في زمان بعيد.. عاشت مجموعة من الضفادع الخضراء في بحيرة صغيرة في غابة بعيدة حيث تكثر الحيوانات بكل الأنواع والأحجام.

كانت الضفادع تعيش معا بسعادة وهناء.. وكلٌّ منها يعرف الآخر.. وكانت المحبة والألفة والتفاهم وجمال الطبيعة.. كلها متآلفة ما يجعل المكان جنّة غناء.

الضفادع كانت تعرف أنّ عليها الاحتراس دائماً لأنّ هناك أخطاراً تحيط بها من كل جانب، وأعدت مجموعة من الضفادع الشابة لتراقب أي خطر داهم.. فالبحيرة فريدة من نوعها في الغابة.. كبيرة وواسعة.. وماؤها عذب وطيب، وكل حيوانات الغابة تأتي لتشرب منها.

وكانت حيوانات الغابة تحترم الضفادع وتقدرها، وتعرف فضلها بالحفاظ على البحيرة نظيفة جميلة.. لذلك كانت الحيوانات تحرص على نظافة البحيرة ولا تعكر ماءها.. ولا تشوّه مناظرها الجميلة التي تحيط بها من كل جانب..

وعاشت الضفادع زمناً طويلاً في سلام وأمان، وكادت تنسى المخاطر التي تشهدها كلُّ غابة من غابات الأرض..


****

وفي صباح يوم.. وكان صباحاً مشرقاً جميلاً.. دافئاً لطيفاً.. خرجت الضفادع من الماء لتتشمس.. وألقت بأجسادها الخضراء فوق العشب الأخضر الرطب الذي يحيط بالغابة مثل السوار بالمعصم.. فامتزجت بلون العشب وكأنها ذابت فيه.. وتمددت بسلام تتمتع بأشعة الشمس ..

وكان من عادة الضفادع كلما خرجت من البحيرة للتسلية والترفيه والتشمس تكليف مجموعة المراقبة بالانتشار للإبلاغ عن أي خطر.. وكانت المجموعة تقوم بعملها بكل جد وانتباه وتفان.. دون إهمال أو تهاون أو كسل..

وقبيل وقت الضحى بقليل، رأت الضفادع من أعلى التلال المحيطة حركة غير عادية من جهة الشرق.. الأشجار كانت تهتز بعنف وبشكل غير مألوف، والطيور تهرب مذعورة من فوق الأشجار بشكل سريع..

ودون إبطاء.. أطلقت مجموعة المراقبة صيحات إنذار.. كانت المرة الأولى التي تطلق مثل هذه الصيحات.. فهبّت الضفادع تقفز هنا وهناك دون أن تعرف سبب الصيحات.. لكنّها كانت متأكدة من اقتراب خطر حقيقي منها.. كانت هذه أول مرة تشعر بهذا الخطر على حياتها.. ومن هول المفاجأة لم يعرف كثير من الضفادع وخاصة الصغار منها إلى أين تذهب وإلى أين تلجأ.. ولم تكن قد حضرت نفسها لمثل هذا الظرف الطارئ..

****


اشتد تقافز الضفادع من كل جانب... وزاد من رعبها سماعها لأصوات أقدام عنيفة صلبة تضرب الأرض وتهز الجبال.. وتسقط الثمار عن الأشجار من شدتها.. وصارت مياه الواحة تهتز وتتماوج بقوة.. كأنّ هنالك زوبعة تحركها..

وبعد لحظات ظهرت طلائع هذا الرعب الآتي من بعيد..

الضفادع لجأت إلى جذوع الأشجار تبحث عن ملجأ صغير يأويها..

بعض الضفادع قفزت إلى وسط البحيرة وغطست في أعماقها..

وهرع بعض منها إلى الجهة الأخرى من البحيرة.. وصعدت بعض التلال المحيطة لتراقب من بعيد..

طلائع الرعب كانت أفيال ضخمة جداً..

كل قدم من أقدامها قادرة على سحق مئات الضفادع دفعة واحدة..

وصارت الأفيال تقترب بسرعة كأنها نهر متسارع..

وفي لحظة.. توقفت كل الأفيال في مكانها.. وساد سكون في أنحاء المكان.. وظلت الأفيال جامدة لا تتحرك..

****


ترقبت الضفادع نتائج هذا الموقف الرهيب.. الأفيال كانت ضخمة جداً جداً.. ولا يمكن مقارنتها بالضفادع على الإطلاق..

وراحت الضفادع تترقب ماذا سيحدث..

مجموعة من الضفادع كانت تقف على مسافة قريبة من البحيرة ولكن من الجهة المقابلة بعيداً عن مكان وجود الأفيال..

فيل أضخم بقليل من جميع الفيلة وقف أمام الفيلة رافع رأسه.. بدا كأنّه زعيمها وكبيرها.. وبدت الأفيال كلها وكأنّها تنظر أوامره...

هزّ الفيل الأضخم رأسه على جانبيه.. ثم رفع رأسه عالياً.. وحرك خرطومه الطويل إلى فوق ثم أنزله  إلى تحت.. ورفع (نهيمه) لتسمعه الأفيال كلها...

هزّت الأفيال أذنابها القصيرة ورفعت خراطيمها الطويلة..

بدأت أجسامها ترتطم ببعضها بعضاً فتصدر صوتاً رهيباً..

اعتقدت الضفادع أن نهايتها قد اقتربت لا محالة وأنّ الأفيال ستقضي عليها بعد أن تقضي على المكان وتشرب كل الماء في البحيرة الوادعة الجميلة.. ولن تترك المكان حتى تدمره تماماً.. والله يعلم من ستسحق منها.. كما أن الضفادع لن تتحمل وقتاً طويلاً.. فكم ستستطيع الصبر في مخابئها.. دون طعام أو شراب..


 ****


خافت الضفادع على نفسها.. وصارت (تنق) بصوت منخفض.. وتبكي حالها.. فتأثر كبار الضفادع وصغارها.. ولكن ليس باليد حيلة.. غير الدعاء بإخلاص حتى تنتهي هذه المصيبة بسلام.. ولكن أين الخلاص؟؟ فلا يمكن مواجهة هذا الجيش العملاق.. فجيش كامل من الضفادع لا يمكنه الصمود ومواجهة فيل صغير ما زال يرضع من أمه..

فأيقنت الضفادع أنّ نهايتها قد حانت.. وأنّ زمن السعادة والفرح قد انتهى وعليها مواجهة مصيرها..

سمعت الضفادع (نهيم) الفيل الضخم.. وكان صوته قوياً هادراً... ثم بدأت الأفيال تحرك أقدام الضخمة.


****


تحركت الأفيال بهدوء تنظر باحتراس أين تضع أقدامها... وكأنت ترفع أقدامها ثم تضعها بانتباه شديد..

بعض الضفادع أرادت أن تعرف ماذا يجري..  فصارت تنظر من مكان اختبائها..

الأفيال وقفت صفاً طويلاً بانتظار دورها..

كانت تعليمات الفيل الأكبر أن يتقدم فيل وراء فيل وفي خط واحد... وبتأن شديد.. وعلى مسافة متاسبة يمد الفيل خرطومه الطويل ليسحب الماء من بعيد ثم يشرب حتى يرتوي ويرجع من الطريق نفسه، فيضع قدمه في المكان الذي وضعه أول مرة حيث ويعود من حيث أتى..

وهكذا حتى انتصف النهار.. واشتدت الشمس.. وشربت جميع الأفيال حتى شبعت وارتوت..  ثم خرجت من البحيرة بهدوء..


****


وما أن ابتعدت بضع خطوات.. حتى عادت إلى حركتها الأولى فاهتزت الأرض بقوة، وشعرت الضفادع بالاهتزاز نفسه الذي شعرته لحظة قدوم الفيلة، لكنها لم تكن خائفة هذه المرة لأنها علمت أنّ الأفيال لطيفة ولا تريد أن تؤذيها.. فقد كانت حريصة على أن تطأ الأرض بانتباه شديد كيلا تدوس ضفدعة صغيرة.. وشربت بلطف من بعيد كيلا تهدم ضفاف البحيرة الجميلة..

وهكذا عادت البسمة إلى شفاه الضفادع..

ومن يومها صارت الضفادع تقص هذه الحكاية على أبنائها.. حتى أصبحت قصة مشهورة بينها.. وظنها بعض الضفادع مجرد أسطورة للتسلية.. لكن الضفادع التي تعرف تاريخها تحفظ قصة الأفيال هذه وتصدقها.. ومن أجل ذلك عاشت الضفادع تحب الفيلة لأنّها رغم ضخامتها طيبة القلب مثل الضفادع الصغيرة..

وما زالت أمّات الضفادع الخضراء تروي هذه الحكاية الجميلة لأولادها وبناتها حتى يومنا هذا...  



عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية