أيتها المسكونة في نزق الكلمات أفيقي فظلام الليل طويل..
وأنا لا أملك غير الصمت.!
ماذا أفعل إن أمست أيامي تتخبط بين ظلام الغربة.. خوف وبكاء وعويل.؟
ماذا أفعل إن كانت أحلامي تأبى إلا أن تتعشّق ظلّ الموت..؟
لا تأبه للعمر الأسود، ولا للأيام العجفاء، ولا للتيه في صحراء مجدبة لا تنبت في تربتها وردة..؟ هل تأتين إليّ.؟
نتعلّق طرف غيمة.. وحين تسطع شمس أحد الصباحات تتلاشى الغيمة، وتلقينا في سرداب ليلي لا نخرج منه..
تأتين إليّ... معي.؟
يااااااااااه..!
وأنا في العجز أسابقك الخطوات..
أمشي.. أركض.. تأخذني صيحات البحث عن المجهول، فأكتشف بأنّي ما زلت على القاع أقف..
تأتين إليّ.؟
من أنتِ.؟ من أي سراب جئتٍ.؟ من أي بقاع الأرض أتيتِ.؟
أيقظتِ بأعماقي طفلاً بلغ الرشد لكنّه ما يزال يحبو.. يحلم.. يحسب العمر قضمة سكّر.. أقول له كبرتَ كبرتَ.. ولا يسمع غير نداءات الروح..
وماء الحب على ساقية الأيام يصبّ حلاه..
من أنتِ.؟
سؤال لا يفارق خيالاتي.. هل أقول تعالي.؟ فترفع آهاتي سحر الكلمات وتعلٌّقها على طرف لساني..
آهٍ كم هي مرّة.. مرّة كالعلقم.. أذوّبها بهسيس تصوّري لكلماتك فتنقلب بقدرة ساحر إلى عسل مصفّى..
من أنتِ.؟
وكلما خلوتُ إلى نفسي لا أراك إلا تلك التي أعرفها.. أو التي أحسب أنني أعرفها تضجّ بالحياة..
تسألني رحلة عمرٍ ما عادت ترغب في ركب الأسفار:
من أيقظ في داخلك الطفل الغافي.؟
هل هي نزوات الناس المقهورين.؟
أم هو طيف بريق.؟
أم هي صورة لحبيبة بلون الأرض كامنة في تلافيف حلمك.؟
أعرف أن الليل طويل.. والحزن طويل.. والخوف له زمن أعمق من تاريخ الأرض، وأقسى من دفقة طوفان.. أعرف أني في زمن الخوف أعيش..
هل أكسر أقلامي وأنا العاشق للأرض وللكون وللناس.؟
ماذا أفعل.؟ والصورة في رأسي تأبى أن تخرج من زخرفها.. تبقى قائمة بين الحلم ورفّات الأهداب..
تغفو رعشات الزيتون في عينين ساحرتين.. يتمرّد ذاك الطفل الساكن في أعماقي.. يمتشق صباه..
ويلقى قبضته يمسك بالزيتون الأخضر في زمن لا تتوقف فيه الدائرة عن الدوران..
من أنتِ.؟
تختصرين الرحلة شوطاً لا يرتدّ.. ويبقيني ألهث وراء لقاءات قريبة من ملمس أصابعي.. بعيدة كضياع نورس في عتمة المحيطات..
أيّ قربٍ وأي بعد.؟
أيتها الساكنة في عمرك مثل قضاء العمر.. الزاحفة رغماً عن صلابتي إلى نسيج حياتي..
هل أعشق في نفسي نفسي.. أم أعشق عذاباتي المصهورة في أفران المستحيل.؟
هذا هو.. هذا هو.! المستحيل..!
يصفع غروري.. ويقف على عتبة عمري يسألني:
من أنتَ..؟
تتوارثك الأعوام تباعاً.. هل تبقى فارس كوكبة العشّاق..
أنا فارس الكوكبة أيتها المسكونة في فرحة المجهول..
أنا المعلّق بين السماء والأرض.. أعشق الفضاء ولا أستطيع أن أجد لقدميّ على أرضي موضع..
أعرف أن الحلم بعيد.. والليل طويل.. والعجز يكبّلني بقيود أثقل من ألف قيود تكبّلكِ..
قيد الروح أصعب.!
أعرف أن الحلم بعيد.. والأرض تفور.. تصعد للحلم.. تشق عنان القيد وتسكنني.. وتسكنكِ..
ماذا أفعل.؟
هل أخرج من ثوب حنيني للزيتون الغافي في سحر بريق الدمعة وهي تفرّ إلى شفق النور..
هل أسكت هذا الطفل الخارج كالعملاق يدقّ على أبواب الرعشة ولا يستاف إلا الصدى المعبأ بالصدأ.؟
صديقتي هي ترّهات مجنون في ساعة جنون.!
أنا لا أشكو.. إلا أني حين أضعت حبر العمر على ورق تافه، كان لهاثي دائماً وراء شيء أشبه بالسراب.. شيء أحبّه ويحبني.. شيء لا تمسكه قيود، ولا تحفظه صفحات..
يا غاليتي..
الموت قضاء.. والعجز قضاء.. وولادة الكائنات قضاء.. والحب قضاء.!
هي كلمة صغيرة تقف سنوات الخوف في وجهها كالمتراس.. أقولها بين نفسي وبيني ولا يحاسبني عليها إلا إحساس بلحظةٍ فاجعةٍ تأتي منكِ..
فهل أستطيع أن أراك إلا على الصورة التي أراك..!
صديقتي ما قيمة العمر إذا سال من بين أيدينا ولم نبح ولو همساً بأنبل ما فينا..
هو الخيال يا غاليتي.. هو الأبعد عن التحقق والتحقيق.. هو ما لا أستطيع أن أكون غيره.. ربما من أجل ذلك تفاجؤني الأحداث دائماً وتغلبني.. لكنني لا أشكو..
أعرف أن الليل طويل.. وكلمة "أحبكِ" لو أرادت أن ترى النور فستقتلها عتمة الأحجيات..
لكنني سأقولها بين نفسي وبيني.. ولو ذبحتني نصلتها المثلّمة.. سأظل أقولها..
لأنني إن لم أقلها فلست أنا.. إن لم أقلها فلا تصدقي أي شيء آخر أقوله..
أنتِ...؟ ربما أنتِ..؟ ماء روح يا غالية.. تخفق بين جناحيّ أنثى لا تقف وراء أستارها أستار.. ولا وراء حدودها حدود..
لو أستطيع أن أبوح بما يعتمل به صدري حين يحط بكِ الشوق حلماً على وسادتي.. وحين تتعلّقين سراب خيالاتي.. وحين يبتلّ الزيتون بقطرات الندى..؟
أيتها الغالية..
هو إحساس لن أستطيع الفكاك من أسره..
أعرف أن الليل طويل.. والحلم بعيد.. ولكن..!!!
دعينا نحلم.. فشؤون اليقظة قاتلة..
حتى آخر العمر سأظل أعشق وأرعى ذاك الطفل..
وأنتظر.. هل أسكِنُهُ هدأة البحث..؟

ع.ك

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية