(1)
للمرة الألف تتصل بى ، للمرة المليون تفهمني خطأ ، اليوم فقط – للمرة الأولى – وجهاً لوجه تفكك ملامحي إلي دهشة بدون غد .
(2)
أعجبها فناورته ، بَنَت جسراً من الرقة ، أصبحت تعجبه الآن ، وكل منهما يعبر تجاه الآخر بحذر غائب . (3)
انتبها للجالسين معهما بأعين دهشة تخترقهما ، نظرا لبعضهما .. لاحظا أنهما متشابهين أكثر من اللازم .
(4)
منذ فترة تقرض أظافرها بنهم ، ويقرض أظافره .. بالأمس فقط أصبحت أصابعهما متشابكة ، وهما يقرضان شفاههما بهدوء .
(5)
مُترددة وقفتْ تحدد اتجاه الريح .. لا تدرك أنها شفافة ، لدرجة أنها لو سبحت فى اتجاه أو عكس التيار فلن تُبل .
(6)
وعيناها دامعة سألتني :
- ترى ما السر ؟! .
قلت :
- منذ الأزل والعصافير تنبت فى الصدر وتكبر ، إلي الحد الذي لا يُسمح لها بالطيران فتبكى .
(7)
بعد محادثته أغلقت أهدابها واستلقت ممعنة فى احتضان طيفه .. تنهدت بغيظ حين أخرجه ضوء الشمس ، المشاكس لزجاج النافذة ، محاولاً الدخول .
(8)
كلما التقيا صدفة ، يبادرها بوجه جيلاتينى أحمر :
- لا أنام .. لا أنام ..
وتهرب .. هذه المرة تمسمر فى عينيها ، حتى قالت :
- جرب أن تمسك فرشاة ضخمة ، تغمسها ببطء فى دلو طلاء أبيض ، وأكتب من واحد لعشرة فى الفراغ .. بعدئذ .. سوف تروح فى الشخير .
وأطلقت ضحكة عالية .
(9)
فى دهشة منها هاجمها متمتماً ، فاقتربت منه أكثر ، قال :
- أنت محاصرة من الداخل .
.. .. ..
وهو يفض حصارها ، روحها سالت فى شهقة هاربة ، وحلقت فى دهشته .
(10)
الرجل ذو الأسنان المدخنة ، بمكر قال لها :
- لم يعد ينقصك إلا هو .
نظرت إلي هو ..
.. .. ..
ومنذ تلك اللحظة ، وأنا أرقد فى قاع عينيها .
(11)
الدنيا تكسرت بينهما ..
طق ..
طق ..
طق ..
ومع أخر طرقعة لأصابع يدها اليمنى ، حلت حلقة الفضة ، وألقتها لابتسامته المراوغة .
(12)
وهو صامت يلتقط تنهداتها من صدر الهاتف ، ضحكت فى وجهه حين باغتها بتنهد أطول .
(13)
البنت التى ضحكت إلينا – بدون مبرر – أشاحت وجهها عنا ، واسترسلت ..
.. .. ..
حتى بكت .
(14)
على وقع خطواتي الباهتة ، جيئة وذهاباً ، أرقبه بجسده المترنح من كثرة الذهول ، وحين يغط فى نومه ، ينتفض بين ذراعين وهميين ، يلاطم رائحة عبقة ، وذيلاً لمهرة استكانت إليه ، وعينين سوداوين تهشان الحلم من حوله ، وتسكنان رأسه ..
تذكرته ، وهو الآن لا ينظر إليَّ ، وأنا أجهش بالبكاء .
(15)
فى الليل كان يسمع أنات فى الغرفة المجاورة ، فينام والترقب يملأ أذنيه ، وكلما ضبطته أمه نهاراً وهو يحرك بسرعة عقارب الشمس تجاه الليل ، تجره من ذيله ، ضاغطة قوس سمعه بإصبعيها ، وتقول : " أنت معجون بالشياطين " .