شوقي إلى فتح الفتوح  رهيبُ

لأكاد من فرط الحنيـن أذوبُ

وعلى الحدود أخوّتي مجروحة

وعلى بلادي النائباتُ تنـوبُ

**

وعلى الخدودِ تأسُّـفٌ يجتاحنـي

والدمعُ خَلَّفَ في الفـؤادِ  نُدُوبـا

يا قدسُ طالَ البُعدُ وانْفَطَرَ العـلا

فمتى أراني مـن ثَـراكِ  قريبـا

بانَ الهلالُ، متى يُشعشعُ  نـورُهُ

بـدرًا يُجَلّـي أُفقَنـا المصلوبـا

كـم أرّقتْنـا سكـرةٌ  وضميرُنـا

قد غارَ في عمقِ الدُّجى محجوبـا

وكرامةٌ جُرحَـتْ وأفـقٌ  نـازفٌ

والرأسُ كـان مُطأطِئًـا مغلوبـا

لكـنَّ جيـلَ الفاتحيـنَ  مزلـزِلٌ

أرضَ الطغاة، فمَن يَرُدّ غضوبـا؟

سأرى العدوَّ على أسنّة  ثورتـي

وعلى سياط كرامتـي  مرعوبـا

وأميطُ عن زيتونتي هـذا الخنـا

وأضخُّ مـن إشراقتـي  يعبوبـا

بدمي أضيءُ على المكارِهِ غُوطتي

وأخطُّ في هـذا الظـلام  دروبـا

إنّي على أبوابِ قُدسكِ يا دمشــ

ــق مجاهـدٌ والدهـرُ كـان رقيـبـا

 

تونس

وبذرتُ بذرةَ ثورتي في  تونسٍ

وسقَيْتُها والطينُ كان خصيبـا

وعجبتُ لمّا أثمرَتْ في لحظـةٍ

قلبًا على هذا الغباءِ  غضوبـا

فقطفْتُ من ثمراتِها وغدوتُ في

عامٍ أفيضُ على الشبابِ  قلوبا

فَجَرَتْ بكلّ عروقِنا  صَيْحاتُهـا

وتفجّرتْ فوقَ البـلادِ  هُبوبـا

 

مصر

فزعَ العجوزُ وصارَ يَهذي  قائلا:

وَلَدي لكُمْ خيرُ الطّغاة  نصيبـا

ومضى يَصُبُّ بنيلنـا أرواحَنـا

حتّى غَدَا من قُدْسِها  مرعوبـا

والنيلُ يسقي مصرَ حتّى أُتْرِعَتْ

همًّا ويَنْثُرُ في الجنائـزِ طِيبـا

والشرُّ يجلِـدُ أُفْقَنَـا وسياطُـه

رَسَمَتْ على أحلامِنـا التّعذيبـا

لكنّ في الإيمانِ سرُّ  صمودنـا

وأشعّةٌ تُجْلي الدُّجَى  المكذوبـا

وتزَيَّنَ الميْدانُ مُبْتَهِجًـا وقـد

صَبَّ الشبابُ على اللهيبِ لهيبا

فانْهارَ هذا الشّيبُ من تكبيرهم

والسّجنُ أحرى أن يكونَ  مَغِيبا

 

ليبيا

سَخِرَ الجنونُ وقال إنّي غيرُهم

أنا ثائـرٌ لمّـا أزلْ  محبوبـا

مَلِكُ المُلوكِ وذا كتابي ثـورة

في عالم لا يَقْبَـلُ  التّجريبـا

والشعبُ حاكمُ نفسِه،  بُتْرُولُه

مِلْكي فإنّي أُحْسِـنُ  التّنقيبـا

فأفاقَ من هَذَيَانِه قَلِقًـا علـى

صيحاتُ شَعبٍ أَبْطَلَ التّكذيبـا

واستأجَرَ الشيطانَ كي يغتالَهم

والشعبُ لمّا يُتْقِـنِ التّدريبـا

عشرونَ ألفًا أو يزيدُ  دماؤُهم

سالتْ لتجرفَ صائلًا مجذوبـا

كانت نهايةُ أمرِهِ فـي حُفْـرِةٍ

تَعِظُ اللبيبَ وتُسْكِتُ  التّأنيبـا

 

فاصل

ذهبَ الثلاثةُ في أذلِّ  نِكايةٍ

مَنْ بَعدَهم قد يستذلّ شعوبا

يا أيُّها الحكامُ كم ذا  عِبرةٍ

تُرِكَتْ فلم تُدْرِكْ هناك لبيبا

 

اليمن

لم يتّعظْ كرسـيُّ رابعِهـم  بهـم

ومِزاجُـهُ قـد هـدّنـا تقليـبـا

فَهَوَتْ عليه من المآسـي زفـرةٌ

حَرَقَتْهُ إنّ على الصـدورِ  لهيبـا

نهرُ الدماءِ مضى عليهـم مُثْقَـلًا

والبَغْيُ يَسْحَقُ حُلْمَهُـم  تغريبـا

فَهَوَتْ عليه من المآسـي زفـرةٌ

حَرَقَتْهُ إنّ على الصـدورِ  لهيبـا

نهرُ الدماءِ مضى عليهـم مُثْقَـلًا

والبَغْيُ يَسْحَقُ حُلْمَهُـم  تغريبـا

والآن قد هَـرَبَ الظـلامُ مُؤَمَّنًـا

ودمُ الضحيةِ لم يَـزَلْ  مَصبوبـا

يا شؤمَ من قد أثخنوا في أرضِنـا

ثـم استقالـوا يطلبـونَ هروبـا

هيّا اهربوا من قبضتي نحو الردى

واستشرِفوا يومًـا أراه  عصيبـا

يومَ الحسابِ فلا سياسَـةَ عنـدَه

تُنجي الطغاةَ وتُفْلِـتُ  التّخريبـا

 

سوريا

يا ربُّ إنّ نساءَنا في الشام قـد

أدْمَيْنَ قلبي وانفطـرنَ  وجيبـا

أطفالُنا أدركْتُ مـن صرخاتهـم

وعيونِهِـم قبـلَ الأوانِ مشيبـا

وإليكَ أشكو مَن تَرَاخَوْا عن دمي

وأبَوا إذا حَمِيَ الوطيسُ رُكوبـا

أرْسَلْتُ للشام الأبِيَّـةِ دعوتـي

واللهُ خيـرُ السامعيـنَ مُجيبـا

والجامعُ الأُمويُّ يَعْرِفُ نجدتـي

لم أخشَ في حبِّ العُلا  التأنيبـا

من ذا يَبِيْتُ على الغَبَاءِ مسَفِّهًـا

نَجْمي ويجمعُ للسّحابِ الطُّوبـا

أو من يهدّد بحري المُهْتـاجَ

أومن يَسْتَحِثُّ إلى الجبالِ خُطُوبـا

فأنا الشهيدُ أبيعُ رُوحي طائعـا

ما كان سَعْيِي في الرّدى مَرهوبا

أعلو وأسْتَبِـقُ الحيـاةَ مُلبِّيـا

أَمَلـي إلـى أُفـق أراهُ رحيبـا

أَمْضي وأحْمِلُ للأسيرِ مروءَتـي

وأضمُّ نفسًـا للقـراع طروبـا

إن القصاصَ لنا حياةٌ مَنْ عَـدَا

يُعدَى عليه كما اعْتَـدى تأديبـا

إيهٍ دمشقُ من الشجـون فإنـه

ما زال فـي شرياننـا مرغوبـا

ودمي المراق على الربيع مضمِّخٌ

أمسي ويَكتبُ للطُّغـاةِ غُرُوبـا

 

القدس

يا قدس يا مسرى النبيِّ تهلّلي

سأميطُ عن عينيكِ ذا التَّعْصيبا

وأردُّ بسمَتَكِ البهيَّـةَ تعتلـي

هذي المآذن والنّدى  المسكوبا

 

 

يا تونس الخضراء يا مصرَ النّدى

هيّا اسكُبا فوقَ القبـورِ  الطيبـا

يا ليبِيا يا شامُ يـا يمـنَ الجَـدَا

يا قدسُ حيُّوا نحريَ المخضوبـا

إنّي ارْتَقَيْتُ إلى إلهـي  أرتـوي

مـن حُبِّـهِ أنْعِـمْ بـهِ محبوبـا

 

 

التدقيق اللغوي لهذه القصيدة: أفنان الصالح.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية