الزمان: 1 أغسطس 2004، 6 مساء.
المكان: قارب مطاطي يعبر المضيق من طنجة إلى الجزيرة الخضراء حاملا ثلاثين مهاجرا سريا.
* * *
أخيرا بدأ الضباب ينقشع ونستطيع أن نتابع المسير. هكذا قال صاحب القارب الذي كنا نركبه. أسنان الجميع تصطك بردا وخوفا. أصابعي ترتجف لكنني أكتب. لا بد أن أفعل. لمدة ساعة ظل من معي في القارب يراقبونني في فضول و استنكار. حتى في أحلك اللحظات نعشق الفضول. هكذا نحن. لم آبه لهم بصراحة. فقط أجبت على سؤال أنور و قلت له أنني أخلد أهم لحظة في واحدة من " تيتانيكات" القرن الواحد و العشرين. أنور – كما قال – لديه ورشة حدادة. خانته منى، حبيبة قلبه، و تزوجت سعيد لأنه يمتلك سيارة من نوع "كلاس سي" و لأنه وقح. نعم – أكد أنور – الفتاة تحب الرجل الوقح الفظ الذي لا يأبه لأحد و يبلل كل المارة بسيارته في الأيام الماطرة. دعك من المسلسلات و القصص. إنهم يكتبون فيها ما يتمنون أن يكون فعلا.
أمنت على قوله بإيماءة من رأسي و أنا أواصل الكتابة بارتباك. كلما اعتقدت أنني فهمت الحياة جاء من يكسر جرة على رأسي و يفيقني من وهمي مؤكدا لي أنني أغبى مما أعتقد.
البحر هادئ مثل هرة مستكينة. الظلام الذي بدأ يفرض سطوته الأزلية لم يفلح لحد الآن في جعلي أتوقف عن الكتابة. كما قلت لأنور: إن لم تفعل شيئا لأحدهم فإن أحدا سيفعل شيئا لك.
أومأ أنور برأسه دلالة على الفهم دون أن توحي عينيه بذلك فعلا.
هاهو القارب يرتج. تماما كما توقعت. قوارب الموت التي تحترم نفسها لا بد أن تنقلب. علي أن أضع هذه الورقة التي أكتبها الآن في القارورة البلاستيكية التي حملتها معي. لا أدري إن كان سيجدها أحدهم يوما ما. وإن وجدها قد يحتفظ بها لنفسه. قد يكون ذا لسان أعجمي فيعتقد أنها رموز سحرية.
قد يكون وغدا فيمزقها ويسب أصحاب القلم الذين لا يكفون عن كتابة الترهات.
قد يكون قاصا و يقوم بنشرما يريد منها في مكان ما.
قد.. ي...ك...و..ن..