لا يحتاج سوى علبة مشروبات غازية و بوظة لابنه الصغير. أوقف السيارة و ترك المحرك دائرا مع ابنه ذي السنوات الست الذي لا ينفك يمص إصبعه رغم انه يفترض أن يكون توقف عن هذه العادة في هذا السن. يشعل سيجارة جديدة و يحذر ابنه : "كن هادئا، عصا الخيزران تنتظرك إن شاكست".
يدخل البقالة التي اشتراها مؤخرا خريج جامعي لم يجد عملا، و السيجارة في لا تفارق فمه إلا إلى يده. يتناول حاجته فيقترب منه البقال، دخان السيجارة يحجب الرؤية قليلا بينهما.
- سيدي، التدخين ممنو...
يقاطعه " اجل، اعطني علبة سجائر من نوع.."
- التدخين ممنوع هنا
يقشر عينيه و يطقطق أذنيه، يسكت لبرهة ثم يضم حاجبيه قائلا:
- مستشفى هذا؟ ... لا تكثر معي الكلام اعطني علبة..."
- انا آسف لا أبيع السجائر، و العبارة على باب المحل واضحة، ممنوع التدخين في البقالة. أتمنى عليك أن تطفئ السيجارة
- حقا؟ أجبرني إذا استطعت؟
- اعتقد بان عليك أن تغادر بقالتي إن كنت مصرا على التدخين
- ما قصتك أنت؟ أ تريد أن تموت جوعا؟ ثم كيف لا تبيع السجائر؟ بقالة لا تبيع سجائرا؟
- الرزاق حي. لا اكسب من الخبيث
- عدنا للكلام المزعج، مت جوعا إذا. سأقاطع الشراء منك و سأطلب من كل ممن اعرفهم ذلك
- ماذا ستقول لهم؟
- سأقول انك لا تعرف أن الزبون دائما على حق. انت تحتاجني، انا لا احتاجك، هنالك بقالات كثيرة في الجوار و سوبرماركتات و...
- ما جدوى الكسب إن كان لا أخلاقيا. ما فائدة أروع مصنع و هو يكب نفاياته في البحر
- امسك، لن اشتري منك
- خذ البوظة، هدية لابنك، لا بد أن يشعر بالحر
- و ما أدراك انه ابني؟
- " ما شابه أباه فما ظلم" قالها بصوت خافت
- ماذا قلت
- لا تشغل بالك
- كم حسابك؟
-المرة القادمة
-يقرأ السعر على البوظة " لا مرات قادمة ، خذ"
يخرج مع البوظة و السيجارة. يضع السيجارة في فمه ليفتح الباب و يدخل السيارة. يتناول سيجارة جديدة، يضع السيجارة القديمة التي لم يتبقى منها الا العقب على المرمدة و لا يطفئها حتى يضع السيجارة الجديدة في فمه. يناول البوظة لإبنه.
الشاب يقف عند الأب يراقب المنظر. الطفل يمسك بالبوظة التي تكاد تذوب و لا يزال يدس إصبعه الصغير في فمه. و الأب يدس سيجارته في فمه هو الآخر.
يبتسم الشاب: " من شابه أباه فما ظلم". قالها هذه المرة بصوت أعلى.