مازالت نائمةتهادت الموسيقا في أرجاء الغرفة بطيئة.. ثم.. سريعة.. تحولت إلى سيمفونية رائعة، تسللت إلى أذنيها،ودماغها،إلى عضلاتها،مفاصلها، أيقظتها من نومها، فتحت عينيها، رفعت رأسها، نهضت، التفتت حولها، وجدت نفسها في غرفة غريبة، هل هذه هي غرفتها؟! أغمضت عينيها، أعادت النظر، لا بد أنها تحلم.. لا.. هذا واقع.. غرفتها تحولت بفرشها وستائرها، وكل شيء فيها إلى اللون اللازوردي الذي تحبه
عليها أن تحضر نفسها للذهاب إلى عملها، خرجت من غرفتها، وجدت كل شيء حولها باللون اللازوردي ، فتحت خزانتها، وجدت ثيابا جديدة مزينة بالورود، الوقت ربيع، والشمس تبتسم،وتحضن الكون.خرجت من المنزل، هبطت على الدرج، استغربت، الدرج لازوردي أيضا!
ما أجمل الرخام اللازوردي! كم تحب هذا اللون؟! فتحت باب البناية، أبصرت سيارة لازوردية تنتظر أمام الباب، والسائق واقف قربها، فتح لها الباب قال: تفضلياستغربت، سألته: أين ستذهب بي؟! ابتسم بلطف، قال: إلى عملك..ألا تعرفين؟!
جلست في السيارة، إنها تعرف هذه السيارة، تقلها دائما إلى مكان عملها، لاحظت بذلة السائق الرسمية الجميلة، شمت رائحة عطر منعش بنكهة الدراق، استرخت على مقعدها، نظرت من نافذة السيارة، رأت شارعا عريضا اصطفت حوله الأشجار، انعطفت السيارة إلى شارع ضيق يشق حديقة واسعة الأرجاء، وصلت إلى بناء ضخم يبدو كسفينة تشق اليم، توقفت أمام باب البناء، خرج السائق من السيارة، فتح لها البابقال لها: تفضلي.مشى أمامها باتجاه المصعد، متسلقا الدرجات الرخامية اللامعة، شمت رائحة ياسمين، تذكرت أن المدير أعطى تعليماته برش غرف الشركة بملطف للجو بنكهة الياسمين، صعدت إلى الطابق السابع بمصعد بلوري، وصلت، توقف المصعد، وجدت اسمها على باب إحدى الغرف، دخلت إليها، تلفتت حولها: - هل هذه غرفتي؟! إنها جميلة..
كأنني في حلم، لماذا لا أتذكر غرفتي؟! كانت الغرفة لازوردية، فيها مكتبة ضخمة حافلة بالكتب والمراجع، مخططات هندسية، طاولة رسم، مكتب وكراسي،جهاز كمبيوتر.توزعت أصص الزهور،ونباتات الزينة في أنحاء المكتب، موسيقا هادئة تتهادى من جهاز التسجيل لترحب بقدومها، جلست خلف مكتبها، بدأت تقلب الأوراق أمامها، تقرأ المشاريع التي تحتاج إلى دراسة، قرع الباب، دخل الآذن، قدم لها ورقة كي توقع عليها:(( اجتماع عند المدير العام الساعة الثانية عشرة)) لم هذا الاجتماع؟! ما هو الأمر الهام الذي يستدعيها المدير العام من أجله؟!
عادت إلى عملها، استغرقت في قراءة ا المراجع ، ورسم المخططات على جهاز الكمبيوتر، رنت الساعة بألحانها الموسيقية تعلن الساعة الثانية عشرة، خرجت مهرولة إلى غرفة المدير العام، اجتمع الموظفون والموظفات في الصالة الكبيرة المجاورة لها، رأت الطاولة المستطيلة في منصف الصالة،وقد حفلت بالمرطبات، والحلويات ، والزهور.كان المدير العام واقفا في صدر القاعة، والميكروفون في يده، رحب بالموظفين والموظفات، قال لهم: هذا حفل تكريمي للموظفين الجيدين، سنكافئهم على جهودهم في إنجاح عمل الشركة.بدأ يذيع أسماء المكرمين، وسكرتيرته توزع عليهم الهدايا، والمكافآت المالية، سمعت اسمها، اقتربت لتستلم مكافأتها، وهديتها.حين انتهى المدير من التكريم، قال: أرجو من بقية الموظفين أن يقتدوا بزملائهم المكرمين كي نكافئهم في السنة القادمة، والآن تفضلوا إلى الطاولة..
حين انتهى الحفل، وعادت إلى غرفتها،وجدت ورودا يانعة على طاولتها، ومطرباً يصدح بأغنية تحبها،تنبعث من جهاز التسجيل.تساءلت: ترى من أحضر الورود؟! من أحضر شريط التسجيل؟!
عادت إلى عملها، والفرح يرفرف في صدرها، لأن الشركة قدرت جهودها، وكافأتها، كان لديها حماس كبير للعمل، وتقديم المزيد للشركة.فجأة رن جرس ساعة منبه مزعج، تلفتت حولها، رفعت رأسها، وجدت نفسها في سريرها، وغرفتها المهملة، كانت الساعة السادسة صباحا، عليها أن تحضر نفسها للذهاب إلى العمل، فتشت عن اللون اللازوردي حولها، لم تجده، فتشت عن مكتبها الجميل، لم تجده...
آه ! لا بد أنه حلم !هل علي أن أعود إلى عملي المقيت؟! لا..لا.. سأعود إلى أرض اللازورد...أغمضت عينيها،واستغرقت في النوم، لتقودها أحلامها إلى أرض اللازورد، ورائحة الياسمين والدراق، وكانت عقارب الساعة تتمايل ببطء، معلنة مرور الوقت، وما زالت نائمة حتى الآن.