تتهادى إليّ بخفةٍ ودلال كالحمائم اللندنيه في أعياد الميلاد,
تحملُ على جناحيها كومة من التساؤلات والأمنيات
تطرحها أمامي, وتنتصب كقاضيه في محكمة عدل تستجلي الحقائق والأسرار ..
تقول لي صغيرتي الجميلة ذات الشعر المُتمرد :
ماما / أريد أن أتلمس النور, من شموس الكتب التي أحتضنها بين يدي الطريتين .. أريد أن أتلمس العالم من حولي ..أستقرأ الموجودات..الكائنات..الكلمات..كل شيء, كل شيء يُشبع حواسي المُتلهفه لاكتشاف فضائنا الصغير والكبير.
ماما / أريد أن أندس في أحضان المدن التي ترصع خارطة العالم, أستكشف أغوارها, أغوص في أعماق ثقافاتها , أهيم في أراضيها, شوارعها, حاراتها, أسواقها , أريد أن أتعرف على عادات وتقاليد شعوبها, وأزور أهم المعالم التاريخيه فيها, أود أن أغوص في تاريخها و أتعرف على ملامحها الحضاريه وتاريخ نشأتها وتطورها الزمني, أحب أن أطّلع على سياساتها الداخليه وأتعرف على وجوه حكامها, أحب أن أتذوق نكهات مطبخها التقليدي وأجرب تحضير بعض أطباقها الشهيره, أريد يوماً أن أطرق أبواب بيوتها العتيقه, أحل ضيفه على إحدى أسرها الأصيله أتسامر معهم, وأنغمس في ثقافة مختلفة في حضرتهم .
ماما/ أنا أحب أن أعيش كما علمتيني, أعيش أكثر من حياة في حياةٍ واحده, أتذوق كل يوم ثقافة جديدة, وأسبر أعماق حضارةٍ أخرى, أتعايش مع مختلف الشعوب والأجناس البشريه لا أنكفأ على نفسي في ظل جغرافيتي المحدوده, ألم تقولي ذات مساء من قبس قرآننا الكريم " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " .
ماما / قبل أن أغفو ذات ليلة قلتِ لي أن الليل ملك العدل في الأرض, فهو يُصور للفقير المُدقع في منامه وأحلامه أنه ملك الملوك يعيش في أبهى القصور بتدلهٍ وجمال, ويُصور للغني المدلل أنه أسحق كادحي الأرض يعملُ بيديه/ يتعرق جبينه حتى ينال لقمة العيش !
بت أفكر في ذلك كثيراً, وأتمنى لو كان يومنا كله ليلاً, ولكنك قلتِ لي من قبس كتابنا المجيد " وجعلنا النهار معاشا ", وبينتِ لي أهميه العمل والكدح والكسب الحلال, فحتى ننال شرف الحياة لابد أن نعمر الأكوان من حولنا, ونُحيي فيها خيرات السماء التي تهطل علينا بمعيّه إلهنا الكريم .
ماما / قال لي " بابا " ذات مرّه ونحن على متن الطائرة نناظر الأرض من سماوات عدّه, : انظري يا صغيرتي الحلوة إلى أراضي الله الواسعه وأقرئيها, فكل شيء فيها قابلٌ للقراءة, حتى ولم تتعلمي القراءة بعد !
وتركني وحدي أصارع أمواج أفكاري, أحاول أن أفكك ما قاله لي!, وأتفرس في وجه كل شيء يدور حولي, لعلي أقرأ شيئاً من سبورة الحياة, أقرأ السماء, أقرأ الأرض, أقرأ اليابس والحي, أقرأ الإنسان والحيوان والنبات, بت أقرأ في دفاتر كل شيء حتى أصل للحقيقه بنفسي بفعل الفطرة والطبيعه, فلا حقيقة أنصع من تلك التي يشتمها الإنسان ويسمعها ويراها بنفسه بفعل حواسه التي وهبها الله له للتعلم والمعرفه .
يتبع مع أحاديث صغيرتي 2