بعد عناء المحاولة في هذا القيظ .. عَدلتَ عن كتابة القصيدة، وصمّمت على أن تسهر مع أغنية أم كلثوم "أغار من نسمة الجنوبِ"!
الإذاعة مشغولة بمتابعة رحلة الرئيس السادات إلى القدس، وأبوك مضطر إلى أن يسهر الليلة لحراسة حديد البناء بعد أن ذاعت شائعات كثيرة عن وجود عصابات من الشباب العاطل تخصصت في سرقة مؤن البناء!
ماذا تصنع الآن؟ على فوّهة البركان جلست أنت والبنّاء (عبد الرحمن) تحرسان الغيم، وتنسجان الشباك للأحلام .. "سناء" الحاصدة الأولى تعبر في منتصف الظهيرة .. تتوَكَّأ على عصا، فرجلها مكسورة منذ هبوطها ـ منذ عدة ليال ـ سلم بيتكم الطينيِّ في أطراف القرية.
أمشي في دروب صاعدة .. رائحة الروث تملأ المكان .. وسط فِخاخ سأتحرَّك .. عينا "إيمان" شقيقتي الصغرى ترانا من خلف الشيش .. عيناها تعكسان سرًّا صامتاً لا تُريد أن تبوحَ به.
يسرق “عبد الرحمن" الحديد، ويمضي، وأنت تستقبل أربع عيون لعصفورتين مائيتين (سناء، وإيمان). تُغادرك "إيمان" .. تُحدِّق في عيني سناء الممتنّتين .. وتمضي.
عيونكما الأربع تتحرّك في رعب بطيء.
يُطلُّ أبوك خارجاً من باب المسجد المقابل مرتدياً قميصه الكتانيَّ المزهَّر بالنيلة الزرقاء. ينظر إليكما عابساً، بينما سراديب الدهشة واللذة تُغلق أبوابها.