أخي، لَكَ أنْ تَقْرَأ وَجْهَ الوَجيعَةِ عَلى أرَقِّ مَلامِحي، لَكِنْ لا تَسَل.

لَقَدْ قَرَنْتَ سَعْيي فيما جَمَعَتْ يَدايَ بَينَ العَطاءِ الفَسيحِ وَتَضَرُّمِ مُهْجَتي بِالزَّهْرِ المُتَفاوِحِ.

كُنْتُ أُحْسِنُ الظَّنَّ بِالدُّعاةِ المُتَقَلِّبينَ حَتّى تَأرْجَحوا أمامي عَلى ظُهورِهِمْ.

أخي.. تَماسَكْتُ شَمَّاءَ كَما عَهِدْتَ ذاتَ البَسالَةِ فَوقَ حِرابِ البَرْقِ وَهُتافِ المُتَصائِحينَ في سَماءِ المَمالِكِ.

 كُنْتُ أخْطو بِالصَّمْتِ فَوقَ ضَجيجِ المِحَنِ، وَخُضْتُ الحَياةَ بَينَ أرْوِقَةِ الرِّضا وَإشْراقِ الزّاهِدَةِ، فاخْتَلَجَتْ روحي بَينَ سَوارِدِ الفِراقِ وَكِفايَةِ الضَّميرِ، وَعَفَّ قَلبي بِالصِّدْقِ، وَتَوَشَّحْتُ بالشِّعْرِ أُزْجيهِ قَولي، وَأكْتَفي بِراحِلَتِهِ بَينَ الأوزانِ وَبُحورِ القَوافي.

أخي، لَقَدْ خَرَّتِ الظُّنونُ بَينَ نَزْعَةِ الشَّكِّ وَصِدْقِ الاسْتِنْكارِ، وَتَوَغَّلَتْ في طَلَبِ الحَقِّ حَتّى ذُهِلتُ مِن نَدى الغُفْرانِ.

أخي، قَسَتِ اللَّيالي، فاغْفِرْ تَحَمُّلي، وَلا تَسَل!

 

بَذَرْتُ لِأيّامي

شَفيعيَ مِن وقْرِ الخُطوبِ الطّوارقِ            *** وسالفُ رِقٍّ مُستميتٌ بِلاحِقِ

ومِن عاشقٍ يَبلى بحُرمَةِ صَيّبٍ *** يُكِنُّ عَدا الجَمَراتِ صَدَّ الأوامِقِ

عِتاقاً ثِقالاً يَحتَمينَ بعُزْلَةٍ *** فَيفْضحْنَ أحداثَ الصُّروفِ الدَّقائقِ

فؤادٌ رديمُ الآلِ إذْ عُدْتَ سائِلاً *** وأُتلِفْتَ رتْقاً مِن وجيعِ المَواحِقِ

يُعلِّلُ رسمَ الطّرْسِ والنّقْسِ جِدُّهُ *** وما لامَ ما قَدْ أقْرَضَتْهُ مَضائِقي

يوقِّرُهُ جُزءٌ مِنَ الأينِ يَستوي  *** وأشْطارُهُ حزْمٌ بعزْمِ البَيادقِ

وأقرضْتُ وُدّي بعدَ كُلّي فكُدِّرا *** ومُنّيتُ ما فازَ الرّجا بالتَوافُقِ

ونَمَّتْ بذي الأركانِ حَيرى غريقةً *** سَرائرُ مِن صحوِ المَهالِ الوَثائقِ

طرائقُ للأقْدارِ جلَّتْ بوَحشةٍ  *** بأقداحِها سَكْبُ السُّتورِ النَّواطقِ

كلِفْتُ بصَدِّ الشّكِّ حقّاً يُنيرني *** ويا لَيتني عنْهُ بجُرْفِ النّوافقِ

فلا مَسّني يأسُ العوالِقِ رهبَةً *** ولا ضمَّني لحدٌ بإلفِ الفَوارقِ

وما ضَيرُ أنْ أسْلو بسَرْدِ مَكامِني *** وما ضيرُ إقبالِ المَراثي الصّوادقِ

وما ضيرُ أنْ تُجزى التُّقاةُ عَواقباً *** وما ضيرُ محمولٍ بضَعفِ الرّقائقِ

خضعتُ لِمنْ سوّى ضميريَ آيةً *** وثيقَةَ حُلمٍ لا رَديّةَ غارقِ

وَجفنايَ قاضٍ عنْ سليلٍ منَ الكَرى *** ومسرايَ طَيٌّ منْ سديمِ السّوارقِ

وصبريَ في الكونِ النَّديِّ غُلالَتي *** وأسرارُ ما بي مِن رَخيِّ المغالِقِ

نسجْتُ لروّادِ الثّرى مِن جوارِحي *** شِراعاً، ومِن جَنْبي مَواني الزّوارِقِ

يجُرُّ غديرُ الشِّعرِ سَلماً سوابِحي *** وفَسحَةَ روحي عنْ كليلِ العَوائقِ

فأرْكدْتُ قسْرَ الدّهرِ حتّى أجلَّني *** صفيفَ كُؤوسِ الحوضِ عذْبَ النّمارقِ

تشُطُّ الصّواري خارقاتٍ طوِّيتي *** وقدْ لُذْتُ عنها بالزَّواكي الحَواذقِ

وإذْ بي مَنارٌ دونَ بَحْرٍ مُمَدَّدٍ *** وفي النّورِ صَبري عنْدَ عودِ الغَواسقِ

وأستودِعُ الوِرْدَ الظّليلَ مُؤمِّلاً *** تَقَلُّبَ آثارٍ بغَرْسِ الخَلائِقِ

عفَفْتُ بزادِ الحقِّ أقفْو ببَصْمِهِ *** *** أيا قلبُ قدْ زُكّيتَ فوحَ الشَّقائقِ

وأشجيتُ محْجوباً منَ الغيبِ صامتاً *** فأزْهِرْ بمحَجوبٍ وأكْرِمْ بناطِقِ

بذرْتُ لأيّامي وشَعَّتْ جَوارِحي *** وأسلفْتُ مِن دَهري جزيلَ العَواتِقِ

 

أجْمَلُ الكُتُبِ

لَقَدْ كانَ ذَلِكَ القَلبُ المُتَوَقِّدُ كالمشْعَلِ الَّذي نَفَضَ اللَّوعَةَ وَبُذورَ اليَأْسِ.. هوَ مَن أسْكَنَ ذاتي الخَفيَّةَ وَحَنيني الَّذي كانَ يَتَأوَّهُ.

حينَما يَبِسَتِ الحَدائِقُ وانْسَحَقَتِ الأحْلامُ في وَقْتٍ ما، بَقيَتْ أفْكاري حَيَّةً كَنَبَضاتِ الرّوحِ.. لَقَدْ ظَنَنْتُها تَوارَتْ، فَإذا بِها تَعودُ كَما يَعودُ الصَّباحُ وَيَعودُ المَساءُ.

لَقَدْ شَعَرْتُ بِالرّوحِ الَّتي تَسْري والضَّميرِ الَّذي يَتَرَقْرَقُ كالزَّهْرَةِ اللَّيِّنَةِ، فَعادَتْ ثِقَتي بِفَنّي وَفَضيلَتي، وَجَمالِ مَعْرِفَتي، فَظَهَرَتْ قوَّةُ نَفْسي الَّتي كادَتْ تَسْتَحْكِمُ عَلَيها الصُّعوباتُ فَأزالَتْ تِلكَ الصُّعوباتِ عَنْ مَواضِعِها.

لَقَدِ انْبَثَقَ النّورُ مِن نَفْسي لِأرى عاطِفَةً خَفيَّةً عَلَّمَتْني كَيفَ أفْرَحُ بِأيّامي.. فَتَبَدَّلَتْ مَعاني الأيّامِ وارْتَسَمَتِ اللَّيالي بِالأنْغامِ.. فَعَرَفْتُ أنَّهُ كَما أنَّ هُناكَ أحْلاماً في مَهْدِ المَحَبَّةِ هُناكَ كَذَلِكَ مَخاضٌ لِليَأْسِ والكَآبَةِ.

إنَّ ما نَبْحَثُ عَنْهُ في تَوالي الأعْوامِ هوَ ذَلِكَ المَعْنى الشّاعِريُّ الَّذي يَتَآلَفُ فيهِ الفَرَحُ والحُزْنُ، وَتَشْعُرُ بِهِ في أعْماقِكَ، فَتُحَلِّقُ بِهِ الأرْواحُ كالمِنحَةِ لِتَعْرِفَ أجْمَلَ مَعاني الحَقِّ.

يا لَهُ مِن كِتابٍ جَميلٍ.. ذَلِكَ الَّذي قَرَأْتُهُ (قَلبُ أُسْتاذي). لَقَدِ احْتَرَمَ ثَقافَتي واحْتَرَمَ ميثاقَ الشَّرَفِ المِهنيِّ بِعَقْلِهِ وَهَيبَتِهِ الحَزينَةِ، فَرَفَعَتْهُ الفَضيلَةُ إلى مَوضِعٍ ثَريٍّ، ذَلِكَ القَلبُ الكَريمُ الَّذي احْتَضَنَ صَدْرُ الأرْضِ حُلُمَهُ حينَما فَقَدَ ابْنَتَهُ.

دَعْني أُصافِحْ تِلكَ اليَدَ الَّتي أيقَظَتْ أمَلي.

 

شُروقي وغِبْطَتي..!

عُدْ يا شُروقي وانْتَشي يا أضْلُعي *** لِمَ تُنكرينَ سُدىً دَوامَ تضَرُّعي

حُلمي وجَهْري المُستهَلُّ وخُفْيَتي *** قدْ خِلتُها أمَلاً فزادَ توجُّعي

رَقٌّ هوَ الأملُ المُعذِّبُ غِبْطَتي *** ويبوحُ طَوراً عنْ صريحِ تولُّعي

أتُراه يعبَثُ مثلما أدراجُها *** ريحٌ، كذلكَ نثرُها وتجَمُّعي

أو يغلبُ الليلينِ يومٌ نابضٌ *** ويعودُ وُدٌّ بعدَ قيدِ تذرُّعي

أنّى عزاؤُكِ يا سكينةُ، غَرَّني *** دهْري وأيّامي وفيضُ تطوُّعي

إنْ كنْتِ لا ترضينَ رحمةَ خاضعٍ *** هل تنعُمينَ إذَنْ بعذبِ تصدُّعي

 

كَفاكَ فَضْلاً

أتَعْرِفُ.. عِنْدَما يَضيقُ العُمرُ والوَقْتُ، وَتَتَعَدَّدُ الصّيَغُ، وَيَتيهُ التَّصَرُّفُ وَتَخْتَلِطُ السُّبُلُ يَنْتابُ الإنْسانَ الشُّعورُ بِالدَّهْشَةِ والخَوفِ والقَلَقِ، وَيَتَصارَعُ كُلُّ ما في كيانِهِ مِن شِقَّينِ.

لِكُلِّ إنْسانٍ شِقّانِ يَتَجاذَبانِ نَفْسَهُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الحَوادِثِ وَتَبَدُّلِ الدَّوائِرِ وامْتِهانِ الظُّروفِ.

ائِذَنْ لي أيُّها القارِئُ.. فالزِّمامُ في يَدِكَ، وَراحَةُ يَقينِكَ مِن صُنْعِ اخْتيارِكَ، وَبَلاغُ رَحْمَةِ اللهِ تَعالى في كِفايَةِ اطِّلاعِكَ عَلى الأسْبابِ، وَمِنَّتُهُ عَلَيكَ في إلهامِ نَفْسِكَ.

تِلكَ النَّفْسُ الَّتي أحاطَها اللهُ تَعالى بِعِنايَتِهِ العاليَةِ وَكَفلَها بِالآياتِ النّاطِقَةِ، وَمَيَّزَها بِالعَقْلِ الوافِرِ، وَحَرَسَها بِالمِقْدارِ الوَفيرِ، وَضَبَطَها بِالنَّمَطِ الجَليلِ، وَأكْرَمَها بِالفَهْمِ والأُسْلوبِ الجَميلِ وَحُسْنِ التَّعْبيرِ.

لا تَبْكِ عَلى نَفْسِكَ، وارْجِعْ إلى فِطْرَتِهِ الخالِصَةِ في فَهْمِ خِطابِهِ لَكَ تَبارَكَ وَتَعالى:

«وَنَفْسٍ وَما سَوّاها (٧)، فَألهَمَها فُجورَها وَتَقْواها (٨)، قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَن دَسّاها (١٠)». سورة الشمس

قِسْ عَلى ذَلِكَ، وَعُدْ إلى ذَلِكَ، وَكَفاكَ فَضْلاً أنَّ اللهَ تَعالى خاطَبَكَ ليُحْييَ يَقينَكَ.

 

حَنينَين كانا

ألَسْتِ جُفونَ الوعدِ ذائِقةَ الكَرى *** تَبيتُ عُيونُ الصَّبِّ وهيَ تُنادي

مَضى العُمْرُ مثلَ الرّيحِ تَجْري بِزائرٍ *** وقَدْ أسَرَجَتْ للدَّرْبِ كُلَّ جيادِ

إلى أمَلٍ فيهِ مِن الوُدِّ نَفحةٌ *** زَكاها بِزهْرٍ ساهِرٍ بِسُهادِ

أتذكُرُ يا شِعْري، وكنْتَ مُلازِمي *** فَصرْتُ وَحيداً دونَ أيِّ جَوادِ

وكنْتَ الّذي يُملي إليَّ وَهِمَّتي *** عَلى حُلمٍ تَأْتي نهارَ فُؤادي

وكُنْتَ الذي تُثْري، وأنْتَ الذي شَجى *** تُسِطّر شِعري في سُطورِ وِدادي

يَفيءُ نثيرُ المِسكِ مِنكَ ومثلُهُ *** مَداهُ سَرى يَهْفو بِوَجْدِ مِدادي

يُعلِّلُني صَمتي وقدْ كُنْتما مَعاً *** حَنينَين قَضّا مَضْجَعي ورُقادي

 

شاعرة كويتية
عواطف أحمد عبد اللطيف الحوطي. حاصلة على ليسانس آداب لغة إنجليزية مع الترجمة واللغة الفرنسية عام 1983م. تتقن إلى جانب العربية، اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية.ربة بيت وزوجة سفير. عضو فاعل في عدة جمعيات تطوعية دولية ومحلية منها رابطة الأدباء الكويتيين. صدر لها مجموعة من الدواوين الشعرية آخرها كان: على ضريح الهوى، وهلا فذلك الأمس، سواقي الشوق. كما صدر لها مجموعة من الكتب باللغة الإنكليزية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية