"طق، طق." ويبتلع الثقب الأزرق سبعة دقائق ونصف من وقته عن طيب خاطر. ينفرج الثقب أكثر، يتمدّد مثل مجرّة شرهة، يقف حائلا بينه وبين الرؤية، "طااااااااط"، بوقٌ شرس، يلمحُ الفتى السائقَ الذي كاد أن يصدم به وهو يهز قبضته بغضب.
يشيح الفتى بوجهه عن الثقب قليلا، ينتابه عتب خفيف متبوع بشوق مَرَضِيّ للثقب الأزرق. يعود إليه، لكن هذه المرة سيكون أكثر حذرا، عين على الطريق وعين على صديقه الأزرق. يلمس الثقب الأثيري بحنان كما لو كان يلمس غيمة خُرافية. شعور النشوة يعتريه، شعور يخفف عنه وعثاء الطريق المزدحمة والحر الممزوج بعوادم السيارات الذي يشعر أنه يتسرب إليه رغم إحكام منافذ سيارته الحديثة. يخرّ وقته المهدور في الثقب الأزرق، ويشعر الفتى بأنه مدين للثقب الأزرق. فماذا كل سيحدث لكل هذه الدقائق لولا أن تصدى الثقب الأزرق الجواد لها.
يبادله الثقب الأزرق الأمجد المحبة والثقة، يتمدّد أكثر ليستقبل وقته الراعف، يستعرض جماله كطاووس في موسم التزاوج، يُكْبِره الفتى ويذهل به عما سواه.
يعلم الفتى أنه يسير بتؤدة، وأن الطريق تتحرك ببطء مدروس، يوقن بأنّه يمكنه الجمع بينهما. فتنة الزرقة من العسير مقاومتها، الانسحاب منها شاق. حضورها طاغ كحضور القمر في ليلة اكتماله في بيداء انقطعت عنها كل وسائل الإضاءة، حتى النار.
"طق، طق، طق"، ويفتح الثقب ذراعيه باتساع، يبتهج الفتى بالثقة التي يوليها لها الثقب الأزرق. "طق، طق، طق"، ثم يفتح الثقب الأزرق فمه، ويزدرد فتانا!
صريرٌ مرير، صوت ارتطام، أزيز، خرير. في أقل من دقيقة يتحلّق الناس، ويحوقلون، ويصوّرون. مجّ الثقب الأزرق الفتى، ولم يخلف وراءه سوى مستطيل أسود يطبق عليه الفتى بيده اليمنى. كان آخر ما كُتب فيه:
"إعلان جميل عن مخاطر استعمال الهاتف أثناء القيادة. ريتويت إذا أعجبكم."