إلى أحِبّائي وَأصْدِقائي؛ القَريبِ منْهُمْ والبَعيدِ..
إلى قُرّاءِ العَرَبيَّةِ وَمُتَذَوِّقي الشِّعْرِ العَرَبيِّ..
أُهْدي مَوْروثيَ الشِّعْريَّ المُتَواضِعَ عَلى نَهْجِ منْ وَصَفَ شُعَراءَ الكِلاسيكيَّةِ بِأصْحابِ (النَّصِّ المُغْلَقِ عَلى إعادَةِ المَوْروثِ).
وَلا أرى في ذَلِكَ ضَيراً، فَلِكُلٍّ نَهْجٌ، وَلا أراني وَقَدْ نَبَضَ فيَّ وَهْجٌ إنْسانيٌّ يُتَرْجِمُ نَفْسَهُ إلى سُطورٍ، إلّا وَقَدْ كَتَبْتُ قَوافيَ لَها صُدورٌ وَأعْجازٌ، مَوازينُ وَبُحورٌ..
لِذا اخْتَرْتُ لِهَذا الجُهْدِ الإنْسانيِّ المُتَواضِعِ عُنْوانَ (بَذَرْتُ لِأيّامي)، وَأنا أرى أنَّها قَوافٍ منْ عَصْرٍ آخَرَ غَيرِ عَصْرِنا اللّاهِثِ الوامِضِ كالبَرْقِ في سُرْعَتِهِ، والَّذي أسْبَحُ فيهِ بِروحي وَفِكْري، وَأُحاوِلُ سابِقَةً إيّاهُ لِأبْعَدَ منْ حُدودِ الزَّمانِ والمَكانِ، بِنَفْسٍ تَميلُ لِلتَّفَكُّرِ والرَّويَّةِ، تُحَلِّلُ بِأناةٍ، مُتَأمِّلَةً مُسْتَهْجِنَةً ما يَجْري منْ حَوْلِها بِديناميَّةٍ واسْتِهْلاكيَّةٍ مُفْرِطَةٍ لا تواكِبُها طاقَةٌ، وَلا يَسْتَوْعِبُها جَسَدٌ مَحْدودٌ.
نِداءُ القَوافي
أقَوافيَ الأشعارِ هيّا واجْدُلي
لِضَفائِرِ الكَلماتِ منْ شِعْرٍ شَجي
وقِفي قَليلاً يا لَها من زَفرةٍ
وترنَّمي السَّبَحاتِ من قطْفٍ وَفي
ولْتَمْسَحي الأيّامَ من دَمْعِ الدُّجى
كَي يُسْعِدَ القَسَماتِ نوْرٌ عَسْجَدي
أتُراكِ قدْ أضْناكِ يا أُنْشودَتي
زخْمٌ منَ الآهاتِ مَكتوبٌ شَقي
وتُراكِ يا جسْمي نحَلْتِ بِعِلَّةٍ
قَدْ صِرْتِ منْها مثْلَما الطُّهْرُ النَّقي
ودأبْتِ يا نفْسي على طولِ العَطا
فلْتَهْنَئي يا روحُ بالسِّلْمِ السَّخي
فَلْتَحْنُ عَقْلي لا تَسَلْ عَنْ كُنَيَةٍ
مَجْهولةٍ للعِلْمِ، بارِئُها العَلي
وكَفاك قَطْراً من عَذاباتِ الأسى
فمنابِعُ الرَّحَماتِ كَنْزٌ سَرمَدي
وطَلاوَةُ الأقْدارِ تصْبُغُ مُهْجَتي
تصْفو لِمنْ يصفو وتجْفو للأبي
أقَوافيَ الأشْعارِ هيّا فانْطُقي
منْ أعْذَبِ الكَلِماتِ والجَرْسِ السَّوي
عودي إليَّ، تكلَّلي وجْهَ السَّنا
وَصِفي منَ النَّفْحِ الإلَهيِّ الهَني
لا تقْنَطي فالكَونُ لحْنٌ في المَدى
مُتناغِمٌ عَزْفاً كما الشَّدو النَّدي
وتَوارَتِ الأحْزانُ من أكمامِها
كَولادِةِ الأطْفالِ منْ عودٍ طَري
لا تنضُبي، لا تبخَلي، وتَكَلَّمي
وارْوي منَ الأغْصانِ مُخْضَلَّ الرَّوي
ولْتحتَوي عطْرَ الأماني دَوْحَةً
فيها القُطوفُ وذلِكَ العِقْدُ الثَّري
ولْتَسكُبي الأمْثالَ في أرْواحِنا
تسْمو بِنا الآمالُ للفجْرِ السَّني
ولْتَلثُمي السّاعينَ نحْوَ كَرامَةٍ
فعَطاءُ ربّي خيرُ ما يَرجو التَّقي
هلّا اكتفَيتِ أميرَتي بِبوادِري
ليعودَ لي شِعْري منَ الوادي القَصي
إلِى صَديقي الأبَديِّ.. القَلَم
هُدى قَلْبي رَفيقُ الدربِ يا قَلَمي
وبالألْفاظِ كالأثْمارِ في الشَّجَرِ
صَدى عَقْلي حَليفُ الخَطِّ في وَرَقي
ضَميرُ النّورِ إنْ آَمنْتَ بالقَدَرِ
خُطى الأيّامِ والتّاريخِ يسمعُهُ
بهاءُ السَّمعِ إنْ ترجمْتَ للبصَرِ
ذُرى الأصْحابِ قدْ بوركْتَ يا قَلَمي
فَفيكَ العِزُّ إنْ توِّجتَ بالدُّرَرِ
رسولُ النُّبلِ والأذهانِ في صُحُفي
ترى فيهِ كِتاباً حُفَّ بالسّوَرِ
حَقَيقَةُ الذّاتِ
بَحَثْتُ لِذاتي حيثُ جالَتْ بِلحْظَةٍ
أعودُ بها للسّائِلينَ رَقيقَةً
عَمِلْتُ بِها حيناً فراحَتْ حَثيثَةً
تَشُدُّ رِحالَ العاملينَ رَفيقَةً
أشرْتُ لَها يَوماً فباتَتْ لِغايَةٍ
تَحُضُّ عُبابَ العاجِزينَ صَديقَةً
أضَفْتُ لَها عَزْماً فصارَتْ سَريرَةً
تُعيدُ لِكُلِّ التّائِهينَ وَثيقَةً
وقُمْتُ بِها يَوماً بِودٍّ وَهِمَّةٍ
فَزادَ ادّخاري واكتَمَلْتُ حَقيقَةً
(الإهداءُ) إلى كُلِّ منْ عَمِلَ مَعي في المجالِ التطوُّعيِّ.
حِكايتي وسَلامي
سَكِرَ الزَّمانُ وجالَ يوقِظُ وَحْدَتي
وَسَرى اضْطرابي في حِمى أطْواري
وتوقَّدَتْ حَيرى فُلولُ كَآبَتي
وتوجَّعَ الأزَلُ الرّهيبُ جِواري
وإذا الوجودُ وقدْ تكلَّم صامِتاً
وحَوى الخَلاءُ بِوحْشَةٍ أشجاري
وسَرى التَّمَلْمُلُ حيثُ أرْهَقَ جَوهَري
ودَعا لِداعٍ تاهَ عَنْ تَذْكاري
ما بالُ صَحْوي يجْتدي أنْشودَةً
ما بالُ عَدْوي سابقاً أفْكاري
هيّا ارْتَقِ الآَنَ الأثيرَ سَكينةً
أعْشاشُ ما بلَغَ المَدى أطْياري
حَلِّقْ إذا اجتازَ الزَّمانُ بعَصْفِهِ
وَدَعِ الصَّحارى، وانتَهِجْ آَثاري
رَشْفُ الحَياةِ حِكايَتي بِفضائِها
وسَلامُ روحي لاحَ في أوْتاري
يا نورُ هيّا، قوَّتي بِكآبَتي
نَسَقُ الجَمالِ يصوغُ لي أسْراري
مِنْ ديوان: بَذَرْتُ لِأيّامي