في عام 1961 م. انتقل هاني الطايع إلى دمشق منتسباً فيها إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب، ومنخرطاً في المزيد من نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في العاصمة التي أسرته بعراقتها، ورأى فيها "مركزاً حضارياً متميزاً من مراكز التفاعل العروبي والإسلامي عبر التاريخ"؛ ولقد حدثني الطايع بإجلال كبير عن أساتذته في دمشق أمثال سعيد الأفغاني، أمجد طرابلسي، أديب الصالح، محمد المبارك، وعمر فروخ، معتبراً أن وجوده في هذا الوسط كان بداية خروجه من "قوقعة المحافظة الجانبية الهامشية إلى لبّ النشاط والحركة الثقافية في البلاد".
يتناول هذا البحث مطبعة نابليون التي رافقت الحملة الفرنسية على مصر وأسبقيتها الزمنية، ويبين أنها كانت مطابع ثلاث وليست واحدة، ويحكي عن تنقلات هذه المطابع وما قيل عن نشرها العلم والمعرفة في مصر بعد عصور طويلة من الظلام، ويضمن مقتطفات من منشور حملة نابليون، ويبين مدى حرية الطباعة في مصر أيام الغزو الفرنسي، وأخيراً مصير مطابع نابليون وعلاقتها بمطبعة بولاق.
أسبقيتها الزمنية: مما لا شك فيه أن هذه المطبعة كانت أولى المطابع التي تدخل مصر وذلك عام 1798م.
ولكن العالم العربي عرف المطابع التالية خلال قرنين كاملين قبل وصول هذه المطبعة:
1- 1610م إنشاء المطبعة المارونية لرهبان دير قزحيا وهي المطبعة الأولى في البلاد العربية.وقد طبعت سفر المزامير بعمودين أحدهما بالسريانية، والآخر بالعربية بحروف كرشونية (7). وقد واجهت هذه المطبعة صعوبات ولم تتمكن من الاستمرار في عملها. وبهذه المطبعة بدأت الطباعة في البلدان العربية والإسلامية. (2) وبقيت هذه المطابع تطبع كتباً كنسية وشيئاً يسيراً من الكتب العربية حتى قرب نهاية القرن الثامن عشر.
2- في عام 1702م نقل المطران اثنايوس الثالث دباس مطبعته العربية من بوخارست برومانيا إلى حلب، وذلك بسبب اعتراضات كنسية روما الكاثوليكية على طبع الكتب الأرثوذكسية بالعربية في رومانيا بسبب الخلافات العقائدية بين الكنيستين (وحيد قدورة ص121) من جهة، ووجود جالية مسيحية مهمة بحلب بها الكثير من القرّاء والمتخصصين بمراجعة النصوص العربية. وكانت باكورة أعمالها طبع الإنجيل مع صور والمزامير عام 1706 (فؤاد هلال ونديم فقش ص 305). وقد كانت للمطران دباس فضيلة أنه لم يستعن بعمال أجانب في مطبعته، وإنما استعان بالنابهين من أبناء بلده وطائفته وعلمهم فن الطباعة.
3- عام 1720م انشق عبد الله زاخر عن الكنيسة الأثوذوكسية و ترك حلب عام 1720م، ثم أسس مطبعة في دير يوحنا الصايغ في الشوير بمحافظة كسروان وصنع لها الحروف العربية بنفسه (8)وعبد الزاخر صائغ حلبي ميسور الحال وهو شماس من تلاميذ المطران دباس، عرف بغوتنبرغ الشرق، لما امتاز به من جمال الخط وبراعة نقش وسبك الأحرف . واستمر عمل هذه حتى سنة1900م وما تزال محفوظة في متحف الدير مع نسخة من كتاب "ميزان الزمان" الذي طبعته عام 1734م.
4 - وأخيراً في عام 1751م أنشئت مطبعة القديس جاورجيوس(سان جورج) للروم الارثودكس في بيروت، انشأها الشيخ يونس نقولا جبيلي المشهور بابي عسكر، وأول ما نشرته هذه المطبعة هو كتاب "المزامير" ثم كتاب"السواعية" ثم "الفنادق"(7).وقد استخدمت شكلين جديدين للحروف اكثر جمالا واقرب للخط النسخي في استداراته ابتدعهما عبد الله الزاخر وبذلك أسهم في توسع آفاق الكتاب في الوطن العربي(9). ولا نعرف عن هذه المطبعة إلا النذر اليسير بسبب اختفاء مصادرها إثر زلزال هز المبنى الذي كان يؤيها بدير القديس جاورجيوس عام 1766م. وهي مطبعة للطائفة الأرثوذكسية أراد بها بطريرك أنطاكية " سلفستروس القبرصي" إحياء مشروع المطران دباس في حلب. (قدورة ص125) و (خالد عزب ص 73).
انتاج هذه المطابع ومصيرها:
في حلب: ثمانية كتب (أوعشرة بحسب د. سهيل الملازي 4) من بينها كتابان أعيد طبعهما (1706 -1711م). أهمها كتاب "الصرف والنحو" لجرمانوس فرحات مما ساهم في إحياء اللغة العربية ونشرها بشكل لم يكن متوفراً في عهد الاستنساخ اليدوي( فؤاد هلال ونديم فقش ص 305).
في الشوير: تسعة عشر كتاباً من بينها أحد عشر كتاباً أعيد طبعها (1734- 1787م) وقد لاقى الرهبان اليسوعيون بالشوير صعوبات جمة في ترجمة النصوص الدينية اليوناينة والسريانية والإيطالية للعربية بسبب عدم تضلعهم بالعربية. بينما ألّف عبد الله الزاخر كتاب" البرهان الصريح" بلغة عربية سليمة (قدورة ص 131).
في بيروت: كتابان(1751 – 1766م).
وقد كان لمحدودية النتاج المطبعي من جهة، ومحدودية تصورات المشرفين على النشر العربي دور أساسي في ضعف تأثير المطابع العربية الأولى في الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية بالمشرق.
كما أن الطباعة في عاصمة الخلافة الإسلامية في نفس الفترة اتجهت لخدمة الأغراض السياسية للدولة أكثر مما اتجهت لخدمة الأغراض العلمية .فلم تحقق مطابع الشام وتركيا التأثير والإشعاع اللذين وصلت إليهما المطبعة الأوربية في بدايتها.(وحيد قدورة ص 135) .
وما يزال الغموض يحيط بمصير مطبعة المطران دباس بحلب. وقد تكون الأسباب التي أدّت إلى إهمال "مطبعة دير قزحيا" في لبنان، حيث وجدت في سيل الكتب المجانية المطبوعة في "مطبعة روما" إغناء لها عن بذل المجهود والكلفة في سبيلها؛ هي نفسها التي أدّت إلى إهمال "مطبعة حلب"، فإنّ الكتب المطبوعة في الأفلاق كانت تغدق بسخاء على كنيسة الروم الملكيين في حلب، فما وجدوا حاجة في مطبعة تكلفهم فوق طاقتهم. وهكذا وئدت أولى المطابع العربية المشرقية في مهدها، ولم تجد مناخاً ملائماً للحياة والتطور (سهيل الملازي - حلب وأولى المطابع العربية).
مطبعة نابليون: (3 - خالد عزب)
يرجع ظهور فن الطباعة بمعناه الحديث في مصر إلى عهد الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801م، حين أدرك بونابرت منذ اللحظة التي قرر فيها احتلال مصر أن الدعاية هي السلاح الماضي الذي يكسب به قلوب المصريين، فكان عليه إذن أن يعد العدة لحملة من الدعاية يوطد أركانها بمطبعة يحملها معه لتساعده فيما يرمي إليه.
واهتم بونابرت خاصة برجال المطبعة الجديدة ومعداتها. ففي 16 مارس 1798 اتخذ قرارا بتعبئة كل ما تحتاج إليه الحملة، بما في ذلك تزويد المطبعة التي سيحملها معه بالحروف العربية والتركية والفرنسية واليونانية الموجودة في مطبعة الجمهورية.
انقسمت المطابع الرسمية للحملة إلى شعبتين: شرقية يرأسها إيليا فتح الله من ديار بكر، وفرنسية ويرأسها يوحنا يوسف مارسيل. وأطلق على المطبعة الرسمية بشعبتيها ثلاث أسماء رسمية، فعرفت أثناء إبحارها ب"مطبعة "لجيش البحرية"، فلما وصلت الإسكندرية سميت "المطبعة الشرقية الفرنسية"، وحينما استقرت في القاهرة سميت باسم "المطبعة الأهلية". لكن الناس سموها "المطبعة الجديدة" لأنها وصلت بعد مطبعة مارك أوريل بأشهرMark Aurel بأشهر لحرص نابليون على إبقاء مطبعته في قواعده الخلفية.
كانت المطبعة الرسمية موجودة على ظهر السفينة لوريان " الشرق" التي كانت تقل بونابرت وأركان حربه، ولم يكن وجود المطبعة على نفس سفينة القائد العام أمراً وليد الصدفة، فلقد أمر بونابرت بأن تكون المطبعة بجانبه ليستفيد مها في أي لحظة يشاء، وكذلك أمر بأن تعمل وهي في البحر لتطبع النداء الموجه لشعب مصر، والأمر الموجه للجيش 22 يونيو 1798م.
حملت تلك المطبوعات العبارة التالية: " طبع على ظهر لوريان في مطبعة الجيش البحرية"، هكذا نرى أن عمل تلك المطبعة بدأ قبل نزول الحملة إلى البر، ولم يقتصر نشاطها على إخراج بعض النشرات الفرنسية بل تجاوزها إلى طبع البيان العربي الذي أذاعه قائد الحملة على المصريين.
أما مارك أوريل ومطبعته فقد كان على ظهر الفرقاطة "العدالة La Justice " أحدى سفن الحملة. وقامت بطبع البيان الفرنسي المؤرخ أول يوليو.
وبعد أن تم احتلال الاسكندرية وقبل أن يتم الزحف على القاهرة في7 يونيو أصدر نابليون أمراً بإنزال المطابع الفرنسية والعربية واليونانية إلى البر، وبأن توضع في منزل قنصل البندقية بحيث يمكن الطبع بها في ظرف 48 ساعة. وخرج أول مطبوع في مصر وهو الطبعة الثانية لبيان الحملة المكتوب باللغة العربية والذي تحمل نسخته هذه العبارة: في الإسكندرية من المطبع الشرقية والفرنسية".
ثم رحل نابليون إلى القاهرة تاركاً المطبعة العربية في الإسكندرية حيث قام يوحنا مارسيل بنشر أبجدية عربية وتركية وفارسية طبعها في المطبعة الشرقية الفرنسية، وتمرينات بالعربية الفصحى للمبتدئين، ثم غادر الإسكندرية إلى القاهرة في اكتوبر 1798م.
ظل مقر المطبعة الشرقية بمدينة الإسكندرية إلى نهاية 1798 حيث ظلت هي المطبعة الوحيدة في مصر التي تطبع بالعربية، إذ أن نابليون كان يستخدم مطبعة مارك أوريل في القاهرة للطباعة في اللغة الفرنسية، ويرسل إلى المطبعة الشرقية بالإسكندرية للطباعة باللغة العربية.
حرية الطباعة في مصر على عهد نابليون:
وابتداءاَ من 14 يناير 1799 أصبحت المطابع الثلاث في القاهرة، حيث باع مارك أوريل مطبعته للحكومة الفرنسية. وفي نفس اليوم أصدر نابليون أمراً بتنظيم الطباعة وتعيين المسؤولين عن سياسة المطبوعات فيها، ويتضح لنا من خلال هذا الأمر مدى الرقابة الصارمة والشديدة التي فرضها نابليون على المطبعة بحيث لا تصدر عنها مطبوعات بغير علم القيادة، أو تذيع ما من شأنه أن يمس المظام أو يسيء إلى الرأي العام الفرنسي أو المصري، لذلك كان هذا النظام الشدي أشبه ما يكون بما نعرفه اليوم بنظام الرقابة العامة على المطبوعات أو الرقيب. أما عن مكان المطبعة بالقاهرة فقد كانت دائماً ملازمة لمعسكرات الجيش. وعندما ثارت القاهرة في 1798م نقلت المطبعة إلى الجيزة. ولكنها عادت إلى القاهرة بعد أن أخمدت الثورة، ونقلت في النهاية إلى القلعة لأنها كانت إحدى معسكرات الجيش الفرنسي.
وهكذا نرى أن نابليون كان يقيم لمطبعته وزناً كبيراً، فهو يقيمها في القواعد الخلفية لمعسكرات الجيش، فإن شعر بالخطر بادر لنقلها أبعد ما يمكن عنه، فهو يبقيها في الإسكندرية حتى يستتب له الأمر في القاهرة، ثم يبعدها للجيزة تارة وللإسكندرية تارة أخرى حينما قامت الثورات في القاهرة، فلما هدأت الأمور عاد بها ووضعها في القلعة بالقاهرة وكانت عندئذ أحد معسكرات جيشه. وكانت الطامة الكبرى عند نابليون لو وقعت هذه الطابعة بيد علماء الأزهر وهم طليعة المقاومة التي تواجهه. فقد كان يدرك تماماً أنه بهذه المطبعة يمارس الدجل على الشعب المصري، ولكن نداءاً حقيقياً للجهاد لو طبع على هذه المطبعة لكان كفيلاً بأن يقيم القيامة على رأسه.
ماذا أنتجت مطبعة نابليون؟:
وقد طبعت مطابع الحملة الفرنسية الثلاث خلال فترة بقائها في مصر:
1. الحروف العربية والتركية والفارسية التي تستعملها "المطبعة الشرقية الفرنسية تأليف يوحنا يوسف مارسيل في 16 صفحة من الحجم الصغير.
2- تمارين في المطالعة العربية تأليف نفس الكاتب في 12 صفحة من الحجم الصغير.
3- "البريد المصري Le Courier de l'Egypt" وهي جريدة سياسية فرنسية في أربع صفحات تظهر كل خمسة أيام من مطبعة مارك أوريل.
4- بيان الأحداث التي حدثت في في أوروبا أثناء الأشهر الأربعة الأولى للحملة بالفرنسية.
5- " العشرية المصرية La Decade Egyptienne " وهي صحيفة للآداب والاقتصاد السياسي معدة للظهور كل عشرة أيام.
6- " التقويم السنوي للجمهورية الفرنسية" (خالد عزب ص 80).
7- والى جانب المنشورات والأوامر العسكرية طبعت أمثال لقمان الحكيم وبعض رسائل في النصائح الطبية.
8- طبعت بالعربية والفرنسية والتركية محاكمة سليمان الحلبي (فؤاد هلال ونديم فقش ص 356). وقد عادت المطابع الثلاث لفرنسا مع الحملة عند خروجها من مصر في عام 1801م (محمود الطناحي ص 355).
منشور الحملة: (6)
"بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله ألا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.
من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية. السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرته. يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، ويظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي. فحضر الآن ساعة عقوبتهم. وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الابازة والجراكسة يفسدون في الإقليم الحسن الأحسن. الذي لا يوجد في كرة الأرض كلها. فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انقضاء دولتهم. يا أيها المصريون قد قيل لكم أنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم فذلك كذب صريح فلا تصدقوه".
يعني أن الحملة لم تأت لنشر مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، وحقوق الإنسان، ونشر العلم والمعرفة، وإنما أتت انتقاماً من سوء معاملة التجار الفرنسيين في مصر.
ثم نجد أن البيان يتملق الإسلام ويزعم أن الفرنسيين مسلمون مخلصون، ويذكرنا بعداوة الصليبيين لنا، ويتحبب إلينا بذكر أنه خرّب كرسي البابا، وطرد الكوللرية (الفرسان – les cavaliers) من جزيرة مالطة، هؤلاء الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين.
وقد وصف نابليون نفسه في جزيرة سانت هذا البيان بأنه: "قطعة من الدجل، ولكنه دجل من أعلى طراز". واعترف أنه: "على الإنسان أن يصطنع الدجل في هذه الدنيا، لأنه السبيل الوحيد إلى النجاح". (محمد جلال كشك ص146 نقلاً عنLas Cases 1.504).
المنشور الفرنسي:
أصدر نابليون والبوارج تقترب من الاسكندرية في 28 يوينيو 1978 المنشور التالي:
" أيها الجنود! إنكم موشكون على فتح له آثار بعيدة المدى في حضارة العالم وتجارته. وستطعنون انجلترا طعنة تؤذيها لا محالة في أضعف مواطنها انتظاراً لليوم الذي تسددون فيه إليها الطعنة القاتلة.
"ولن تنقضي على نزولنا البر أيام حتى نقضي على بكوات المماليك الذين لا يراعون غير التجارة الانكليزية، والذين يظلمون تجارنا بمعاكستهم والذين يستبدون بأهل وادي النيل الأشقياء".
والمنشور بعد ذلك يدعو الجنود لاحترام دين البلاد كما يحترمون دين موسى ودين المسيح، ويقنعهم بأن السلب الفردي لا يثرى منه إلا الأقلون بينما يقضي على مواردنا. وهو بذلك يشرح مزايا السلب المنظم الجماعي على مستوى الأمة، بدلاً من السلب الفردي. و لا شك أن الحق مع نابليون في هذا.
ماذا حل بمطبعة نابليون بعد اندحار حملته وخروجها من مصر؟:
من الثابت أن الفرنسيين أخذوا مطبعتهم إلى الإسكندرية بعد الجلاء عن القاهرة (خالد العزب ص81)، ومرت فترة من الزمن –زهاء عشرين سنة- وليس في مصر طباعة ولا مطبعة (محمود محمد الطناحي 11 ص356). فماذا حل بمطابع نابليون؟ إن معاهدة جلاء الفرنسيين عن مصر توحي لنا بأنهم حملوها وما طبعت معهم دون أن يكون تحت يدنا أي مستند يؤكد أو ينفي إعادتها لفرنسا. فالشرط الحادي عشر من المعاهدة ينص على: " جميع حكام السياسة وأرباب الحرف والصنائع وجميع الأشخاص المتعلقة بالفرنساوية يحصل عليهم سوية ما يحصل للعساكر الحربية، وأن حكام السياسة وأرباب العلوم والصنائع يصحبون ويأخذون معهم الأوراق والكتب التي ليست تخصهم فقط بل كل ما يرونه نافعا لهم (وعاء المعرفة – خالد العزب).
مطبعة بولاق:
في عام 1815 أرسل محمد علي شباناً مصريين لإيطاليا لتعلم فن الطباعة، ثم بدأ بناء مطبعة بولاق عام 1819 وأتمه في عام 1821. وظهر أول كتاب مطبوع بها في عام 1822م وكان "قاموس إيطالي – عربي".
وتمثل هذه المطبعة الباب الواسع الذي دخل منه العرب إلى النهضة الحديثة، كما تمثل في الوقت نفسه البعث الحقيقي لتراث الآباء والأجداد. وقد بدأت كمطبعة لجيش محمد علي تطبع العلوم العسكرية والهندسية والبحرية والجغرافية وصناعة الأسلحة والطب البشري والطب البيطري وكل ما يلزم المؤسسة العسكرية. ثم أتى محمد علي بعدها ببعض المطابع التي ألحقها بإدارات الجيش والمدارس العليا. وقد وقع في يدي منها عام 1966 كتاب متوسط الحجم في الطب البيطري مطبوع بإتقان ومليء بالرسوم الإيضاحية الدقيقة لكنني فرّطت فيه لحداثة سني وجهلي بقيمته.
وقد طبعت مطبعة بولاق خلال خمسين عاماً حتى 1872: 603890 كتاباً، والمراد من العدد المذكر النسخ لا الكتب، فإن بعض الكتب في طبعات بولاق يصل إلى عشرين مجلداً مثل كتاب الأغاني الذي طبع سنة 1868 (محمود الطناحي ص 357).
خاتمة:
وهكذا نرى أن "مطبعة نابليون" قد نالت بالانتساب لنابليون شهرة لا تستحقها. فلا هي كانت أول المطابع في الشرق ولا هي طبعت شيئاً يستحق الذكر، وقد عادت -كما أتت- مع الحملة الفرنسية، وأن مصر بقيت عشرين عاماً بعد رحيل الحملة الفرنسية على مصر وليس فيها مطبعة أو طباعة.
_____________________________________________
المراجع:
(1) وحيد قدورة – أوائل المطبوعات العربية في تركيا وبلاد الشام. - ندوة تاريخ الطباعة العربية حتى انتهاء القرن التاسع عشر- مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث – دبي – نشر المجمع الثقافي – أبو ظبي 1996. ط1- ص 109 إلى 140.
(2) "دليل حلب" – دراسات تاريخية واجتماعية واقتصادية – تأليف فؤاد هلال ونديم فقش - الإصدار الخامس عام 2000 – الصفحات من 305 إلى 309.
(3) خلد عزب – وعاء المعرفة : من الحجر إلى النشر الفوري- مكتبة الإسكندرية 2007
(4) د. سهيل الملازي: حلب وأولى المطابع العربية http://www.landcivi.com/new_page_426.htm
(5) د. محمود محمد الطناحي- أوائل المطبوعات العربية في مصر- ندوة تاريخ الطباعة العربية حتى انتهاء القرن التاسع عشر- مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث – دبي – نشر المجمع الثقافي – أبو ظبي 1996.
(6) ودخلت الخيل الأزهر – محمد جلال كشك - دار المعارف بمصر - 1978
(7) تاريخ الطباعة العربية – بواكير المطابع النصرانية في الشرق- موقع المعرفة:
http://www.marefa.org/index.php
(8) الملازي- د.سهيل – حلب و أولى المطابع العربية . بحث منشور في موقع "أرض الحضارات".
http://www.landcivi.com/new_page_426.htm
(9) الكتاب في العالم الاسلامي – جورج عطية ترجمة عبد الستار الحلوجي ص 211 – عالم المعرفة 297 –اكتوبر 2003
كم هي الكتب المنتشرة هنا وهناك التي تتحدث عن قيمة وأهمية الوقت، وكم هي المحاضرات والبرامج التي تحثنا على حسن استغلاله وترشيده؟ وقبل ذلك كله حرضنا الرسول الاكرم على حسن اغتنام الوقت حيث قال: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك).
كـنـز الله في الأرض هو الإنسان الذي خلقه وكرمه ووهبه العقل والتفكير والمشاعر والعواطف، كما انه الثروة الحقيقية للمجتمعات والبلدان لأنه من يتحكم في التطوير والإصلاح والتنمية ودفع عجلة الحياة نحو مسارات النهوض والتقدم. كـنـز الله في الأرض هو الإنسان الذي خلقه وكرمه ووهبه العقل والتفكير والمشاعر والعواطف، كما انه الثروة الحقيقية للمجتمعات والبلدان لأنه من يتحكم في التطوير والإصلاح والتنمية ودفع عجلة الحياة نحو مسارات النهوضوالتقدم.
1- التوكل على الله - سبحانه وتعالى - في كل الأمور؛ {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
2- الإخلاص في العمل؛ فإن الله - تعالى - لا يَقبَل من الأعمال والإنجازات إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم؛ كما قال - تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
3- قيادة النفس للخير، وتزكيتها بطاعة الله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9].
الصفحة 34 من 78