في مدرسة من مدارس بلدة بعيدة، كان هنالك تلميذ مشهور اسمه مشهور.. كان المدرسون يحبونه ويتوقعون له مستقبلاً زاهراً.
وكان مشهور مشهوراً في مدرسته وبين أبناء بلدته الصغيرة المتواضعة بأنه لا يترك الكتاب ينزل من يده..
فهو يقرأ ليل نهار، ويحفظ بسهولة وبسرعة كل ما يأخذه في المدرسة، حتى صفحات القراءة، وقصص المطالعة الحرة. 

لأن هوايته الوحيدة كانت الحفظ.. ولم يكن مشهور يقتصر في حفظه على كتب المدرسة..
فعندما يقرأ صحيفة أبيه فإنه يحفظ أخبارها وعناوينها وتفاصيلها..
وإذا ذهب الى السينما أو شاهد فيلماً في التلفزيون لم يحفظ قصة الفيلم فقط بل يعيد سيناريو الفيلم كاملاً..
وزادت شهرة مشهور حتى وصلت أخباره إلى أماكن بعيدة..
فدعاه وزير التعليم لتكريمه.. وأعطاه هدية كبيرة.. ونشرت صوره في الصحف..
وصارت المكتبات تتسابق بإرسال الكتب المنوعة إلى مشهور، وتطلب منه أن يقدم رأيه بالكتب التي يقرأها..
صار عند مشهور كتب كثيرة.. فتح له أبوه قبواً أسفل البيت كان يستعمله لوضع الأشياء القديمة التي لا قيمة لها، وجعل القبو مكتبة له..

لكن استمرار تدفق الكتب من كل مكان جعل المخزن يضيق ويضيق حتى لم يعد هنالك متسع لكتاب إضافي واحد..
قرر مشهور نقل الكتب الجديدة الى مكتبة المدرسة.. عرَض الفكرة على مسؤولة المكتبة فرحبت على الفور..
ومنذ ذلك اليوم صار يرسل كل ما يصله من كتب جديدة إلى مكتبة المدرسة.. لكن المكتبة مع مرور الأيام لم تعد تسع، فاقترح مدير المدرسة توسيع المكتبة وتوزيع الكتب القديمة التي يوجد منها أكثر من نسخة على الطلاب..
امتدت شهرة مشهور إلى دول مجاورة.. وتنافست المحطات الفضائية على زيارته وإجراء حوارات معه عن الكتب التي يقرأها.. واشتد تسابق الصّحف على نشر أخبار مشهور.. ولم يعد للإعلام حديث غيره.. فانهالت على مشهور الكتب من كل بلاد الدنيا.. وصارت المجلات الأجنبية تكتب عنه..
قررت بلدية البلدة تحويل المدرسة كلها إلى مكتبة عامة كبيرة ونقل الطلاب إلى مدارس أخرى..لكنّ استمرار تدفق الكتب يومياً جعل المدرسة التي أصبحت مكتبة عامة تضيق وتضيق، فتم رصّ الكتب فوق بعضها البعض..
واقترح مجلس البلدية توزيع الكتب الجديدة على مكتبات صغيرة تنشأ في كل شارع من شوارع البلدة، وعلى مكتبات مدارسها، ومكتبات البلدات المجاورة ومدارسها.
ومع مرور الأيام غرقت البلدة كلها في الكتب.. ولم يعد هنالك أمكنة تتسع.. حتى لتسير السيارات الصغيرة.وكان هنالك في البلدة أشخاص منزعجون من تكدس الكتب في كل مكان .. خاصة أنهم لا يحبون القراءة ولا الكتب.. لكنهم لم يعلنوا ذلك حتى لا يتهموا بالجهل ولا يقال إنهم أعداء العلم  والتعلم.
صاروا يتحدثون فيما بينهم في مجالسهم الضيقة عن طريقة تخلصهم من هذه الكتب.

قال أحدهم: لدي فكرة رائعة.. لو نفذناها معا سنتخلص من هذه الكتب وسنصبح من الأثرياء..قالوا بصوت واحد: قل بسرعة..
ما هي فكرتك..ضحك الرجل وقال: بشرط أن تكون لي النسبة العالية.. قالوا: قل ولن نختلف.قال لهم: لقد عرض علي تاجر كتب من المدينة أن نجمع له الكتب والمجلدات النادرة والغالية الثمن ويدفع لنا ثمناً مقابلها، وهو سيقوم ببيعها من جديد.. وهكذ نتخلص من الكتب ونغنى في الوقت نفسه.

فرح الجميع بالفكرة وقالوا: يا لها من فكرة رائعة.. واتفقوا أن يبدأوا على الفور بالتنفيذ..
وخرجوا يجمعون الكتب المهمة والغالية الثمن من  كل مكان بحجة أنهم يريدون قراءتها.. ثم أخرجوها من البلدة سراً في سياراتهم ونقلوها الى ذلك التاجر فدفع لهم أموالاً كثيرة..وظل الحال على هذا الشكل أياماً..وكانوا كلّما أخرجوا كميّة من الكتب وصلت إلى المدنية كميّة أكبر منها..
ثم اكتشفوا أن الكتب نفسها التي يبيعونها للتاجر تعود الى البلدة من جديد، وعلموا أن التاجر يبيعها لأشخاص يريدون إهداءها لمشهور..
أحد سكان البلدة استغرب الاهتمام الكبير بالقراءة والكتاب التي ظهر فجأة على هؤلاء الأشخاص..
فصار يراقبهم حتى اكتشف خطتهم وكشفهم لسكان البلدة الذين انتظروهم عند مدخل البلدة وقاموا بتفتيش سياراتهم وأخرجوا الكتب منها، وحذروهم من تكرار هذا العمل والا لقوا عقاباً وطردوا من البلدة.. انتشرت هذه الحادثة بين الناس في البلاد المجاورة، وكتبت عنها الصحف..
وصارت البلدة مشهورة جداً مثل مشهور لاهتمامها وتقديرها للكتاب..

ومع ازياد شهرة البلدة وابنها مشهور، قرر أهلها صنع نصب تذكاري كبير ووضه وسط أكبر ساحاتها، وكان النصب عبارة عن كتاب ضخم منحوت من صخر..
وطلب رئيس البلدية من مشهور أن يرفع الغطاء عن النصب تكريماً له بحضور كل سكان البلدة..
وكان محفوراً على رخامة مثبتة في قاعدة النصب التذكاري جميلة تقول: هذه التحفة الفنية تذكار افتتحة مشهور المشهور بنفسه تقديراً من البلدة وتكريماً له، لأنه جعل بلدتنا أشهر بلاد الدنيا وجعلنا جميعاً نحب القراءة والكتاب.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية