فراسة :
كان الشاب يسرع الخطى وهو يدخن سيجارة تجاور حمرة لهبها شفتيه ويتأبط قنينة خمر رخيص متجها نحو ماخور تنادي من نوافذه المومسات على المارة كما ينادي الباعة المتجولون على الزبناء حينما أوقفته كلمات شيخ تعلو ملامحه علامات دراسة الفراسة:
- "أراك وحيدا ومدمنا ومبتلى!"
وحين توقف الفتى وجمد مكانه، واصل الشيخ:
- "التدخين للمتوترين، ومعاقرة الخمر للأشقياء، وارتياد المواخير للخجولين، وإدمان الوحدة للمنبوذين!"...
ثم انصرف تاركا الشاب يتفرس صورة وجهه منعكسة على زجاج قنينة الخمر الرخيص المطلة من تحت إبطه.
غابة :
أحاطت به عصابة الفجر من كل جانب وقال له أعضاؤها قول رجل واحد:
- "اخرج ما في جيوبك وإلا فلن تلوم غير نفسك!".
انتبه للسكاكين حول عنقه وخاصرته وظهره وبطنه وأعطاهم ما في جيبه من أوراق نقدية حتى إدا ما أخلوا سبيله وانصرفوا قصد أقرب مخفر للشرطة ليحتج عن الأمن الغائب في البلد وعن الوطن الذي صار غابة وعن غربة المواطن في غياب أي حماية اللهم الرعاية الإلهية التي أعمت اللصوص عن المال الذي لا زال يحتفظ به في جواربه.
أنهى الضحية احتجاجه على الشرطي داخل المخفر وخرج يرغد ويزبد.
في الباب، طوقته نفس العصابة بنفس الأسلحة البيضاء وقال أعضاؤها قول رجل واحد:
- "هات المال الذي لا زلت تحتفظ به في جواربك!".