مُرّي كما مرَّ الزمانُ حِسابا

لوْ شئتِ عَدْواً قدْ طوَوْك ِ كِتابا

وَتَيقَّني أنَّ الفُراقَ بمهجتي

مثلُ اللقاءِ غَدا جوىً وَ عَذابا
وليَ السنونُ تعارَكتْ في ناظري ...... ما شابَ خاطرُها وصبريَ شابا
وتَكَلْكَلَتْ تقفو على آثارِها ...... عِظَمَ المُصابِ ولا تزيدُ خِطابا
ما شئتِ سمّي فالسميُّ حُشاشتي ...... فأنا وأنتِ تجرّعوهُ شَرابا
أفديكِ منْ مقتولةٍ وَقتيلُها ...... أضحى حديثَ الدهرِ ما قدْ تابا
يرجونَ موتَ طريقِهِ منْ مُخْلَقٍ ...... حتى تضيعَ خطاهُ لاتَ طِلابا
فهلِ الحِمامُ سوى رفيقِ تواصُلٍ ..... وهلْ التفرُّقُ بعدَ وصلْكِ طابا
مُرّي فَذكْرُكِ صنوُ ذكريَ مُتْلِفٌ ...... صفوَ النُّعاسِ وكمْ يعزُّ جَوابا

إني رأيتُ الحزنَ يخلقُ بعضَهُ ..... ورأيتُ ظنِّيَ في العدالةِ خابا
حتى تساوتْ في المقامِ بلادةٌ ..... مع همَّةٍ حصدتْ ذهابَ إيابا
وطني أجارَ عليكَ حظٌّ مؤْصَدٌ ..... بالبينِ سَرْمدُ ما يوفِّرُ بابا
حتى طواكَ الفوتُ دونَ قيودهِ ..... فأقمتَ دهراً لا تشقُّ ضَبابا
ويئستَ منْ عدْلٍ يقيلُ ظُلامةً ..... بينَ الوحوشِ تخطَّفتكَ نهابا
فإذا أملتَ بِسِنِّ عدلٍ مُقبلٍ ..... أوْدَعتهُ الشكوى تقلَّبَ نابا
وإذا تجرَّدَ عاقلٌ منْ غيِّهِ ...... وَخطا إلى أملٍ تعهدوهُ حِرابا
ما هذهِ الدنيا بدارِ حَضارةٍ ..... أو دارِ إحسانٍ لَبئستْ غابا
قد أشبعونا بالشِّعارِ وحّطَّموا ..... كلَّ الشرائعِ إذْ ذَرَوْهُ خَرابا
ما صادفَ التاريخُ مثلكَ أوحدٌ ..... أنتَ القتيلُ وصلَّبوكَ عِقابا


مالي أُراقبُ أمَّةً قدْ أخْلَفتْ ..... ستينَ ذكرى قَرَّبتْ أترابا
كُنّا سَمِعْنا بالكَرامةِ سَمْعَنا ..... بِدمِ الليوثِ فَهلْ سَمِعتَ صوابا
أوقفتَ عينَ يَمامةٍ في مَطْلَعٍ ...... غَرُبتْ معَ التاريخِ ترجو سَرابا
سودُ الصحائفِ والوجوهِ تَخفُّفاً ...... شحمٌ تورّمَ عندَ سَبْرٍ ذابا
فإذا ذكرتَ فلستَ في أعقابهمْ ...... بسوى الخسارةِ أترعوكَ جِرابا
أسموكِ نكبةَ ما تنكّبَها العدى ....... بلْ أوْرثوها واستوَواْ نُدّابا
وتفنّنوا في اللَّوْمِ يومَ تبرُّعٍ ...... وتبادلوا وئدَ الشريدِ غِلابا
فإذا تجرَّعَ مرَّ كأسٍ علقَمٍ ....... في بابهم كالوا أذىً وسُبابا
وإذا تنكَّدَ عيْشهُم لِوَقيعةٍ ....... لاموهُ واشتطوا عليهِ غِضابا
أُسْدٌ عليهِ ، وهمْ على أعدائهِ ...... يومَ الوقيعةِ أمطروهُ ذُبابا

ما كانَ أوّلهم قعيدَ كرامةٍ ...... لكنَّ آخرَهم نموا ْ أذنابا
كيفَ السبيلُ إلى الشفاءِ ودائهم ...... نكرانُ حالٍ كذّبوا كِذَّابا
غنّوا الخيارَ ولا خيارَ بِطبلِهم ...... غيرُ الهزيمةِ في الخيارِ طِرابا
أينَ السلامُ وأينَ ما قد لحّنوا ...... وعدّوهم لا يستسيغُ رُضابا
كَلِفٌ بِمذمومِ الفَعالِ مؤصّلٌ ........ أحشائهُ حُبلى تخرُّ رِقابا
لا عهدَ عندَ عُصابةٍ ما أتقنتْ ..... غيرَ العقوقِ و صنّعت أربابا
همْ بالخُداعِ وكلِّ مكْرٍ حاقدٍ ...... برعوا بأحقرهِ فذاعَ نِصابا
شُذَّاذُ آفاقٍ و ألقتْ خُبثها ...... كلُّ الشعوبِ بِرحْلِنا سُلّابا
أوَ ذَنْبُ أوطانٍ نقاءُ سريرةٍ ....... حتى استضافت في الزمانِ ذئابا
لا وهْمَ في خيرٍ يؤمّلُ مرّةً ...... في العَوْدِ بلْ تلدِ الكلابُ كلابا


يا ويحَ قلبِكَ و المشاهدُ غضَّةٌ ...... ما زالَ لاذِعُها يشبُّ رُهابا
نارٌ تشقُّ الليلَ بينَ ضلوعِها ....... وتغذُّ في طلبِ المزيدِ رِكابا
قدْ دمّرتْ وجهَ الحياةِ بِليلِةٍ ..... فجعتْ قلوبَ و شتَّتْ أحبابا
كمْ منْ جرائِمها تخفَّى سيرةً ..... ألقواْ عليها جُنَّةً و حِجابا
أخفواْ عنِ الدنيا حصائدَ غِلِّهم ...... وَلَوِ اطَّلعتَ لما رَجَوْتَ ثوابا
همْ يدَّعونَ إبادةً في أَمْسِهم ...... "هُلُكسْتُهم" كانتْ بنا ألعابا
لو أدركَ النازيُّ نصفَ حَريقِهم ....... ما كانَ أبقى نُطفةً وَ ثِقابا
تلميذُهم إبليسُ في طغيانِه ..... وإذا استزدتَ لما حَصرتَ عُجابا
والشرُّ موروثٌ محاملُهُ هَوَتْ ..... كالخيرِ شعَّ موسّداً أصلابا
لا ثبَّتَ الجبّارُ في أنسالِهم ...... مُضَغاً ولا أبقى لهمْ أنسابا

يا قومُ ظنّوا ما أردتم إنمَّا ...... سنعودُ مهما طالَ عهدُ وغابا
سنعودُ للأوطانِ إنا روحُها ..... وتعودُ فينا بهجةً وشَبابا
ما طارَ طيرٌ في السماءِ وعشُّهُ ..... يسلاهُ حتى لو حَبوهُ سحابا
وطني على الباغينَ سمٌّ موغلٌ ....... لَفَظَ البغاةَ ومزَّقَ الأغرابا
فاستقرئوا التاريخَ في أشباهِهم ...... واستنطقوا إمّا ترونَ تُرابا
مالي سوى أمَلٍ بربٍّ أكرمٍ ....... وبفتيةٍ كالروحِ هبَّ حِسابا
تمشي على جسرِ الفداءِ بهمَّةٍ ....... وتطيرُ في ساحِ الوغى طُلّابا
بَذَلتْ وما تغلي سوى مهرٍ به ...... قدْ قدَّموهُ ببابها خُطّابا
هذي فلسطينُ التي ما بارحتْ ...... وطنَ النسّورِ تزيدُنا أسرابا
مهما أقامَ الظلمُ فجرٌ قادمٌ ....... والمجدُ دربٌ ينتقي أسبابا

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية