تمشي وحيدًا باحثًا عن كوخِ آلهةِ الفِكَرْ
ثملًا تغني في خشوعٍ للسناجب والشجرْ
متوغلاً في النوحِ، تنصتُ للحمائم والنَّهَرْ
فكأن وجهكَ والبكاءَ قصيدتان عن القدرْ أبقيتَ ظلكَ في بلادٍ لا تغادرها السماءْ
وأخذتَ هامتك العريقة وانسلختَ عن البشرْ
وعن الرياحين الطرية والدفاتر والدماءْ
وركبتَ بحرَ الروحِ بحثًا عن مساحاتِ الشتاءْ
فكأنَّ قلبكَ مولعٌ بالارتحالِ وبالسَّفَرْ
حتى تركتَ كلامَك الفضيَّ يعبثُ بالفؤادْ
وينيرُ أقبية القوافي بالأغاني والسهاد

أيارُ شهرٌ باهتٌ، فيه التقلبُ والسوادْ
فتراه يبخلُ بالقصائدِ، قاتلاً نبضَ المدادْ
ويرشُّ فوقَ صدورِنا لهبًا، ويمنحُنا المطرْ
أيارُ حين يرى دموعَك أنتَ يرغبُ بازديادْ
فامنحْه أحلاماً رسمتَ على الزنابقِ والترابْ
واسمعْ أناشيدَ المناراتِ الطويلةِ والضباب..
واقرأ له عند الغروبِ قصيدة "الأرض اليبابْ"*

الشعر فعلٌ فاضحٌ، فامسحْ جبينكَ بالسرابْ
واستجدِ الخلودِ، فأنتَ تدخلُ في الغيابْ

صوتُ القطارات استفاقَ، وحان وقت الارتقاءْ
فاكتبْ قصائدك العقيمة فوق أجنحةِ العتابْ
اكتبْ، لعلكَ بالحروفِ تردُّّ غانيةَ الندى
تلك التي أصبحتَ عندَ بياضِ كفيها سُدى
اكتبْ، فإنك هائمٌ فيها، وقد حَضَرَ الردى
واغسلْ أناملها الصغيرةَ بالضياءِ وبالصَّدى
وافتحْ لها أرضَ الفؤاد، ومدَّ للعشق المَدى
فهيَ انقضاءُ العُمرِ وهي فراشةٌ بين الحقولْ
واسكبْ خلاصَةَ روحِها، قبلَ التوغلِ في الأفولْ

زخاتُ هذي الغيمةِ الحمراءِ تصبغُ معصميكْ
وتعودُ رائحةُ الترابِ بكلِّ لَذتها إليكْ
حتى الحشائشُ ليسَ فيها غيرُ أمتعةِ الرَّحيلْ
حتى الشوارعُ والجَداولُ والمنازلُ والسيولْ
فضياعُ مثلِكَ في المدائنِ والصَحاري قد يطولْ
والحزن أيضًا قد يعششُّ في الفؤادِ ولا يزولْ
والمِلحُ في الدمع الذي يهوى الترقرقَ والهطولْ
والشعرُ، والألم الذي يسمو مع الجسدِ العليلْ
الشعر كالألم المعتقِ حينَ يُهرَقُ في الكؤوسْ

تبدو حبيساً كالنوارسِ في متاهاتِ الزمنْ
وعلى حدودِ العُمرِ تسكنُكَ الموانئُ والسُّفُنْ
والبحرُ في غضبٍ يخاطِبُ ما نثثتَ من الشجَنْ
في الحزنِ أنتَ تظلُّ وحدَك كالطيور بلا وطنْ
تمشي وحيداً مثلَ أرواح الغيومِ بلا بدنْ
وتخاطبُ الظلماتِ، تسبحُ في الرياح وفي الرمالْ
وتطلُّ من بين الحكايا، حاملا بؤسَ الكفنْ...

فاحملْ تفاصيلَ انتحارك في تشاؤمكَ اللذيذْ
وإذا نهضتَ من المماتِ، فعد إلى ذات السؤالْ
من أنت؟ ما الأحلام؟ ما الشعرُ المحلقُ بالخيالْ؟
حتى تعودَ لك الحروفُ بما تريدُ لكَ الجبالْ

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية