حين يعلن مؤشر الوقت..
ساعة الصفر في حساباتها الكونية ...
تنزوي عادة في نفس المكان..
بذات الرداء
وذات الرائحة
لا ترى فرحا في عينيها
لا تقرأ حزنا
النظرة مستقرة ..تتجه نحو الداخل
كأنها في حالة سفر
او موت مؤقت
وحده القمر ...في حالة اكتمال في هذا الكون
وما عداه ..أشياء وأشلاء يعتريها الترهل و النقصان
وحده القمر ...من يملك الحق ان يشاركها طقوس التأمل تشعر بقربه ..بقوة داخلية ..
تعينها على الغوص .. اكثر ..فاكثر
إلي ذاك العمق الذي يتشرب دقائق حياتها .. منذ لحظة التكوين
الأخضر واليابس
الحلاوة والمرارة
الحب واللا حب
الفرح والألم
الأمل واليأس
المطر والجفاف
....................
...................
وفي ذاك العمق...تبدأ بالتحول الى حوريه ..
تملك في يدها مفاتيح لا عدد لها
لصناديق مغلقة .. ملقاة في القاع..بنظام دقيق ..
يشبه أنظمة الشعوب المتحضرة..
هناك ...تحس أنها ذاتها ...
الحاكمة بأمرها
الناهية
الجلاد والقاضية
هناك تفرغ ذاكرتها بأدق التفاصيل على منصة مصنوعة من رخام اللحم ونخاع العدم
تستدعي كل الوجوه التي تعرفها ..من قريب او بعيد
تخلع حواسها التسع
تخلع نقيض الأحاسيس
ثم تطلب من أناها المثول أمامها..
وجهها .. صفحة بيضاء لم تلونه شمس ولم يمرغه قلم
قلبها .. ينبض بحياد تام ..كأنه الزمن الفار من فجيعة الوقت
جسدها ... يقف منتصبا .. كالصارية في مرفأ السكون المطلق
أنفاسها منتظمة ...هادئة .. كنغم دافئ آت من بعيد ..
وحين يكتمل النصاب القانوني للجلسة
تبدأ المحاكمة
تفتتح الجلسة ..بأقوال أناها ...
على مرأى ومسمع الحضور
تبدأ بسرد الوقائع من لحظة الميلاد
بكل الشخوص الأمكنة
بالزمان ..والأحداث و الأحاسيس الممكنة ..و اللا ممكنة

ثم تستدعى الوجوه الحاضرة والوجوه الحاضرة الغائبة ..
وجه يستنطق الآخر..
ووجه يستنطق وجهه ..
ووجه يستنطق وجهها ..ووجه لا يتعرف على وجهه
وتسمع أقوالهم
وتدونها في دفتر المحضر..
ثم تستدعى الحواس التسع .. كشهود عيان
يصطفون أمامها كالعسكر
• الأذن ... تشهد بما تسمع .. دوي كان ام همس .. وتفتح جحيم الاسئلة .. كيف ومتى .. وما قيل ومن قال .. تصف النبرة وما يعتريها من انفعال يعلو يخفت.. يدنو يتباعد ..يرق يجش يحنو يحتد.. أو انه كان رجع لنداء لم يلقى رد
• العين تشهد بما رأت "إلا الحب" ..... لأنها تقتات بالصور وما تعكسه المرايا .تفضح وتتستر، والعين تعشق وتدمع ترق وتتحجر .
• اللسان يشهد بما تذوق وما نطق إن كان شهدا أو مرارة .. ولانه يعشق سرد التفاصيل..فإنه يسهب في وصف ما يكره وما يستطيب ..يشهد بلذة الأشياء. ..ويشهد أن طعم الملح هو الأشهى وان القبلة هي الحياة
• الأنف يشهد بعبق الرائحة ...التي اغتالت شهيقه .. واستقرت كرصاصة محفورة في رئة الذاكرة.. سيان إن كانت عطرا يتضوع من فاتنة أو وردة أو دخان .
• الكف تشهد بما أوكت يداها واقترفت ..ودونت .. ولامست وان كان سراب
• والقلب : يشهد بإيقاعه الداخلي الذي لا ينتهي .. يشهد بتسارع النبض فيه وتباطئه ..يشهد بالانقباض والانفراج بالهداية و الضلال ويشهد أن لا حب إلا بالعذاب.
• -والجسد يشهد بالنزعات والرغائب.. ويشهد بان الشهقة التي تند منه تنفض عن كل البشر غبار الانتظار.. والجسد ينحل يذبل يمتلئ ويتورد ، يجلد و يقتل غير أن مسامه لا تتبدل .
• والعقل يشهد بالحكمة والفكر والمنطق ويشهد انهم قد وقعوا في شرك خبر كان..وانه عفى عنهم الزمان في زمن الرصاص الغادر والقنابل العنقودية التي لا تفقه معنى الحكمة ..
• أما الشاهد التاسع . فلم يدلي بشهادته ولم يسمع منه خبر

بعد سماع الشهود
ترفع الجلسة للنظر ...
يغادر الجمع المكان
تسمع انغلاقه الباب ...
ومن خلفه تتراءى
وجوه يغشاها الضباب
وجوه لقضاها تنتظر
وجوه تحتضر
ووجوه تتمنى الغياب ..
وجوه تكفهر
ووجوه تبتهل
***
في خلوتها
تجمع الحكايا والصور
تعرضها كشريط سينمائي
تحث النظر
تختزن المشاهد وتستعين بتفاصيل الحوار
حتى تتكشف الحقيقة ..من ركام الزور
فتنساب أمامها صافية مضيئة
كالبللور
حينها
تشرع الأبواب على وجه تعلوه الراحة
وجه أزيل عنه صدأه
فالحقائق الباهرة .. تضيء ظلمة الروح
وتنطق بالحكم الأخير

تأمر بفتح كل الصناديق ...
هنا يرقد الزيف
هنا يصفع الكذب
هنا تدفن الأحقاد
هنا تحرق الوجوه التي مات فيها الحب
هنا يسجن الظلم
هنا تقتلع الأشواك
هنا تستأصل المرارة
هنا يخدر الألم ..
هنا يوأد اليأس
هنا يجلد الشر
هنا يذاب العذاب
وهنا تقطع الغيرة
وهنا...
وهنا ....
وهنا ..
وحين تنتهي
تطعم صناديقها للنار...
وترقص رقصتها الأخيرة
على أنغام اللهب
تحس أنها نرجسة
بدأت
تزهر من جديد

***
وحين يلمحها القمر
.ينزوي
يغادر مداره
يدرك انه قد آن أوان الرحيل
ما دام على الأرض قبسا من ضياءه
يسكن وجه تلك المرأة الباهرة

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية