" الأصدقاء الثلاثة "
بشـائر صـيف القاهـرة هذا العـام تنذر بطقس حـار . اشـتدت سـطوة الشـمس على الناس فجعلتهـم يتمنون لـو يقـضون شـهور الصـيف عـند شاطىْ البحر، إلا من ثلاثة أصدقاء : " عارف" و " أسامة " و " هانى " .فـور أن أعلنت النتيجـة , و نجحـوا فى شـهادة الإعدادية قرروا قضاء شهور الصيف فى مغامرة مثيرة.
كثيرا مـا قرؤوا عـن سـيناء على أنها أرض الفـيروز و أرض المعـارك. فـوق أرضـها كانت رحـلة العائـلة المقـدسـة و الفـتح الإسلامي والمعارك التاريخية .. آخرها معارك أكتوبر عـام 73 . و قبل ذلك كله حكايات العم "سـلامة" صديقهم الحميم و صاحب مكتبة الكتب القديمة التي كثيرا ما يشترون كتب التاريخ والروايات الجميلة والكتب العلمية المبسطة التي يحبها عارف. تحمسوا للفكرة و تحدثوا الى أسرهم طويلا ، لكن ما حدث كان مفاجأة للجـميع . فقد رفضت كل الأسر الفكرة , واجمعوا على أن أولادهم الثلاثة لا يمكنهم تحـمل مسئولية مثل تلك الرحـلة الشاقة الغامضـة .
لم يجدوا سوى حلا وحيدا, وهو مقابلة صديقهم "العم سلامة" و عرض المشكلة عليه . فهو المحارب القديم على أرض سيناء, و أن أصبح قعيد الكرسي المتحرك. أهم من هذا كله أنه صديق كل الأسر,و ربما ينجح فى إقناع أهاليهم .
"وصية العـم سلامة "
بدت فكرة الرحلة الى سيناء, و كأنها المصباح السحري فى القصص القديمة!.تحمس الأصدقاء و هم فى طريقهم الى صديقهم "العم سلامة" ,قال "عارف" :
" أنا واثق من رجاحة عقل صديقنا, ومن خبرته فى معاملة الكبار "
تابـع " أسـامة " حـزينا :
"أنا غير متفائل أبدا, أبى دائما يقول لي : " أنا أحبك, وأخشى عليك من المغامرة"
أما "هانى " فلم يعلق, واكتفى بأن يقذف تلك الصخر ة الصغيرة فى الهواء , و يقسم أنه كثيرا ما يراها تكبر وتطير عاليـة وكأنها طائر"الرخ" ,فيحملهم الى سيناء!
علق " أ سـامة " سـاخرا :
" يبـدو أن صـديقنا حـل المـشكلة بخـياله كعادتـه ...!!"
استقبلهم العم سلامة مبتسما وهو فوق المقعد المتحرك . يبدو مزهوا وسعيدا ببزته العسكرية و على صدره نجمة سيناء .ما أن لمحهم حتى أشار إلى مجموعة الكتب الجديدة التي وصلته .. إلا أنه لم يجد التحمس المعتاد منهم . ففهم أن هناك مشكلة!
فضل أن يتحدث وحده ,أن يقص حكاية إصابته فى معركة جبل المر:
"يقع جبل المر على بعد خمسة عشر كيلو مترا مـن قناة السويس.واستخدمه
العدو فى ضرب مدينة السويس. استخدموا مدفعا ملعونا أسميناه "أبوجاموس",
وهو مدفع عيار 155م و 175 مم ."
و تابـع صـديقهم الحكـاية ,شرح كيف هرب الإسرائيليون أمام قواتنا المتقدمة . وبعد انتهاء المعركة, شعر الجندي سلامة-صديقهم- بإصابته الشديدة !!
صمت الأصدقاء جعله يصرخ فيهم قائلا :
" بلا لف ولا دوران .. تحـدثوا فورا عن المشكلة التى تحزنكم "
تقـدم "أ سـامة" و قال :
" منذ حدثتنا عن سيناء, اشتقنا لزيارتها,لكن أهالينا ترفض الفكرة أصلا ...."
و قبل أن يتابعوا , أطلق القنبلة التى أذهلت الجميع , قال لهم :
" و أنـا معـهم أرفـض فكـرتكم ! يجـب أولا أن تدرسوا فكرتكم,
كيف سـتحققون الحلم و تنفذون الرحـلة ؟ ما هي الخطوات التنفيذية ؟"
ثم بدأ الحوار : "يجب يا أصدقاء أن تتعلموا كيف تدافعون عـن أفكاركم قبل أن تناقشوها مع الآخرين .. فشعر الأصدقاء بالراحة و اقتنعوا بكلمات صـديقهم ."
تحول الأصدقاء الثلاثة الى فريق عمل , بكل الهمة و النشاط كان البحث عن معلومة عن سيناء.. عن تاريخها و تضاريسها و مناخها و أهم المواقع
والمناطق بها و كذا كل المزارات السياحية .ومعرفة كل تفاصيل الرحلة.
انتهوا من جمع المعلومات, اجتمعوا معا يخططون لبرنامجهم المنتظر,لو وافقت أهاليهم, بمعاونة صديقهم الذي وعدهم ببذل كل الجهد معهم.ذهبوا الى العم سلامة و قد ملأتهم الثقة , و قبل أن يسألهم , أسرع "عارف" اليه و قال :
"والآن حان وقت الجـد .. لقد نفذنا نصيحتك و حصلنـا على كل المعلومات "
بدا صديقهم و كأنه يعاندهم , و هـذا بالضبط ما شعروا به عندما قال :
" و مـع ذلك لـم اقتنـع , لـم أسـمع منكـم مـا يقتعنى "
و كأنها حـصة تسـميع المعلومات التاريخية و الجـغرافية حـتى غلبت الضحـكة و جلجل صوتها , و هم يتنافسون فى عرض معلوماتهم و برنامجهم:
"إنها الأرض المقـدسة التى سار فوقها الأنبياء: النبي موسى و العائلة المقـدسة. على ترابها دارت المعارك والحروب منذ أيام الهكسوس و حتى معارك أكتوبر 73. و منها كان الفتح الإسلامي , عندما وقف "عمرو بن العاص" على القـرب من مدينة العريش يقول :" المساء عيد" فسميت المنطقة ب "المساعيد" .. كمـا أنـها أرض الطـبيعة الجمـيلة حتى أطلقوا عليـها لقب "أرض الفيـروز" .. ولا تنس يا صديقنا شكلها على الخـريطة مثلثة, قاعدة المثلث شـمالا شاطئ البحـر المتوسـط , وضلعاه على خليجي السـويس و العـقبة و هـما يلتقيـان عنـد أجـمل مكان فى العالـم, عند منطقة"رأس محمد"" .
قاطعهم العم سلامة يسألهم عن البرنامج و وسيلة الانتقال و تكاليف الرحلة ثم الأدوات الواجب حملـها معـهم .. فلما سلمه هانى ورقه بكل المطلوب ,قال:
" إذن جاء دوري كما و عدتكم , اللقاء فى الثامنة مساء"
فلما جاء المساء و دقت السـاعة الثامنة , دخلـوا جميـعا المكتبة و هم أكثر قلقا. زال القلق و تحول الى دهشـة أربكتهم عندما وجـدوا كل آبائهم .و قبل أن ينطق واحد من الآباء , طلب أن يقدم كل صديق منهـم معلومة حول سيناء و عـن برنامج الرحلة ..وهـو ما نفذه الأصدقاء, فعلت البسـمة وضحك الجميع.
فى تمام السابعة صباحا استقل الأصدقاء الثلاثة سيارة الشركة السـياحية المتجـهة الى مدينة العريش . لم يذق أحدهم طعم النوم فى الليلة السابقة و قد انشغل كل منهم يرسم بخياله تفاصيل الرحلة.
هاهي ذي السيارة تتجه الى مدينة السـويس , عندها سـوف يشاهدون السـاتر الترابي و المعابر..وقد صـنعهما الإسرائيليون لمنـع الجنود المصرية مـن الدخـول الى سـيناء إذا نجحـوا فى عـبور قنـاة السـويس . كما ذكرهـم عارف بالدشـم الحصينـة , أو تلك القلاع التى تحصن داخلها جنود الإسرائيليين.. فأكد الصـديقين أنهما يتذكران حكايات تحطـيم تلك الحصـون أو خط بارليف التى قصـها عليهـم صـديقهم المحارب القديـم "سلامة".
و كأنهم فى حفل سمر جميل, هانى يعزف على الناي الذي يعشقه .ثم تابع عارف يطرح الأسئلة و الفوازير على كل الركاب ..وهو ما أسعد الجميع .
كان مـن الممكـن أن تسـتمر تلك المشـاعر و أحاسيس الفـرح الى النهـاية لولا تلك السـيارة المر سيدس السـوداء الغـامضة !!
فى البـداية لمحـها أ سـامة الذي يتمنى لو يلتحـق بكليـة الشـرطة فيما بعد . مال الى أذن عارف و أخـبره بما يلاحظ مـن أن تلك السيارة الغـامضة تسـرع إذا ما أسرعت سـيارتهم .. ثم تبطئ إذا أبطأت سـيارتهم ؟!!
فجأة وعلى غير توقع سمعوا صوتا عاليا , صوت انفجار !! .. الاضطراب غلب كل شئ , وعلت الحيرة الجميع ..وفقد السائق السيطرة على السيارة و انحرفت .
انشغل الثلاثة فى حل مشاكل الركاب .. اقتربوا من الأطفال الصغار و شاركوا الأمهات فى تهدئتهم حتى كف الأطفال عن البكاء .. كما أسرعوا فى حمل الحقائب واللفائف التي سقطت على أرضية السيارة من أعلي ارفف السيارة .ثم هبطوا من السيارة وشاركوا السائق فى استبدال إطار السيارة .
لا أحد يعـرف بالضبط .. كم انقضى من الوقت حتى انتهـوا مـن إنجاز تلك المهمة.لكن الأكيد الذي أقسم أسامة بشأنه أن هناك علاقة ما مع السيارة الغامضة .. و إلا مـا مبرر توقف السيارة بعد توقف الأتوبيس, ثم خروج هؤلاء الرجال الثلاثة منها يتابعون ما يتم من بعيد وفى حرص شديد . الغريب أن ثلاثتهـم يرتدون ملابس متشابهة و نظارات سوداء فوق أعينهم! وقبعات خوص غريبة فوق رؤوسـهم.خصوصا أنهم لاحظوا وجود كسر زجاج تحت عجل الأتوبيس!!
المفاجـأة تتجدد
.."كيف ينمو النخيل فوق الرمال على شاطىء البحر؟"
سؤال جاد سأله أ سامه لصديقهم القارئ فى مجال العلوم,والذي لم يتردد فى الإجابة بأن النخيل الموجود على شاطىْ العريش يعتبر من أندر النباتات التي تنمو في مثل تلك البيئة, و أن منطقة "المساعيد" التى وقفت عندها السيارة,واحدة منها.
فجأة ظهرت السيارة السوداء ثانية فى منطقة المساعيد! هبط أحد الرجال الثلاثة بنظارته السوداء..تعمد أسامة الابتعاد بحيث يتمكن من متابعة المشهد ولا يتمكن أحد من رؤيته.
الغريب أن شاهد أحد الركاب وليس السائق يتقدم من الرجل الغامض ويسلمه لفافة, ثم اتجه بعيدا ولم يعد الى السيارة ثانية ولا حتى الجلوس بالمقهى القريب التي جلس إليها أغلب الركاب لشرب بعض المشروبات الساخنة أو الباردة, بينما تابع السائق كل الخطوات فى صمت .فلما عاد أسامه الى صـديقيه وأخبرهما..هاجا فى وجهه يطلبون منه أن يدعهما يستمتعان بهذه الطبيعة الجميلة .
عند مشارف العريش طلب عارف من السائق أن يدعه ينزل مع أصدقائه, وكل ما يفكر فيه أن ينصب الخيمة هنا على الشاطئ, وعلى مقربة من هذا الفندق الكبير, بينما شعر بقية الأصدقاء بالحيرة من سر اختيار هـذا الموقع البعيد عن المدينة..!
بسـرعة نصـبوا الخـيمة و اعدوا ما يلزم ..قال عارف:
" و الآن من منكما سوف يتكفل بإعداد الأكل .. أنا جائع!"
فانقض الصديقان على عارف يحذرانه من ملامح الزعامة التي بدأت تتلبسه, أمراه أن تكون كل الأعمال و القرارات مشتركة فيما بينهم, ففضل صديقهم الاعتذار . اشتركوا فى إعداد وجبة سـريعة يتناولونها قبل كوب الشاي الذي أسرع أسامة لتجهيزه قبل تناول الطعام !! . سـرعان ما نام ثلاثتهم فور تناول الغداء مـن شدة الإجهاد .
حدد الأصدقاء نظام الحراسة, و بدأ حفل سمر تولى فيه عارف مهمة إلقاء الأسئلة
العلمية. كان النسيم العليل جذابا و رائعا حتى انقضت الليلة دون أن يشـعروا بها . ومع شقشقات الفجر الجديد دخلوا خيمتهم و بذلك انقضت الليلة الأولى.
و نجح الأصدقاء فى تحقيق برنامجهم يوما بيوم.. زيارة مدينة العريش والتعرف على معالمها الجميلة, فشاهدوا المتحف الذي يعرض للحياة البدوية والحضارية التي تتميز بها البيئة هناك.. ثم حديقة الحيوان بكل طيور وحيوانات البيئة الصحراوية من الذئب السيناوى والدجاج البرى وحتى طائر السمان الذي يكثر أثناء فصل الخريف. كما نجحوا فى اكتساب صداقات جديدة مع شباب المدينة.
جدت مشكلة لم تكن فى الحسبان, لقد انتبهوا للنزهة والإنفاق ولم ينتبهوا الى المبلغ الذي يحملونه معهم , شارف على الانتهاء بينما الرحلة مازالت فى أيامها الأولى فكروا فى الأمر حتى قرروا القيام بأي عمل يساعدهم على استمرار الرحلة.
اتجهوا الى المدير الليلي للفندق المجاور وسألوا عن أي عمل. استلموه فورا كعمال نظافة. فى صباح اليوم عادوا الى الخيمة يشكون الإجهاد والألم..!
يتألم عارف لأنه حمل حملا ثقيلا بطريقة خاطئة, يشكو أسامة لانه انزلق على الأرض بسبب المياه,أما هانى فيشكو الألم الذي لا يعرف مصدره وانتابتهم جميعا حالة من الضحك إلا انهم انتهوا الى أن أي عمل مهما كان بسيطا أو سهلا يجب الاستعداد له وفهمه جيدا.
و بعد انتهاء وردية العمل فى اليوم الثاني..كانت أكبر المفاجآت, يحملها صديقهم عارف . أخبرهم بأنه شاهد بعيني رأسه الثلاثة رجال إياهم !!..راودتهم أسئلة كثيرة, وعارف
يؤكد ما أخبرهم به..فحسمها "أسامة" قائلا:"يجب أن نعتبر المعلومة صحيحة لحين اشعار آخر"
بدأت نوبة الحراسة و نام أ سامة و هانى فورا من شدة الإجهاد كالعادة , بينما شعر صديقهما بنشوى حقيقية بسبب النسيم العليل وضوء القمر, فى تلك الرحلة فقط عرف لماذا يتغنى الشعراء بالقمر ؟..لكنه عرف أيضا أن للقمر مواقيت و أشكال , بينما لا يلاحظها فى المدينة , بانت له تماما فى الصحراء !!
فلما نظر طويلا الى صفحة مياه البحر البعيدة لمح ضوءا باهتا يبرق , رويدا يزداد وضوحا . شعر بالحيرة , للحظة فكر أن يوقظ صديقيه , عاد و ألغى الفكرة . لكن الضوء يبدو متقطعا ويزداد وضوحا !..تساءل: "ترى أي ضوء هذا الذي أري؟!" كانت المفاجأة الكبرى أن وجد قاربا ميكانيكيا مسرعا ناحية الضوء المتقطع, سأل نفسه عن العلاقة بينهما ؟؟
كان من الممكن أن يظل الموقف مثيرا كما أفلام السينما, لكن ما حدث أن تحول المشهد الى جريمة, فشعر بالاضطراب.. يرى الثلاثة رجال بنظارتهم السوداء يهبطون من القارب و يحملون إطارات من الكاوتشوك, و التى لا يعلم ماذا فى داخلها بالضبط؟!
بسرعة كان القارب عند شاطئ البحر على مقربة منه, وكانت السيارة المرسيدس السوداء!
أسرع عارف واقترب منهم, إذا بأحد الرجال الثلاثة يلمحه ويتعرف عليه ..فأسرع الى
صديقيه, صاح فيهما أن ينتبها إليه فالمسألة حياة أو موت...
صاح عارف:
"سوف نرحل حالا الى منطقة أخرى فى سيناء, ونستخدم الطريق الحربي القـديم"
استعان الأصدقاء بالخريطة التى يحتفظون بها و اتجهوا مباشرة الى الطريق الحربي القـديم.يتمنـون لو يتابعون رحلتهم بعيدا عن تـهديد الأشرار المتوقع. وجـدوه طريقا رمليا ممهدا باتجاه الجنوب, وميزته الحقيقية أنه يبعدهم عن احتمال مقابلة الأشرار.
و مع ذلك لم يشعر أحدهم بالبهجة لنجاحهم فى الوصول إليه. عادة يتحاورون و يتناقشون ويتفقون على أبسط الأشياء مع بداية كل مرحلة جديدة, فى برنامج الرحلة . ما حـدث بالضـبط أن شـدة الحـرارة مـع قـلة النـوم , بالإضافة الى الإحساس بالمطاردة , وأن السيارة الغامضة سوف تظهر لهم ولا يدرون ماذا سيفعل الرجال الثلاثة فيهم بعد أن عرفوا السر الغامض.. عكر صفو الرحلة..؟؟
قال أ سامة وقد غطى العرق الغزير وجهه المحتقن :
" يبدو أننا نسير الآن فوق طريق الموت وليس الطـريق الحربي!"
لم يعلق أحدهما, ليس لأنهما مختلفان..بل للحفاظ على أكبر قدر من رباطة الجأش .
حـاول هانى أن يبـدو متماسـكا , و أن يشـغلهم بشيء مـا بعـيدا عمـا فى رأس صـديقيه ..أمرهما بالانتـباه اليـه ثم قـال :
" سوف أخبركما عما أعرفه عن هذه الطريق الهامة جـدا"
قـاطعه هـانى :
" نحـن فى حـاجة الآن الى شئ يطمئنا و يحمـينا مـن أخطار هذه
السكة المملة و الخطيرة !!"
تابعـه أسامة :
" لـم تكن كذلك أبدا ...لقـد كانت أيام قـدماء المصريين تعرف باسم
ب"طريق حورس"و عليها تقدم "تحتمس الثالث" لمحاربة الأعداء ...
و فوقه كانت حملة غزو الاسكندر على مصر ..."
و قـبل أن يتابع , قال عارف :
" وأضيف..هنا حاربت الملكة كليوباترا غريمها بطليموس عند فرع النيل !!,
عند الفرع "البيلوزى" للنيل والقريب من مدينة بور سعيد الآن ."
للمـرة الأولى يشترك عارف قائلا :
" تخيلوا أهمية هذه الطريق ..انـه المدخل الحقيقي لمصـر فى كل الغـزوات
كذلك و هـو المـدهش حقيقة أن نهـر النيل كان يمـر هاهنا !!"
عـلق أ سامة مؤيدا :
" من هنا جاءت جيوش الحملة الإسلامية على مصر بقيادة "عمرو بن العاص"
ثم شرد عارف و كأنه يسعى لان يتذكر معلومة جديدة و قال :
" ولا تنسـوا أيضا , انه مـن هـنا خرج اليهود مـن مصر قـديما ...
و حـررنا سيناء كلها منهم فى أكتوبر 73 ."
و على غـير تـوقع ارتمى هانى على الأرض وقـد أعلن العصـيان المدني و التمـرد كما عبر عارف عن ذلك .
بدأت رحلة نصب الخـيمة فى هـذا الموقع المجـهول و من شـدة التعب لم ينشغل أحدهم بشيء ألبته , ولا حتى بتناول وجبة سريعة .
انتبه عارف, وجـد الصديقان يغطان فى نوم عميق. نظر حواليه و كأنـه يبحـث فى رأسه عـن شئ ما , نهـض و خرج من الخيمة , تأمل الصحراء من حولـه, فـتذكر ما دفعه للعودة مسرعا الى الخيمة . صاح آمرا الجمـيع بالانتباه و اليقـظة ..أخيرا انتبها. كانت مشكلة المشاكل تلك التى أعلنها أ سامة :
"تحركنا بسرعة, فلم نحضر معنا المطلوب من المياه العذبة والكبريت"
خـرج ثلاثتهم مـن الخـيمة يبحـثون عـن ضالتهم فى الرمـال . الطـريف أن انشـغل هـانى الفنـان بمشهد الصحـراء أثنـاء الغـروب , و أسرع الى الناي يعـزف عليه الأنغام الجميلة الشـجية .وعلى الـرغم من سـعادة الرفقاء بتلك الأنغام إلا انهما اعترضا عليه , و طالباه بأن يفكر معهما..!!
غربت الشمس و غلبت الظلمة المكان بحيث شعر الجميع بالرهبة و ليس الخوف ,
تحولـت الحـيرة الى مشـكلة حقـيقية !.. و كالعادة فى المواقف الصـعبة يغلب الضحك . وبدأ كل منهم يعبر عـن النهايـة الحـزينة التى كتبت عليهم! .. و تساءل أحدهم عـن شـكل الموت فى الصحـراء؟! .. أما عارف فطلب مـن كل منهما أن يضع "زلطة" فى فمه حتى لا يشعران بالعطش ..
انتفض عارف و كأن لدغة العقرب الذى تحـدثوا عـنه منذ قليل أصابته , فسأله هانى عما أصابه ؟! أجـاب وهو يشير الى شئ ما هناك و قال :
" إني أرى نارا يا جماعة . ما أجمل النار فى الظلام .. صحيح أن النار
هي أهم اكتشاف للإنسان ولولاها ما كانت حضارة الإنسان على الأرض
قاطعـه أ سامة معترضـا :
" ليس وقته الآن .. وجـود النار يعـنى أن الحـياة قريبـة جـدا مننا "
و حمـد الجـميع و شكروا الله .. هناك مجموعة مـن الخـيام .. و أكيد توجـد عندهم المياه و النار . و لم يترك أسـامة أية فـرصـة لقرار غير الذي قرره .. أن يـذهب سـريعا الى مصـدر النار حتى ولو كانت خيمة للأشرار!
رحـلة جــديدة الى الجـنوب
طالت فترة غياب صديقهما, هل فقد أ سامة الطريق و تاه ؟؟ .. سـؤال غلب كل الأسئلة , بلا إجابة !
وعندما لمحوا الغبار يقترب من موقع خيمتهما, زاد القلق ولا حيلة لهما إلا الانتظار. لم يطل الانتظار .. اتضح الأمر , أ سامة برفقة أحدهم يركبان جملا!!.
" حقا الجمل سـفينة الصحـراء " ,
" هل هـذا وقتـه يا أسـامة .. تضحك و تسـخر منا ؟!"
و كـثرت التعليقات و إن شـعر الجـميع بالراحة .. على الأقل ضمنوا الحياة و المياه و النار حتى الصـباح مع هـذا الأعرابي, الذي قـدمه أ سامة قائلا :
" انه الشيخ شامخ صاحب القافلة المتجه الى الجنوب, و قد رحب
نركب معـه لنتابع رحلتنا ."
لم تمض ساعة , إلا وكان ثلاثتهم يركبون الجمال لاول مره فى حياتهم غير مصدقين أن هـذا الجـمل الذي يجـهلونه فى المـدينة له كل هذه الأهمية .. بقدرته على السـير ليلا كل تلك المسـافات مـن غير كلل ولا تعب . كما شـعروا بالسـعادة بعد أن ارتـدوا العقال فـوق رؤوسهم .. هـذا العقال الذي يحميهم من الرياح الشديدة و من حرارة الشمس. وفوق هـذا كله اكتشفوا أن الحـياة فى الصحـراء لـها أسرارها .. فقـد كان الشـيخ شـامخ ينظـر الى النجـوم فى السـماء و يأمر القافلة بالتـوجه إما يمينا أو يسـارا , الرجل جـعل من نجـوم السـماء بوصـلة ترشـده الى الطريق الصحـيح .
و بعـد عـدة أيام أخـبرهم الشـيخ بنـهاية رحلته معـهم . فأسالوه عما يمكن زيـارته فى تلك المنطـقة الجـديدة التى وصلوا اليها ؟ .. فقال بحماس شـديد :
" هنا جبل الطور .. و جبل موسى الذي تحدث فوقه النبي مـوسى و كلم
ربـه و كان كليم الله"
شـارك عارف فى الحـوار و قال :
" إذن حـان وقت زيـارة وادى الراحـة و جـبل القـديسة كاترين "
تابع الشيخ قائلا :
" هنـاك سـوف تجـدون كنيسـة و جـامع معا "
و حانت لحظة الوداع و تعانق الجميع . و اتجـه الأصدقاء الثلاثة الى الطـريق الإسفلتي حتى يسـتقلون إحدى السـيارات الى موقع الزيارة الجـديد .
وصل الأصدقاء الى الطريق الإسفلتي و قد غلبهم الذهول . انشغلوا أكثر بجمال الطبيعة وروعتها..الأشجار المرتفعة الباسـقة, والزراعات المتنـوعة المثمرة, و هاهي ذي الجبال الرمادية .. و قد انبثقت النباتات الجميلة من بين الصخور.
انشغل الأصدقاء حتى نسوا السيارة التي ينتظرونها. فلما اقتربت سيارة,كانت المفاجأة:
.. " يا الله .. إنها السـيارة الأشرار !!"
.. " يبدو انه قدرنا يا جماعة ..أن نشارك فى القبض على الأشرار!!"
المدهش أن وجدوا سيارة الشرطة تسرع خلف الأشرار, وهو ما تأكدوا منه عندما سألهم الضابط عن اتجاه السيارة السوداء. بسرعة أخبروه بكل شئ عرفوه عن الأشرار .. فطلب الضابط منهم أن يركبوا معه ليسمع منهم و هو على طريق المطاردة , وأخبرهم بأنه قرر أن يجعلهم من شهود هذه القضية بعد القبض على الأشرار ..
و بدأت المطاردة الشرسة المثيرة... الأشرار يطلقون النيران من مسدساتهم ..رجال الشرطة يردون عليهم .. الرصاص يخترق السيارة السوداء .. اصيبت سـيارة الشرطة فى بعض أجزائها .. أخيرا نجح المقدم سالم فى إصابة إطار سيارة الأشرار .. صوت الانفجار أصاب الأشرار بالرعب .. و هبطوا من سـيارتهم , اختفوا خلف صـخرة كـبيرة .. قرر المقـدم أن يهبط إليهم .. نجح مـع قواته مـن محاصرة الأشرار.. تبادلوا إطلاق النيران حتى انتهت رصاصات الأشرار.. نجحت الخطة و تم القبض على كل الأشرار .
تعانق الأصدقاء الثلاثة و المقدم سالم .. ثم تحركوا جميعا الى مركز الشرطة.انتهوا من كل الإجراءات القانونية والتحقيق ,و أدلى الأصدقاء بأقوالهم الهامة فى المحضر. سألهم المقدم عن وجهتهم.. أخبروه, فأمر بأن توصلهم واحدة من سيارات الشرطة تكريما لهم على شجاعتهم و إخلاصهم .. و تعانق الجميع .
أمام مكتبة العم سلامة تهادت سياره الأجرة ثم توقفت و قفز منها الأصدقاء الثلاثة ، فأطل السائق من النافذ مبتسما, ثم همس الى نفسه : " الزبائن نسيت دفع الأجرة ! "
هبط السائق و أنضم إليهم. ثم انشغل بمشهد الاستقبال الحار مع الرجل جليس المقعد المتحرك. وما أن سمعهم يتحدثون عن رحلتهم فوق أرض سيناء حتى أجبرهم على سماع حكايته و ذكرياته هناك أثناء معارك العبور و تحرير سيناء:"أنا أيضا أحمل نجمة سيناء"..ورفض استلام أجرة النقل بسيارته, فضحكوا وتعانقوا جميعا !!