في ليلةٍ ظلماء أخرجَ الراهبُ سراجًا ليُنيرَ ظلمة صومعته القابعة تحت جُرْفٍ هارٍ أسفل تل خارج منطقة مأهولة بتجمع بشري فشرع في تأدية طقوسٍ ذات طابعٍ روحاني طالما أعتقدَ بأنها هي الحق ما بين العالمين وبينما هو في لحظاته المُتَروحنة طُرقَ البابُ طرقًا شديدًا فأوجس خيفةً الراهبُ فهو ليس بمعتادٍ أن يأتيه أحدٌ في هذا التوقيت الزمني في يومه الشبه مُنعزل عن التجمع البشري الذي بجواره، ذهب صوب الباب بتأنٍ وحينَ اقترب من الباب وإذا بصوت الطرق يخفت قليلاً حتى اختفى! بدأت أحاديث النفس تتصاعد حتى استولت على مُخيلة الراهب التي أدخلته في حالةٍ من السرحان العميق حتى استفاق على صوت طرق الباب مرة أخرى! رجع الراهبُ إلى الخلف (عن الباب الذي بدأ يهتز من الطرق الذي أصبح أشدَّ من سابقه ) ووقــف فـي منتصف الصومعة ورأسه بين كفيه العاريتين من أي وسيلةٍ للدفاع عن النفس! وبعد بُرْهةٍ اختفى الطرق وأنسل الصمت في أرجاء الصومعة بشكلٍ مخيفٍ؛ تصاعدت أنفاس الراهب ما بين الزفير والشهيق لكن وإذا بصوتٍ أشبه ببشري متهدج يرسل في طياته نبرة مناديه للراهب! أقترب الراهبُ إلى الباب وحين وصوله للباب وإذ بالصوت يطلب منه فتح الباب ففتح الراهب الباب وهُنا حصل مالم يدر في خُلد الراهب لا من قريب ولا من بعيدٍ، وجدَ بتكوينٍ مماثل للأحجام البشرية معطيًا للراهبِ ظهره الذي يُرى كأنه قريب للملمح البشري حاول الراهبُ غلق الباب من رعب ما رأى لكن الباب لم يُغلق! وعندئذ حصلت مفاهمة:
ـ لا تفجع أيها الراهب ـ الراهب: بتلعثمٍ من أنت وماذا تريد؟! ـ لا تسل من أنا! إنما أنا رسولٌ من أهل باطن الأرض لطلبك منهم ـ الراهبُ: من باطن الأرض! ما الذي تريدونه مني؟ هيا أجبني ما الذي تريدونه مني كررها بصوتٍ مخلوط بشهيقٍ متقطع ـ أطمئن مجرد رسالةٍ يودون منك الاطلاع عليها فأتبعني إلى الأمام (ومن دونِ إدراكٍ لما يدور حوله وجد نفسه مندفعة نحو هذا الكائن تسير خلفه حتى سقط من تجويفٍ أرضي) فوقع إلى ما يشبه بريش نعامٍ ناعم الملمس، وإذا بنور يقترب منه فكلما اقتربت منه تسايرها بنفس الاتجاه أنوارٌ أخرى حتى بدأت تحلق حوله كشمسٍ قد أُشرقت، ومن دون تمهيد وقعت مُهاتفة: ـ أيها الراهبُ ألتمس لنا العُذر لطلب مجيئك لعالمنا - الراهب بافتعال شديد: لا أعذر لكم حتى أعرف ما هي الرسالة التي تودون اطلاعي عليها - على رسلك أيها المتروحن فقط استمع! فبدأت هذه الأنوار تتوهج بشكلٍ أكثر حتى خرجت جُمَلٌ بنغماتٍ سيمفونية بألحانٍ حزينةٍ على نحو هذه الشاكلة "النجم الثاقب قد آنَ، النجم الثاقب قد حانَ، النجم الثاقب سيكون بيانا".

انتهى

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية