برعم الورد الصغير Little Button Rose
للكاتبة لويزا ماي ألكوت
ترجمة أمل الرفاعي
دخلت طفلة صغيرة تُدعى روزا موند إلى غرفة واسعة كانت سيدات ثلاث جالسات فيها أمام طاولة الحياكة. إحدى أولئك السيدات كانت نحيلة جداً بينما كانت السيدة الأخرى مُكتنزة جداً، أمّا أصغرهن سناً فكانت جميلة جداً.
قالت الطفلة:
"من فضلكن أنا...".
لكن السيدة الأكبر سناً لم تكن قد تركت لها المجال لمتابعة كلامها. خلعت نظارتها ووضعتها جانباً ونظرت إليها نظرة فاحصة، وكانت السيدة المُكتنزة قد وضعت ما تحيكه جانباً، وقالت السيدة الأجمل والأصغر سناً:
"لا بد أنك الصغيرة روزا موند!".
أجابت الطفلة بهدوءِ الشخص الواثق من نفسه:
"نعم أنا هي. أحمل لكُنَّ رسالة من العم بينوليب، وسوف يجلب السائق الآن أمتعتي".
كانت السيدة المكتنزة قد مدّت يدها لاستلام الرسالة، لكن الطفلة كانت قد ألقت نظرة فاحصة إلى السيدات الثلاث ثم سلّمت الرسالة للسيدة الأكبر سناً، وكانت قد قبّلت السيدة الصغيرة وقالت لها:
"حسناً! هذا جيّد، لكن أعلميني كيف عرفت ذلك عزيزتي؟".
أجابت روزا موند بأسلوب ينمّ عن البراءة دون أن تكون قد أدركت تماماً ما سيكون عليه وقع ما ستقوله:
"أووه... قال لي بابا إن العمة بيتي متقدمة بالسن وإن العمة نريت مُكتنزة، وإن العمة سيسيليا جميلة، وبذلك كان بإمكاني أن أعلم لمن علي تسليم الرسالة على الفور".
تناولت الآنسة بينوليب الرسالة بسرعة، أما الآنسة سيسيليا فكانت قد ضحكت وقالت:
"أخشى أن نكون قد حصلنا على فتاة بغيضة على الرغم من أنه ليس بإمكاني أن أتذمر من الملاحظة التي أبدتها فيما يخصّني".
أما الآنسة هنريت فكانت قد قالت بنبرة قاسية لا تنمّ عن أي ترحيب:
"لم أكن قط ّ أتوقع أن تكون طفلة كلارا مهذبة وها أنا أرى الآن أنني كنت على حق. اخلعي قبعتك روزا موند واجلسي".
كانت الطفلة قد أدركت حينئذ أنها ارتكبت خطأ ما، لذا امتثلت لطلبها بهدوء وجلست على المقعد وضمّت يديها على حقيبة اليد الصغيرة التي كانت تحملها، وأخذت تجول بنظرها في المكان دون حياء بعينيها الصغيرتين الزرقاوين، وقد بدأت تعود إلى قلبها الصغير ذكريات لطيفة لذلك الفراق الذي لم يكن قد مر ّعليه بعد وقت طويل.
أخذت الآنسة بيني تقرأ الرسالة ببطء، أما هنريت فكانت قد تابعت تطريز زهور البنفسج بخيوط من الحرير، بينما ظلّت سيسيليا جالسة بهدوء على الأريكة في إحدى زوايا الغرفة تتفحّص القادمة الجديدة.
وأما عن تلك الطفلة الصغيرة فسوف نقدمها للقارئ الآن:
كان والد تلك الطفلة ـ وهو ابن عم السيدات الثلاث ـ قد استدعي فجأة لمهمة عبر البحار، وكان عليه الالتحاق بها على الفور مع زوجته، وبذلك قرّر ترك طفلته الصغيرة في عهدة ورعاية أولئك الآنسات المُتقدمات في السن لأنه وجد أن طفلته لا تزال في سن مُبكرة لا تسمح لها بتحمل مشقة السفر... كان عندما تركها في عُهدتهن قد اعتقد أن طفلته سوف تكون سعيدة بتمضية فترة الصيف في تلك المنطقة الريفية الهادئة، وأن ذلك سوف يكون مفيداً لها لأنه سيُعزيها عن فراقها عن والديها. وعلينا أن نقول إن الطفلة كانت قد تلقّت قبل ذلك تدريباً جيداً كي تكون ضيفة ومُرافقة لطيفة لأولئك السيدات، وعلى أن تعمل على إرضاء أولئك القريبات وأن تحبهن جداً وأن تحافظ على وعدها بأن تكون شجاعة وحليمة وطيبة معهن مثل والدها ووالدتها.
سألت سيسيليا الطفلة عندما استدارت العينان الزرقاوان إليها بعد تلك النظرة التي جالت بها في جميع أركان الغرفة الواسعة الكئيبة غير العصرية:
"حسناً! ما رأيك آنسة ؟".
أجابت الطفلة "هو مكان جميل واسع لكنني أراه مظلماً كئيباً بالنسبة إلى طفلة صغيرة مثلي".
كانت هناك رعشة في صوت روزي، ثم فتحت حقيبة يدها لكي تخرج منها منديلاً لأنها شعرت بأنها سوف تحتاج إليه خلال وقت قصير إن لم يتحدث إليها أحد بسرعة.
كانت الآنسة هيني (هنريت) من تحت نظارتها قد ألقت نظرة قاسية على تلك الطفلة التي كانت ملاحظتها الثانية أقل مناسبة من الملاحظة الأولى وقالت:
"نحن من جعلناه قليل الإنارة لأجل عيني شقيقتنا ..."وأضافت: "عندما كنتُ طفلة كان من المَعيب أن تُدلي طفلة صغيرة بملاحظات غير مهذبة حول منازل الآخرين؛ خاصة إن كانوا من الأشخاص المحترمين جداً".
قالت الطفلة بسرعة:
"لم أكن بما قلته قد قصدت الإساءة لابنة العم، لكن علي أن أعترف بأن الفتيات الصغيرات لا يُحببن الأماكن المظلمة، وأنا آسفة جداً لأجل عيني ابنة العم بيني. سوف أقرأ لها كما أفعل لأجل ماما فهي تقول إنني أفعل ذلك بشكل جيد جداً بالنسبة لطفلة مثلي لاتزال في الثامنة من عمرها".
كان لتلك الإجابة اللطيفة ولتلك النظرة الرقيقة الطيبة من الطفلة تأثيرهما في تهدئة الغضب الشديد الذي كانت فيه الآنسة هنريت لأنها كانت تعتز بنفسها كما كانت تفخر بشكل خاص بمنزلهن القديم، وكانت بذلك قد وضعت نظارتها جانباً وقالت بأسلوب أكثر لطفاً:
"هناك غرفة صغيرة جميلة بانتظارك في الطابق العلوي، وهناك أيضاً حديقة بإمكانك اللعب فيها، وسوف تستمتع شقيقتي دون شك بالاستماع لما ستقرئين لها، أما أنا فسوف أعلّمك الحياكة لأن ذلك حقا أكثر ما تم إهماله في تربيتك".
أجابت الطفلة:
"لا سيدتي، أنا أجيد الحياكة والخياطة، وبإمكاني أن أضع الحواشي على مناديل أبي، كما أنني تعلمت كيفية رتق جواربه عندما... عندما... قبل أن يسافر.
وكانت روزي قد توقفت قليلاً عن متابعة الكلام لأن الدموع كانت قد خنقتها لكنها كانت معتزة جداً بنفسها؛ بحيث لم تكن لتدع المجال لإظهار ضعفها، وكانت بذلك قد جففت على الفور الدمعتين اللتين سقطتا على خديها بقفازها وزمّت شفتيها وسيطرت على نفسها تماماً وقررت أن تتمالك نفسها تماماً إلى أن تصبح بمفردها في تلك الغرفة الصغيرة الجميلة التي وعدت بها.
كانت سيسيليا على الرغم من كونها شابة كسولا غير مبالية، قد تأثرت بما ظهر على وجه تلك الطفلة المثير للشفقة. وقالت بلطف وهي تُربت على الأريكة التي كانت مُمددة عليها:
"تعالي إلى هنا عزيزتي . اجلسي إلى جانبي وحدثيني عن نوع القطط الصغيرة التي تُفضلينها. لدينا هنا بعض منها، ربما كنت ترغبين في الحصول على قطة صغيرة، أليس كذلك؟".
قالت روزي وهي تسرع إلى جانب سيسيليا وعلى وجهها ابتسامة تثبت أن ذلك هو نوع الترحيب الذي ترغب به:
"أووه ... نعم هذا ما أرغب به".
لكن هنريت كانت قد قالت:
"والآن سيسيليا لم تحشين ذهن الطفلة بمثل هذه الأفكار؟ أنت تعلمين جيداً بأنه ليس بإمكاننا أن نحتفظ بأي قطط في المنزل خشية تعثر شقيقتنا بها. هذا إن لم نشر إلى ما تتسبب به القطط من أشياء بغيضة؟ كل ما تحتاجه الطفلة هو اللعب مع القطة تابي ومع بعض الدمى".
ثم سألت الطفلة: "لابدّ أن لديك بعض الدمى أليس كذلك؟".
وكانت قد طرحت عليها السؤال كما لو أنها تسأل عما إذا كان لديها شيء كثير الأهمية.
هتفت الطفلة روزي وهي تُخرج من حقيبة يدها بسرعة دميتين وزجاجة عطر وحقيبة نقود كانت قد سقطت منها الكثير من النقود الفضية على السجادة النظيفة:
"نعم بالطبع! لدي في حقيبتي تسع دمى كما لدي اثنتان صغيرتان في حقيبة يدي، وسوف ترسل إلي أمي أيضاً من لندن دمية كبيرة جداً عندما ستصل إلى هناك لكي تنام إلى جانبي في السرير".
قالت الآنسة هنريت بلهجة من يطلب من الله الحِلم أمام مُعضلة أو كارثة:
"ليرحمنا الله ما هذه الفوضى!.. احمليها من على الأرض بسرعة ولا تقومي بفتح المزيد من أمتعتك هنا. دمية واحدة تكفي".
وكانت روزي قد أطلقت تنهيدة وهي تنحني لجمع تلك القطع النقدية. لكن سيسيليا قد همست لروزي التي كانت تجمع تلك القطع النقدية:
"لا تهتمي بالأمر. هذا بسبب ارتفاع الحرارة فهي تصبح متوترة بعض الشيء عندما يشتد الحرّ".
أجابت الطفلة الصغيرة بصوت جليّ بحيث يكون بإمكان الجميع سماعه:
"كنت أعتقد دوماً أن الأشخاص المكتنزين لطفاء. أنا مسرورة لأنني لست مكتنزة...".
من يدري ما الذي كان سيحدث لو لم تكن الآنسة بيني قد التفتت لما قالته روزي. كانت قد أنهت للتو قراءة الرسالة ثم ناولتها لشقيقتها وقالت وهي تمد ذراعيها نحو الطفلة:
"أدركت الآن كل ما في الأمر. سوف تصبحين طفلتي، لذا اقتربي مني حبيبتي لكي أقبلك".
سقطت الحقيبة من يدّ الطفلة روزي، وكانت وهي تُطلق صرخة بهجة صغيرة قد التجأت إلى صدر تلك السيدة الطيبة القلب التي كانت آخر الأمر قد رحبت بها بتلك الطريقة الرقيقة، وقالت وهي ترفع نظرها إليها بعد بضع لحظات من العناق والحنان الذي تحبه المخلوقات الصغيرة، والذي كانت روزي في حاجة ماسة إليه أشبه بالطيور التي تترك أعشاشها وتفتقد حضن أجنحة والدتها:
"يناديني أبي بلقب برعم الورد لأنني صغيرة الحجم ورقيقة وذات بشرة بلون الزهور، لكنني أكون أحياناً ذات أشواك".
قالت الآنسة بيني وهي تمسح الدموع التي كانت تلمع على ذينك الخدين النضرين أشبه بندى على زهرة قرنفلية اللون:
"سوف نناديك بأي اسم تحبينه وبأي لقب ترغبين به حبيبتي، لكن روز موند اسم جميل وأنا أحبه جداً لأنه كان اسم جدتك والدة أمك التي كانت أرق امرأة عرفناها. لكنني سأطلق عليك اسم فرخ الدجاجة الصغير".
قالت الآنسة هنريت وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة للمرة الأولى:
"هذا جيد وأتمنى أن تكون الدجاجة الصغيرة بعيداً عن الثعلب أوكسي حتى لو سقطت السماء على الأرض".
صاحت الطفلة وقد بدأت على الفور تشعر بالكثير من الاهتمام:
"من هو الثعلب أوكسي هل هو ثعلب حقيقي؟ لم يسبق أن رأيت ثعلباً فهل بإمكاني أن أختلس النظر إليه أحيانا؟".
أجابت الآنسة هنريت:
"لا حبيتي ليس ثعلباً حقيقياً. هو أحد القاطنين في الجوار، كان قد أساء إلينا لذا نحن لا نتحدث إليه على الرغم من أننا كنا من عدة سنوات من أعز الأصدقاء .من المحزن أن نعيش بهذا الشكل لكننا لا نعلم كيف سنمنع ذلك. من ناحيتنا نحن على استعداد للقيام بذلك، لكن على السيد دوفر أن يقوم بالخطوة الأولى بما أنه كان مَن أخطأ بحقنا".
قالت الطفلة برقّة وهي تلمس بلطف الخصلات الجعدة للشعر الأبيض الذي كان يبدو تحت قبعة الآنسة بيني:
"أرجو أن تروي لي كل ما حدث فأنا أيضاً أتشاجر كثيراً مع مربيتي لكننا نتصالح دوماً وتقبّل إحدانا الأخرى، ما يجعلنا نشعر من جديد بالراحة والسعادة".
قالت الآنسة بيني:
"حسناً يا حبيتي! لكن ليس بإمكان الأشخاص الأكبر سناً تسوية خلافاتهم بهذه الطريقة الجميلة. علينا الانتظار إلى أن يعتذر وسوف نكون بعد ذلك من الأصدقاء المقربين من جديد. كان السيد دوفر في السابق مُبشراً في الهند لعدة سنوات، وكنا حينذاك من الصديقات المُقربات لوالدته. تقع حديقتنا وحديقتهم في منطقة مشتركة كل ما يفصل بينهما هو سور يقود إلى الشارع الخلفي. كان ذلك مناسباً جداً عندما كنا نريد الخروج للتجوّل إلى جانب النهر، أو عندما كنا نرغب بتكليف الخدم بأداء بعض المهام على وجه السرعة. كانت السيدة العجوز ودودا جداً، وكنا نعيش بوئام إلى أن جاء توماس وبدأ يثير المشكلات. كان ذلك الرجل البائس قد فقد زوجته وأولاده، كما أنه مصاب بالتهاب الكبد، إضافة إلى أنه كان قد عاش لمدة طويلة بمفرده ما جعله كئيباً غريب الأطوار، وهو الآن يحاول أن يشغل نفسه بتربية الدجاجات وبأعمال البستنة".
همست روزي التي كانت تُصغي باهتمام كبير إلى هذا المزيج من قصة المشاحنات والحزن والأمراض الغريبة والحدائق:
"كم أنا سعيدة لذلك، فأنا أحب الزهور جداً".
قالت الآنسة هيني (هنريت) بعنف يجعل روز موند تكاد تسقط من حِجر السيدة العجوز:
"لكن لا يحق له أن يُغلق السور ويمنعنا من المرور عبر ذلك الحقل الصغير، لا يجرؤ أي شخص يتصف بالرجولة على التصرف بهذا الأسلوب بعد كل تلك المودة والمعاملة الحسنة التي لقيتها والدته منا".
وقالت الآنسة بيني بأسلوب لطيف:
"لا يا شقيقتي أنا لا أوافقك على هذا الأمر، للسيد توماس كامل الحق في أن يتصرف كما يشاء في أرضه، لكنني أعتقد أننا لم نكن سنتعرّض إلى أي مشكلات لو أننا وافقنا على بيعه ذلك الجزء من حديقتنا ـ حيث تقع الحديقة الصيفية القديمة ـ لكي يجعله المكان الذي يربّي فيه دجاجاته".
صاحت الآنسة هيني وهي تحاول أن تبدو عاطفية وهو الأمر الذي كان عسيراً على سيدة مُكتنزة:
"أنت تعلمين شقيقتي ما كان يربط بيننا من ذكريات بهذا المنزل الصيفي، وكم سيكون من المزعج بالنسبة إلي أن أراه يُهدّم وأن أشاهد تلك الطيور المزعجة وهي تنقر وتُنقنق في المكان الذي كنا أنا وكالفان البائس نجلس فيه معاً".
قالت الآنسة الأكبر سناً بِوقار بينما كانت الأخرى قد عادت إلى قراءة الرسالة وهي تحرك رأسها بأسلوب مضحك جعل روزي ُتحدق بها بدهشة وتقرر أن تُحاكيها عندما ستلعب دور الأميرة مع دميتها:
" هنريت! دعينا لا نناقش الآن مثل هذا الأمر ".
ثم تابعت الآنسة بيني حديثها بالقول:
"حسناً عزيزتي! كان ذلك بداية الإشكال. نحن حالياً لا نتحدث معاً ولابد أن السيدة العجوز تفتقدنا، أنا متأكدة من ذلك. أنا أيضاً أتوق أحياناً للذهاب لرؤيتها، كما أشعر بالأسف لأنني لم أعد أستمتع بما في ذلك المنزلِ من أشياء غريبة، فهو مليء بالأشياء الجميلة التي تثير الاهتمام وأكثرها من الأشياء والمواد التعليمية التي يحب الأطفال النظر إليها. كان السيد توماس قد سافر كثيراً، فلديه في الردهة جلد نمر يبدو طبيعياً إلى الحدّ الذي يجعل المرء يخشى النظر إليه، كما أن لديه رفوف أقواس ورماح وأسهم وعقود من أسنان أسماك القرش من جزر كانيبال،.لديه في كل ركن من المكان الكثير من الطيور المُحنطة ورفوف تنتشر عليها ألعاب من العاج والكثير من الكنوز الأخرى. من المؤسف جداً ألا يكون بإمكانك رؤيتها".
وكانت الآنسة بيني قد بدت في غاية الكَرب كما اعتقدت الطفلة روزي، وبذلك قالت وهي تعتقد أنها تعطيهن فكرة أنها من النوع الجذاب المحبب جداً:
"أووه... أعتقد بأنني سوف أشاهد كل تلك الكنوز ! الجميع يعاملونني بطيبة، كما أن الأشخاص المُسنين يحبون الفتيات صغيرات السن، هذا ما يقوله أبي، كما أنني أحصل دوماً على ما أريده بمجرد أن أقول له وأنا أبتسم ابتسامة الاستعطاف تلك "رجاء أبي!".
قالت سيسيليا "أنت أيتها الصغيرة المُخادعة فلتحاولي ذلك! فلتحاولي أن تستعطفي قلب ذلك الرجل المزعج الذي لديه أيضاً أجمل الزهور في المدينة وأشهى أنواع ثمار الفاكهة، لكنه مع ذلك لا يستفيد من أي منها، ويقوم بإرسال كميات كبيرة منها لكل من حوله. من المؤسف بالفعل ألا نتمكن من الاستمتاع بالذهاب إلى منزله، لكن من يعلم ما الذي قد يحدث".
وكانت سيسيليا وهي تقول ذلك تنظر إلى المرآة وتصفف شعرها الأملس وهي تدرك تماماً أنها شابة جميلة جداً لاتزال في العشرين من عمرها، وبأنها تُضيع جمالها ورقّتها في هذا المنزل الكئيب برفقة شقيقتيها الأكبر سناً.
قالت روزي وهي تهزّ رأسها بأسلوب الشخص الواثق مما لديه من مقدرة:
"وسوف أجلب لكنّ البعض منها".
كان ذلك ما جعل سيسيليا تضحكك من جديد وتقترح عليها أن تذهب على الفور إلى ميدان المعركة.
سألتها روزي وكانت ترغب في الخروج من تلك الغرفة المغلقة المعتمة التي كانت تضغط عليها:
"هل بإمكاني أن أذهب الآن إلى الحديقة؟ أود أن أفعل ذلك بعد تلك الرحلة الطويلة".
قالت الآنسة بيني:
"نعم عزيزتي! لكن عليك ألا تتعرضي للأذى بأن تزعجي القطة تابي وألا تقطفي الزهور. لن تلمسي بالطبع تلك الثمار ولن تتسلقي الأشجار ولن تلوثي ثيابك. سوف أقرع الجرس عندما يحين موعد تناول الشاي لكي تعودي".
كانت روزي بعد أن تلقّت تلك التعليمات مع قبلة من الآنسة بيني قد خرجت من الباب الخلفي. لم تكن هنريت قد اعترضت على السماح لها بذلك، وظلت ترقبها وهي تمشي باحتشام عبر الممر الرئيس لتلك الحديقة القديمة الأنيقة التي لم تكن أي طفلة قد لعبت فيها لسنوات طويلة حتى أن الطيور التي كانت تنظر إليها كانت تتصرف بأسلوب محتشم.
حدثت روزي نفسها بعد أن تجوّلت في المكان لكي تكتشف ما فيه من بعض الأشياء الجميلة:
"يبدو هذا المكان مُملاً لكنه أفضل من ذلك البهو بكل ما فيه من لوحات".
ثم كانت قد شاهدت قطة صفراء كبيرة ممدّة في الشمس، ما جعلها تبتهج وتسارع بالاقتراب منها. لكن القطة تابي كانت تكره الأطفال كما تكرهها سيدتها. كانت روزي بعد أن ترددت قد بدأت تُربت عليها بيديها الصغيرتين عدة مرات، لكن القطة لم تكن أنيسة، وبذلك كانت قد نهضت وتسلّقت أعلى الجدار الذي يفصل بين الحديقتين. ولكي لا تقفز من فوق الجدار كانت قد بدأت تمشي فوق رفوف منصة قديمة للزهور كانت في إحدى الزوايا.
وبذلك كانت تلك القطة قد أعطت روزي فكرة لامعة قامت بتنفيذها على الفور. أخذت روزي تُحاكي توبي بأن صعدت على تلك المنصة التي كانت أشبه بالسلم وهي في غاية السرور بتلك الفرصة التي أتاحت لها اختلاس النظر إلى أرض العدو. وصاحت وهي تُصفق بيديها ببهجة وقد امتد أمام نظرها ذلك المكان الرائع المحرّم:
"ما أجمل هذا المكان!"
كان ذلك بالفعل بالنسبة للطفلة أشبه بجنة، لكن الأسلاك كانت تحتجز خلفها كل ما في ذلك المكان الجميل. كانت الزهور تملأ الممرات المُتعرّجة وكانت الثمار الناضجة الشهية مُنتشرة على الأرض تحت منابت الزهور، وكانت جميع أنواع الدواجن تزُقزق وتُنقنق، وكانت أقفاص الطيور تتدلى من الشرفات، كما كان بإمكان المرء أن يشاهد من خلال ستائر النوافذ المفتوحة في المنزل مجموعة من الأسلحة اللامعة ومن الأشياء الغريبة التي تحتويها تلك الغرفة.
ثم شاهدت روزي تحت شجرة الكرز رجلاً أشيب الشعر يرتدي معطفاً من قماش مُشجر غريب اللون. كان مستلقياً على أريكة من الخيزران وعلى وجهه منديل أحمر اللون.
حدثت روزي نفسها:
"أعتقد أنه المُبشر لكنه لا يبدو خشن الطباع على الإطلاق. سوف أنزل إلى حديقته وسوف أوقظه بقبلة لطيفة وأطلب منه أن يُطلعني على كل ما لديه من أشياء جميلة".
كان بإمكان روزي أن تنفذ مخططها الجريء إن أتيح لها ذلك لأنها كانت من النوع الذي لا يشعر بالخوف لو تمكنت من ذلك، لكن لم تكن هناك على ما يبدو أي وسيلة للنزول إلى الجهة الأخرى من الحديقة، وبذلك كانت قد تنهدت وجلست تُحدّق بكآبة إلى أن ظهرت ابنة العم هنريت التي كانت قد خرجت من المنزل لكي تستنشق بعض الهواء النقي، وأمرتها بأن تنزل من على السور على الفور.
نهضت روزي بسرعة وحاولت النزول لكنها سمعت فجأة صوت ضجيج من الحديقة المجاورة. وقفت لكي تُصغي بينما قالت الآنسة هنريت عندما علا صوت نقيق الدجاجات بلهجة تنم عن الكثير من السرور:
"يبدو أن لديه مشكلة مع طيوره. أنا أكرهها فهي تصيح طول الليل وتوقظنا في الفجر. أتمنى أن يقوم أحد اللصوص بسرقة البعض منها. لا يحق لأحد أن يزعج جيرانه بمثل تلك الحيوانات الأليفة المزعجة".
ولكن قبل أن تتمكن روزي من أن تصف للعمة هنريت جمال زهور البلسم البيضاء و الحجم الكبير لشجرة الصنوبر، كان صوت صاخب مرتفع قد صاح:
"أنت أيتها الوضيعة سوف أقتلك لو رأيتك هنا من جديد. اذهبي إلى سيدتك لكي تُعلمّك كيفية التصرف بشكل أفضل، هذا إن كانت تخشى على حياتك".
قالت هنريت: "هذا هو الرجل! ما هذا الأسلوب في مخاطبة الآخرين؟ أتساءل عما أمسك به؟ ربما كان ذلك الولد السيئ الذي يسرق من حديقتنا ثمار الخوخ.
ولم تكد تلك الكلمات تخرج من فم الآنسة هنريت إلا وكان تساؤلها قد أجيب عليه بأسلوب مخيف، حيث سمع صوت مُواء وكانت يد قوية قد رمت بالقطة توبي من خلف الجدار إلى الأعلى ثم سقطت في منتصف أصص الزهور التي كانت تقف إلى جانبها...
كانت العجوز قد أطلقت صرخة رعب وأمسكت بقطتها العزيزة وتوجهت بها إلى المنزل بأسرع ما بإمكانها وهي تتخبط، وتركت روزي خلفها لاهثة لشدة الدهشة والامتعاض.
وبذلك كانت روزي وهي تتحرّق لشدة الغضب من تلك الإساءة الكبيرة؛ قد صعدت السلالم بسرعة وأدهشت ذلك الرجل الغاضب العجوز؛ بظهورها في الجهة الأخرى برأسها الذهبي الأشقر وبوجه طفولي أحمر وبإصبع صغيرة قذرة وجهتها إليه بقسوة، وكانت ذلك الملاك الصغير الثائر قد سأله:
"أنت أيها المُبشر كيف بإمكانك أن تتسبب في قتل قطة ابنة عمي؟"
قال العجوز وهو يُحدق بتلك الصغيرة التي ظهرت في ساحة المعركة:
"ليباركني الله من أنت؟"
"أنا برعم الورد وأنا أكره الأشخاص القُساة! ماتت توبي ولم يعد لدي هنا من سألعب معه".
كان ذلك المشهد المحزن وتلك الإصبع القذرة الصغيرة الموجهة إليه قد جعلت عيني الرجل العجوز تغرورقان فجأة بدموع رسمت خطوطاً من الطين على خديه الأحمرين.
قال العجوز:
"للقطط سبع أرواح وتوبي معتادة على أن أقذفها من فوق الجدار، كنت قد فعلت ذلك سابقاً لعدة مرات، ويبدو أنها لا تعترض على ذلك لأنها تعود من جديد لكي تقتل دجاجاتي بكل وقاحة. انظري إلى هذه"، ثم رفع الرجل العجوز أمامها دجاجة ميتة إثباتا لذنب توبي.
همهمت روزي وهي تتمنى أن تقوم بدفن الدجاجة بكل حنان:
"يا للدجاجة الصغيرة البائسة! كان ذلك بالفعل تصرفاً شريراً من توبي، لكنك سيدي تعلم بأن القطط خُلقت لكي تقبض على الأشياء ولكي تصطادها فليس بإمكانها أن تمتنع عن ذلك".
قال السيد دوفر: "على القطط أن تمتنع عن ذلك و إلا فسوف أقتلها. هذه سلالة دجاجات من نوع نادر ولم يتبق لدي منها بفضل قطتك الوضيعة تلك سوى اثنتين بعد كل ما بذلته من جهد لتدجينها".
ثم سألها بصوت جعل روزي تشعر كما لو أنها هي التي ارتكبت تلك الجريمة:
"ما الذي ستفعلينه لأجل ذلك؟".
قالت روزي بلهجة تنم على الندم ما جعل الرجل العجوز يرقّ ويشعر بالأسف على إحزانه تلك الطفلة ذات القلب الصغير العطوف:
"سوف أحاول التحدث مع توبي وأجعلها تتصرف بشكل جيد. سوف أحبسها هناك في بيت الأرانب وأنا آمل أن تأسف بعد ذلك لما فعلته، وألا تعود لتكرار ذلك التصرف الشائن من جديد.."
قال العجوز وهو يبتسم ابتسامة رقيقة جعلت وجهه المتجهم يُضيء على الفور:
"فلتحاولي ذلك".
ثم حاول تغيير الموضوع وسألها وهو ينظر بفضول إلى ذلك الشكل الصغير الذي يُطل من فوق الجدار:
"من أنت؟ ومن أين أتيت؟ لم يسبق لي أن رأيت أيّ أطفال في ذلك المكان.. هم لا يسمحون لهم...".
وكانت روزي قد قدمت نفسها إليه ببضع كلمات وكانت عندما تبيّن لها أنه اهتم بالأمر قد أضاقت بتلك الابتسامة الآسرة التي يراها والدها ابتسامة آسرة فاتنة:
"سيدي ! يبدو هذا المكان موحشاً ومتوحداً تماماً، لذا ربما كان بإمكانك أن تسمح لي بالنظر إلى حديقتك الجميلة من وقت لآخر إن لم يكن ذلك سيزعجك؟".
كان العجوز قد رمى بالدجاجة الميتة أرضاً ونظر إلى الوجه الصغير أمامه وحدّث نفسه:
"يا للصغيرة البائسة! لابد أن ذلك المكان يبدو لها مُملاً للغاية، وأن يكون عليها أيضاً النظر إلى وجوه أولئك السيدات الثلاث العوانس فقط".
ثم قال: "بإمكانك ذلك بقدر ما يحلو لك يا طفلتي أو ربما كان من الأفضل أن تأتي أيضاً لكي تتجولي في الحديقة".
ثم أضاف بصوت مرتفع وهو يلوّح إليها بيده بالترحيب:
"أنا أحب الفتيات الصغيرات".
كانت روزي قد صفقت بيديها بسرور ثم أصبح وجهها الحزين جدّياً من جديد، وقالت وهي تتذكر ذلك العداء بينهم وقالت:
"كنت قد قلت لهن ذلك. كنت متأكدة من أنك سوف تفعل ذلك . أنا أرغب كثيراً بأن أزورك لكنهّن لن يسمحن لي بذلك كما تعلم. أنا آسفة لذلك الشجار بينكم. أليس بإمكانك أن تُعيد الأمور إلى نصابها وأن تُنهي هذا الخلاف بأن تكون لطيفا من جديد؟
أجاب العجوز "فإذن هذا هو الهراء الذي روينه لك عني أليس كذلك؟”.
قالت روزي:
"أنا سعيدة لأنه ربما سيكون بإمكاني أن أكون واسطة إقامة السلام والوئام بينكم. تقول ماما إن من الجيد أن يتم ذلك بين أفراد العائلة. أتمنى لو كان بإمكاني أن أفعل ذلك. هل تمانع أن أحاول أن أقيم الصلح بينكم لكي يكون بإمكاني المجيء لزيارتك؟ فأنا أرغب جداً برؤية الطيور الحمراء وجلد النمر، أرجوك سيدي أن توافق على ذلك".
قال العجوز وهو لا زال جالساً على كرسيه في الحديقة كما لو أنه لا يمانع من متابعة الحديث مع تلك الجارة الصغيرة الجديدة:
"ما الذي تعرفينه عن ذلك الأمر؟".
كادت روزي تسقط من فوق طرف الجدار لكثرة الحماس، وكانت قد روت له ما قالته ابنة العم بيني وما كان قد قيل حول ما يمتلكه من كنوز، وعن ذلك الأسف الذي أبدته العجوز لعدم التواصل بينهم؛ ما جعل السيد دوفر يقول عندما توقفت روزي عن الحديث وهي تلهث لشدة الحماس وبصوت كان قد تغيّر إلى حدّ كبير يُشير إلى أن إقامة الصلح والسلام بينهم قد يتم:
"الآنسة بيني آنسة محترمة وهذا ما كنت أعتقده على الدوام. بلّغيها فائق تقديري لها وأنني سوف أكون مسروراً لو سمحت لك إن لم يكن لديها أي اعتراض بالقدوم لزيارتي في أي وقت تشائين. سوف أضع سُلماً هنا على الجدار بحيث يكون بإمكانك التسلّق عليه بدلاً من القطة توبي، لكن عليك عدم التطفل وإلا فسوف أقذف بك كما فعلت بالقطة توبي".
ضحكت روزي وقالت:
"لست خائفة منك. سوف أعود إلى المنزل لكي أطلب منهم على الفور السماح لي بزيارتك، ولن ألمس أي شيء، كما أنني أعلم جيداً بأنك سوف تحبني وسوف أصبح صديقتك. يقول أبي إنني فتاة صغيرة لطيفة. شكراً جزيلاً سيدي، والآن وداعاً إلى أن أعود ثانية".
وكانت قد أرسلت إليه قبلة على الهواء كان وقعُها عليه أشبه بشعاع من ضياء كان قد اختفى عندما عادت إلى المنزل المجاور.
جلس السيد دوفر العجوز بعد مغادرة روزي يتأمل وبيده الدجاجة الميتة، ونسي نفسه إلى أن سمع من يقرع جرس الباب لكي يسلمه رسالة صغيرة من الآنسة بيني، كانت في تلك الرسالة قد شكرته على دعوته روزي لكنها كانت قد أعلمته أيضاً برفضها الدعوة ببضع كلمات في غاية التهذيب.
حدّث العجوز نفسه:
"كنت أتوقع ذلك من أولئك العجائز الغبيات. لِم ليس بإمكانهن أن يتصرّفن بعقلانية بأن يتقبّلن غصن الزيتون عندما عرضته عليهن. لن أفعل ذلك ثانية حتى لو كان علي أن أموت. لا بد أن تلك المكتنزة هي السبب في ذلك. حسناً أنا آسف لأجل الطفلة لكنها ليست غلطتي".
وكان قد رمى بالرسالة على الأرض وذهب لسقاية النباتات.
ولمدة أسبوعين لم تكن روزي تكاد تجرؤ حتى على النظر من النافذة إلى المنطقة المحرمة، فقد كان قد تم توجيهها بأن عليها اللعب في الجهة الأمامية من الحديقة فقط، وبأن بإمكانها أن تذهب مع سيسيليا في نزهاتها الهادئة. لكن سيسيليا كانت تحب التوقف طوال الطريق للتحدث مع صديقاتها بينما تُضطر الطفلة البائسة إلى الانتظار إلى أن تنتهي تلك الأحاديث الطويلة المُملة. كان كل ما يعزّيها ويسلّيها هو العناية بالقطة تابي التي كانت قد بدأت تعتاد عليها .
كانت الآنسة هنريت ـ عندما عادت ذات يوم إلى المنزل وشاهدت روزي جالسة تُطالع في أحد الكتب المُصورة وإلى جانبها القطة توبي ـ قد قالت:
"حسناً علي أن أقرّ بأن توبي لا تتصرف بمثل هذا التقارب حتى معي".
أجابت روزي بجديّة لأنها لم تكن قد تمكنت من أن تغفر لتلك السيدة المكتنزة التي منعتها من تلبية دعوة ذلك المُبشر للاستمتاع بما لديه من مختلف وسائل التسلية:
"ذلك لأن الحيوانات تحبني دوماً حتى لو لم يُحبَّني الناس".
قالت الآنسة هنريت:
"هذا لأن الحيوانات ليس بإمكانها أن تتبيّن كم تكونين سيئة السلوك أحياناً".
ابتسمت روزي وأجابت بكل رزانة وفخر:
"سوف أجعل الجميع يحبونني قبل أن أرحل من هنا. هذا ما طلبته مني أمي وسوف أفعل ذلك".
وكانت الآنسة هنريت قد ضحكت وقالت "سوف نرى".
ثم غادرت الغرفة وهي تتساءل عن الشيء الغريب الذي تُخطط له تلك الصغيرة".
كان ذلك الأمر قد وضح بعد وقت قصير. كانت الآنسة هنريت لدى عودتها من نزهتها اليومية قد وجدت روزي تقرأ بصوت مرتفع لشقيقتها في الردهة الكبيرة المظلمة. كان مظهرهما غريباً لأن كلا منهما كانت تختلف عن الأخرى. العجوز الشاحبة ذات الشعر الأبيض والعينين المتعبتين، والطفلة النضرة الرقيقة التي هي أشبه بحلية جميلة تُزين تلك الغرفة ذات الأثاث القديم غير العصري، التي تنتشر على جدرانها صور الجدات والأجداد الذين يبتسمون لها ويحدقون بها كما لو أنهم كانوا يشعرون بالرضى والدهشة برؤية تلك الحفيدة الفاتنة الصغيرة بينهن. قالت الآنسة هنريت وكانت قد شعرت بالراحة بعد فترة من النوم الهادئ:
"ليبارك الله تلك الطفلة، ما الذي تفعله الآن؟"
أجابت روزي وهي تشعر بالفخر لأنها تقوم بمساعدة تلك السيدة الأكبر سناً:
"أنا أقرأ لابنة العم بيني لأنه ليس هناك من بإمكانه أن يفعل ذلك، ولأن عينيها تؤلمانها وهي تحب سماع الروايات وأنا أفعل ذلك لتسليتها".
قالت الآنسة بيني وقد بدا عليها النشاط والحيوية بتلك المتعة التي أتيحت لها:
"هذا لطف من الصغيرة العزيزة! كانت قد وجدتني وحيدة فرغبت في تسليتي، لذا اقترحت عليها أن تقرأ لي قصة تتناسب مع ميول كل منا، وقد فعلت ذلك بشكل جيد جداً مع بعض المساعدة من قِبلي من حين لآخر. لم أكن قد قرأت قصة "سوزان الطيبة" منذ سنوات ولم أكن قد استمتعت بذلك كما فعلت اليوم".
وبذلك كانت الآنسة هيني قد جلست على الأريكة وقالت:
"استمري في القراءة طفلتي. دعيني أسمعك لكي أتبين كم تقرئين بشكل جيد".
وكانت برعم الورد بذلك قد بدأت تقرأ من جديد بكل شجاعة، كانت قد بذلت في ذلك الكثير من الجهد ما جعلها بعد وقت قصير تلهث، ثم توقفت وهي تتثاءب وقالت:
"أليست سوزان فتاة طيبة؟ فهي تمنح كل ما لديها لمن حولها، كما أنها كانت طيبة جداً تجاه عازف القيثارة ولم تطرده كما فعلت أنت اليوم مع الرجل الذي كان يعزف عندما طلبت منه التوقف عن العزف".
أجابت هنريت:
"ذلك لأن الآلات الموسيقية ضارة، لذا لست أسمح بها هنا على الإطلاق بها، استمري بالقراءة روز موند ولا تنتقدي من هم أكبر منك سناً".
أجابت روزي:
"أنا ووالدتي نناقش دوماً معاً ما نقرأه في القصص ونستخلص منها المغزى الأخلاقي، وهي تحب ذلك".
وكانت بعد تلك الملاحظة قد استمرت في القراءة إلى نهاية القصة، بينما كانت العجائز يستمتعن بتلك القصة البسيطة وبسماع ذلك الصوت الطفولي.
ثم قالت الآنسة بيني:
"شكرا لك حبيبتي. سوف نقرأ يومياً إحدى هذه القصص، والآن ما الذي ترغبين به؟"
أجابت روزي وهي تضم يديها بتوسل:
"اسمحي لي بالذهاب إلى الحديقة الخلفية لكي أنظر من خلال فتحة السياج إلى الزهور الجميلة، فأنا أتوق لرؤية الطحالب ولرؤية ثمار الكرز الناضجة".
أجابتها الآنسة بيني:
"لا ضير في ذلك حبيبتي. أليس كذلك هنريت؟ اركضي في الحديقة وانظري ما إذا كانت زهور البلسم قد تفتحت".
كان ذلك الطلب قد لقيَ الموافقة من الآنسة هنريت أيضاً، وبذلك كانت برعم الورد قد خرجت على الفور وأخذت تركض في الحديقة وهي تشعر بالكثير من البهجة...
كان في الحديقة الخلفية ممر ضيق بين الحديقة والسور حيث تعيش بعض الضفادع المنتفخة. وقفت روزي تسترق النظر إليها، ثم وجدت فتحة في السور بإمكانها أن تشاهد من خلالها شجيرات الورود في منزل الرجل العجوز، و أن تشاهد أيضاً ما يقع خلف إحدى نوافذ ذلك المنزل. كانت روزي قد انزلقت من تلك الفتحة إلى الزاوية الرطبة دون أن تلتفت إلى العجوز الذي كان ينظر إليها بفزع، وأخذت تنظر بسرور إلى تلك الجنة المحرمة.
نعم كانت الورود متفتحة، وكانت ثمار الكرز قد أصبحت قانية الحمرة، وكان الرجل العجوز جالساً على مقعده يقرأ صحيفته قرب النافذة المفتوحة.
كانت برعم الورد قد شعرت برغبة مُلحّة في الدخول إلى الحديقة، وكانت قد انحنت بكل ثقلها على السور، وإذا باللوح الخشبي يتصدع ويسقط على الأرض و تكاد روزي تسقط خلفه على المرج الأخضر. كانت تلك القطعة الخشبية قد سدّت الفتحة لكن ثقباً كبيراً كان لا يزال يسمح لروزي بالنظر من خلاله. أدخلت روزي رأسها من خلال الفتحة وأخذت تنظر ببهجة إلى الدجاجات والورود والثمار والى ذلك الرجل، وحدثت نفسها:
"سوف أحتفظ بذلك سراً أو ربما سأعلم به ابنة العم بيني وأرجوها أن تسمح لي باستراق النظر كل يوم من هذه الفتحة، وسوف أعدُها بألا أحاول الدخول إلى تلك الحديقة المحرمة".
وكانت روزي عندما جاءت السيدة العجوز لكي تقبلها عندما حلّ موعد النوم قد تقدمت إليها بطلبها، وكانت الآنسة بيني قد وافقت عليه لأنها كانت في قرارة نفسها تشعر بأن تلك الصغيرة سوف تقوم عاجلاً أم آجلاً بتسوية ذلك الخلاف بينهن وبين ذلك الجار، وكانت على استعداد لأن تمدّ يدها إليه.
وكانت روزي في صباح اليوم التالي عندما حلّ موعد اللعب قد أسرعت إلى النافذة وشاهدت روكسي الخادمة تطارد دجاجة كانت قد دخلت إلى المنزل، بينما كانت الآنسة هنريت تصرخ لطردها.
حدّثت روزي نفسها:
"يبدو أن الدجاجة البيضاء قد دخلت من الفتحة. يا إلهي أرجو ألا يتمكنوا من الإمساك بها لأن ابنة العم قالت إنها سوف تلوي عنق أول دجاجة سوف تدخل عبر الحديقة".
انضمت روزي إلى المطاردة لأن الآنسة هيني كانت بدينة جداً بحيث لم يكن بإمكانها أن تركض. كانت تلك مطاردة طويلة جداً وعسيرة. طارت الرياش وكادت الخادمة تتوقف تقريباً عن التنفس عندما كانت روزي قد تعثرت وسقطت على الأرض، بينما أخذت الآنسة هيني تصرخ وتُرغي وتُزبد إلى أن اضطُرت للجلوس والاكتفاء بالمراقبة.
كانت الدجاجة الصغيرة البائسة قد تعبت من المطاردة ودخلت إلى خلف التعريشة، بينما أسرع الكلب بوتون باللحاق بها.
توجهت الآنسة هيني نحو الممر وهي تقول إنها سوف تلوي عنقها وكان الكلب قد لحق بها. لكن البيت الصيفي كان فارغاً، لم تكن هناك أي طفلة صغيرة ولا دجاجة صغيرة، كانتا قد اختفتا. نظرت الخادمة والسيدة كل منهما للأخرى باستغراب إلى أن شاهدتا النافذة تُفتح وإذا بالسيد دوفر يقول وهو يحاول ألا يبدو مسروراً لأن الدجاجة البائسة لم تكن قد قتلت.
قالت الآنسة هيني عندما سمعت الأصوات:
"لقد نفد صبري! فتاة سيئة السلوك، لو لم تكن هذه الطفلة قد تسللت إلى هنا ودخلت من خلال فتحة السياج لما حدث ذلك".
وكانت قد خرجت لكنها في الوقت ذاته كانت قد عادت إلى المنزل وهي تشعر بسرور حقيقي لأن الطفلة كانت على ما يبدو قد أدت الجزء الأول من مهمة إقامة الوئام بين الجارين.
كانت الطفلة قد قالت بعد ذلك بصوتها الطفولي وهي تحاول تهدئة الموقف:
"رجاء سيد توماس!.. كانت تلك غلطتي لأنني كنت قد تركت الفتحة مفتوحة ما جعل الكلب يدخل منها، لكنه لم يصب بأذى وقد أعدته سالماً لأنني أعلم بأنكم تحبون طيوركم".
قال السيد دوفر وهو يبتسم ويقفل على الدجاجة ويلتفت للنظر إلى روزي:
"لم لم تتسلقي الحائط كما فعلت القطة؟"
قالت روزي "كان ذلك سيزعجك كما أنه ليس من التهذيب، لذا جئت لكي أقدم إليك اعتذاري وأقول لك إنها كانت غلطتي، لكن رجاء هل بإمكاني أن أترك الفتحة لكي أنظر منها؟ لأنك لو وضعت عليها لوحاً من الخشب فلن يكون بإمكاني النظر إلى حديقتك بعد الآن وسوف يكون كل شيء مملاً هنا بينما الأمر مسلٍ جداً في حديقتك".
ضحك السيد دوفر وقال:
"هل ترين أن سوراً صغيراً سوف يكون أجمل؟ سور صغير بمقاسك مع قفل خاص حيث سيكون بذلك بإمكانك استراق النظر منه. قد ترى السيدات أن هذا أفضل، وهن بذلك قد يغفرن ما كان من سوء تصرفي تجاه الكلب توبي. سوف أدعك تدخلين لاقتطاف بعض ثمار الكرز وبعض الورود من حين لآخر".
كان ذلك العرض السخي قد جعل الطفلة تقفز لشدة البهجة وتصفق بيديها وتصيح بصوت مرتفع:
"سوف يكون ذلك رائعاً! أنا أعلم بأن ابنة العم هيني سوف توافق وسوف تسمح لي بذلك، أو ربما قد تأتي بنفسها للنظر إليها. هي نحيلة القوام جداً وبإمكانها أن تفعل ذلك، كما أنها تحب والدتك كثيراً وترغب برؤيتها. وابنة العم بيني هي فقط التي تمنعنا من أن نتصرف بلطف. ما رأيك أن ترسل إليها بعض ثمار الكرز فهي تحب الفاكهة وربما ستسمح لنا بالمجيء لو أرسلت إليها كمية كبيرة منها".
كان السيد دوفر قد ضحك من ذلك الاقتراح الساذج كما كانت الآنسة بيني قد ابتسمت من توقع حصولها على تلك الثمار اللذيذة.
كان السيد دوفر بعينه الفاحصة قد لمح تعبير الرضى على وجه الآنسة بيني، وكان قد قال بصوت مرتفع وباللهجة الأكثر دماثة:
"سوف يسعدني جداً أن أرسل للآنسة بيني سلّة من الفاكهة، كانت دوماً سيدة لطيفة، ومن المؤسف أنها تقفل دوماً على نفسها، لكن لابد أن هناك قصة حب محزنة قد جعلتها تفعل ذلك. حسناً أنا أتعاطف معها تماماً".
كانت روزي قد صعقت من ذلك التغيير المفاجئ في أسلوب تصرف السيد دوفر، كما أنها كانت بالأحرى قد شعرت بالارتباك لكنها كانت ترغب في أن تحمل معها شيئاً، لذا أشارت إليه وقالت:
"ها هي السلة. ولكي يكون بإمكانها أن تقتطف ثمار الكرز أضافت:
"أنا أحب جداً تسلّق الأشجار وأنا أعلم بأن ابنة العم بيني تحب الكرز جداً ولن تمانع على الإطلاق من أن أحمل إليها البعض منها".
قال السيد دوفر ـ بتلك اللهجة اللطيفة التي أحبتها جداًـ وهو ينصرف فجأة: "تعالي".
وبدأ الاثنان بعد ذلك يقتطفان ثمار الكرز، روزي فوق الشجرة والسيد دوفر تحت الشجرة أشبه بزوج من السناجب".
قالت الآنسة بيني للخادمة وقد سمعت ما قاله السيد دوفر من تلك الكلمات اللطيفة التي جعلتها تهدأ:
"افتحي النافذة على مصراعيها لكي نتمكن من رؤية ما يحدث".
وكانت عندما شاهدت بعينها بحماس أن السلّة تُملأ بثمار الكرز الطازجة قد خططت لإرسال رسالة شكر فور تلقيها السلّة.
قالت الخادمة:
"أترين سيدتي ما يحدث الآن؟ هما الآن يأخذان قسطاً من الراحة. ها هي روزي جالسة على حِجره دون أن يُعير اهتماماً لما على ملابسها من حشرات ومن قذارة".
قالت الآنسة بيني بتعاطف وهي تنظر إليهما:
"هذا لطيف جداً. كان هذا الرجل البائس قد فقد عدة أولاد في الحرب الهندية، وأعتقد أن روزي تُذكّره بهم. يا للرجل البائس، أنا أتعاطف معه كثيراً لأنني كنت أيضاً قد أحببت وفارقت من أحببتهم".
كانا يلعبان معاً وكانت ضحكاتهما معاً أشبه بموسيقى جميلة في المكان الذي كان عادة مكاناً هادئاً، وكان وجه الرجل العجوز قد فقد مسحة الحزن والقسوة وفي حجره تلك المخلوقة الصغيرة وهو يدس الكرز الأحمر في الفم الضاحك.
كانت روزي بعد ذلك قد أخذت نفساً عميقاً من السرور وقالت:
"هذا أشبه بأن أكون قد حصلت على أب طيب سوف يلعب معي. آمل أن يسمحوا لي بزيارتك وإلا فسوف يتحطم قلبي إن لم يوافقوا على ذلك، لأنني أشعر هناك بالحنين لوالدي كما أن هناك العديد من المشاحنات، وليس هناك من يعانقني ويُهَدْهِدُنِي سوى ابنة العم بيني".
أجاب العجوز:
"اطمئني حبيبتي! سوف أرسل إليها بعض الورود لأجل ذلك. عليك إعلامها بأن السيد دوفر بائس وهو يود كثيراً رؤيتها. هل ستتذكرين ذلك؟".
وكان السيد دوفر قد بدأ باقتطاف الزهور وتنسيقها في باقة لكي تكون هديته للآنسة بيني، فلم يكن بإمكانه احتمال التخلي عن صديقته الصغيرة، وكان على استعداد لمحاولة معالجة ذلك الخلاف بينهم:
قالت روزي: "فهمت وسأتذكر كل كلمة، فهي طيبة جداً معي وأنا أحبها جيداً، وأعتقد بأنه سوف يسرها المجيء. هي تحب الورود وسوف يسرها المجيء كما أنني أحبها أيضاً".
ثم أضافت: "هل سترسل شيئاً إلى سيسيليا؟ لا داعي للقلق لأنه ليس بإمكانها أن تمنعني من الخروج، لكن سوف يسرها ذلك وسوف يمنعها من ضرب أصابعي عندما ألمس أشياءها الجميلة".
قال السيد توماس دوفر وهو يبتسم ابتسامة ساحرة:
"ليس من عادتي إرسال الهدايا للسيدات الشابات، لكنني أقبّل الصغيرات الجميلات لو سمحن لي بذلك؟".
وكانت روزي قد أحاطت عنقه بذراعيها وأمطرته بقبلات كانت بالنسبة للرجل العجوز الوحيد أرقّ وأجمل من كل زهور العالم.
ثم توجهت روزي الصغيرة بعد ذلك بكل فخر نحو المنزل.
كانت الآنسة هيني في البهو تطالع صحيفتها. وكانت قد تلقّت سلّة الزهور وما أرفق بها من رسالة بكل سرور، ما جعل قلب الطفلة يطير سروراً بحصولها على الموافقة على زيارة منزل ذلك الجار السيد دوفر من حين لآخر.
وكانت روزي في تلك الليلة وهي جالسة أمام مائدة العشاء في غاية الحبور والسعادة، كانت تُثرثر بغبطة بينما كانت السيدات يُمطرنها بالأسئلة التي كان بعضها بالأحرى مُحرجاً..
كانت الآنسة بيني قد سرت جداً بسلة الزهور التي تلقتها وبالرسالة اللطيفة التي أرفقت بها، وكان ما جعل روزي تشعر بالكثير من السعادة أنها كانت قد لبّت دعوة السيد دوفر في اليوم التالي وهي تحمل معها سلّة من الحلوى اللذيذة.
وعندما دخلت الاثنتان إلى منزل السيد دوفر كان قلب كل من السيدة العجوز وقلب الطفلة يرتعشان لشدة الانفعال، فقد كانت تلك هي الخطوة الأولى نحو المصالحة بين الجارين. جلست الآنسة بيني في المقعد الواسع وأخذت تجول بنظرها حول الغرفة التي كانت اعتادت الجلوس فيها مع والدة السيد دوفر، ثم دخل السيد دوفر وانحنى أمامها بكل كياسة مرحباً بها، لكن الآنسة بيني كانت قد مدّت إليه يديها الاثنتين بكل مودة وقالت:
"دعنا نُعد علاقة الصداقة بيننا لأجل والدتك".
وبذلك كانت الأمور قد سُوّيت على الفور، وقال السيد دوفر:
"أستسمحك يا جارتي العزيزة، أنا في غاية السرور بمجيئك. تفضلي بمرافقتي لرؤية والدتي فسوف يسعدها ذلك جداً".
ولم تكن روزي الصغيرة قد اهتمت بعد ذلك بما جرى في الغرفة الأخرى لأن السيد توماس دوفر كان قد عاد لكي يعرض عليها ما لديه من تلك المقتنيات الثمينة الجميلة، وكان الاثنان قد أمضيا الوقت بالاستمتاع باللعب بتلك الأشياء الغريبة الجميلة، ونسيا أن موعد تناول الشاي قد حلّ، إلى أن جاءت الخادمة لتعلمهما بذلك.
كانت الفتاة الصغيرة قد صاحت حينئذ ببهجة "هل سنتناول الشاي معكم؟".
وأجابها السيد توماس وهو يصطحبها إلى غرفة الجلوس:
"نعم، وقد طلبت منهم تحضير الكؤوس الصغيرة وبعض الكعكات اللذيذة لأجلك".
وفي الوقت الذي كان الجميع يتبادلون الأحاديث ببهجة؛ كانت روزي قد ابتسمت ابتسامتها الساحرة تلك وقالت:
" أليس من الأفضل بكثير أن تربط بين الأشخاص الصداقة وحسن الجوار بدلاً من الشجار والعداء لأجل القطط والجدران وبدلاً من تبادل الاتهامات فيما بينهم".
كان من العسير ألا يُطلق الجميع ضحكة، وكانت الطفلة التي أقامت الصلح بينهم قد أُمطرت بسيل من القبلات من كل منهم.
وكانت السيدات بعد تناول الشاي قد توجهن نحو منزلهن برفقة السيد دوفر الذي رافقهن إلى أن وصلن إلى السور الخارجي، وهو الأمر الذي أثار دهشة القاطنين في الجوار من ذلك التغيير المفاجئ في طبيعة العلاقة بينهم. أما روزي الصغيرة فكانت في ذلك الوقت تمشي بخيلاء وهي ترفع رأسها بكل تفاخر كما لو أن عليه إكليلا من زهور الأقحوان، لأنها كانت تعلم جيداً بأنها من صنعت كل ذلك وبأنها من أقامت الوفاق بين الجارين.
التدقيق اللغوي: حميد نجاحي