"قال الرجل النحيل الممصوص الوجه ، وهو ينقل نظراته بين الشاب الجالس فوق المقعد يدمن نظراته بين سطور الجريدة والعجوز المتورمة الوجه كادت تختفي عيناها ، تقف خلفه وكانت تعض أسنانها من الألم
- لم بعد عند الناس دين... أين الإسلام ؟ قلت في نفسي لو كنت مكان هذا الشاب لأجلستها .. ثم خطرت لي فكرة : ورقة نقدية صغيرة ، يأخذها أول شحاذ أقابله يكون صادقاً يدعو الله أن يصلح أحوالي.. يستجيب الله لدعائه.. لا يردني موظف الجوازات هذه المرة, ثم أسافر إلى الخارج "
"أنا الآن بجوار محطة السكة الحديد ؟ لماذا لا أركب القطار ؟ إنه أرخص بكثير من الأتوبيس والتاكسي " .؟ تطلع إلى
معصم يده اليسرى تذكر على الفور أن ساعته ليست معه ، تلفت حوله وقال له ثالث رجل مر به : التاسعة والنصف .
قال : شكراً وتأكدت ظنونه في أن ثمة قطار سيقوم من المحطة حالاً . ردد في نفسه وهو يسرع الخطو "قلب المؤمن دليله ". أسرع يرتقى درجات السلم الخارجي لمبنى المحطة كان عليه ألا يتوقف، غير أنه استرعى انتباهه الرجل المتكور أعلى السلم ماداً يديه إلى الأمام يكاد يقطع عليه الطريق ، اختفت ساقاه خلف فخذية بحيث يبدو للناظر كأنما بتر نصفه الأسفل من عند الركبتين . وقف متحيراً للحظة ثم مد يده في جيب القميص العلوي وأخرج ورقة نقدية صغيرة رماها في حجر الرجل وجرى يلحق بالقطار .
"أعرف أن هذا الشحاذ لا يستحق الصدقة وأعرف أنه يخفى ساقيه خلف فخذيه وأعرف أنه يحمل في طيات ملابسه ما يكفى حاجتي لسنه قادمة أو أكثر .. لكن هل يستجيب الله لدعوته ؟" .
القطار لا يزال بجوار الرصيف ، هذه هي الصفارة الأخيرة .. تحرك يجرى الآن خلفه
لحق بالقطار على أخيرا . قالت امرأة تفترش الرصيف تنتظر القطار القادم(على مهلك يا بنى ) ارتمى على مقعد خال بين لا مبالاة الركاب .. قال بصوت منقطع "نفسي انقطع ".
هدأت أعصابه قليلاً وبدأ تنفسه يعود إلى وضعة الطبيعي ، تخيل نفسه يقف /أمام الرجل القابع خلف المكتب وراء الشباك الحديدي في مصلحة الجوازات يبتسم له وقد أخذ الأوراق منه :
- تمام يا أفندم .. أي خدمة
قال الكمساري وهو يدق بيده خلف المقعد :
- تذاكر .
– انتظر الكمساري حتى كتب له التذكرة ثم أخذها وانتقل بجوار الشباك ، مد بصره من خلال النافذة يتابع الحقول وأعمدة التليفونات :فوجئ بانحصار اللون الأخضر في الحقول ثم اكتشف أن القطار يسير ببطء شديد
"يقول المثل العامي : يا طالع من بلدك حزين راح تفرح فين وأنا حزين : والقطار يسير ببطء شديد يكاد يتوقف ..أخيراً وصلت إلى مبنى مصلحة الجوازات لأجد الباب مغلقاً .. "اليوم إجازة رسميه بمناسبة عيد الثورة المجيدة ".هكذا قالت الورقة المكتوبة بخط رديء وهى تكاد تسقط على الأرض الموحلة.