الرويتع: هامش حرية أكبر
الحناكي: لم اكتشف انني أدرس إلا في أميركا
تسلقتُ إلى الشقة العلوية، طرقتُ باب جاري برفق، خرج إلي متوجسًا، طلبت منه على الفور خفض صوت الأغاني التي انحدرت إلى شقتي، باغتني بابتسامة، واعتذر بصوت خافت، وقال قبل أن يذهب وأذهب: " يبدو من هيئتك أنك عربي، أنا كيفن ليوري، أدرس اللغة العبرية في جامعة ميامي، تعرفتُ على الكثير عن الشرق الأوسط بسبب تخصصي، هل تقبل دعوتي لشرب القهوة غدًا؟ اذا كنت مشغولا، باستطاعتنا اختيار موعد آخر، حريص على تغذية معلوماتي عن طريق التعرف على شرق أوسطي". الأميركي كيفن (29 عامًا) ليس وحده الذي يدرس العبرية، سعوديون وفي قلب الرياض يتكلمون العبرية بطلاقة، يقول الطالب في جامعة الملك سعود بالرياض فهد الرويتع (22 عامًا ) عن سبب دراسته اللغة العبرية في كلية اللغات والترجمة لـ(إيلاف): " إنها الرغبة في خوض مجال مثير وحساس". أما زميله الطالب خالد الصامطي، فيعبر قائلًا: " هنا...لا أحدَ يُقرر ما سيدرسه, الأمنيات الطفولية.. ترتّب نفسها تلقائيًّا". ويشير أستاذ اللغويات في جامعة جنوب شرق فلوريدا ماك فيليب إلى أن "الاعتماد على الكفاءات المستوردة للترجمة والاتصال أمر غير صحي وغير عادل، فوجئت عندما اخبرتني أن هناك من يجيد العبرية في الرياض، الآن سيستطيع السعوديين قراءة اليهود بعيونهم وليس بعيون الآخرين".
[IMG]http://nashiri.net/aimages/samty.jpeg[/IMG]
خالد الصامطي (23 عامًا)، شاعر شاب، ورسام حالم، عمل كموظف استقبالٍ في إحدى الشركات, ثمّ بائعًا.. ثمّ بعد سنتين من إنهائه المرحلةَ الثانوية وجد نفسه طالبا في كليّةِ الزراعة، يقول لـ (ايلاف ): " أنهيتُ فصل في تلك الكليّة, وطلبتُ التحويل إلى كليّة "اللغات والترجمة" قسم اللغة الإنجليزيّة, لكنّ طلبي قوبلَ بالرفض, وقيل لي حينها اختر اللغة التي تحلو لك ما عدا الإنجليزية والفرنسية لعدم توفر المقاعد". وجد نفسه حائرًا بين الإيطالية والألمانية والعبرية، يتذكر: " اخترتُ العبريّة وها أنا أرصفُ أيامَ السنةِ الرابعة في هذا القسم".
يروي مشاهد المحاضرة الأولى: "كنتُ أقبضُ على التشابهات بين لغتي (العربية) و اللغة العبرية...واجهتُ صعوبةً في نطقِ كلماتها, ولم أتوقّع أنني سأتمكن منها مع الممارسة واستمرارية القراءة". يواصل الصامطي الحديث عن اللغة التي يدرسها: " هذهِ اللغة انحدرت هي والعربية من أصلٍ واحد (الساميّة) لغة سام بن نوح, ثم اندثرت.. ثم عادت..ثم دخلت عليها كلماتٌ من لغاتٍ أوروبيةٍ كثيرة كالألمانية والإنجليزية والفرنسية, فعجبتُ لأمرِها .. وازددتُ رغبةً في إتقانها والإلمام بها وبتاريخها..قضيتُ أوّل محاضرةٍ للغةِ العبرية متأملاً حروفها التي شبهتها في حينها بالطلاسم والرسومات القديمة".
يتحدث الطالب في جامعة الملك سعود بالرياض عن شغف يجذبه: "لغةٌ تعدُّ غريبةً بالنسبةِ لي, ومغيّبة في مجتمعاتنا العربية رغمَ التاريخ الطويل من الاحتكاك-بغض النظر عن ماهيّة هذا الاحتكاك- بين الشعبين العربي والعبراني, لازلتُ أدرسها وبي شغفٌ لمعرفةِ المزيد عنها وعن ثقافتها, لأنني اكتشفتُ أنَّ دراسةَ التاريخ لا تستوجبُ علينا التخصص فيه, فالحقائق والتاريخُ يرافقان كلّ شؤون الأخرى مادامت تندرجُ تحتَ قائمةِ (ثقافة شعب), أحببتُ بعدَ ذلكَ علم اللغة بشكلٍ عام, ولازلتُ أنهلُ من هذا العلمِ وسأستمرّ".
خالد قارئ نهم، يشرف على أحد أقسام موقع جسد الثقافة، له (زاوية) خاصة في ثنايا الموقع الإلكتروني المتخصص ارتادها مايربو على 12 ألف زائر، يتمتع بلغة شاعرية متطورة وكياسة فريدة، فهل يقرأ الأدب العبراني بعيدًا عن المناهج الدراسية؟ يجيب: "بصراحة لم أتمكن لعدةِ أسباب معروفة, من تكثيفِ قراءاتي للإنتاج الثقافي اليهودي, كلّ ما حصلتُ عليه وقرأته, كان خلال الانترنت, ولا أستطيعُ أن أحكم أو أقارن بينَ ثقافتين..لكلّ شعبٍ تاريخهُ ومؤثراته وإرهاصاتهُ التي تمتدّ فعاليةً حتى في الأسلوب والإنتاج الأدبي والعلمي والثقافي بشكلٍ عام". يفتش الصامطي بين السطور الإلكترونية بإخلاص ويعجب بأحد الكتاب اليهود، يقول: "من قراءاتي المتواضعة, أعجبتُ بعددٍ من الكتاب اليهود كالقاص والروائي سامي ميخائيل مثلاً, العراقيّ الأصل, والذي أصدرَ إلى الآن 13 رواية باللغةِ العبرية, لكني لم أتمكن من قراءةِ أيّاً منها...لكني رغمَ ذلك قرأتُ وأعجبتُ بعددٍ كبير من القصائد والقصص القصيرة لبعض الكتاب اليهود الشباب, في بعض المواقع الالكترونية".
خالد معبأ بالموسيقى، تتساقط من حروفه ألحانا رطبة، تستلقي على وجهه الطفولي أغان مألوفة، يؤدي واجباته بمتعة، يبوح: "خلال أداء الواجبات الجامعية, أسعدُ بالاستماعِ إلى موسيقى (فانجلز) أو (ياني) , فمع الموسيقى نتلاشى مجبرينَ ونقمع الرتابة و الملل في التعاطي مع بعضِ الواجبات المنزلية".
[IMG]http://nashiri.net/aimages/rowaity.jpeg[/IMG]
فهد الرويتع شاب مثقف، تستهويه الأرقام وشؤون المال والأعمال،يرتدي شماغًا طريًّا ونظارة أنيقة كحلمه في استكمال دراسته العليا بعد التخرج من كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود بالرياض، لم يجد معارضة من اسرته بسبب اتجاهه الى دراسة اللغة العبرية، يتحدث عن دعم عائلته ومشاعرها بسبب اختياره: " جيدة ومتفائلة نسبيًّا".
يقرأ الرويتع الصحف الناطقة باللغة العبرية، يعترف: " اقرأها،هامش الحرية فيها كبير جدا بالمقارنة مع العربية".
لم يتوقع احد من رفاقه ان يدرس هذه اللغة، يوضح لـ(ايلاف): "اتذكر شعوري بمسؤولية كبيرة على عاتقي وشعور طفولي غريب فرحًا بدخولي الجامعة وتجلى اكثر في المحاضرة الاولى، حيث كنا نردد مع الأستاذ الاحرف كطلاب الصفوف الابتدائية ولم يتوقع أحد من اصدقائي انخراطي في هذا التخصص. ظنوا جميعا انني سأدرس علم النفس او الادارة".
كيف يتفاعل الرويتع مع الأصوات المناوئة لتخصصه؟ يرد: " لم أدع المجال للاعتراض كنتُ دوما أردد ( الله يكتب اللي فيه الخير )".
[IMG]http://nashiri.net/aimages/hanaky.jpeg[/IMG]
أستاذ اللغويات في جامعة جنوب شرق فلوريدا ماك فيليب أبدى اعجابه بملحق صحافي أذاعته الشركة السعودية للابحاث والنشر عن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على شبكة الانترنت: "في السعودية مفاجآت اعلامية واضحة، اللهجة اختلفت عن السابق، هناك تحرك ملموس لتغيير الصورة التقليدية للسعودة في العالم، الآن ايضًا أنت تقول إن هناك من يدرس العبرية، أتمنى كباحث أن لاتكون المرحلة التي تمر بها السعودية الآن مؤقتة، اتمنى ان تكون سريعة ودائمة".
انتقد فيليب المهارة الكتابية للسعوديين والعرب باللغة الانجليزية: "يبدو أن هناك خلل معين في المناهج لتدريس اللغة الانجليزية في المدارس العربية، يتكلم العرب الانجليزية بسهولة وارتياح مقارنة بشعوب كثيرة، قرأت كتبًا مختلفة، تزخر بأخطاء غير مقبولة مهنيًّا، ينبغي الالتفات الى هذا الجانب".
عن المناهج يقول الكاتب السعودي أحمد الحناكي لـ(ايلاف): " رضائي عن المناهج السعودية ليس مهما بقدر اهمية نظرة المسؤولين عنها وعلى حد علمي مايتم الان من تحديث وتغيير ينم عن حالة اللارضا لديهم .واظن ان الاعتراف بقصور المناهج ليس عيبًا فلا زالت المناهج البريطانية والامريكية تتعرض للفحص والتمحيص والتحديث رغما عن عراقة هذه المدارس تاريخيا مقارنة ببلد كالسعودية".
وحول دراسة السعوديين للغة العبرية يعلق الكاتب السعودي الحناكي: "دراسة العبرية لن تضر اذا لم تنفع وناهيك عن الحديث الشريف الذي يحث على تعلم لغة الاخر فأن علاقة الشعوب العربية العدائية تجاه اليهود او اسرائيل تحتم ذلك. ولعل اضعف الايمان من ذلك هو التمييز مابين اليهود ومابين الاسرائيليين وهو مايخفى على الكثيرين".
يحكي الإعلامي السعودي عن تجربته الدراسية في اميركا مقارنة بالسعودية: " حصلت على الماجستير في الاعلام من جامعة مارشال في ولاية غرب فرجينيا في الولايات المتحدة الاميركية والمقارنة مع قسم الاعلام في جامعة الملك سعود فيه ظلم للاثنين". يردف الحناكي: " خلال دراستي في اميركا تعرفت على عالم الويب والتواصل التكنولوجي مع أساتذتي . شرح مدى الفائدة التي جنيتها من هناك يطول ولعل الامر الوحيد الذي اصر على انني اكتشفته هو انني لم اشعر بأنني ادرس الا عندما بدأت مرحلة الماجستير في اميركا".
نحو 10 طلاب يدرسون العبرية في جامعة الملك سعود بالرياض، الأساتذة من الجنسية المصرية باستثناء أردني وحيد. وتأسس معهد اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود عام 1990، ثم تحول هذا المعهد الى كلية للغات والترجمة عام 1995 وتقدم الكلية برامج للدبلوم والبكالوريوس في أربع عشرة لغة عالمية حية هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والاسبانية والايطالية والصينية والفارسية والتركية والاوردية واليابانية والعبرية والسواحلية والهوساوية. ومدة الدراسة في برامج الدبلوم سنتان بالاضافة الى سنة تأهيلية، وفي برامج البكالوريوس خمس سنوات، ويتألف البرنامج الدراسي من ثلاثة فروع رئيسة هي الاعداد في اللغة الاجنبية والاعداد الجيد في اللغة العربية والتدريب النظري والعملي على الترجمة التحريرية والشفوية.