650 ألف مواطن فلسطيني تعرضوا للاعتقال ومورس التعذيب بحق 90% منهم. وتظهر التحقيقات أن الممارسات الإسرائيلية تشمل: الحرق بأعقاب السجائر، والضرب الشديد والخنق، والهز العنيف الذي قد يسبب ارتجاجا في الدماغ، والشبح على كرسي صغير، والتقييد ووضع كيس منتن على الرأس، والحرمان من النوم، وعدم السماح للمعتقل بقضاء الحاجة، والاغتصاب والتهديد بالقتل، وتوظيف الأطباء في خدمة المحققين بابتزاز الأسرى المرضى مقابل العلاج. أوصت ورشة عمل عقدت في رام الله بتاريخ 26/6/2006 بضرورة تطوير البرامج والخدمات التي تقدم لضحايا التعذيب بما يسهم في تخفيف معاناتهم، وبالعمل على إنجاز قانون لمناهضة التعذيب، لإقراره من قبل المجلس التشريعي.
جاء ذلك خلال اليوم العالمي لمناصرة ضحايا التعذيب الذي نظمه مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب، في مقره برام الله، بحضور مختصين في الموضوع بينهم وزير شؤون الأسرى والمحررين وصفي قبها.
كما دعت الورشة إلى تعزيز إجراءات التحقيق الإداري والقضائي، وتوثيق حالات التعذيب، وعقد مؤتمر دولي في فلسطين يطرح قضية المعتقلين، ودعت تشكيل لجنة شعبية لمناهضة التعذيب، وطالبوا باستحداث منصب مفتش السجون لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في مراكز التوقيف، وبتوفير الرعاية النفسية للضحايا وعلى وجة الخصوص للأطفال، ودعت الورشة أخيرا إلى العمل على زيادة مستوى الوعي والثقافة المناهضة للتعذيب.
ارتفاع نسبة العنف الممارس بحق الفلسطينيين
وافتتح ورشة العمل د. محمود سحويل مدير عام مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب بكلمة أكد فيها أن الظروف التي يحياها الشعب الفلسطيني صعبة للغاية وأن العنف الممارسة ضده من الاحتلال كبير وشمل جميع مناحي حياته، معتبرا أن الخسائر النفسية التي تلحق بالمواطنين أكثر بكثير من نظيرتها المادية، حيث أن هدف الاحتلال هو بث الرعب في نفوس المجتمع بأسره.
وبين سحويل أن إسرائيل تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي تشرع التعذيب، معتبرا أن جميع الشعب الفلسطيني تعرض للعنف على أيدي الاحتلال سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، مشيرا أن الحصار وجرف الأراضي وبناء الجدار والاعتقال والإرهاب والحواجز هي جزء من هذا العنف.
وكشف سحويل أن نسبة الإكتئاب في صفوف المواطنين الفلسطيني تبلغ 25% في حين أن المعدل العالم للاكتئاب لا يتجاوز2%، مطلبا بالانتباه إلى موضوع تحول الضحية إلى ممارس للعنف بحق الآخرين، لذا يجب العمل على مساعدة المواطنين الذين يتعرضون للعنف.
وأطلق سحويل من خلال ورشته دعوة إلى جميع العاملين في مجال مناهضة التعذيب والعنف إلى توحيد جهودهم بما يخدم ضحايا التعذيب، متوقعا أن التصدي لهذا العنف الكبير الممارسة بحق المدنيين الفلسطينيين يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتم علاجه.
90% من المعتقلين تعرضوا للتعذيب:
ورأى وزير شؤون الأسرى والمحررين وصفي كبها أن العنف المرتكب بحق المعتقلين القابعين في سجون الاحتلال كبير جدا، إذ تم اعتقال قرابة 650 ألف مواطنين فلسطيني أي ما يقارب ربع الشعب الفلسطيني منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، كما أن معظم المواطنين الفلسطينيين تعرضوا للتنكيل والاحتجاز.
ونقلا عن الإحصاءات الصادرة عن مؤسسات حقوق الإنسان قال كبها أن قرابة 90 % من المواطنين الذين تعرضوا للاعتقال على أيدي قوات الاحتلال مورست أصناف متعددة من التعذيب بحقهم، وفي ذات الوقت أشاد بدور مؤسسات حقوق الإنسان في فضح ممارسات الاحتلال المرتكبة بحق الأسرى.
وبين وزير شؤون الأسرى أن سلطات الاحتلال تعمل على تقنين وشرعنة أساليب التعذيب التي يرتكبها الاحتلال بحق المواطنين الفلسطينيين، فمحكمة العدل العليا وعبر قراراتها بهذا الشأن إضافة إلى القوانين الصادرة من البرلمان "الكنيست" تسهم في توفير الغطاء القانوني للممارسة التعذيب بحق الفلسطينيين.
وعرض قبها أصناف التعذيب الممارس بحق الأسرى ومنها: الحرق بأعقاب السجائر، والضرب الشديد والخنق، والهز العنيف الذي قد يسبب ارتجاجا في الدماغ، والشبح على كرسي صغير، والتقييد ووضع كيس منتن على الرأس، والحرمان من النوم، وعدم السماح للمعتقل بقضاء الحاجة، والاغتصاب والتهديد بالقتل، وتوظيف الأطباء في خدمة المحققين بابتزاز الأسرى المرضى مقابل العلاج.
د. خالد دحلان من برنامج غزة للصحة النفسية والذي شارك عبر نظام الفيديو كونفرنس قال ان كثير من الحالات التي تعرضت للتعذيب والمعاملة القاسية، كانت نتيجتها الموت، مشيرا أيضا إلى كثير من الحالات أجبرت على الاعتراف بسبب ضغط التعذيب، وان تلك التجارب القاسية التي عاشها الأسرى تستلزم العناية بهم بعد الإفراج عنهم.
حلمي الأعرج مقرر الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمعتقلين ومدير مركز الحريات استعرض ظروف الأسرى الصعبة التي يعيشونها، وأنها لم تختلف عن الظروف التي كانت معاشة في العام 2004، وهذا ما سيدفع الحركة الأسيرة لتنفيذ اضرابات وإجراءات تصعيدية عند نضوج العامل الذاتي، مشيرا إلى أن إسرائيل تستغل الظروف الفلسطينية الداخلية للنقضاض على الأسرى وسحب منجزاتهم.
ودعا الأعرج المؤسسات الأهلية والحكومية والفصائل أن لا تقف موقف المتفرج على معاناة الأسرى.
مامون قاسم والذي مثل ائتلاف ضد التعذيب والذي يضم في إطاره مؤسسات فلسطينية وإسرائيلية ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب برعاية إيطالية، دعا أيضا إلى
تعزيز التنسيق بين المؤسسات المحلية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان من أجل استغلال الموارد والخبرات المتوفرة لديهم في مكافحة التعذيب، وكذلك تطوير القدرات البشرية على المستوى الفردي والجماعي لدى المؤسسات الإسرائيلية، الفلسطينية، والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان من أجل التعامل مع قضايا التعذيب والعمل على القضاء ومنع ممارسة التعذيب، كما شدد على أهمية التوثيق لحالات الانتهاك والتعذيب.
المحامي معين البرغوثي من الهيئة الفلسطينية المستقلة والذي قدم ورقة بعنوان الإطار القانوني لمناهضة التعذيب فقد ركز على بيان المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تحكم مناهضة التعذيب في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وبين أن الهيئة التي تستقبل الشكاوي من المواطنين، لاحظت تزايدا في حالات التعذيب وتناقص في حالات الإساءة، حيث شوهد عودة التزايد في حالات التعذيب خلال الفترة 2003-2005.
وفي ما يتعلق بالوضع القانوني بين البرغوثي أن الإشكالية الرئيسية تكمن في التشريعات الفلسطينية لمناهضة التعذيب في عدم وجود نص قانون خاص ينظم أحكام منع التعذيب أو إساءة المعاملة ويضع الأسس التي تبين مفهوم التعذيب أو إساءة المعاملة والعقوبات التي تفرض على على مرتكبيها.
المستشار القانوني في مؤسسة الحق ناصر الريس بين أن المواطن الفلسطيني محكوم ب 6 قوانين ( البريطانية، مخلفات الحكم العثماني، المصرية، الأردنية، الإسرائيلية، والفلسطينية )، وتلك الأنظمة لم تعالج إشكالية التعذيب على اعتبار أن الأنظمة الحاكمة لا تضع قوانين يحد من سلطاتها، مبينا أن الحاجة ماسة لتشريع قانون لمناهضة التعذيب، ولتشريعات متطورة تراعي المصلحة الفلسطينية، مشددا على ن الحاجة ليست فقط لإقرار نصوص وإنما أيضا لآليات تضمن التطبيق.
م. خالد البطراوي عن مؤسسة مانديلا والذي قدم ورقة بعنوان دور المنظمات غير الحكومية في مناهضة التعذيب بين أن كافة الدول والحكومات في العالم تمارس التعذيب بصورة أو بأخرى، إلا أن التسليط الأبرز كان على موضوعة التعذيب منصبا على دول العالم الثالث بينما تشدقت دول الديمقراطية الأولى في خلوها من التعذيب فيما أظهرت حقائق ومجريات الأمور أن تلك الدول " الديمقراطية" تمارس التعذيب بصورة أوسع وتحت غطاء " مكافحة الإرهاب " وغيرها من المسميات.
وأضاف البطراوي أن المنظمات غير الحكومية تلعب دورا هاما في توثيق التعذيب وفي نشر تفاصيله على الملأ، وفي ذلك خطوة هامة أولا كي لا تذهب معاناة الضحية هباء، وثانيا كي لا تظهر الدولة التي تمارس التعذيب وكأنها لا تمارسه أو بأنه لا يوجد رقيب عليها من قبل المجتمع المدني.
مبينا أن المنظمات غير الحكومية العالمية عكفت على امتداد سني الاحتلال على إصدار الدراسات والأبحاث والتقارير التي تؤكد ضلوع إسرائيل في عمليات تعذيب ممنهجة. لكن كافة هذه الدراسات وضعت في الأدراج وبضمنها تقارير صادرة عن منظمات وهيئات تابعة للأمم المتحدة.
مشيرا م. البطراوي أن المنظمات غير الحكومية بما فيها الدولية لم تستطع أن ترغم إسرائيل على أن ترد حتى على تقاريرها التي تقدمها إلى الأمم المتحدة، ولم ترد إسرائيل على طلب الأمم المتحدة بتقديم تقريرها المتعلق بالخطوات التي اتبعتها لمناهضة التعذيب خاصة وأنها موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب.
خالد قزمار محامي الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال وفي ورقه قدمها بعنوان تعذيب الأطفال الفلسطينيين بين إسرائيل تنفذ سياسة اعتقال الأطفال بصورة مرعبة ووحشية بما يتناقض مع كل القوانين المحلية والمواثيق الدولية خاصة المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل، حيث تمارس التعذيب ضد الأطفال منذ لحظة الاعتقال وخصوصا التعذيب النفسي. كما لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصا الطفل خلال فترة قضاء الحكومية، حيث يركز الاحتلال على عقاب الطفل وليس على إعادة تأهيله، وخلص قزمار إلى أن إسرائيل تتعامل مع مفهوم التعذيب على نحو أوسع من ما هو وارد في اتفاقية مناهضة التعذيب، وهذا ما يستدعي دورا اكبر للأسرة والمدرسة وكذلك المؤسسات ذات العلاقة في إعادة تأهيل الطفل بعد الإفراج عنه.
الباحث والأخصائي في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب وفي ورقة العمل التي كانت بعنوان
دراسة مقارنه عن حالة التعذيب في السجون الإسرائيلية بين أن نتائج الدراسة التي أجراها المركز أظهرت أن التعذيب ما زال سلوكا وأسلوبا مستشريا داخل السجون الإسرائيلية قبل وبعد عام 99 رغم ادعاء الإسرائيليين بسن قانون رقابي للحيلولة دون ممارسة التعذيب ضد السجناء السياسيين الفلسطينيين،
أما بالنسبة لأثار التعذيب بين سحويل أن النتائج أظهرت أن هنالك تباين في نتائج التعذيب من ناحية الظهور والاستمرارية حيث أن أثار التعذيب الجسدية كان معظمها آني واقتصرت على فترة الاعتقال في حين أن الآثار النفسية والاجتماعية بدأت واستمرت بعد خروج المعتقلين من السجن. وأظهرت تباين في الآثار بين الذكور والإناث حيث أن أثار التعذيب الجسدية ظهرت واستمرت عند الإناث في حين أن معظم الآثار الجسدية تلاشت عند الذكور بعد خروجهم من السجن، في حين أظهرت النتائج أن التأثير النفسي والاجتماعي بعيد المدى لا اختلاف فيه بين الذكور والإناث حيث كانت النسب عالية.
وخلال الورشة قدم الأسير المحرر محمد طه الذي قضى 5 سنوات في الأسر متنقلا بين سجون النقب، المسكوبية، الظاهرية، الفارعة جنين، تعرض خلالها للتحرش الجنسي وأساليب التعذيب القاسية، تسببت له لفقدان الوعي لأكثر 7 أشهر.
كما قدمت والدة الأسير فؤاد دار خليل والمحكوم 14 عام في سجن نفحة، وشقيقة الأسير نائل البرغوثي شهادات عن معاناة أهالي الأسرى وأثار الحرمان.