قصة خيالية من الثرات الإنكليزي
ترجمة: علي ناصر
في يومٍ مِنَ الأَيَّامِ ، كانَ هنَاكَ سيِّدٌ غَنِيٌّ جِدَّاً ، و كانَ له ثلاثُ بناتٍ.
في أَحد الأَيَّامِ ، أرادَ معرِفَةَ مَنْ مِنْهُنَّ معجبَةٌ بِهِ ، و تُحبُّهُ أَكثر! فسألَ البنتَ الأُولى : كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟
أجابَتْ: أُحبُّكَ قدْرَ محبَّتي لِنفسِي.
قال: هذا جيِّدٌ.
و سألَ البنتَ الثَّانيةَ: كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟
أجابت : أُحبُّك أكثرَ من أَيِّ شخصٍ آخرَ في العالمِ.
قال: هذا جيِّدٌ. و سألَ البنتَ الثَّالثةَ: كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟
أجابت: أُحبُّكَ قدْرَ ما يُحِبُّ اللَّحمُ المطهوُّ المِلحَ.
غضِبَ الأَبُ كثيراً ، و قالَ لابنتِهِ الثَّالثةِ: أَنتِ لا تُحبِّيني على الإطلاق! لذلك لنْ تعيشِيَ في هذا البيتِ بعدَ الآنَ، هيَّا اخرُجي من بيتِي و لا تعودي إليهِ ثانيةً.
و هكذا طُرِدَتِ البنتُ الْمَسْكينةُ منَ البيتِ ، و خرجتْ بعيداً ، تَمشي بين الحقولِ ، تمشي ، و تمشي ، بين الحقول، حتَّى وصلَتْ إِلى ضفَّةِ نهرٍ جارٍ .
هناكَ جمعَتْ بعضَ القَشِّ ، و صنعَتْ مِنْهُ عَباْءَةً كبيرةً ذاتَ قُبَّعَةٍ ، و هكذا صارَ بِإِمكانِها تغطيةَ جسمِها منَ الرَّأْسِ حتى القدمَينِ بالقَشِّ الذي حاكَتْهُ بيديْها و غطَّتْ بِهِ ثوبَها الجميلَ ، حيثُ لا يمكنُ لأَحدٍ أَنْ يراهُ أَبداً.
ارتدَتْ الفتاة ُ النشيطةُ العباءَةَ ذاتِ القُبَّعةِ و تابعَتْ سيرَهَا طويلاً ، حتَّى وصلَتْ إِلى قَصرٍ كبيرٍ، تحيطُ بِهِ الحدائقُ الْخَضراءُ ذاتُ الأَزهارِ الجميلةِ الملوَّنَةِ.
دقًّت على البابِ و سَأَلَتْ : هلْ تُريدُون خادمةً؟ هل تحتاجُون خادمةً؟
أَجابُوا : لا ، لا نحتاجُ خادمةً .
فقالَتْ متوسِّلَةً: ليس لديَّ أَيُّ مكانٍ آخَرَ أَذهبُ إِلَيْهِ ،دعُوني أَعيشُ معَكُمْ أرجوكم ، أستطيعُ القيامَ بِأَيِّ عملٍ تريدونَ، و لا أُريدُ لقاءَ عملِي مالاً.
قالوا: حسناً ، يمكِنُكِ البقاءَ لدَينَا مقابلَ تنظِيفِ الأَواني و الصحون.
و هكذا بقِيَتْ الفتاةُ عندَهُم تُنظِّفُ الأواني و الصحونَ، و تُنَفِّذُ كافَّةَ الأَعمالِ الصَّعبَةِ الَّتي يطلبونَها منها .
و لأَنَّها لم تشَأْ إِخبارَهُم من هي و ما اسمُها ، أَطلَقُوْا عليها اسمَ " ذاتِ عَباءَةِ القّشِّ".
في أَحدِ الأَيَّامِ أُقِيمَ حفلٌ في قصرٍ آخرَ يبعَدُ قليلاً عنْهُم ، و سُمِحَ للخدمِ جميعاً ، و معَهُم ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ بالذَّهابِ للفُرجَةِ على السَّيِّداتِ الغَنِيَّاتِ اللاتي يأتين بأَحلَى الفساتِينِ و أَجملِ الثِّيابِ يتباهَيْنَ بِجمالِهِنَّ و بِتصاميمِ ملابِسِهِنَّ ،و على السَّادةِ الأَغنياْءِ الذين يأتون عادةً بكاملِ أناقَتِهم و يتحدثُوْنَ عَنْ ثَرْواتِهِم و أَعمالِهِمْ .
ادَّعَتْ ذاتُ عَباْءَةِ القَشِّ أَنَّهَا تَعِبَةٌ، و لا تستطيعُ الذَّهابَ إلى الحفلةِ ، فبقِيَتْ في البيتِ. و بعد َما ذهبَ الجميعُ و أَصبحَتْ وحيدةً ، خلعَتْ عَباءَةَ القَشِّ ، و نظَّفَتْ نفسَهَا بشكلٍ جيَّدٍ ، ثم انطلقَتْ إِلى الحفلِةِ ، للرَّقصِ بفُستانِها الجميلِ ، الذي كانَ أَروعَ فُستانٍ في السَّهرَةِ.
رَآهَا ابنُ سيِّدِهَا و هو شابٌ مهذبٌ و وسيمٌ ،فوقعَ في حُبِّها منذُ أَوَّلِ لحظةٍ، ولم يرقصْ معَ فتاةٍ سواها في السَّهرةِ.
و قُبَيْلَ انتِهاْءِ الرَّقصِ بلحظاتٍ غادرَتِ المكانَ بِسُرعَةٍ ، وَ عادَتْ إِلى القصرِ ، وعندَما وصلَ الخدمُ ادَّعَتْ أَنَّها نائمةٌ.
في الصَّباحِ التَّالي ،قالت لها الخادماتُ: كان عليكِ مرافقَتَنَا ليلةَ الأمسِ إلى حفلةِ الرَّقْصِ ، يا ذاتَ عَباءَةِ القَّشِّ.
فسَأَلَتْهُم: لماذا توَجَّبَ عَلَيَّ الذَّهابُ معَكُم؟
فقالُوْا: لماذا؟؟ لأَنَّ أَجملَ فتاةٍ في العالمِ كانَتْ هناك ، و لمْ يرفَعْ ابنُ سيِّدِنا عَينَيْهِ عنْها ، بلْ لَمْ يُراقِصْ فتاةً سِوَاهَا.
قالت : إذن يَجبُ أَنْ أَراهَا ذاتَ يومٍ!
قالُوْا: سَتُقَامُ حفلةٌ راقصةٌ أُخرى اليومَ أيضاً ، و قد تَأْتي إِلَيها ، فتَعالَي معنا لمشاهدتها .
عندما جاءَ المساءُ ادَّعَتْ أَيضاً أَنَّها تَعِبَةٌ و لا تستطيعُ مرافقَتِهِنَّ. و لكنْ بعد أَنْ أَصبحَتْ لِوحدِهَا في البيتِ ، خلعَتْ عَباْءَتَها ، و نظَّفَتْ نفسَهَا جيِّداً ، و ارتدَتْ فُستانَهَا الجميلَ ، ثُمَّ انطلقَتْ إِلى الحفلةِ الرَّاقِصَةِ.
مرَّة أُخرى رَقَصَ معها ابنُ السَّيِّدِ و لَمْ يرفعْ عَينَيْهِ عنْهَا، و قُبَيْلَ انْتِهاءِ الرَّقص تسلَّلتْ خارجاً ، و عادَتْ إلى القصرِ بِسُرعةٍ .
عادَت الخادماتُ و وَجَدْنَهَا نائمة! كانت تدَّعي أَنَّها نائمةً بالطَّبْعِ.
في صباحِ اليومِ التَّالي ، قالت لها الخادماتُ ثانيةً: كانَ عليكِ مرافقَتَنَا إلى حفلةِ الرَّقصِ يا ذاتَ عَباْءَةِ القَشِّ كي تُشاهدِي السَّيِّدةَ الجميلةَ ، لقد كانَتْ هناكَ اليومَ أيضاً، يا لها مِنْ فتاةٍ رائعةَ الجمالِ! لذلك لَمْ يرفعْ ابنُ السَّيِّدِ عينيه عنْها لحظةً واحدةً ، و لَمْ يُراقِصْ سوَاهَا.
قالَتْ ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ: كانَ عليَّ الذَّهابُ حقاً ، و لكنْ ما العمل؟
قالتِ الخادماتُ : حسناً ، ستُقامُ هذا المساءَ حفلةٌ أُخرى أَيضاً ، و قد تحضرُها تلكَ السَّيِّدَةُ الجميلةُ.
عندَ المساءِ قالَتْ ذاتُ عَباْءَةِ القَشِّ أنَّها تَعِبَةٌ كالعادةِ ، و بقِيَتْ في البيتِ، و عندما ذهبَ الجميعُ، خَلَعَتْ عَباْءَةَ القَشِّ ، و نظَّفَتْ نفسَها جيِّداً ثُمَّ ارتَدَتْ فُستانَها الجميلَ، و انطلقَتْ إِلى حفلةِ الرَّقصِ.
كان ابْنُ السَّيِّدِ صاحبِ القصرِ الذي تعيشُ فيه سعيداً جِدَّاً لرُؤْيَتِهَا ،فلم يرقصْ مع سيِّدةٍ سِواها، و لمْ يرفعْ نظرَهُ عنْهَا لحظةً واحدةً.
سَأَلَهَا مَنْ تكونُ و مِنْ أَينَ هي ، فلمْ تُجِبْ، أَعطَاهَا خاتَمَهُ الخاصَّ ،و قال لها: إِذا لَمْ أَرَكِ مرَّةً أُخرى سَأَموتُ منَ القهرِ بالتأكيد!
قبيلَ انْتهاءِ الرَّقصِ تسلَّلتْ ذاتُ عباْءَةِ القَشِّ دون أَنْ يرَاْهَا أَحدٌ ، عاْئِدةَ إلى القصرِ وارتدَتْ عَباءَةَ القَشِّ ، عندَما وصلَتِ الخادماتُ ادَّعَتْ أَنَّها نائمةٌ
في صباحِ اليومِ التَّالي ، قالَتْ لها الخادماتُ: لَمْ تذْهَبِي ليلةَ الأمسِ إلى حفلةِ الرَّقصِ يا ذاتَ عباءَةِ القَشِّ ،و لنْ يُمكِنَكِ بعدَ الآن رُؤْيةَ السَّيِّدةِ الجميلةِ ، لأَنَّه لَنْ تُقامَ حفلةٌ بعدَ الآن.
قالت : في الحقيقةِ كانَ عليَّ الذهابُ لرُؤْيتِها.
قامَ السَّيِّدُ الإبنُ بالتَّفتيشِ عَنْها في كلِّ مكانٍ ، لكنَّه لمْ يَعثُرْ علَيْهَا. سألَ جميعَ النَّاسِ الَّذينَ قابلَهُم دونَ فائِدةٍ ، فمرِضَ مرضاً شديداً ، و ساءَتْ حالتُهُ الصِّحِّيَّةُ يوماً بعدَ يومٍ ، حتَّى سقَطَ طريحَ الفِراشِ مِنْ شِدَّةِ الحُمَّى. فطلَبُوْا مِنَ الطَّاهِيِ إِعدادَ طبَقٍ مِنَ الكِشْكِ له.
كانَ الطَّاهي يقولُ و هُو في طريقِهِ إلى المطبخِ: "إِنَّهُ يموتُ بسببِ حُبِّه لِتلكَ السَّيِّدَةِ الفاتِنَةِ."
سَمِعَتْهُ ذاتُ عباءَةِ القَشِّ فسأَلَتْهُ : " ماذا ستطْهُوْ؟"
أَجابَ: سَأَطْهُو بَعضَ الكِشْكِ للسَّيِّدِ الشَّابِّ ، إنَّه سيموتُ بسببِ حُبِّهِ لِتلكَ السَّيِّدَةِ الشَّابَّةِ.
قالت له: دعْنِي أَفعلُ ذلِكَ بدلاً عنْكَ.
وافقَ الطَّاهي ، فَأَعدَّتْ ذَاتُ عَباءةِ القَّشِّ الكِشْكَ اللَّذيذَ المطبوخَ على فِراخِ الحمَامِ، و أَخذَتِ اْلخاتَمَ الَّذي وهَبَه لها سابقاً ، و وضعَتْهُ خِلْسةً (1) في طبقِ الكِشْكِ ، ثمَّ أَرسلَتِ اْلطَّعامَ معَ الطَّاهي إِلى غُرفَةِ السَّيِّدِ الشَّابِّ المريضِ.
أُعجِبَ السَّيِّدُ الشَّابُّ - رغمَ مرضِهِ- بالطَّعامِ اللذيذِ، فتناولَهُ حتَّى آخرِهِ، و حينَ انتَهَى مِنْهُ لاحظَ الخاتمَ ، فتعجَّبَ و استَدْعَى (2)الطَّاهي بِسُرعةٍ، و فورَ وصولِهِ، بادرَهُ (3) بالسؤال:" مَنْ أَعَدَّ الطَّعامَ؟"
ظَنَّ الطَّاهي أَنَّ الطعامَ غيرُ لذيذٍ ، و لم يُعجِبْ سيِّدَهُ ،و خشِيَ العُقوبَةَ ،لأَنَّهُ سمَحَ لِذاتِ عَباءَةِ القَشِّ بِإِعْدَادِهِ، فارتَعَشَتْ يداهُ ، و رجلاهُ و اصطكَّتْ أَسنانُه من الخوفِ ،و هو يقولُ مُتَلَعْثِمَاً بِصوتٍ مُرْتَجِفٍ: أَ..أَ..أَنَا يا..يا.. سيِّدِي!
نَظَرَ السَّيِّدُ بِغَضَبٍ و قال: قُلْ بِصَرَاحَةٍ ، مَنْ أَعَدَ طبَقَ الطَّعامِ و لَنْ أُعَاقِبَكَ.
قالَ الطَّاهي و قَدْ شَعَرَ بِشَيْءٍ مِنَ الطُّمَأْنِيْنَةِ: حسناً ياسيِّدي.. إِنَّها ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ.
قالَ السَّيِّدُ الشَّابُّ: حسناً ، أَحْضِرْهَا إِلى هُنَا فوراً.
و جاءَتْ ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ ، فَسَأَلَها السَّيِّدُ: أَأَنْتِ طَبَخْتِ الكِشْكَ يا ذاتَ عباءَةِ القَشِّ؟
أَجابَت: نعم.
سأَلَها ثانيةً:مِنْ أَينَ حصلْتِ على هذا الخاتمِ؟
أَجابَتْ: مِنَ الرَّجُلِ الذي أَعطَانِي إِياهُ.
سألَ السيِّدُ الشَّابُّ مُستغرِبَاً: إِذنْ مَنْ أَنْتِ؟
قالَتْ بِدَلَعٍ: سَأُرِيْكَ مَنْ أَنا.
و خلعَتْ عَباءَةَ القَشِّ ، و ظهرَتْ بِفُستانِها الجميلِ، و عرِفَ لِلتَّوِّ أَنَّها السَّيِّدَةُ الشَّابَّةُ الَّتي تعلَّق قلْبُهُ بِها.
و تعافَى السَّيِّدُ الشَّابُّ منْ مرضِهِ شيئَاً فشيئاً، و قرَّرَ إِقامةَ حفلِ زفافٍ عظيمٍ خلالَ فترةٍ قصيرةٍ ، و دَعَا إِلَيْها العديدَ منَ النَّاسِ، منَ الْمُدنِ والقُرى القَريبَةِ و البعيدَةِ ،لِحُضورِ العُرسِ ، و كانَ والِدُ ذاتِ عَباءَةِ القّشِّ مِنَ المدعُوِّينَ أيضاً.
قبلَ إِعدادِ مائدةَ الطَّعامِ الكبيرةِ للمدعُوِّين ذهبَتْ إِلى كبيرِ الطُّهاةِ و قالَتْ له: أَرجوكَ ، لا تضعْ مِلْحَاُ على أَيِّ طبقِ لحمٍ في الطَّعامِ.
أَجابَ كبيرُ الطُّهاةِ بِدَهشَةٍ: لكِنْ في هذِهِ الحالِ(4) لَنْ يكونَ لِلطَّعامِ أَيَّ مذاقِ !
قالَتْ : لا يَهُمُّ ، فقط افعَلْ ما طلَبْتُهُ منْكَ.
قالَ: كما تَشَائِينَ!
و هكذا بدأَ الضُّيوفُ بِتناولِ الطَّعامِ الخالي مِنَ الملحِ ، فلمْ يَجدُوا لَهُ طَعْمَاً ، و لا مَذَاقَاً مقبولاً.
جرَّبَ والدُ ذاتِ عباءةِ القّشِّ طبَقَاً مَنَ اللَّحمِ ، فلَمْ يجدْ له طعْمَاً لذيذاً ، و لا مذاقاً مقبولاً، ثُمَّ جَرَّبَ تناوُلَ شيءٍ ما مِنْ طبَقٍ ثانٍ ، ولمْ يجدْ أيضاً له طعماً لذيذاً أَوْ مذاقاً مقبولاً ، و جرَّبَ طبقاً ثالثاً ،و لم يجدْ له أيضاً طعماً لذيذاً أو مذاقاً مقبولاً ، فاكْتَشفَ أَنَّه لم يُضَفْ مِلْحٌ على أَيِّ طبَقٍ منْ أَصنافِ الطَّعامِ الملِيْئَةِ بِاللَّحمِ بِكافَّةِ طُرُقِ طَهْيِهِ. وضَعَ رَأْسَهُ بين كَفَّيْهِ ، و بدَأَ يبكِي بِصوتٍ عالٍ ، مِمَّا فاجَأَ الجميعَ ، حتَّى أَنَّهُم نَسُوْا مُشكِلَةَ الطَّعامِ غيرِ الْمُمَلَّحِ إطلاقاً، وأَسرَعَ إِلَيْهِ السَّيِّدُ الشَّابُّ و سَأَلَهُ: ما الأمرُ؟ قلْ لِيْ بِالله عليكَ، أَخفتنا يارجل!
قالَ و هوَ يندُبُ(5) كأُمٍّ فقَدَتْ طِفلَهَا: أَوَّاهُ ، أَوَّاهُ، يا لِتعاسَتِي و شقاْئِي، كان لي ابنةٌ سأَلْتُها يوماً كمْ تُحِبُّني ، فقالت :" أُحِبُّكَ بقدْرِ ما يُحِبُّ اللحمُ المطهْوُّ الْمِلْحَ" فطردْتُها من البيتِ ، لأَنَّني ظنَنْتُ أَنَّها لا تُحبُّني، و الآنَ فقط ، اكتشفْتُ أَنَّها كانَتْ تُحِبُّني أَكثرَ مِنْ أَختيها، انظروا جميعاً، أَلَمْ تَجدُوْا أَنَّ اللَّحمَ لا يُؤْكَلُ و ليس لذيذاً بدونِ مِلْحٍ، آهِ يا ابنتي أَينَ أَنْتِ الآنَ ، رُبَّما تاهَتْ في البراري أوِ الغاباتِ أو أكلَتْكِ الوحوشُ، آه يا ابنتي أينَ أَنتِ الآنَ!"
سَمِعَتْ ذاتُ عباءَةِ القّشِّ كلامَ والدِهِا فأَسرعَتْ إِليهِ و هي تَهتِفُ بينَ الحُضُورِ: لا ، لمْ تأْكُلْهَا الوحوشُ ، إِنَّها هُنا يا أَبِي ، إنها أنا.
و هرَعَتْ إِلى أَبِيها و عانقَتْهُ بِحُبٍّ كبيرٍ ، وضمَّها إِلى صدرِهِ، و باركَ زواجَهَا من السَّيِّدِ الشَّابِّ.
و هكذا عاشَ الجميعُ بِحُبٍّ و سعادةٍ.
_________________________
(1) وضعت الخاتم خلسةً : أي وضعته دون أن ينتبه إليها أحدٌ.
(2) استدعى الطاهي: طلب منه القدوم إليه.
(3) بادره بالسؤال: أسرع و سأله.
(4) في هذه الحال:نقولها أيضاً في هذه الحالة ، لأن كلمة "حال" مؤنثة.
(5) يندب: يبكي على الميت، أي كأنه امرأة تبكي على طفل لها قد مات.