.. كانت منهكةَ القوى .. باهتة الملامح .. زارتني قبل أيامٍ قليلة .. تحدثني بصوتٍ متقطع يملؤهُ الخوف والحزن وهي تقول لي : أجهلُ كيف أعبرُ عن نفسي أو أصفَ حجم مأساتي لمن يهمهم أمري .. فأرجوا أن يكون قلمكُ صلةَ الوصلِ بيني وبينهم .. علَّهُم أن يدركوا ألمي وما ألمَّ بي في آخر أيامي ..
.. لم أتردد أبداً .. كلما فعلته أنني قمتُ بإنشاء صفحة جديدة على حاسوبي وأعطيتُ العنان لقلمي أن يصفَ تلك المأساة التي رأتها عيني .. وصَدَّقها قلمي :
.. رغماً عني ألقت بيَ الأقدار في بئرٍ عَميق .. حيث لا هواء ولا ماء .. والظلام دامسٌ أينما ولَّيتُ وجهي .. ! هل جربتَّ ذلك الشعور الذي يعتريكَ حينما ينكسرُ المصباح الذي بجانبك فجأة .. فيتحطم وتتطاير شظاياه .. وتظلم الدنيا من حولك .! أنا ذلكَ الذي تحطم شيءٌ بداخله .. وأظلمت دنياه .. وأنا الآن أسيرُ بحثاً عن ذلك الحطام الذي لا أعرف ما هو حقيقةً .. لكنه جعلَ دنياي مظلمة ..
وطريقي شائكٌ وضيق .. ونَفَسي مُتقطع .. كيف لا وأنا لا أرى إلا الظلام .. ثم يأتيني السؤال : ما الذي حدث .. ما الذي يستحق كل هذا !! سؤالُ سخيف جداً !! أليسَ كذلك !؟
إنني كمن قضى عُمُره يجمعُ المال من أجلِ أن يَحظى بزيارةِ الكعبة .. واستظل تحت ظلِّ شجرةٍ بجانب دابَّته لينالَ قسطاً من الراحة .. فيستيقظ ليجَد أن الدابة التي تُوصله إلى مبتغاهُ قد هربت .. وأنَّ المال الذي جَمعه في ما مضى من عُمُره قد سُرق .. فكيف يكونُ حاله ..!!
لا بل أكثر من ذلك .. هل رأيت يوماً مشهد ” الميت ” وقد شَرع مُغسِّلوه في صبِّ الماءِ عليه وتحريكهِ ذات اليمين وذات الشمال بعد تعريتهِ من ملابسه .. ورفعِ يده .. وتضفير شعره .. وفتح فمه .. إن حالي كحال هذا الميت بلا مبالغة .. وأنا لا أجد مبالغة في وصف حالي .. ولكن قد يجدُ أحدكم مبالغةً في تشبيهي حالي بحال الميت الذي لا يملك من أمرِ نفسهِ شيء .. بل أمرهُ كلهُ بيدِ مغسِّليهِ ومكفِّنيه .. فأنَّى له أن يصارعَ قدرهُ ويتحرك .. أو يمشي .. أو يضحك .. أو يُمشط شعره .. أو حتى أن يتنفس .. وهو لا يملك الإرادة ولا القوةَ ولا القدرة على المقاومة .. ولو كان الميِّتُ بيده أن يقاومَ الموت لفعل .. ولعاد للحياة من جديد .!! ولكن أنَّى له !!
إن الأشخاص بالنسبة لي لا يمثلون شيئاً .. فالخوف منهم كان يلازمني في تلك الفترة المشئومة .. لكنَّ يداً في الخلف كانت تدفعني وتجعلني أمضي .. إن القضية لدي َّهو حلُمي .. الحلم الذي ولّدَ أحلاماً أخرى .. الفرحة التي ستلد أفراحاً أخرى كثيرة .. لكن كل ذلك تغير .. كل ذلك تحطم .. ولم يبق منه شيْ .. لا أعلم هل هذا مضحك أو بالأصح يستحق مني أن أضحك وأقول كما تقول تلك الأصوات من حولي : لا شيء يستحق .. أم أبكي وأنا أرى كل شيء حولي يبكي معي .. أو لا يبكي ليس مهماً أبداً ..!
كل الذي أعلمه أنني لستُ مخيره أبداً فيما أشعر به الآن .. في دموعي .. فيما آلت إليه حالي .. فأنا بلا إرادة ..بلا رغبة .. بلا قوة .. بلا حياة ..
لقد أعطيتُ كثيراً .. ويجب أن تنال نفسي حظها من العطاء .. حتى وإن كان حزناً .. أو بكاءً .. لقد قاومت كثيراً .. وانتصرت .. وهزمت .. وضعفت .. وقويت ولكن ما يحدث الآن ليس بيدي .. فيدايَ فارغتان تماماً ..
أنا لستُ حزينة .. كلما ما في الأمر أنَّ شيئاً تحطم .. ولم أعد أرى الطريق ..!