جدران في كل مكان... جنود مدججون بالسلاح ينتشرون في الأزقة والطرقات يتعقبون المصلين ويدققون في هوياتهم...أسواق بشوق إلى المتسوقين الذين غابوا هذا الموسم...حوانيت مكدسة بالبضائع في انتظار المتسوقين الغائبين... أزقة الأقصى وقبابه وساحاته تأن من قلة المصلين الذين منعهم جيش الاحتلال من الوصول تحت حجج وذرائع مختلفة... هكذا بدا رمضان مدينة القدس المحتلة هذا العام.
لم تكن العشرين يوما المنصرمة من الشهر الفضيل كسابقتها في العام الماضي، حيث غابت عنها المظاهر الاحتفالية والطقوس الرمضانية التي كانت تشهدها المدينة حتى وقت قريب، فقد باتت محاصرة الخنادق والحواجز وبالجدران التي انتشرت في كل مكان. الحاج أبو محمد أحد أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة يؤكد أن أعداد المصلين القادمين إلى المسجد الأقصى المبارك كان قليلا جدا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، والأمر الذي أدى إلى حدوث ركود في الحركة التجارية التي تعتبر شهر رمضان أفضل مواسمها.
ويضيف الحاج أبو محمد لم يقتصر تأثير الإجراءات الإسرائيلية على الحركة التجارية في المدينة بل امتد ليطال الطابع العام، حيث يلحظ القادم إلى البلدة القديمة التواجد العسكري الإسرائيلي في كل مكان، وبينما يتجول العشرات من المستوطنين والمتطرفين اليهود تحت حماية جيش الاحتلال في أزقة وحارات البلدة القديمة التي يقطنها ما يزيد عن 23 ألف مواطن مقدسي.
من جانبه يؤكد المواطن محمد عريقات من بلدة أبو ديس التي فصلها جيش الاحتلال عن مدينة القدس مؤخرا بجدار الفصل العنصري أنه لم يعد بمقدورة الذهاب إلى المسجد الأقصى المبارك لأداء الصلوات خصوصا في شهر رمضان المبارك، مشيرا أنه كان يتغلب العام الماضي على الإجراءات الإسرائيلية ويصل إلى الأقصى وبعد إقامة الجدار أصبح ذلك مستحيلا.
لم تتوقف الإجراءات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل أمتدت لتصل إلى أبواب المسجد الأقصى التي حولها جنود الاحتلال إلى ثكنات عسكرية وهناك أقدموا على التدقيق في هويات المواطنين واحتجازهم، كما يوضح المواطن خالد طعمة الذي تمكن من تجاوز العديد من الحواجز والوصول إلى بوابات الأقصى، ليجد الجنود في انتظاره عند باب حطة أحد الأبواب المؤدية إلى المسجد الأقصى المبارك وهناك يقومون باعتقاله والتنكيل به وإجباره على التوقيع على أوراق بعدم القدم إلى المسجد الأقصى مجددا.
والمتجول في السوق الرئيس للبلدة القديمة الذي يؤمه الزائرون من كل مكان يلحظ العادات الرمضانية في بعض أزقته فالكثير من محال الحلويات التي أغلقت أبوابها في الصباح عادت للعمل مساءً، فالكنافة النابلسية والقطايف والكلاج تعتبر من أبرز حلويات في المدينة المقدسة في هذا الشهر الفضيل.
ما أن تشارف صلاة التراويح على النهاية في المسجد الأقصى حتى يكتظ السوق بالمصلين العائدين إلى منازلهم، الذين يقومون بالشراء حاجياتهم الرمضانية، ولكن سرعان ما يعود خاليا كما كان، وليصبح عند العاشرة ليلا سوقا للأشباح لا يؤمه إلا جنود الاحتلال الذين يقومون بأعمال الدورية إضافة إلى المستوطنين اليهود الذين يرتكبون مضايقات مستمرة بحق من يصادفونهم من المقدسيين.
ويعود المسن محمد الجعبري بذاكرته إلى السنين الخوالي، مقارنا بين تلك الأيام التي كانت تعقد فيها الأهازيج الدينية، ويتسامر خلالها الناس، وتنتشر فيها الفرحة والسرور حتى ساعات متأخرة من الليل، وفي أحيان كثيرة تمتد حتى ساعات السحور، بينما يحرم المقدسيون اليوم التنقل بحريتهم في مدينتهم المقدسة.
أما المسحراتي الذي كان يتجول في أرجاء المدينة المقدسة معلنا دخول وقت السحور داعيا الأهالي إلى ترك النوم القيام للعبادة والإستعداد ليوم صوم جديد، فيوضح الجعبري أنه منع من قبل جنود الاحتلال الذين اعتبروه في خلال العقد الماضي عملا يهد الأمن في المدينة المقدسة.
ويعتبر مدفع رمضان الذي يطلق في المدينة وقت الإفطار أحد العادات القليلة التي لا تزال تتميز بها مدينة القدس حتى اليوم، حيث يعتبر المقدسون إطلاقه إشارة بحلول موعد الإفطار، وهو موجود بالقرب من المسجد الأقصى المبارك ويسمع من مسافات بعيدة.