جلس قبالتي , تفصلني عنه زهريّة فيها وردة واحدة,
حمراءاصطناعيّة !
انشغل عنّي بمطالعة لائحة أسعار الطعام.
رحلتْ نظراتي إلى الركن المُعتم حيث اعتدنا أن نلتقي أحيانا بعدما يعتصرناارهاق الامتحانات الجامعيّة
الفصليّة , وهناك بدا لي أنـّي لمحتُ طيف , لا يفصلني عنه
سوى ذات الزهريـّة لكن بوردة حمراء ذابلة . غســـاااان !!!
ارتفعتْ ترنيمة ٌ من أعماق الذاكرة ...
وتدحرجتْ مـِلفاتُ الألم فوق المنضدة ...
كم كنت أحبـّه!..
كان هو وكل شئ ولا شئ سِواه في حياتي !..
كان الفارس ..! كان النورس ..!
كان حبيبي ..!
كان أول عاشق يباغتني بمكنونات قلبه:
" هل نبدأ الحكاية؟ "
كان وكان...
وكم كنت أمقت نزعته الغريزيّة لسرب من
العاشقات يُحلّقن حوله أينما سار في موكب ملوكيّ
وطقوس سحريّة لكي يرضي غروره أنه
أمير كوكبة العشاق وسيّد الرجال ... !
خنقتُ حبّي ورحلتُ عنه, كما ترحل الطيور عن أعشاشها .
بدأ ينهار كسُور حديقة.. يتساقط حجرا حجرا ...
ومع ذلك قررت أن نزيف كبريائي المجروح من مواقفه
العابثة أشدّ من نداء عاطفتي فأوغلتُ في الغياب .
**
ما زال خطيبي يعاين قائمة الطعام لا يرسو على مرفأ!
لم يكن هو اختياري ! خضعتُ لضغط الأهل في لحظة انهيار نفسيّ
حين فحصوا أوراقه وحسموا الصفقة !
ويوما بعد يوم , بدأت أصحو من غيبوبة وَهني وحاجتي للتعويض النفسي عن جرح أنوثتي , على واقع أشدّ وطأة
فأدركت أن هذا الرجل يُهَمّشُ كياني بأطواره الغريبة.
**
وضعت خاتم الخطوبة فوق الورقة النقديــّة
التي جهزها سلفا ولم يكن ليتنازل عن غيرها!
سرتُ بتثاقل نحو الركن المُعتم.
كيفك غسان؟ -
ارتدّتْ نظراته عن ضباب أيلول المتراكم خلف النافذة الصغيرة .
ضمّ جفنيه باعياء .. التقتْ نظراتنا .. تناول الوردة الحمراء الذابلة من الزهريـّة .وقف وهو يترنح ..
وضعها في يدي الممدوة نحوه للمصافحة ..
مرّ بــي . احتكّ بجسدي , فهوَى الوشاحُ الأبيض على
الأرض تحت خطواته الراحلة.
داسـَهُ دون أن يدري , ثمّ غابَ في ضباب الشّارع الطويل
وراحتْ رائحة خمرة انبعـثتْ من فمه تعبث بكل صورة جميلة أحيتها الذاكرة !
ر.ع