هكذا استحالت حواجب الهيئة القضائية (الثلاثية) المشكّلة بموجب النظام، للنظر فيما مآله القطع أو القتل أو الرجم، وهي تنظر القضية بين يديها بعد أن فجّر المتهم القنبـلة، وسكت ليرى آثارها عليهم! الحالة المعروضة بين يدي أصحاب الفضيلة كانت تحكي عن قضية متكاملة الأركان: من ملفات استجواب ، ومحاضر مواجهة ، وتقارير للأدلة الجنائية ، وصحيفة سوابق جُرْمية تُنْبئ عن تأصل للفساد في أنفسهما ، فما بالك بخطف حدث وفعل الفاحشة به بالقوة بعد تهديده: في مثال صارخ على تحدي سلطة الله أولاً ثم نسيج المجتمع المحافظ ثانياً!
ولكن ذلك كله لم يكن شافعاً للحكم بأقصى العقوبات الزاجرة، بل ساير القضاة حكم أسلافهم الذين حكموا على المتهم الرئيسي: مَنْ خَطَطَ وَأَحْكَمَ الجريمة ( فرزت له أوراق ومحاكمة مستقلة) بستة أشهر بالرغم من عدم إلزامية السوابق القضائية للحاكم الشرعي (القاضي) في المملكة العربية السعودية !
بالأمس القريب كشفت شرطة منطقة الرياض ، النقاب عما سكتت عنه مطولاً ، في تحقيق صحفي مسترسل أبانت فيه أن " الشرطة تبحث وتقبض ، والقضاء يجتهد ويُطلـق " !
حجة القضاة في أحكامهم التخفيفية المتساهلة في القضايا الأخلاقية نابعة من تعميم سري ( لوزارة الداخلية ) يحث فيها رجال السلطة القضائية على تخفيف سنوات
الحبس ، وزيادة عدد الجلدات التعزيرية المحكوم بها من أجل تقليص المصروفات !
ولكن هل الأمر كما يُراد لنا أن نتصوره ؟
بلمحة عابرة استقرائية للأحكام الصادرة من أصحاب الفضيلة القضاة يبان لنا :
أن التساهل في القضايا الأخلاقية يقابله تشدد واضح في قضايا العقيده !
فما يحكم فيه بـ 6 أشهر و300 جلدة أخلاقياً ، يقابله على الضفة الأخرى الحكم بأقصى التعزير ( 7 سنوات سجن و3000 آلاف جلده ) وذلك بسبب كلمة عقائدية مُحتَمِلة يطلقها عامي في لحظة غضب!
قديماً قيل بأن
: " العقائد قصة العقول النابهة " والخطأ الفكري لا يزول كما يقول ابن نبي إلا بصدمة فكرية مقابلة تعيد إليه توازنه .. أما المبالغة في إصدار الأحكام التعزيرية في القضايا العقدية سواء في نوعها أو عددها فما يزيدنا غير تتبير !
جرت عادة الغرب على الوقوف دقيقة صمت حداداً على عزيز فُقد ، أو قائدٍ أسِف الناس على فراقه .. وإني لأقف دقائق متصلة ، حداداً على قضاءنا العزيز الذي تساهل في جانب وتشدد في آخر ، دون نظر لمآلات الشريعة وسننها النافذه ؟