حظة خروجي من القطار .. توقعت أن أجد ضباط الشرطة بنجومهم الذهبية في انتظاري .. أخذت أحدِّق في الملابس والوجوه والأكتاف الواقفة ..
لمحتُ ضابط شرطة بثلاث نجوم على بعد ثلاثة أمتار ..
قلتُ لنفسي: هذا هو النقيب الذي سيقبضُ عليَّ ..
نظرتُ إلى السماء فارتطمت نظراتي بسقف المحطة الحديدي، فتصنعت التماسك والهدوء.. عندما اقتربتُ منه حاولتُ أن أشيح بنظراتي عنه إلى أن يتقدم هو ويسألني: هل أنت فلان؟
رأيتُه يسرع نحوي .. تجاوزني .. تجاوزته والتقطتُ بعض أنفاسي .. بعد ثلاثة أمتار نظرت خلفي، فإذا به يهرول نحو ضابط آخر أضاف نسرا إلى النجوم الثلاث .. قلت ربما يكون في انتظار أوامر صاحب النسر والنجوم، الذي كان معي في القطار نفسه، ليقبضا عليَّ بسبب ما جاء في أوراق المحضر رقم 3363 إداري قصر النيل.
وجدتُها فرصة للإسراع والخروج من تحت هذا السقف الحديدي إلى الميدان الواسع المغطَّى بالسماء الرمادية وسحابات الأتربة.
في الخارج وجدتُ عددًا من صف الضباط وأمناء الشرطة، وعددًا من سيارات الشرطة والإسعاف.
عدتُ مهرولا إلى السقف الحديدي.
على بعد ثلاثة أمتار رأيت صاحب النسر والنجوم يسير مع صاحب النجوم الثلاث وسط زحام المسافرين.
دلفتُ إلى بوفيه المحطة قبل أن يرياني.
قبل أن أطلب فنجان قهوتي المضبوطة، وجدت على المائدة المقابلة ضابط بنجمتين يرتشف فنجان قهوته.
أخرجتُ من حقيبتي الجلدية الجريدة التي لم أقرأها في القطار لاستغراقي في النوم بعد ليلة عصيبة.
وضعتُ الجريدة على المائدة، وأوسعتُ مكانًا لفنجان القهوة المضبوطة، وزجاجة المياه المعدنية التي لم أطلبها.
نظر إليَّ صاحب النجمتين وتحركت شفتاه المنضبطتان بكلمات لم أسمعها جيدا.
قلتُ ربما صاحب النسر والنجوم، أخبر صاحب النجوم الثلاث، أن يخبر صاحب النجمتين بأنني الآن أجلس في بوفيه المحطة .. فبالتأكيد هم يراقبون تحركاتي تحت السقف الحديدي .. بل تحت السماء الرمادية والسحب الترابية .. وها هو صاحب النجمتين يهمس لي بأن لا أتحرك من مكاني .. فالبوفيه محاصر بقوات الأمن المركزي ولا داعي للمقاومة أو الهرب .. وعليَّ أن أسلم نفسي في هدوء شديد للغاية قبل أن يعرف ذلك كتَّاب مصر وصحفيو مصر ومحاميو مصر وقضاة مصر ووالي مصر.
وقف صاحب النجمتين وتقدَّم نحوي في هدوء شديد وأدب شديد ..
وقفتُ أنا الآخر لتسليم نفسي في هدوء شديد وأدب أشد .. ودون أن يلاحظ رواد بوفيه محطة مصر وكتَّاب مصر وصحفيو مصر ومحاميو مصر وقضاة مصر ووالي مصر
في هدوء شديد، وبأدب شديد قال صاحب النجمتين: تسمح لي بالجريدة.
ابتسمت على الفور وقلت له: كل جرائد مصر المحروسة وصحفيي مصر المحروسة وكتَّاب مصر المحروسة، وأخصّ كتاب القصة والسيناريو والحوار المحفوظ، تحت أمرك.