حادثة الجهراء كانت قبل أسبوع .. ويتأخر الشعراء أحياناً لأداء الواجب - تهنئة .. عزاء - حتى يكون عزاؤهم شعراً مصففاً .. يخلّد ذكر الحادثة إلى أجل غير مسمّى.
القصيدة بعنوان "هـُــلـُــكـُــسْت الجهراء"، ولي تعقيب عليها في الآخر.. حيث سأوضح بعض الرموز والاستشهادات المستخدمة في القصيدة :)
لا الدمــعُ يطفـــــؤها وليس بكـــائي *** لا المعصراتُ المرضـعـــاتُ المــــاءِ
لا سيلُ أهل الجنــــتيــن عرمـــــرم *** لا مــــوجُ نوحٍ مغـــــرقِ البــيـــداء
لا البحر إن هاجت عواصفُ موجِـهِ *** يطفي ضـرامَ فجيعــــــةِ الجهــــراء
فرزيةُ (الهُـلُـكــُستِ) في جـهـراءنا *** ليس السمــــــيع بأمــــرها كالرّائي
في قَـعْــر مـحرقة كأفـــظـع مشهـــدٍ *** لا يرتجــــــيه الفــــظُّ للأعـــــــداء
ولقد دخــــلت خيـــامهــا فرأيت ما *** قد خلته لجـــهـــنـّــم الحــــــــمراء
حيث الجحـيم تســعــــرت نيــرانها *** تـُـــذكى على الأطــراف والأعضاء
تـُشوى بها الأبــــدان حتى تستوي *** كالطــيــر يــنضـجُ لحمُــه بشـــواءِ
فيها الوجــوه تكأحلت.. فتـــفحمت *** ماذا بــقــى بمــــــلامح الحســناءِ ؟
كُــبـــْــكــِـبـْنَ فيـها لا ذنوبَ أتينها *** إلا الســـرورَ بــليــلة بيـــضـــــاء
وهناك تصـْـــطرخُ الأمومـــة ربنا *** طــفلي أمـــامي واللهـــيب ورائي
قسماً لعمري ليس ذاك أحــــرُّ من *** نارِ الفـجيـــعة في لظى أحشـــائي
فلأجــــلِ ذاك أســـحُّ سيل مدامعي *** ويهـــيج بالصــوت الرخيمِ بكـائي
وأنـــوح في وضح النهار تثــــلّما *** وعلى مقـــام صــــبا أجــرّ حدائي
لو دمعــــتي سقـت التراب لأنبتت *** ورداً ينــكــــّسُ رأسه بشــــقـــاءِ
لو كـــان حـــزني ملبــسٌ لنزعته *** لكـــنه جـــلـــدي وليــــس ردائي
فالـــنـار ناري والمصيبة في فمي *** والحـزن حزنـــي والبـلاء بلائــي
والأم أمــي والــفتــاة أُخــيّــتــــي *** والأهل أهلـي والـــنساء نـســـائي
وأصيح والإيمـــان يحـجُمُ عبـرتي *** وأنــــوح والصـبر الجميل عزائي
فعـــلى ضرائحـــهنّ أقــرأ فاتــحاً *** ولهنّ في الثــلث الأخــير دعـائي
حسبي بها حبُ الرســـول وآلـــه *** وهـــو المجيــرُ وســيدُ الشفــعاء
وكــــأن ربي في القيـــامـة قـائــلٌ *** يا نـــارُ بـــرداً إنّهم عتــقـائــي
لا تلــتقي ناران في الدارين فــــاْد *** خلن الجنانَ على خـطى الشهــداء
----------------------------------------------------------------------------------------------
توضيحات بسيطة على القصيدة .. وإن كنت قد اجتهدت في تبسيط ألفاظها؛ تضمنت القصيدة استشهادات ورموز قرآنية كثيرة مثل:
المعصرات = السُحُب المثقلة بالماء .. وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً
سيل أهل الجنتين وهو سيل قوم سبأ الذي ورد في سورة سبأ
وموج نوح = وحال بينهم الموج فكان من المغرقين .. سورة هود
كبكبن فيها = استشهاد من الاية في سورة الشعراء .. وكبكبوا فيها هم والغاوون (لي توضيح عليها في الاخير)
البيت الذي يقول: وهناك تصطرخ الأمومة ربنا مقتبسة من سورة فصلت في قوله عز وجل : وهم يصطرخون فيها ربنا
البيت قبل الأخير : يانار برداً .. فهو ايضاً استشهاد من سورة الانبياء : يانار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم
عنوان القصيدة .. الهلكست .. أعني بها محرقة الهولوكوست .. وهو مصطلح تم استخدامه لوصف الحملات الحكومية المنظمة من قبل حكومة ألمانيا النازية وبعض من حلفائها لغرض الاضطهاد والتصفية العرقية لليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية.
ذكرت في القصيدة شطراً : وعل مقام صبا اجرّ حدائي
المقام .. مفرد مقامات .. وأعني المقامات الموسيقية .. وهو علم الانغام والالحان الموسيقية .. وهناك مقامات كثيرة .. منها مقام الصبا .. وهو نغم حزين جداً .. يستخدم دائماً في المقاطع الانشادية و الغنائية الحزينة .. كما يستخدمه القرّاء في قراءة ايات العذاب وذكر النار
أما البيت الذي أقول فيه : فعـــلى ضرائحـــهنّ أقــرأ فاتــحاً *** ولهنّ في الثــلث الأخــير دعـائي
الضرائح هي القبور .. وأقرأ فاتحاً أقصد قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة .. لا غير ذلك :)
وقد يتألم البعض لبعض المشاهد التي وصفتها في الابيات .. كمشهد تفحم الوجوه وشواء الابدان .. لم اذكرها لاثارة المشاعر - وإن كان الشعر غرضه مخاطبة المشاعر - لكني ذكرتها لتخليد ذكر الحادثة .. واسمعوا إن شئتم قصائد عبدالرحمن العشماوي الذي يذكر مشاهداً دمويةً أكثر من هذه عندما يصف مجازر المسلمين في البوسنة والهرسك وفلسطين.
وقد يتألم البعض كذلك من استخدامي لوصف نار جهنم لأصف فيها الحادثة (كبكبوا - يصطرخون فيها ) .. طبعاً هن بعيدات عن نار جهنم بإذن الله .. وقد دعوت لهن بالعتق من نار الاخرة في ختام القصيدة .. لكنّ جمال القصيدة يكمن في التصاوير والاستعارات والمبالغات في الوصف .. فكما قيل : أعذب الشعر اكذبه .. وإلا لكان كلاماً عادياً ولا يعد شعراً
أتمنى أن تكون أعجبتكم القصيدة .. وأقدم عزائي لأهل الجهراء