراضية، والثانية متمثلة في تحليل الرسائل النصية. وتم تطبيق البحث على ثلاثين حالة من مستخدمي موقع الفيس بوك، وتم معايشة صفحاتهم لمدة أسبوع، وتم استئذانهم في اقتباس بعض الرسائل النصية من صفحاتهم وعرضها في البحث بعد تجريدها من الأسماء.
ــ لو تعرضنا لنتائج تلك الدراسة بإيجاز دكتور وليد؟
ـ أبرزت نتائج الدراسة الأثنوجرافية أن ثمة مجموعة من الأشكال للتحرش الجنسي عبر الإنترنت تتعرض لها المرأة تبلورت في خمس صور؛ أولاها تتعلق بإرسال الصور والفيديوهات الإباحية، والثانية تتعلق بالشتائم والنكات الجنسية، والثالثة تتعلق بالرموز والإيحاءات الجنسية، والرابعة تتمثل في الانتهاكات والتحرش الرمزي الشفوي عبر مواقع الدردشة، وتمثل النمط الخامس في الرسائل النصية التي قد لا تستهدف شخصا معينا ولكنها تعتمد بالأساس على فكرة التصيد عبر الإنترنت. هذا وقد كثرت التأثيرات النفسية على المرأة جراء التحرش والمضايقات الجنسية عبر الإنترنت، وقد تمثل أبرزها في الانسحاب والضيق والندم، وكراهية الإنترنت، والخوف والحذر.
ــ عالمنا الجليل؛ تحدثت عن الحركات الاجتماعية علاقاتها بالاحتجاجات والثورات العربية الأخيرة وتأثيرها على الشباب العربي وقضاياه، كيف تقرأون المشهد كباحث من باحثي الاجتماع العرب؟
ـ لقد شهدت الحالة السياسية في العالم العربي حراكًا كبيرًا مع ثورات الربيع العربي، وذلك بتنامي الحركات الاحتجاجية سواء أعلى الصعيد الواقعي أم على الصعيد الافتراضي؛ وفي هذا الإطار شاركتُ في كتابين: الأول عن "خرائط الاحتجاج في المجتمع المصري" وذلك عبر كتابة فصل حول الحركات الاجتماعية في المجال العام الافتراضي، تناولت في هذا الفصل الفرص التي قدمها المجال العام الافتراضي للحركات الاحتجاجية وسمات الحركات المتشكلة عبر العالم الافتراضي، والمزاوجة بين التنظير والواقع، كان أهم ما جاء في هذا الفصل، وقد أصدر هذا الكتاب "المرصد الاجتماعي القومي" الذي أشرف عليه الأستاذ السيد يسن، وخرج الكتاب بإشراف الأستاذ الدكتور علي ليلة ونخبة من المفكرين. أما الكتاب الثاني الذي شاركت فيه ويخص الحركات الاحتجاجية فهو بعنوان: "الثورة والدولة والمجتمع: بحث في التغيير الاجتماعي"، قمتُ في هذا الكتاب بمشاركة علماء أجلاء وبكتابة فصل تحت عنوان: "25 يناير من التعبئة إلى الثورة"، تناولتُ فيه كيف تحول الحشد من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، والقيم التي تحركت من المجتمع الافتراضي في حشد المحتجين, وتحولها إلى ميادين التغيير.
ــ هل الإسلام كدين يحتاج أن يوضع على طاولة "علم الاجتماع الديني"، خاصة أن هناك من يرى من العلماء أن بعض علماء الاجتماع العرب يستخدمون في ذلك مقاييس عُلَماء الغرب نفسها، فطبَّقوا الفكر العلمي على الإسلام حتى خرَجُوا بصياغات غريبة عنه؟
ـ ثمة فرق كبير بين علم الاجتماع الديني وعلم الاجتماع الإسلامي، فدراسة الدين حاضرة في علم الاجتماع منذ نشأته على يد العلامة العربي ابن خلدون، والذي تناوله كثيرًا عبر التحدث عن العلاقة بين الدين وطبيعة العمران البشري وحضوره كمتغير أساسي في الحياة الاجتماعية، ولعل نشأة علم الاجتماع الغربي كانت لها وجهة مختلفة في القضايا الدينية؛ فأوجست كونت ودور كايم كانا يريان أن الدين ظاهرة اجتماعية، أما في الواقع فهناك اختلاف الآن بين المفكرين العرب في علم الاجتماع حول قضية "أسلمة علم الاجتماع"، فهناك فريق يتحدث عن مفاهيم إسلامية في علم الاجتماع ومنهم الراحل الأستاذ الدكتور علي ليلة الذي أسس موسوعة المفاهيم الإسلامية في علم الاجتماع، وهناك فريق يرى أن وجود علم اجتماع إسلامي يتبعه أيضًا علم اجتماع مسيحي هذا يمثل دخول الإيديولوجية في العلم، عزيزي الدكتور السيد إبراهيم هذا الموضوع غاية في الاشتباك والتعقيد.
ــ هل يتعرض عالم الاجتماع في عالمنا العربي إلى ضغوط من الدوائر الحاكمة أو تدخل لتغيير نتائج دراساته لكي لا تشكل ضغطًا جماهيريًا على السلطة السياسية؟ وهل تشكل "الاستبانة" معيارًا علميًا دقيقًا في الدراسات الاجتماعية؟
ـ لا نستطيع أن نجزم بدور الضغوط السياسية على الدوائر العلمية بشكل عام وعلم الاجتماع بشكل خاص.. وخصوصا في ظل كثرة آليات ووسائل النشر الإلكتروني والتدوين بالشكل الذي يمكن معه القول إن قيود السلطة تفككت على صخرة وسائل الاتصال الحديثة. وعلى الرغم من ذلك يمكن أن نقول وعلى وجه العموم بأن ثمة تراجعا في ميادين النشر العلمي؛ إذ إن أبرز التحولات التي يشهدها العالم العربي الآن تتمثل في التحول من المثقف العضوي إلى الناشط السياسي أو ناشط الإنترنت، والتحول نحو ثقافة الصورة والكلمة، فأضحى معيار المثقف هو كلامه أكثر عن إسهاماته العلمية الكتابية، ولعل ذلك يمثل في حد ذاته أزمة من أبرز الأزمات التي تواجه الثقافة العربية.
ـ هل الدكتور وليد رشاد مع آراء بعض علماء الاجتماع التي تنادي بتحرير علم الاجتماع في الوطن العربي حتى نستطيع أن نصوغ نظرية اجتماعية عربية، مع ضرورة إعادة النظر في مقررات تدريس علم الاجتماع في الدراسات العربية؟
ـ المعضلة سيدي الفاضل أن علم الاجتماع الآن ونظرياته غربية المنشأ ولا نستطيع القول إن علم الاجتماع العربي استطاع أن يتجاوز تلك النظريات الغربية ليصوغ نظريات تعبر عن الواقع العربي بشكل خاص. إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض المشروعات النظرية في فكر الكثير من الرواد العرب عبر عصور مختلفة، تحتاج هذه الجهود إلي إعادة قراءة وتجميع، فنحن في حاجة إلى إعادة قراءة ابن خلدون ومالك بن نبي، ومشروعات الجابري وعلي ليلة وزايد والسيد يسن وغيرهم من النوابغ العرب في مختلف العلوم الاجتماعية من الذين اهتموا بدراسة النظريات الاجتماعية.
وفي النهاية ليس لي إلا أن أتقدم بخالص الشكر للأستاذ الدكتور السيد إبراهيم أحمد على هذا الحوار الذي يمثل إضافة بالنسبة لي، وعلى علمه وخلقه وتواضعه.
ــ بل أنا من يقدم الشكر لسيادتكم عالم الاجتماع الخبير والرائد في العلوم الاجتماعية المتعلقة بالعالم الافتراضي الأستاذ الدكتور وليد رشاد زكي على وقتكم الثمين، وعلى ما ساهمتم به عبر كتبكم ودراساتكم القيمة في إثراء المكتبة العربية، كما يمثل هذا الحوار الثري إضافة أيضًا لها.
التدقيق اللغوي: حميد نجاحي