(1)
كنت قد أدمنتُ النوم علي ظهري .. النوم فوق سريري ..
وسريري قائمٌ وسط غرفتي .. أنا امتلك سريراً أنام عليه وغرفةً تأويني .
لي صديقان من عالم الحيوان : كلب وهرَّة . كلبي الوفي يحميني من اللصوص ، يقبع أمام باب غرفتي ويظل الليل ساهراً ، وقطتي الشقيَّة الجميلة تلازمني ، تمسح رأسها الناعم بصدغي وهي تموء ، تنام بحضني وأنا أغفو علي همس أنفاسها ، وكنت أدمن ، أيضاً ، التطلع لسقف غرفتي ساعات وساعات ، وكان عقلي يدور ويعمل مفكراً .. لا أدري كم من الوقت ؟ يدور ويدور .. حيث يعدو علي محيطات الدوائر المتداخلة المتشابكة بلا كلل إلي ما لا نهاية ، يبدأ من دائرة فأرى نفسي بلا وعي علي حدود الأخرى ، أدمنتُ الركض علي الدوائر ، لا ألقي بالاً لمراكزها الثابتة . وبرغم تباين ألوانها فإن عقلي يمضي راكضاً عليها ساعات وساعات ، حتى تنسدل الجفون غامضةً علي عينيّ المحدقتين في السقف ..
في حضني قطتي الأليفة وعند بابي كلبي الأمين .
(2)
مرَّت أيامٌ كثيرة وليال طويلة ، لا أدري متى ـ بلا وعي أيضاً ـ صار إدماني في التفكير الراكض بلا صوت فوق حدود الدوائر عشقاً تولهاً .
(3 )
اعتقد أنني رأيت فأراً ينسل من تحت سريري جارياً للخارج . قلت : لا بأس لا بأس . وأنا أرى القطة الوفيَّة تعـدو خلفه ، أعرف أنها لن تتركه ، سوف تلتهمه ، لن تدعه يعـود . فلأعـد إلي ما كنت فيه .
(4 )
أظن أنني سمعتُ صوتَ أقدامٍ خفيَّة تركض فوق السقف .. أهو لـص؟ .. لا اعتقد ، كلبي الأمين ينبح عند الباب ، لن يترك اللص ، سيمزق ملابسه ، سيغرس أنيابه وقواطعه في لحم بدنه . لن يدعه يعـود ، فلأعـد إلي ما كنت فيه .


(5 )
اعتقد أنني رأيت فأرين ، ربما ثلاثة ، وثبتْ قطتي قافزةً من بين يديّ ، انقضَّت بأرجلها وأسنانها علي واحـد وفـرَّ اثنان . نمت ليلتي مطمئن البال بعـد سويعات من الركض الصامت . لما جاء الصباح اكتشفت ضياع غطائي الذي التحف به ، دُهشت لأن الكلب بالباب كان يعوي كذئب فتي ماهر ! ، لا أعرف من أين أتى اللـص ؟ ، عدتُ إلي ما كنت فيه .
(6)
بغرفتي عدد من الفئران ، كانت قطتي تطاردهم بشراسة ، تفترس وتقتنص بلا هوادة . سمعت هوهوة الكلب خلف أقدام تركض وتبتعد ، فوجئت وأنا علي الأرض أن سريري الذي أنام عليه قد سُرق وضاع . عادت قطتي الأليفة ، لم تمسح رأسها بصدري ووجهي كالعادة ، كانت تتألم وتـ " نوْنوْ " جريحة ، أخيراً نامت بجانبي . كان الكلب يتشمم عند الباب فأدركت عودته ، وإلي سقفي ودوائري اللانهائية عُدت .
(7)
امتلأت الغرفة عن آخرها بالفئران ، هاجمت الفئران قطتي المسكينة الجريحة ، وكانت تستعطفني بموائها الحـاد الحزين .
انقطع حِـس الكلب منذ الصباح .
فوجئت بأنني عاري الجسد ، لقد سُرقت ملابسي دون أن أدري .
التهمت الفئران القطة تماماً بعد أن مزقتها إرباً ..
يا للعجب ! .. رأيتها بأجسامها الرخوة ، أسنانها الدقيقة المنشارية ، آذانها الصغيرة ، أطرافها الرفيعة ، ذيولها الصغيرة .. تقبل نحوي وتخمش لحمي العاري وتنهش جسدي بنهـم وتلــذذ ..
توقفتُ عند إحدى الدوائر وأردت القيام من مرقدي ، تعثرتُ . كانت بالكثرة ـ علي كل جزء من بدني ـ التي لا تمكنني من الدفاع أو حتى الحركة .. أجلتُ بصري ورأيته :
" عدو الشمس " ، بوجهه الأبله يقهقه ضاحكاً ، ويسد بجسده المترهل باب غرفتي ، ويمنع عني النـور والهـواء ..
انطلقت راكضاً ، فوجئت بنفسي علي دائرة أخرى وأنا أتتساءل : هل تأكل الفئران لحم البني آدم ؟! .. وما زلت أفكـر .

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية