أنه هو .....أقسم أنى رأيته بأم عيني قرب الطاحونة القديمة..
نعم ....نعم......أنه هو...... لقد عاد.
كانت هذه الكلمات هي أخر ما تفوه به حلاق القرية قبل أن ينهار لاهثاً من التعب بسبب صعوده التلة .
صرخ في وجه مختار القرية: عمن تتكلم ولماذا الاستغراب يغلف كلماتك؟ أجاب الحلاق: أنه هو أبن الراعي العجوز...لقد عاد أخيراً وبرفقته
صبى صغير أشقر الشعر .
وفجأة وفيما أهل القرية يجتمعون حول الحلاق ليحكى لهم حكايته العجيبة كعادته في سرد الحكايات.
سمعت همهمات العجائز وصراخ الأطفال....هاهو قد أتى.
كان أبن الراعي يضع طفلاً صغيراً لم يتعد التاسعة فوق كتفيه ويصعد التلة بهدوء عجيب وينظر صوب الجمع المحتشد حول الحلاق .
وعندما وصل إليهم أدار بصره جهة الجبل :
" هل ما زال منزلنا القديم في مكانه؟ ماذا حدث للعجوز؟ هل ما زال حياً؟
والأرجوحة ألا تزال في مكانها مربوطة بشجرة التوت القديمة؟
تساؤلات دارت في خاطره .....ولم يستطع طرح أي سؤال لئلا يفاجأ بما لم يحب سماعه.
لمح من بعيد الأرجوحة....لا زالت في مكانها..ليس هذا فحسب ولكنها تبدو جديدة وكان أحداً يوليها عنايته.
لازال يذكر تلك الأهزوجة التي تعلمها من والده وهو يدفع بالأرجوحة عالياً ليطير مرتفعا.
طيري ... طيري.. في السماء .........
حلقي فوق السحاب........................
حراً أبقى.....حراً أغدو...................
مثل أطيار الفضاء.........................
كانت أياماً رائعة.
هل أنت حقاً " مروان"؟ ابن الراعي ؟
أعاده السؤال إلى دنياهم.
نظر إلى الفتاة التي سألت السؤال ..وجدها صغيرة لم يتجاوز
عمرها العشرين عاماً....
كيف لها أن تعرفه وهو قد غادر القرية قبل أن تولد.....لابد أنها
حكايات العجائز.....
الحكايات......آه من الحكايات ......
أنها بداية قصته مع فرقة الغجر وأبنتهم الحسناء التي ذهب ذاك اليوم ليسمع أغانيهم وحكاياتهم....
سمع حكاياتهم .....وأحب أبنتهم .....وعندما رحلوا كان من ضمن الركب يحضن حبيبته بين ذراعيه. تلك الشقراء الرائعة أم طفله " ليث ".
عشرون عاماً مرت وكأنها حلم...طاف فيها بقاع الأرض مع فرقة الغجر وعندما توفيت حبيبته تذكر أنه لم يزر قريته منذ ذاك العهد.
هاهو الشيخ قد حضر وهو سوف يقرر إذا كان هذا أبنه أم شبيه له.
ارتفع صوت المختار وهو يشير إلى عجوز أبيض الشعر ذو نظرات حادة.
أقترب العجوز من الفتى.....ولم ينبس بكلمة....نظر إلى الطفل ومد يده إليه والحنان يشع من عينيه.
أخذ الطفل وأقعده على الأرجوحة..دفعها بهدؤ.. وهو يردد:
طيري ... طيري.. في السماء .........
حلقي فوق السحاب........................
حراً أبقى.....حراً أغدو...................
مثل أطيار الفضاء.........................