مشهور بين أهل مدينته بدكتور الأمراض الجلدية، وتعرفه النخبة الأدبية والثقافية والفكرية بالروائيّ والقاصّ، فقد صدرت له: المجموعة القصصية بعنوان: "آه منها" عن دار قراءة 2006، ورواية "فضاءات مدينة" عن دار نشر بيت الياسمين 2012، ورواية "حكايات البالطو الأبيض" عن دار شرقيّات 2012، ورواية "يا من كنت طبيبى" عن هيئة قصور الثقافة 2014، ورواية ليالى الآيس كريم عن دار عماد للنشر 2017، ومجموعة قصصيّة "مطلوب آنسة!" عن الهيئة العامة للكتاب2017، ورواية "شارع الفنارات، عن الهيئة العامّة لقصور الثقافة 2018، ورواية "بيتنا القديم" عن دار نشر إسلام 2019.
وله تحت الطبع رواية: "ذكرياتى فى الطائف" أو "أيامى هناك"، ومجموعتان قصصيّتان.
إنه الطبيب الأديب رضا صالح خليفة، عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو نادي أدب السويس، ورئيس الأدب المركزي الحالي بمدينة السويس، وفي حضرته الهادئة هدوء الحكماء بمذاقها الأدبي المختلف نتناوب الحوار بين الأدب وإبداعاته وعلاقته بالطب:
ـ لا يولد الإنسان طبيبا أو روائيًّا: فهل اخترت أن تكون طبيبا؟ وما الذي قادك إلى عالم الرواية؟ من هنا نرجو منكم إطلالة على البدايات؟
فى المرحلة الابتدائية لاحظ المدرسُ حُسنَ خطي وحبي للّغة العربية، وكان يقول لي: (لولا موضوع التعبير لحصلت على الدرجة النهائية)، ولم يكن مسموحًا أيامها إعطاء الدرجة النهائية في موضوعات التعبير بالذات، وكان يُعطي أعلى درجة في التعبير 8 على 10،ويقول لنا: (عباس العقّاد أو طه حسين لن يحصل على 10 من 10 فى التعبير!).
فى تلك المرحلة تعرفتُ على سلاسل قصص "أرسين لوبين" اللصّ الظّريف، ومجلات "سمير وميكي" وغيرها ثم سلسلة "اقرأ" وروايات عالميّة في المرحلة الإعداديّة، وتوثّقت صلتي بمدرّس الفصل أُولى تاسع بمدرسة السويس الإعداديّة القديمة بنين، وهو أستاذ اللغة العربية حسام الدين مصطفى جاد، وهو الذي جعلني أحب اللغة العربية، وكنتُ أتردد على مكتبة المدرسة وقرأتُ في تلك السن المبكرة "الأيام" و"دعاء الكروان" و"حديث الأربعاء" و"الشيخان" للدكتورطه حسين؛ فلمستُ موسيقى عذبة في أسلوبه، ثم تعرفتُ على العقاد وتأثرتُ بعباراته القوية ولغته الرصينة، ومن بعد العقاد تعرفتُ على "إبراهيم عبد القادر المازني" وقرأتُ له "إبراهيم الكاتب" و"من النافذة"، كما عثرتُ على "عصفور من الشرق" و "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، وتعرفتُ أيضًا على سلسلة "كتابي" و"اقرأ" التي تصدرها "دار المعارف" وكانت مؤسسة حريصة على نشر الكتب الأدبية والثقافيّة التي عمرت بها المكتبة العربية ... باختصار كانت هذه المرحلة الإعداديّة عجيبة وغريبة.
ـ هذا عن المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فماذا عن المرحلتين الثانويّة والجامعيّة؟
عند دخولى المدرسة الثانويّة للمتفوّقين في القاهرة "حيّ عين شمس"، وكانت مدرسة داخليّة.. خضتُ فيها تجربة عميقة في الغربة والاختلاط بالآخرين في تلك السنّ المبكّرة، وعلى الرغم من أن ميولي كانت أدبيّة إلا إنّ المدرسة لم يكن بها قسم أدبىّ ـ باعتبار أن خريجيها يمثّلون نواة العلماء والمخترعين- فوجئت بزيارة لي فنزلتُ من السكن إلى بهو الاستقبال لأرى أستاذى "حسام الدين مصطفى جاد" وهو يُسلم عليّ مُهلّلا ومُرحّبًا وأعطاني لُفافة كانت في يده؛ فإذا هي مجموعة من الكتب الأدبيّة وكراسات وكشاكيل وأقلام حبر وجافّ ورصاص.
أود أن أذكر هنا الأستاذ أحمد صوان ـ رحمه الله ـ مدرس اللغة العربيّة في المدرسة الثانويّة، وكان رجلاً محبوبًا، وأستاذًا فاضلًا، أذكر أنه قال لنا يومًا وهو يوزع كراسات التعبير: (أتدرون من صاحب أعلى درجة؟)، تعلّقت الأبصار بالأستاذ وهو يشير بسبابته ناحيتي قائلًا: (هذا).
عندما حصلتُ على الثانويّة العامّة "القسم العلمي"، وقفتُ أنا وزميلي محمد فخري ونحن نملأ أوراق الرغبات في مكتب التنسيق بالمدينة الجامعية في القاهرة؛ فقلتُ له: (سأكتب كلّيّة الآداب) فقال لى محذّرا: (أوعى هقول لأبوك)، لم يكن عندي استعداد قوي للدراسة العلمية، والعجيب أني كتبتُ رغبتين فقط أولها: طب القاهرة، وثانيها: هندسة القاهرة، كأنما أردتُ أن أقول: (إن لم يكن هناك آداب فالكل سواء!).
أثناء ذهابى إلى الكلية كنت أحيانا أُعرِّج على كلية الآداب، وكانت في طريقى، لأحضر محاضرة أو أعتبر نفسى طالبًا ضمن طلابها، ثم أعبر جسر الجامعة إلى المنيل حيث كلية الطب التي أدرس فيها.
وبدلا من أن أعلن عن حبي للكتابة وعن كتاباتي، اتخذتُ مسلك الصمت مثل الكثيرين، وكنت فقط أتابع الحركة الأدبيّة أحيانا، ولم أحتفظ من كتابات تلك المرحلة سوى بالقليل جدا لانشغالى بدراسة الطب والبحث عن التخصص بعد الحصول على البكالوريوس والذى كنت حريصا عليه لأنه هو الذى كان يبدو لى فى الأفق ... ولكن هل هذا هو الطريق الذى كنت أودّ أن أسلكه؟ أحيانا أسأل نفسى هذا السؤال وتجيء الإجابة بأن القدر يرسم لنا طريقنا دون أن ندري أحيانًا، فما نسميه صدفة أحب أن أقول إنّها صدفة خاصّة جدًّا، أو قدر مقدّر لك أن تواجهه، مرسوم لك.
هذا الفكر، أو هذا الاتّجاه الفكريّ هو الذى يعطي الكاتب مساحة واسعة من الحريّة في رسم شخصيّاته وبالتحرّك بهم وبالأحداث الجارية لهم؛ فكثيرا ما يلجأ الكاتب إلى ما يُسمى "صدفة" .. ولكنها صدفة فى مكانها وتوقيتها، تماهي الحياة وتصل به إلى بر الأمان، فما أكثر الصُدف التي تواجهنا كل يوم، ولكن هل استفدنا منها وتفاعلنا معها بالطريقة المثلى؟ ذلك هو السؤال.
ـ بعد هذا التردّد بين الطبّ والأدب دكتور رضا، كيف دخلت الحياة الأدبيّة واندمجت فيها، وكتبت أعمالك وطبعتها ونشرتها؟
بدأتُ في تنفيذ أعمالي على الكومبيوتر عندما اقتنيته عام1997م، وبعد فترة زمنيّة ضاعت منى كتابات تصل إلى حوالى (400) صفحة، عندما سكت الجهاز فجأة وأصيب بهبوط حادّ في القلب والدورة الدمويّة، وأبى أن يتحدّث، شعرتُ وقتها بعظيم الأسى والحزن لضياع كل تلك الكتابات، وبعدها حاولت التذكّر وجاهدت حتى أعدتُ كتابتها من الذاكرة وإن لم تكن مطابقة تماما للأصل.
كان أول أعمالى المنشورة: "آه منها" وهي مجموعة قصصية عن دار تسمّى" دار قراءة للنشر" عام 2006، وقد عَرَّفنى الصديق الأديب "علي المُنجي" على المشرف العام لها سمير عبد الفتاح -رحمه الله- وكان أديبا رائعا ورجلا على درجة رفيعة من الإنسانيّة وطيب المشاعر، وكان اختيارى لهذا الاسم تيمنا باسم أول قصة نشرها لي الأديب جمال الغيطاني على صفحات جريدة الأدب، في هذه التجربة خضت درسًا في الطبع والنشر؛ فهذه الدار تقوم بالطبع فقط دون النشر، ووقعت فى مشكلة عندما ذهبت لاستلام نسخ المجموعة وكان عددها ألف نسخة، وفتحت حقيبة السيارة لأملأها بالنسخ ولم أعرف أين أذهب بها؟ يومها نصحنى سمير عبد الفتاح بالذهاب إلى دار للنشر، ولم يكن أمامي مخرج آخر، مثل: دار التحرير أو الأهرام أو أخبار اليوم ... وأخيرا ذهبتُ إلى دار التحرير وقالت لى الموظفة: "ادفع 100جنيه ولنا ثلث ثمن الكتاب المُباع" ووافقت.
بعدها سافرت إلى الاسكندرية لأبحث عن الكتاب على الأرصفة وعند باعة الجرائد والكتب ولكنى لم أعثر عليه وبعد انتهاء فترة التوزيع ـ أسبوعين ـ ذهبتُ لاستلام باقي النسخ؛ ويا للهول! وجدتُ الرزم كما هي مغلقة ولم يسبق فتحها أو توزيعها، سوى عدد قليل تم بيعه، وعرفت أن التوزيع ليس جادًا، وأن هذه الطريقة لا تصلح، وأن التوزيع يجب أن يكون بطريقة جادة من خلال المكتبات أولا، وأنه يجب أن يكون هناك دور للدعاية والنقد فى هذا الشأن؛ فملأت بالنسخ حقيبة السيارة التي فتحتها أمام الأديب الكبير الراحل محمد الراوي الذي شهق متعجّبًا ومواسيًا.
ولا أدرى إن كان محقًّا فى ذلك؛ فهو يعتقد أن الأديب لا يجب أن يجري وراء النشر، بل ينبغي أن تقوم بهذا هيئات من المفروض أن تبحث عن المؤلّف وتطبع وتوزع، وتعطي الكاتب مكافأته التى يستحقها عن مجهوده الهائل الذي بذله فى العمل، بل وتحتفي به أيضا، وهذا ضرب من المحال أو الخيال!
فى تلك المجموعة "آه منها" ستّ قصص نشرتها جريدة أخبار الأدب، وقصتان نشرتهما مجلة العربىّ الكويتيّة: القصّة الأولى بعنوان: "شىء معتاد"، وهى عن مشاكل الميراث في المساكن القديمة وما يتعرض له الناس من هموم بسبب قصور القانون بين المالك والمستأجر فى الشقق القديمة، والقصة الثانية بعنوان: "حكى لى صديق" واختارها الأديب يوسف القعيد لتنشر في المجلة فى عددها الصادر في أغسطس 2007 م.
وهناك مجموعتان قصصيّتان نشرتا [إلكترونيا] فى موقع أنهار الأدبىّ، وهما: "لا أحد مطلقا"، و"حكى لي صديق"، ثم توالى نشر رواياتى بعد أربع سنوات من السكون؛ لأنى كنت أرفض النشر الخاص.
ـ يحتلّ المكان حيّزًا أثيرا في أعمالك الأدبيّة، والروائيّة خاصّة، ومنها: "فضاءات مدينة"، و"شارع الفنارات، ورواية "بيتنا القديم"، ورواية "ذكرياتى فى الطائف"، وحتى رواية "البالطو الأبيض" وبالتالي رواية "أيامي هناك" أي إن "هناك" تشير لمكان، لقد فرّق غاستون باشلار بين مفهومي المكان والفضاء في تعرضه لجماليّات المكان، والفضاء والمكان كيف يتصورهما دكتور رضا صالح؟
المكان هو القماشة التى يمكننا أن نفصّل منها أو عليها روايتنا، أي بطل لابد له أن يتحرك في مكان وزمان أيضا، إذن المكان هنا مهم.. ببساطة شديدة أنا أُولي المكان اهتماماً فى أعمالي، والمكان فى رأيِّ هو الفضاء ولا يخرج عنه.
ـ المكان الأثير عند الروائي دكتور رضا صالح هو مدينته "السويس" التي تناولتها في أغلب أعمالك، فهل واحدية المكان تلقي ظلالا من الشبه على شخوصك وأحداثك، وهل سنجد مكانا متغيرا مع روايتك: "ذكرياتى فى الطائف" أو "أيامي هناك"؟
أنا أجد معظم شخصيات رواياتي من الواقع حولي تقريبا، ولكني أختلف معك في تشابه تلك الشخصيات، وقد يظن البعض أن هذا حدث في روايتي الأولى "فضاءات مدينة" ـ ربما ـ لأن هدف الشخصيات الرئيسية في الرواية كان موحّدًا، وهو الرغبة في إخلاء القناة وسيناء.
من العدو والعودة إلى مدن القناة ـ ربما ـ كان هذا ما ألقى ظلالا من الشبه على الشخوص .. لست أدري.
فى روايتى ـ تحت الطبع ـ ذكرياتى في الطائف؛ أو ربما أسميها الاسم الأول الذى أخترته لها "أيامي هناك"ـ سيجد القارئ مجموعة كبيرة من الشخصيات المختلفة تماما عن بعضها؛ فهناك المصريّ والسوريّ والسعوديّ والفليبينيّة والباكستانيّ وحتى البنجلاديشيّ أيضا! ولكلّ منهم شخصية متفرّدة؛ وسيجد اهتماما بكل منهم وتفرّدًا؛ كما سيستفيد بمعلومات وأماكن يزورها على الورق ـ في الخيال ـ وربما يزورها بالفعل في الواقع .. ويتمتع بها.
ـ وأنا أضم صوتي إلى صوتك في الإصرار على أن يكون اسم الرواية "أيامي هناك"؛ فهو أوقع، دكتور رضا: درس أديبنا العالمي نجيب محفوظ الفلسفة واستخدمها في بعض أعماله بشكل ما، وغلب على طابعكم الهدوء والتأمل: فهل هذا كان لتأثركم بالفلسفة الطاوية الصينية التي تتسم بالوئام والتصالح مع النفس؟
لا أحب الزعيق والصوت المرتفع الذي لا لزوم له فى العمل الأدبي، أحيانا يكون توصيل الفكرة أو إمتاع المتلقي أفضل بطريقة هادئة ـربما ـ كان ذلك طبعي الشخصي.
ولقد قرأت "الطاو" عندما وجدتها منشورة في جريدة أخبار الأدب مترجمة عن الصينية.. أعجبت بها وعدت إلى قراءتها مرات ومرات، ووجدت أن معظم تعاليمها موجود فى الديانات الأخرى، وفى روايتى الأولى "فضاءات مدينة" بذلتُ جهدًا فى تصدير كل فصل بفقرة من الطاو تكون كاشفة عن محتواه.
ـ وفي سؤال متصل بما قبله: هل كان هناك ضرورة أدبية تلزمك بتقدمة لفصول روايتك "فضاءات مدينة" ببعض الحكم الطاوية؟ وهل أضافت للعمل أم أفسدت على القارئ متعته بالتواصل والاندماج مع أحداث الرواية؟
هذا سؤال محير يا صديقى؛ فقد قلتُ إنني أعجبتُ بـ "الطاو"، وبذلت جهدا لكى أنتقي تلك الفقرات التي جعلت منها مقدمات أو افتتاحيات للفصول أول كل فقرة لتكون دالّة على محتوى الفصل.. ويمكن للقارئ أن ينتبه إلى هذا بيسر.. وللقارئ الحريّة في قراءة الرواية دون الافتتاحيّات.. ولا أخفي عليك أن هناك طبعة أولى للرواية أصدرتها هيئة قصور الثقافة عام 2010 وحذفت منه.تلك الافتتاحيات ليس استنادا إلى ناحية فنية، ولكن لأن الهيئة لديها فى تلك السلسلة المسماة "إبداعات" التزاما بعدد معين من الصفحات لا تستطيع أن تزيد عنه!
ـ لقد كان هدوءك الحياتيّ والشخصيّ نمطا اصطبغت به معظم أعمالك، وقد يتسرب لقارئك بعض الملل نتيجة للتفاصيل المسهبة التي كان يمكن ابتسارها، والسؤال: هل يزعجك النقد؟ وهل تتفق مع ما قد يصيب بعض القراء مما ذكرت؟
لا أعتقد أننى أتعرض بالتفصيل للمواقف أو المناظر أو وصف الشخصيات في أعمالي، لقد قرأت بعض الأعمال الروائية وفيها وصف لمنظر حديقة أو منظر داخلىّ في بيت أو وصف لشخصية ما، قد يستهلك هذا الوصف عدة صفحات! تجد هذا عند أدباء كبار مثل "بلزاك" مثلا أو حتى عند نجيب محفوظ، أنا لا أتجاوز عدة سطور أو قد أكتفي بجمل قصيرة للوصول بالمعنى إلى القارئ.
وبالنسبة إلى النقد.. على العكس، أنا أحبّ النقد المتّزن لكي أستفيد من هناتي، بل وأرجو أن تتزايد ساحة النقد وتتسع وتتعرض لأعمال كثيرة؛ فحرمان العمل الفني من النقد قتلٌ له، وهناك أعمال أدبية أصيب كتّابها بالإحباط، بل وأدى إلى ابتعادهم عن الساحة الأدبية وذلك بسبب الإهمال في النشر والنقد.
ـ العنوان (عتبة النص)، ألم تجد غرابة في الوقوع على عنوان يحمل كلمات أغنية عاطفيّة لمجموعة قصصيّة هي باكورة إنتاجك الأدبي؟
لا أتذكر أن لى مجموعة عنوانها يحمل كلمات أغنية، وربما تقصد مجموعة "آه منها" والتي تحمل عنوانا مخاتلا، إنه لا يشير إلى المرأة، ولكنه يقصد "الفياجرا"، وكانت موضة جديدة أو اختراع جديد في تلك الآونة، وجاءت على لسان أحد شخصيات القصة الذي كان ضمن المحجوزين داخل الباص.. ويقضون وقتهم في الثرثرة، فيقول: (الفياجرا .. آه منها).
ـ يفرّق الدكتور عبد الملك مرتاض بين الكاتب الروائيّ والأديب الروائيّ في استعمالهم للّغة، وقد اتّصف الكاتب باللغة السهلة وهم كثر، واتصف الأديب بالبلاغة وهم قلة، فما منظوركم وتعاطيكم مع اللغة في أعمالكم وتسلل بعض المفردات الحوشية السوقية إليها؟
لا أحب التقعر في اللغة.. ولا أحب أن أستخدم أساليب عفى عليها الزمن فلا أكتب مثلا (أغرب عن وجهى ) ولا أكتب (عِمتَ صباحا) وأتذكر هنا قصيدة لأمرئ القيس التى يقول فيها "مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل!" كنا نضحك ونحن نقرؤها في المدرسة الثانوية، ولكن مع ذلك حفظناها وعرفنا معناها، ولكن من الذي يستخدم تلك المفردات في الزمن الحالى؟! ذكرني سؤالك بأنيس منصور كمثال على الكاتب العصري الذى يستخدم لغة سهلة وكلمات بسيطة غير معقدة فى كتاباته ليصل بها إلى الجمهور، وهل كان أنيس مغمورا؟
أما بالنسبة إلى الجزء الثاني من السؤال، وهو فيما يتعلق بالمفردات التي وصفتها بالسوقية الحوشية؛ فأنا لا أزعم أنى نبي.. ولا أعتقد أن هناك مفردات أسميها أنا عامية أو شائعة، إذا قرأت الخبز الحافي أو كازانوفا أو قرأت لهنرى ميللر أو جان جينيه أو غيرهم، ستجد كَمًا هائلا من تلك الكلمات المعبرة؛ والتى قد تُتهم بسوقيتها.
ـ في بعض رواياتك تكون هناك فجوة زمنية سردية يسقط منها بعض الأشخاص في غمرة الأحداث، مما تسبب إزعاجا للقارئ، فما تفسيركم لهذا؟
لا أعتبر هذا إهمالا للشخصية، ولكن وجودها يجب أن يكون متوافقا مع لُب الموضوع، تلك الفجوة هي مرحلة اضطرارية لا تؤثر على تطور أحداث الرواية.
ـ بعد هذا المشوار الأدبي بين القصة القصيرة والرواية .. هل ينظر الدكتور رضا نظرة رضا على ما قدم؟ ولو استقبل من زمانه ما استدبر ما العمل الذي كان يود لو أنه لم يكتبه، والعمل الذي كان يجب أن يكتبه؟
في الحقيقة أنا مقصر تماما في موضوع الانتشار الأدبي؛ فما قدمت يحتاج يا صديقى إلى من يقدمه إلى الساحة؛ ولابد للكاتب أن ينتشر.. بمعنى أن يتحرك، وأن يعرف ردود الأفعال لأعماله الأدبية، وأن يتعرف شخصيا على الأدباء، وأنا أعترف أنني مقصر فى تلك الناحية، والسبب واضح، وهو وظيفتي بالعيادة.
أكتفي حاليا بقراءاتى التى أفرِّغ لها وقتا، وكذا مقابلة زبائني وبعض الأصدقاء والزملاء في نادي الأدب، فأنا حاليا رئيس نادى الأدب المركزى فى محافظة السويس. وأشعر بالرضا عن روايتي "حكايات البالطو الابيض"، وكذا عن رواية "بيتنا القديم"، وهناك رواية نشرت بسلسلة الفائزون بهيئة قصور الثقافة وهى رواية "شارع الفنارات" وتحتاج في نظري إلى اهتمام نقدي، كما تحتاج إلى دعاية كما يجب.
كلما كتبت عملا أحسستُ أننى لم أكتب كل ما أريد .. هناك ثلاث أو أربع روايات موجودة داخل الكمبيوتر، وكذا عدة قصص تكفي ثلاث أو أربع مجموعات قصصية، ولكن الأهم هو [الفينش]، أو طريقة [تشطيب] أو إنهاء تلك الأعمال، أذكر أن الروائي محمد الراوى ـ رحمه الله ـ كان على المقهى يتساءل بطريقة شبه يومية عن خاتمة لعمل أدبي لم ينشره، وذلك لأنه لم يصل إلى النهاية المناسبة التى ترضيه لراعية الغنم، وكانت هي بطلة روايته، فكان يقول لى: (سأقتلها في حادث سيارة، أو سأجعلها تتزوج وتسافر، أو تأتي إحدى السفن إلى الميناء ويتزوجها أحد البحارة) ومات الراوي .. ومازالت راعية الغنم تبحث عن مصير لها!
ـ ألا ترى أنه على الرغم من قراءتكم الواعية للمحيط [الأيكولوجي] أو البيئي لمدينتكم لم تحظَ أعمالكم بما يناسبها من الاهتمام سواء بالنقد أو بالتناول الدرامي المحلي عن طريق الدراما الإذاعيّة أو التلفازيّة .. وتحقيق أمنيتكم بأن يتضمن المنهج التعليمي بالمرحلتين الإعدادية والثانوية بالسويس عملا من أعمالكم؟
هذا سؤال مهم ياعزيزى.. وأصارحك القول أنني كنت أنتظر مردودا قويا أو حتى معقولا لروايتى الأولى "فضاءات مدينة"، وكنت أعتقد أن مديرية التربية والتعليم في مدينة السويس ـ مدينتى ـ سوف تحتفي بها، نظرا لما بها من كَمٍ من المعلومات الهائلة الذى تزخر به فصول الرواية، والتي يمكن أن تفيد الطلاب، ولكن تركتُ الأمر للظروف، ولم تطاوعني كرامة الكاتب أن ألجأ إلى مثل هذا الطلب.
وبمرور الزمن تأكد لي أن كل الورود تحتاج إلى الرعاية والاهتمام وحسن التقديم لها، والسؤال هنا: من الذي يقوم على تلك الرعاية بالدعاية والنشر والمتابعات النقديّة والإعلاميّة؟ أهو الكاتب نفسه؟ أم تلك هى مسئوليّة المجتمع؟ أم مسئوليّة المؤسسات الثقافيّة بالذات؟ هل تخلّصنا من الشلليّة؟ آسف على هذا السؤال الاعتراضىّ: هناك رواية "حكايات البالطو الأبيض" والتى امتدحها كثير من الزملاء، وأكدوا أنها تصلح جدًّا كعمل درامىّ، وكذلك رواية "فضاءات مدينة"، والأهم من ذلك روايتى الاخيرة "بيتنا القديم"، التي هي في حقيقتها كوميديا مجتمعية ساخرة أو ربما تكون في بعض فصولها كوميديا سوداء! وهي تناقش قضيّة في منتهى الأهمّيّة؛ قضية العلاقة بين المالك والمستأجر في المساكن القديمة.
ـ أعلم أنك قارئ جيد للرواية العربيّة، هلا أوضحت لنا وجهة نظرك بشأن الرواية العربيّة المعاصرة والروائيين العرب المعاصرين لك؟
الرواية العربيّة في تطور؛ وهناك بعض الكتاب يلجأون إلى طرق حديثة في الكتابة؛ ولكني أفضل الكتابة الكلاسيكيّة أو ما شابه؛ وهناك عدد كبير من الروائيين العرب لهم روايات عظيمة؛ والسؤال على (المعاصرين لك) وأظن أن هناك قائمة طويلة من الأسماء أذكر منها: صنع الله ابراهيم، وبهاء طاهر، ويوسف زيدان، وأحمد خالد توفيق، و محمد جبريل، وإبراهيم عبد المجيد، ومحمد المنسي قنديل، والطيب صالح، وأحلام مستغانمي، وغادة السمان، وواسينى الأعرج، ومحمد الأصفر وغيرهم كثير.
ـ سئل أحد الروائيين لو لم تكن روائيًّا ماذا تود أن تكون؟ فاختار أن يكون طبيبا، وأنتم طبيب وشهير، فماذا كنت ستختار، أو هل كنت ستكتفي بالطب وتضرب صفحا عن الأدب؟
أمضيتُ سنوات طويلة بعيدًا عن الأدب، وذلك لانشغالي بدراساتى الطبية، والحياة العملية، ولكني كنت قريبا من الأدب، لم أسلَم يومًا من هاجس في داخلي يقول لي أنني أريد ألا أٌقرأ فقط..أريد أن أقرأ وأكتب أيضا! الكتابة كانت تموج بها نفسي، على الرغم من انعدام المناخ المناسب، كنت أكتب في [نوتة] أو كراسة أو ورقة وأتركها في أحد الأدراج، وأحيانا تضيع بما فيها.. وبالنسبة إلى سؤالكم: إذا لم أكن طبيبا فسأختار أي مهنة مناسبة بسيطة لأكل العيش؛ فالأدب حرفة لا تُشبع البطون غالبا! وفى مصرنا الغالية، نحن ننفق على الأدب وخصوصًا في البدايات التي قد تستمر طويلا.
التدقيق اللغويّ: سماح الوهيبيّ