الباب يطرق.. الأم تنادي افتحوا الباب إنها طرقات أبيكم المعتادة
تنطلق البنت الصغرى كالسهم
تفتح الباب وترتمي بحضن والدها الذي انحنى لها بصعوبة
أهلا ياصغيرتي
فتبادره بسؤال فوري الم تقل إنك ذاهب لتصلي العصر في المسجد القريب فلماذا تأخرت إذا ؟أمي أعدت الشاي والكعك ونحن ننتظرك
فقال لها يمازحها اسف ولن افعلها ثانية ؟
دخل أبو فاطمة وألقى التحية على أهله
بادرته أم فاطمة بعد أن ردت التحية بأحسن منها : أين كنت لقد قلقنا عليك ؟
ابوفاطمة :بعد تردد قليل ..لقد ذهبت مع بعض جيراننا لنبارك لأبو محمد بمولوده الجديد لقد رزقه الله بولده الرابع ويجب أن تذهبي أنت أيضا يا أم فاطمة
فقالت له أم فاطمة افعل إن شاء الله
ثم أطرقت رأسها لبرهة كأنها تنظر لشيء بين ركبتيها
احمرت عيناها ،قطرة دمع تتجمع تنساب ببطء
لكنها على مايبدوا نذرٌ لسيل ٍجارف من الدمع
أم فاطمة ؟
أم فاطمة ؟
رفعت رأسها .نعم يا أبا فاطمة ،عفوا
ثم كفكفت دمعها بيدها ولكنه بدا كرشة ماء غسلت وجهها الحزين فزاده القا وبهاءً
مالك يا عزيزتي ؟ انك على هذا الحال منذ أن رزقنا الله بأخر بناتنا قبل شهرين
أم فاطمة: الشاي سيبرد سأصبه لك
لاتغيري الموضوع أتظنين أني لااحس بك
إنني اعرف السبب ولكني أتحاشى الكلام حوله خوفا عليك
وهنا جاءت (مريم) المشاغبة الصغيرة و قالت انظر يابابا ماذا جلبت أمي لطفل أم محمد
أبو فاطمة هكذا إذا !
صرخت أم فاطمة ببنتها الصغيرة وقالت لها ارجعي الهدية مكانها
والتفتت إليه تستأذنه في الذهاب لبيت الجارة و بطبيعة الحال لم يتردد الرجل في الإذن لها ولبقية بناتها
ذهبت المرأة بصحبة بناتها الأربع لتؤدي واجب الزيارة لجارتها وقد قام أبو فاطمة معهم يشيعهم إلى الباب الذي أغلقه بإحكام بعد أن خرجوا
فجأة خيم السكون الرتيب على المنزل ووقف الرجل برهة في وسط البيت يتأمل هذا المنظر وأخذ يدور برأسه على كل زاوية تقع عليها عينه ،ابتسم قليلا و اخذ يدندن بصوت مرتفع مقطعا من بيت شعر طالما كان يردده في مثل هذا الموقف
خلا البيتُ
لاخفقة ٌمن نعالٍ
ولاكركرات ٌعلى السلم ِ
سحب أبو فاطمة جسده المتعب واستلقى على الأريكة ووضع يده تحت رأسه وسرح البصر والفكر واخذ يقلب السنين كما يقلب المسبحة التي بين يديه؟
راح يسيح في عوالم الماضي والحاضر وذاك حقه لالإن ذاك أمر مستطاع مستساغ ولكن لان الخوف منهما تلاشى على الأقل بالنسبة له واللحظة الماضية غدت عنده هي اللحظة الراهنة والعكس صحيح.
أما المستقبل فكان بالنسبة له ذاك الغد المجهول وكان إيمانه بالله ويقينه بقضائه وقدره رادعا قويال كي لا يرخي العنان لحبل أفكاره الذي يكون أحيانا كخيط المسبحة التي بين يديه ير بط الماضي والحاضر والمستقبل
ولكن الطبيعة البشرية قد تغلب أحيانا وذاك أمر طبيعي والشيطان قد يتصيد بعض لحظات الضعف تلك والتي يبدوا لهاابو فاطمة كالمستسلم –وإن مؤقتا – وكأنه يبث رسالات شكوى من العبد لربه كلما خلا بنفسه المرهفة
ربي الم يقل زكريا لك (ربي لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين)
ربي منذ خمس وعشرين سنة وانأ أسالك أن ترزقني الولد الذي يكون لي عونا في الشدة وذخرا عند الكبر؟
ربي لقد كنت اسأل أبي وأنا لما أزل صغيرا وهو يعرض لنا شجرة العائلة لماذا يا أبي هذه الاسم مكتوب لوحده فيما غيره قد تفرع عنه عدة أسماء فيجيب أبي انه لم ينجب إلا البنات أو لم ينجب أبدا !
كانت هذه الاجابه التي سمعها من أبيه تطن في إذنيه وكيف لا وهو رجل ينحدر من نسل فلاح قروي
ربي أتذكر كم مرة أراد فيها بعض إخوتي مني إن أتزوج على أم فاطمة لأنها لاتنجب كما يقولون غير البنات وكانت هذه القضية تثير زوابع كادت أن تهد بيتنا وكانت أم فاطمة أحيانا لاتطيق نفسها وهي التي كانت تلح علي كي ننجب أطفالا إلى أن أصبحن سبع بنات وكانت تبكي كلما سألتها بنتها الصغرى لماذا يا أمي ليس لي أخ مثل بيت عمي ؟
بابا بابا بابا
قطعت الصغيرة المشاغبة مريم سلسلة أفكاره وحسنا فعلت
أبو فاطمة استغفر الله ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطئنا
أم فاطمة يبدوا انك كنت في عالم أخر حتى انك لم تشعر بنا حين دخلنا.
لقد كان أبو فاطمة متخوفا من أن يسألها عن مشوارها فحاول أن يغير الموضوع
كيف هي حال أمك أما زالت صحتها معلولة ؟ أجابت على الفور: انه العمر كما تعرف!
واسترسلت قائلة :طفل أم محمد جميل جدا انه ولدها الرابع
تقول أم محمد انه يشبه خاله وقد قلت لها إن ذلك صحيح رغم إني لم أرى ذلك الخال ؟
إنها فرِحة به كأنه ولدها الأول وقد شكرتني على الزيارة والهدية ووعدت بردها إن شاء الله.
كان أبو فاطمة ينظر لوجه زوجته ويتفاعل مع حديثها ويبادلها بابتسامة خفيفة
وكان عاجزا عن الكلام غير انه مستغرب أيضا من استرسال زوجته وعلامات السرور التي بدت على محياها لأنه كان يتوقع منظرا اشد ظلاما ووجوما إلى حين الله اعلم بمداه؟
وأضطر الرجل مع استرسال زوجته وعنادها الظاهر أن يجاريها في الكلام وفاجئها بقوله لكنه في كل الأحوال ليس أجمل من بنتنا السابعة.
هكذا وعن غير قصد خرجت هذه العبارة منه
صمتت أم فاطمة وكأنها رأت في العبارة استفزازا لها
قالت ولكنه ولد ؟
واستدرك الرجل ومالها بنتنا أنها كالقمر ولله الحمد
وهنا تغيرت ملامح المرأة وخيم السكون على المكان
و اشرأب عنق الرجل واخذ يعد العدة لمعركة مقبلة أخذت تباشير ها تلوح في الأفق
أم فاطمة تأمر بناتها بالانصراف لأنها تريد الحديث مع أبوهن
كانت عينا الرجل ترقب حركة بناته وهن ينصرفن إلى أن توارت أجسادهن خلف جدران الغرفة المجاورة؟
نظرت أم فاطمة إلى زوجها نظرة كان يفهمها جيدا اقتربت منه كثيرا سألته على الفور مالها بنتنا السابعة ؟عجز الرجل عن الإجابة غير إن
تقاسيم وجهه عكست صورة أخرى وعلى الفور انقضت عليه كما ينقض الصقر على فريسته وقبلته واحتضنته بقوة؟
العجيب إن الصورة انقلبت اليوم فهو ومنذ مجيء بنتهم السابعة وما رافق ذلك الحدث وما سبقه كان يتوقع موقفا كهذا ولكن ليس بهذا الشكل
هو كان يتصور نفسه قد استعد لما هو آت ولكن بعض المواقف وردود الفعل تكون وليدة ساعتها وخارج حساباتنا المعقدة منها والبسيطة ؟
والإنسان لايستطيع أن يحدد لنفسه ولمن حوله مسارا محددا هو من يرسم إحداثياته
فحياتنا مزيج معقد من من ثوابت ومتغيرات والعاقل منا من هدي للرشاد وتتبع مضانه وعرف حدوده وهو في كل الأحوال غير ملام أبدا عما هو فوق طاقته وقدرته على التحمل وتلك عوامل يتباين فيها الناس تبعا لعوامل متباينة تتداخل فيها الإرادة العليا المهيمنة على الكون مع بقاء قدر معين بيد الإنسان وهو أيضا مسئول عن هذا القدر.
أبو فاطمة وعلى غير المتوقع ينفجر باكيا لأول مرة على صدر زوجته، والزوجة الرؤوم تحتضنه وتربت على كتفه .
الموقف انقلب هذه المرة ولسنين كان المنظر معكوسا ولكنه اليوم أكثر تعبيرا ودلالة
أنها أنات تختزل مشوار عمر و دموع تشق طريقها بصعوبة على خدود ملأتها الشقوق والتجاعيد الوعرة بفعل عوامل الزمن
أم فاطمة : استرجع الله يارجل أنت معلم الحي وعميد إخوتك وكبير هذا البيت العامر بك
وما العيب أن تكون أبا لسبع بنات إنها أولا مشيئة الله جل وعلا كما وان بناتك مثال الشرف والعفة والطهارة ويشهد لهن القاصي والداني ولقد زوجت منهن ثلاث ورفضت تزويج الرابعة لصغر سنها
ياابا فاطمة إنهن الذخر يوم القيامة وبهن ستدخل الجنة كما قال النبي عليه الصلات والسلام
يا أبا فاطمة اتذكرجارنا الذي كان يسميه الناس أبو الغائب لأنه لم يكن له ولد أو بنت ونحن بحمد الله رزقنا بسبع بنات وتلك حكمة الله تعالى وهو موزع الأرزاق وله وحده االامر.
سكن روع الرجل وانقطع سيل دمعه وتنهد تنهيدة عميقة وجعل ينظر إلى وجه زوجته وكأن تلك الموعظة البليغة وقعت منه موقعها
ابتسم لها ابتسامة خفيفة وقال لها : ها يا أم فاطمة هذه بضاعتنا ردت إلينا
لطالما كنت إنا من يتحفك بهذه المواعظ يبدو انك وعيتها جيدا
أم فاطمة: صحيح ولكنها التذكرة فقط والتذكرة تنفع المؤمن كما تعرف
وهنا يطرق الباب طرقات ضيف عزيز
عاصفة من الصراخ يمخرها صبي بعمر الورد يخترق الصفوف ويصيح
جدي جدي.... انه الحفيد الغائب منذ شهور وهو ولد ابنتهم الكبرى
احتضن الرجل حفيده حتى تدخلت أم فاطمة لتحل وثاقه من يدي جده
أم فاطمة لقد عوضك الله بحفيد ك الغائب الذي يشبهك تماما
أبو فاطمة : الحمد لله على نسمات رحمته التي لولاها لكانت حياتنا خرابا يبابا